أحد الحقول المائية بمنطقة بئر ناصر بلحج (سوث24)
03-07-2022 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد اللطيف سالمين
منذ عام 2006، بدأت عملية الزحف والتوسع العشوائي في أراضي حقول "بئر ناصر" و"المناصرة" التي تزود العاصمة عدن بالمياه. لقد بدأ الأمر بمساحة شاسعة بجانب البئر رقم 28، حتى طال كلا من المساحة القريبة من الآبار رقم 49 و14 في محافظة لحج؛ وهي من ضمن الآبار التي تغذي محافظتي عدن ولحج بالمياه، وتضم نحو 50 بئراً جوفية [ارتواز].
وتُعرف منطقة بئر ناصر بكونها حوض مائي تعادل مساحته نحو 2.4 كيلو متر مربع، يغذي محافظة عدن بصورة رئيسية بالمياه بنحو النصف من استهلاك المياه اليومي، إضافة لمناطق من محافظة لحج. [1] وتواجه حقول آبار المياه المركزية في المنطقة خطر التلوث بفعل تسرب مياه الصرف الصحي من الحفر الراشحة "البيارات" التي يشهد حرم الحقول ازديادا في أعدادها لاسيما مع توافد النازحين إلى المخيمات المُنشأة هناك.
بداية الزحف العشوائي
في 2006، قام عدد من الباسطين بالسيطرة على مساحات شاسعة من حرم حقل بئر ناصر والمتاجرة بها. وبعد سحب العلامات التي تحدد الحرم، تعرضت مساحات الأحواض المائية في المنطقة لموجة كبيرة من البسط. خلال عام واحد فقط، قُدر عدد المساكن التي بنيت هناك بأكثر من 500. [2]
كما يقطن سكان محليون في بعض هذه المساكن منذ ذلك العام في أحياء غير حضرية ولا تتمتع بأي مقومات حقيقية من بنى تحتية. يُطلق على هذه المساكن شديدة التواضع بـ "العشش". ما زالت الأسر هناك تستعين بالحطب لطهي الطعام؛ والخلاء لقضاء الحاجة. كما يعملون في رعي الأغنام.
وفي حديث لـ "سوث24"، كشف أحد السكان هناك كيف حصل على أرضيه لبناء منزله. وقال: "أنا أحد أقدم من سكنوا هذه المنطقة. لقد قدمت من محافظة الحديدة [شمال اليمن] قبل أكثر من 11 عاماً واشتريت أرضاً في منطقة (البيطرة) من قبل اثنين من عُقال [سماسرة] المنطقة". وذكر الشخص لـ "سوث24" أسماء الشخصين.
وأضاف: "لم أكن أعرف أن الأرض التي قمت بشرائها وبنيت عليها منزلي تختص بحرم حقول آبار المياه. أتمنى أن يتم وضع حل جذري للمشكلة دون الإضرار بنا. لينقلونا إلى أي مكان أستطيع العيش فيه أنا وأسرتي".
العودة إلى الواجهة
مع مطلع الأسبوع الثاني في يونيو الماضي، قال مركز دراسات محلي إنَّه نفذ نزولا ميدانيا لحقول المياه في بئر ناصر بمديرية تبن بمحافظة لحج. ونقل المركز تصريحاً رسمياً عن المهندس غسان ماطر، مدير الحقول، أشار فيه لتعرض ثلاث آبار في الحقل [14، 49، 28] للتلوث نتيجة اختلاط مياه الصرف الصحي بمياه الشرب.
وفي نزول ميداني نفذه مركز سوث24 لتقصي الحقائق، تم تفقد الجانب الشرقي من حقول بئر المناصرة الذي توجد فيه هذه الآبار. نفى المسؤولون عن الحقل رصد أي تلوث، ونفى مدير الحقول المهندس ماطر في تصريح رسمي لـ "سوث24" التصريحات التي نٌسبت إليه. وقال: "تصريحي تمت إساءة فهمه. لم نرصد أي تلوث فعلي حتّى اللحظة".
وأضاف: "المؤشرات الناتجة عن الفحص المخبري لآبار المياه، التي يجريها المركز نهاية كل أسبوع من قبل فريق المياه والبيئة تدل حالياً على عدم وجود أي تلوث في الآبار". وقدم شرحا وافيا لأبرز المشكلات التي تعاني منها حقول المياه في بئر ناصر في السنوات الأخيرة من عبث خصوصا بعد السماح بإنشاء مخيم يضم مئات الأسر النازحة، وافتقاره لقنوات تصريف لمياه الصرف الصحي، واتخاذ النازحين اتجاه البئر كحمام لقضاء الحاجة داخل الحقول.
وأشار غسان إلى أن "عملية التوسع في الحفر العشوائي لبيارات الصرف الصحي، ونتيجة لعدم وجود مشروع تصريف صحي، قد ينتج عنها مستقبلا تلوث للحقل، بسبب زيادة التوسع العمراني، ومخيمات النازحين التي تضم حوالي 600 أسرة."
وأردف: "الجهة الغربية من الحقل، مازالت سليمة حتى اللحظة ولا يوجد فيها أي توسع عمراني أو انتهاكات، ونحن هنا الآن كما ترى، في الجهة الشرقية للحقل والتي تعد أطرافها مهددة بالتلوث، فيها ثلاث آبار تعد الأكثر عرضة للتلوث بسبب تسيب الوضع."
ناقوس الخطر
أثناء جولة سوث24 الميدانية في حقل بئر ناصر، رصدنا كميات من القمامة منتشرة بجانب أحد الآبار مما يشكل خطر تلوث مباشر. نفايات كثيرة يتم رميها في قلب الحرم الذي يقع بداخله الحقل.
نفايات بحقل بئر ناصر المائي بلحج (سوث24)
"تم إطلاق تحذيرات سابقة من كارثة وشيكة بخصوص هذا"، قال مدير أمن الحقول أحمد نضال لـ "سوث24". "مخيم النازحين موجود منذ ما يزيد عن أربع سنوات. كل شخص من هؤلاء النازحين يتسبب في مجيء شخص آخر".
وكشف نضال عن "انتشار عملية حفر الآبار الجوفية في مناطق حرم الحوض المائي وسرقة الكابلات المشغلة للآبار ومحولات كهرباء الآبار." وأضاف: "الربط العشوائي من خطوط الآبار كلها مشاكل نصادفها بشكل يومي ويتم متابعتها بشكل يومي مع عمليات محافظة عدن ومع الجهات الأمنية وجميعها مشاكل خطيرة تهدد الأمن المائي في عدن ولحج".
وفي ذات السياق قال د. حسين مثنى العاقل، الخبير البيولوجي وأستاذ الهيدروجغرافيا المشارك بكلية التربية - صبر جامعة عدن، "إنَّ الخطر لا يقتصر على كارثة استنزاف المياه الجوفية في الحقول المنتجة لتزويد سكان العاصمة عدن بمياه الشرب فحسب. قضية التجمعات السكانية العشوائية للنازحين وغيرهم، هي قضية رأي عام باعتبار هذه التجمعات عمل ممنهج وسلوك مقصود؛ بل ومُخطط له يهدف إلى تلويث المياه الجوفية وتحويلها إلى مياه غير صالحة للشرب والاستخدام المنزلي، بما يهدد الحياة السكانية لمواطني مدينة عدن على وجه الخصوص".
مخيم للنازحين وسط حقل بئر ناصر المائي بلحج (سوث24)
خطر داهم
وفي حديثه لـ "سوث24"، قال مدير أمن حقول بئر ناصر إنَّهم أعلنوا حالة الاستنفار "جرّاء الخطر الذي يهدد الحقول بعد تجاوز عمليات التوسع والبناء مواقع قريبة من حرم الحقل". وقال: "هذا يشكل تهديدا بيئيا قد يؤدي خلال فترات قادمة إلى حدوث تلوث داخل حقل المياه في حال توسعها وانتشارها دون أن تتخذ السلطات في عدن ولحج إجراءات لحماية الحقل".
وحول هذا، قال الخبير العاقل: "دراسات لا تحصى قدمت إلى الجهات المعنية في المؤسسة العامة للمياه في محافظتي عدن ولحج أثبتت الخطر الذي تشكله 8 مجموعات من النازحين.. في منطقة بئر ناصر على الحقول المياه بسبب طريقة تصريف الفضلات إلى الأرض واختلاطها بمياه الآبار. إلا أنّها لا تجد الاهتمام المسؤول والتحرك العاجل من قبل الجهات المختصة والمعنية بحماية الأحواض المائية."
وتابع: "تشير العديد من البحوث والدراسات إلى أن هناك مؤشرات أنّ سكان عدن يواجهون خطر الحرمان من تموينات المياه إلى درجة قد تصل فيها حصة الفرد إلى أقل من 83 متر مكعب في السنة، وهذا الخطر المحدق يعيشه ويعاني منه اليوم غالبية سكان مديريات محافظة عدن."
وأضاف الخبير: "بحسب المعلومات المتاحة فإنَّ الحوض الرسوبي للمياه الجوفية في حقل بئر ناصر قد زاد معدل انخفاض منسوب المياه الجوفية فيه نتيجة الاستخراج الجائر. لقد وصل مستوى عمق الآبار إلى أكثر من 350 مترا".
مخيم للنازحين وسط حقل بئر ناصر المائي بلحج (سوث24)
عبث منظم
بحسب إفادة أحد الفنيين المختصين بالمياه، "ترجع أسباب التوسع العمراني في المناطق المائية خلال الأعوام الماضية الى سلبية قسم المخالفات في أراضي وعقارات الدولة الذي لا يقوم بواجبه".
وقال المختص، الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه، لـ سوث24: "من يقومون ببيع الأراضي لا يمتلكون الوثائق الرسمية التي تدل على أحقيتهم في امتلاك هذه الأراضي، ومن يقومون بالشراء يستغلون وضع اللادولة".
وطالب الفني الجهات الرسمية بالإسراع في "إيقاف الاعتداءات ووضع حد للعبث الذي حدث ويحدث في حرم الآبار المائية قبل أن تحدث الكارثة التي يخشاها الجميع".
وفي وقت سابق من العام 2017، قال تقرير للهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني بمحافظة لحج، إن "انتشار التجمعات السكانية العشوائية يأتي نتيجة طبيعية لاستمرار الادعاءات والاعتداءات والتصرفات بالأراضي دون أي مقاييس". [3]
غياب الضوابط الأمنية
وعبرت إدارة الحقول في بئر ناصر والمناصرة عن محدودية إمكانياتها الأمنية، وصلاحياتها التي وصفتها بأنَّها "مجرد حبر على ورق".
وذكر المدير ماطر جملة من "الانتهاكات الأمنية التي يجب منعها، كمرور المواطنين أو الدواب بجانب أو بداخل حرم الحقول. وأضاف: "من الضروري تجريم هذه الأفعال بجانب الحرم وحصر دخول المنطقة بالمختصين فقط".
وتابع: "الحقول معرضة دائما للسرقة، ونحن نعاني من هذا الموضوع منذ سنوات، وتمكنا من القبض على شبكة اللصوص. قبل أسبوعين تم القبض على بعض المتهمين بالسرقة، وتم تسليمهم لإدارة أمن لحج." وأضاف: "هذه من ضمن أصعب المشاكل التي تواجهنا. كما تتعرض بعض الآبار لخطر الاحتراق وقد حدث أن خرج خط بأكمله مكون من ثماني آبار بسبب المواطنين."
وحمل ماطر، إدارتي أمن لحج وعدن المسؤولية عن غياب الضوابط الأمنية والسماح ببناء مخيم للنازحين في حقول المياه التي تغذّي المحافظتين.
وقال مدير أمن الحقول أحمد نضال: "تواصلنا مع جهات عدة مثل إدارة أمن عدن ولحج، وقدم المدير السابق أوراق رسمية تشكو البسط العمراني والنازحين وتحذر من كارثة بيئية تهدد حقول مياه الشرب التي تغذي عدن. لم يتجاوب معنا أحد."
عبد اللطيف سالمين: صحفي محلي