وكالة سبأ الحكومية
06-03-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
في 1 مارس الجاري، وصل عضو المجلس الرئاسي اليمني العميد طارق صالح إلى مدينة تعز لأول مرة منذ اندلاع الأزمة. والتقى صالح، الذي يقود "المقاومة الوطنية" في المخا والساحل الغربي، قيادات محور تعز ومحافظ المحافظة واللجنة الأمنية.
مثَّلت الزيارة إلى المدينة التي يهيمن عليها حزب الإصلاح الإسلامي [الإخوان المسلمين] والحوثيون خطوة متقدمة تباينت الآراء والمواقف حولها، وردَّ عليها البعض بالرصاص واقتحام المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في تعز بعد 3 أيام فقط من الزيارة.
ونقلت وكالة الأنباء "سبأ" عن طارق صالح خطابًا تصالحيًا أمام قيادة تعز، دعا فيه إلى توحيد الصفوف وترك المعارك الجانبية، لافتًا إلى مكانة تعز الثورية، المدينة ذاتها التي تصدَّرت ما عُرف بـ "ثورة الشباب" ضد عمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح في 2011.
وقال صالح: "لا بد أن يتعاون ويتكاتف الجميع [..] فالمليشيات الحوثية تكره تعز وتحاصرها عسكريًا وسياسيا واقتصاديًا واجتماعيًا لإدراكها أنَّ تعز هي الثورة والحرية وأنَّ التحرير لا يبدأ إلا من تعز"، طبقًا لـ "سبأ".
وفي الوقت الذي نظر فيه الكثيرون بإيجابية نحو هذه الزيارة وهذا التقارب وما قد يشكله من اصطفاف ضد الحوثيين، هاجم آخرون منتمون لحزب الإصلاح طارق صالح وأعادوا التذكير بأدواره السابقة ضمن تحالف الحوثيين والمؤتمر.
وفي 4 مارس الجاري، اقتحم مسلحون مقر المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في تعز. ووفقًا لمصادر صحفية، قام عدد من الأفراد بقيادة العقيد عبد الحكيم الشجاع، أحد القادة العسكريين الموالين للإصلاح، بإطلاق النار على المقر وإغلاقه.
وزعمت مواقع إخبارية ممَّولة من حزب الإصلاح أنَّ الاقتحام تمَّ على خلفية مقتل أحد الأشخاص من أبناء منطقة "صبر" بتعز في مدينة المخا الساحلية التي تسيطر عليها قوات طارق صالح. وفي بيان رسمي، أدان فرع الإصلاح في تعز الواقعة.
وقال الحزب في بيان له: "ندين اقتحام مقر المكتب السياسي للمقاومة الوطنية بتعز، من قبل بعض الأفراد. إنَّ اقتحام مقرات الأحزاب والكيانات السياسية عملية مدانة ومرفوضة، وتعتبر اعتداء على العمل السياسي في المحافظة."
وأضاف: "ندين توظيف هذا الاعتداء من قبل مدمني تسميم الأجواء وإثارة الأحقاد، واستغلاله لما يخدم أغراضهم ويضر بهدف الاصطفاف الواسع الذي أخذ خطواته نحو مواجهة المشروع الظلامي للكهنوت المدعوم من إيران."
ودعا حزب الإصلاح الجهات الأمنية إلى اتخاذ الإجراءات. كما أدانت أطراف أخرى الهجوم، مثل التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بمحافظة تعز الذي وصف الحادث بـ "الجبان والمحاولة لضرب الاصطفاف وتوافق مكونات الشرعية."
ونشر نائب وزير خارجية الحوثيين في صنعاء، حسين العزي، صورة للمقر في حسابه على تويتر مع عبارة: "مغلق حتى إشعار آخر". وذهب القيادي البارز في الجماعة محمد البخيتي إلى ربط زيارة طارق صالح إلى تعز بتوسيع نفوذ إسرائيل في باب المندب.
أهداف الزيارة
احتفظت أسرة الرئيس صالح بنفوذ قوي في محافظة تعز ذات الكثافة السكانية الكبيرة طوال عقدين من الزمان، إلى جانب حزب الإصلاح، قبل أن يستفرد الأخير بأجزاء كبيرة من المحافظة أعقاب 2011 وصولاً إلى حرب 2015 وتقاسم المحافظة مع الحوثيين وقوات صالح.
وبعد مقتل الرئيس صالح في ديسمبر 2017، وخروج العميد طارق صالح من صنعاء باتجاه جنوب اليمن، تركز نفوذ القائد الشمالي بدعم من الإمارات في مدينة المخا التابعة لتعز ومناطق مُتعدَّدة من الساحل الغربي، بعد إعادة تجميع عناصر من الحرس الجمهوري.
وطوال السنوات الماضية، بقيت مدينة تعز [الجزء المحسوب على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا] والأرياف المجاورة لها خارج نفوذ مكون "المقاومة الوطنية"، لصالح حزب الإصلاح الذي يعتبر المدينة معقلا رئيسيًا وأخيرا له في شمال اليمن إلى جانب مدينة مأرب.
ومع تسمية طارق صالح عضوا للمجلس الرئاسي في اليمن في أبريل 2022، بدأ الرجل بممارسة صلاحيات واسعة في إطار المظلة الشرعية الجديدة، مع سيطرة أقل على الأرض، وهو ما يدفع بزيادة النفوذ إلى واجهة الأهداف المُحتملة من الزيارة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي الجنوبي صلاح السقلدي لـ "سوث24": "زيارة طارق صالح إلى تعز هي محاولة لتمدد نفوذه بالعمق الداخلي للمحافظة وعدم إفساح المجال هناك لحزب الإصلاح كليًا."
وأضاف: "هناك تقاسم للمناطق الشمالية التي تم انتزاعها من يد الحوثيين. يبدو أنَّ التحالف بقيادة السعودية يطبق فكرة الأقاليم وفقا لما هو قائم على الأرض؛ فهو يخطط لإقامة إقليم في تعز أو ما يسميه البعض إقليم الجند يكون النصيب الأكبر فيه للمؤتمر الشعبي العام."
وأردف: "مقابل ذلك، سوف يتم ترك مدينة مأرب وغيرها من المناطق غير الخاضعة للحوثيين بتلك المحافظة تحت سيطرة حزب الإصلاح ليؤسس بها نواة إقليم سبأ المزعوم." ولفت السقلدي إلى القيادات السعودية التي التقت بطارق صالح مؤخراً في المخا.
ويعتقد رئيس مركز جهود للدراسات، عبد الستار الشميري، أنَّ زيارة طارق صالح إلى تعز "لها أهمية كبيرة." وأضاف لـ "سوث24": "أولاً، الزيارة تحاول تخفيف سطوة وسيطرة حزب الإصلاح على مدينة تعز بطريقة فجة مع تصاعد صوت الغضب الشعبي تجاه القمع والجريمة."
وأردف: "من ناحية ثانية، الزيارة تأتي لترميم الفجوات وضمن محاولات توحيد المؤسسة العسكرية، وإدخال شيء للسكان من الخدمات المفقودة عبر دول التحالف لاسيَّما الإمارات التي دشنت كثيرا من الأعمال التنموية في المخا وطريق الكدحة ودعمت مشاريع المياه الأخيرة."
ويرى الشميري أنَّ تحركات طارق صالح في تعز "ستكون مشوبة بالحذر لأنَّ الذهاب إلى الإخوان المسلمين يحتاج إلى كثير من الاستعداد والتفاهم معهم حول آليات العمل وطريقة الأداء وإقناعهم بالمشاركة."
وكانت القيادية البارزة في حزب الإصلاح المقيمة في تركيا، توكل كرمان، قد دعت عقب زيارة طارق صالح إلى تعز إلى إنزال عقوبات عليه بسبب ما قالت إنَّها "مجازر ضد المدنيين"، طبقًا لقناة بلقيس المملوكة لها.
في المقابل، قال رئيس المكتب السياسي للإصلاح في تعز عبد الملك المقرمي: "نحن نعوَّل على مثل هذه الزيارات في وحدة الصف واتحاد الكلمة. مثل هذه الزيارات لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي نريدها أن تعمل بصف واحد وبجهود متلاحمة مع رئيس المجلس."
وفي هذا الصدد، يعتقد الصحفي المقيم في تعز يعقوب العتواني أنَّ تحركات طارق صالح لا تنفصل عن بقية التحركات لتوحيد معسكر الشرعية اليمنية بقيادة المجلس الرئاسي. وقال لـ "سوث24": "هناك تحركات منذ عام لتوحيد الصف ضد الحوثيين."
وأضاف: "لكن هناك خصوصية أكبر للتقارب الحاصل بين محور تعز العسكري وألوية حراس الجمهورية، حيث يتقاسم الطرفان السيطرة على المديريات المُحرَّرة من تعز، وفي أقرب وقت قد يجدان نفسيهما هدفا لهجوم حوثي جديد."
تكرار الأخطاء
شكل حزبا المؤتمر والإصلاح بعد توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في 1990 واجتياح جنوب اليمن في 1994 تحالفا كانت أرضيته المشتركة السلطة التي اعتبرها الجنوبيون "احتلالا"، والتي تفككت لاحقاً وتوجت بانقلاب الإصلاح وتزعمه انتفاضة شعبية في 2011 ضدَّ الرئيس الراحل علي صالح.
خلقت تحالفات المصلحة والنفوذ هذه مزاجًا جنوبيًا حذرًا ومشككًا من أي تقارب شمالي على اعتبار أنَّ استمرار الوحدة بأي شكل من الأشكال لايزال ضمن الأهداف الرئيسية للقوى الشمالية على اختلافها، بما في ذلك الحوثيين.
وعزَّز من ذلك لقاء طارق صالح الأخير بشخصيات مشبوهة، مثل القيادي البارز في حزب الإصلاح ومستشار قائد محور تعز العسكري، عبده فرحان المخلافي [الملقب بسالم]، الذي دعم تواجد قائد لواء النقل اليمني الفار من عدن في 2019، أمجد خالد، في مدينة التربة بتعز.
مُتعلق: خلايا الاغتيال القادمة من تعز: كيف سيعالج المجلس الرئاسي هذا الملف؟
ويرى المحلل السياسي الجنوبي صلاح السقلدي أنَّ زيارة طارق صالح إلى تعز "تندرج في إطار الاصطفاف الشمالي منذ 1994." وأضاف لـ "سوث24": "كل القوى الشمالية على اختلافاتها الإيدلوجية واحتدام تنافسها على السلطة والثروة والنفوذ إلا أنَّها على قلب رجل واحد حين يتعلَّق الأمر بالجنوب."
وأشار السقلدي إلى أنَّ طارق صالح "يتحرك في عمق تعز باسم المجلس الرئاسي"، وزعم أنَّ القوى الشمالية اليوم ضمن إطار هذا المجلس "تستغل الدعم الإقليمي لتعزيز سياستها الجديدة القديمة التي تركز على الجنوب"، حدَّ تعبيره.
لكنَّ عبد الستار الشميري يرى أنَّ الحديث عن تحالف بين مؤتمر طارق صالح والإصلاح غير دقيق. وأضاف: "هذا ليس تحالفاً أكثر مما هو محاولة توحيد للجهود بالحد المعقول أو بالحد الأدنى هو أمر تقتضيه الضرورة ومواجهة الحوثيين."
وأردف: "الحوثيون يحاولون إسقاط ما تبقى للشرعية في تعز بأيديهم."
وبالنسبة ليعقوب العتواني، فإنَّ الخلافات وأزمة الثقة بين مكون طارق صالح وقيادة تعز أكبر من أن ترممها الخطابات والتصريحات التوافقية المتبادلة. وأضاف: "هناك الكثير من العقبات بالتأكيد، أبرزها أزمة ثقة ضاربة الجذور. التفاهم وترميم الثقة يستلزم شفافية أكبر، مما يمنح ضمانات فعلية قبل الدخول في مرحلة التنسيق الأمني."