مجس إدارة البنك المركزي عدن (رسمي)
11-04-2024 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في 2 أبريل الجاري، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن قراراً بنقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر من مدينة صنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران، إلى العاصمة عدن.
أمهل مركزي عدن البنوك 60 يوما لتنفيذ القرار، قبل اتخاذ أي إجراءات قانونية بحق المخالفين. وأشار البيان إلى أنَّ الإجراءات التي يفرضها الحوثيون، المصنفون منظمة إرهابية على اللائحة الأمريكية، من شأنها تعطيل العمل بالقوانين المصرفية ومنع المعاملات البنكية، وتدمير مكونات القطاع المصرفي في البلاد.
وأشار البيان إلى أن الخطوة تأتي "بعد سلسلة إجراءات اتخذتها مليشيا الحوثيين من شأنها أن تعرض البنوك والمصارف لمخاطر تجميد حساباتها وإيقاف التعامل معها خارجيا، فضلاً عن قيام المليشيا بإصدار عملات غير قانونية، ومنع البنوك والمصارف والمؤسسات المالية من التعامل بالعملة الوطنية، وإصدار تشريعات غير قانونية".
وفي 30 مارس الماضي، كان فرع البنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين قد أعلن إصدار عملة معدنية جديدة فئة 100 ريال يمني لحل مشكلة التالف من العملة كما جاء في البيان. لاحقا، أعلن البنك المركزي في عدن رفض هذه العملة، كما أدانت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وبعثة الاتحاد الأوروبي، إجراء الحوثيين.
خطوة متوقعة
يرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي الخبير مصطفى نصر أن قرار البنك المركزي بنقل المقرات الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن خطوة متوقعة رغم تأخرها. وأضاف لمركز سوث24: "كان يفترض أن يتم هذا القرار مع نقل البنك المركزي إلى عدن في 2016".
ولفت نصر إلى أن قرار البنك المركزي في عدن "مدفوع بتصعيد البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين بإصدار عملة جديدة فئة (100 ريال يمني) بطريقة أحادية. مضيفًا: "هذه الخطوة تهدف بدرجة رئيسة إلى جس نبض المجتمع الدولي ومعرفة مدى قدرة البنك المركزي في صنعاء على طباعة المزيد من النقود".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنَّ البنك المركزي في صنعاء يحاول جاهداً الحصول على شرعية دولية، وهو ما يفتقر له الحوثيون.
يتفق مع هذا الطرح رئيس مؤسسة الرابطة الاقتصادية، د. حسين الملعسي، الذي يرى أن قرار البنك المركزي في عدن يمثل فصلًا جديدًا من فصول الحرب الاقتصادية بين عدن وصنعاء. وأضاف لمركز سوث24: "القرار من الناحية الفنية هام، لكنه متأخر، ونتائجه وآثاره اقتصاديًا ونقديًا غير واضحة".
ومع ذلك، يؤكد المعلسي على أهمية هذا القرار بالنسبة للحكومة اليمنية، وقال إنه جاء "في توقيت مثالي". مضيفًا: "لقد تم اتخاذه في وقت يعاني فيه بنك صنعاء من أزمة حادة في السيولة المالية وتآكل طبعات العملة اليمنية القديمة، فضلاً عن أنَّه جاء بعد تصنيف جماعة الحوثيين كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة".
وأضاف: "تكمن أهمية هذا القرار أيضاً في الدعم الذي حصل عليه البنك من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أنَّه أول قرار للبنك بعد فترة من المهادنة مع سلطات الحوثيين في صنعاء منذ قرار نقل مقره في العام 2016 إلى عدن".
مصادر مالية لمركز سوث24 ربطت القرارات الأخيرة لمركزي عدن بتدني الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية في حساباته بالخارج، التي لا تتجاوز حاليا 250 مليون دولار، في ظل تأخر تسليم دفعات المنحة السعودية الإماراتية لعام 2022، التي لم يدخل منها حسابات البنك حتى الآن سوى 750 مليون دولار من إجمالي 3 بليون دولار. ومن أجل ذلك لجأ مركزي عدن لإجراءات جديدة لإدارة المعروض النقدي من العملة الأجنبية في السوق المحلي، بما في ذلك من خلال إنشاء الشبكة الموحدّة، التي اعتبرها خبراء خطوة هامة، يستطيع البنك المركزي من خلالها المراقبة الوطيدة لحركة الأموال داخل شركات الصرافة والبنوك.
تطبيق القرار
يقلل أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة عدن د. محمد جمال الشعيبي من توقعاته بإمكانية تطبيق قرار البنك المركزي في عدن بنقل مقرات البنوك. وقال الشعيبي لمركز سوث24: "يفتقر البنك المركزي في عدن إلى القدرة الكبيرة على تنفيذ هذا النوع من القرارات، وهذا هو السبب الأول".
وأضاف: "السبب الآخر، يكمن في أنَّ نسبة كبيرة من أنشطة وعملاء هذه البنوك ومالكيها أيضاً هم من محافظات شمال اليمن، في الوقت الذي يسيطر فيه البنك المركزي في صنعاء على الأرصدة النقدية واحتياطات هذه البنوك، بحيث لا يمكنها السحب منها أو نقلها إلى عدن".
ومع ذلك، يرى الشعيبي أنَّ لدى البنك المركزي عدة مبررات ووسائل تمكنَه من فرض عقوبات على البنوك المخالفة. وأردف: "في حال رفضت البنوك الامتثال للقرار فقد يلجأ البنك إلى سحب تراخيص البنوك وربما إخراجها من نظام السويفت، ولن تكون عندئذٍ قادرة على التواصل مع البنوك الخارجية".
ويرى الخبير الملعسي أنَّ هناك صعوبات وتحديات كبيرة قد تعيق تطبيق القرار، لكن ذلك ليس مستحيلًا. لافتًا إلى أنّ بعض البنوك قد بدأت بالفعل في نقل مقراتها الرئيسية بسبب قرار سلطات صنعاء بحظر نشاط البنوك التجارية.
وأضاف: "بالتالي فسوف تنقل بعض البنوك مقراتها إلى عدن والبعض الآخر قد لا يستطيع لأسباب موضوعية. أيضا قد تحدث تطورات متسارعة في عملية إحلال السلام تجعل نقل مقرات بعض البنوك غير محتملة".
ويؤكد مصطفى نصر أنّه ليس من السهل تنفيذ القرار على المدى القصير، موضحًا أنه "يجب التفريق بين نقل عمليات البنوك ونقل مراكزها الرئيسية". وأضاف: "نقل العمليات ممكن خلال فترات قصيرة، بينما نقل مراكز البنوك إلى عدن يتطلب وقتًا طويلًا قد يصل إلى نحو عام".
موقف الحوثيين
نظرا للتداعيات الاقتصادية المتوقعة عليهم، ندد الحوثيون بقرار البنك المركزي في عدن. ووصف عضو الفريق السياسي للجماعة عبد الملك العجري الخطوة بـ "التصعيد"، زاعمًا بوجود ضغط أمريكي هدفه التأثير على عمليات الحوثيين العسكرية البحرية.
وقال على منصة إكس: "على الجهات الحريصة على السلام وخارطة الطريق وبالذات السعودية باعتبارها الطرف الأساسي فيها أن تضع حدا لهذا العبث". بالمثل، طالب نائب وزير خارجية الحوثيين حسين العزي الرياض بالتدخل ووقف قرار البنك المركزي في عدن. كما اتهم أيضًا الولايات المتحدة بالوقوف خلفه.
وبشأن ما يمكن للحوثيين فعله لمواجهة قرار البنك المركزي في عدن، قال مصطفى نصر: "من الواضح أنَّ البنك المركزي في صنعاء سيرفض القرار، وقد يهدد بتدمير البنوك التي تقبل الانتقال إلى عدن، كما سوف يسعى الاستحواذ على هذه البنوك بشكل كامل".
وأضاف: "تشعر جماعة الحوثيين بالقوة في ظل الظروف السياسية والإقليمية الراهنة، خاصةً مع هجماتهم في البحر الأحمر وسيطرتهم على المقومات الاقتصادية للبلد، في ظل توقف الصادرات النفطية. كل هذه العوامل تعطيهم الشعور بأنهم خرجوا منتصرين، وبالتالي يريدون أن يفرضوا شروطهم".
ولا يستبعد حسين الملعسي أنّ يستخدم الحوثيون كل الوسائل بما فيها القوة العسكرية لإعاقة تنفيذ هذا القرار. وأشار إلى أنّ تأثير القرار على بنك صنعاء سيكون خطيراً ويهدد سلطات الأمر الواقع الحوثية بخطوات لاحقة ستؤثر على شبكات الموارد المالية لهم بشكل فعّال.
لكن محمد الشعيبي يرى عكس ذلك، لافتًا إلى أنه "ليس أمام مركزي صنعاء من خيارات غير الامتثال لقرارات مركزي عدن، أو استخدام قنوات غير رسمية لممارسة تحويل الأموال من والى صنعاء". مضيفًا: "في حال حصل ذلك، سوف تتضاعف حدة المخاطر المالية، وسوف يزيد انهيار أسعار الصرف مهما حاولت سلطات الحوثيين تثبيته في الأسواق".
ورغم ذلك، يتوقع الشعيبي أن تلعب الوساطات المحلية والخارجية دوراً للحد من تداعيات هذا القرار.
وحتى الآن، ليس من الواضح مدى استجابة البنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر لقرار البنك المركزي في عدن. كما أن احتمالية عودة التقدم في المسار السياسي إذا انتهت الاضطرابات في البحر الأحمر وخليج عدن بسبب تصعيد الحوثيين، قد تدفع بتغيرات جديدة خلال فترة الستين يومًا تلغي أو تجمَد هذا الإجراء تحت أي يافطة اقتصادية أو إنسانية.
لكن على المستوى الاستراتيجي، يعد هذا القرار إذا تم إنفاذه ضربة قاصمة للحوثيين. كما أنه سيمثل إجراء نوعيًا من الحكومة المعترف بها دوليًا التي سمح ضعفها تارة، وانحراف بوصلة بعض أطرافها تارة أخرى، بملء الحوثيين لفراغات اقتصادية بالغة الأهمية من بينها قطاع الاتصالات والإنترنت، وقطاعات أخرى.