صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون باتجاه إسرائيل وفقا لإعلام الجماعة، 01 نوفمبر 2023 (اقتطاع: مركز سوث24)
01-11-2023 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
بالرغم من الهجمات الأخيرة، لا يبدو الحوثيون مهتمين بالمشاركة بشكل مباشر في الصراع، إذ أن هجماتهم في أكثر الأحيان رمزية ولا تمثل تهديدا أمنيا خطيرا لإسرائيل.
مركز سوث24 | د. مارتا فورلان
بعد ثلاثة أيام من بدء الصراع بين إسرائيل وحماس في أعقاب الهجوم المفاجئ وغير المتوقع الذي شنته الأخيرة، حذر زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي من أن جماعته مستعدة للتدخل في الحرب جنبا إلى جنب مع وكلاء إيران في المنطقة باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ حال أي تدخل أمريكي في غزة.
في 19 أكتوبر، قامت "يو إس إس كارني"، مدمرة الصواريخ الموجهة التابعة للبحرية الأمريكية في شمال البحر الأحمر، بإسقاط 4 صواريخ والعديد من الطائرات المسيرة التي أُطلقت من منطقة يمنية خاضعة للحوثيين. وعلاوة على ذلك، أفادت تقارير أن المملكة السعودية اعترضت 5 صواريخ. ووفقا للبنتاجون، فإن طاقم المدمرة الأمريكية لم يبلغ عن أي أضرار جراء الهجوم الذي لم يتبناه الحوثيون.
في 27 أكتوبر، أحدثت طائرات مسيرة انفجارات في مدينتي طابا ونويبع المصريتين اللتين تطلان على البحر الأحمر، و القريبتين من الحدود الإسرائيلية. وتعد المدينتان الواجهة المفضلة للإسرائيليين لقضاء العطلات في أوقات السلام. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن الحوثيين المدعومين من إيران أطلقوا الطائرات المسيرة والصواريخ بهدف إلحاق الأذى بإسرائيل.
في 31 أكتوبر، حدثت واقعة ثالثة من هذا القبيل حينما أرسل الحوثيون صاروخًا باتجاه إيلات في جنوب إسرائيل. وأدى ذلك إلى إطلاق صفارات الإنذار في المدينة، وهرع سكانها للبحث عن ملجأ يحميهم. وقال الجيش الإسرائيلي إنه استخدم منظومة الدفاع الجوي "السهم" لاعتراض صاروخ أرض أرض في البحر الأحمر بعد إطلاقه صوب مناطق إسرائيلية.
في أعقاب ذلك، قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع إن الحركة أطلقت دفعة كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة نحو إسرائيل. وأضاف أن العملية هي الثالثة التي تستهدف إسرائيل، مهددًا بتنفيذ المزيد من الضربات النوعية باستخدام ذات الأسلحة حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
ومن أجل فهم طبيعة الهجمات التي نفذها الحوثيون ضد إسرائيل، يحتاج المرء إلى وضع هذا في سياق علاقات الحركة اليمنية مع إيران ومكانتها داخل ما يسمى "محور المقاومة" الذي تقوده "طهران.
نظرة في العلاقات الحوثية الإيرانية
بينما تعود العلاقات بين إيران والحوثيين إلى 2009، كان عام 2015 هو بداية وضع إيران اهتمامًا أكبر بالحركة اليمنية. في الحقيقة، قام الحوثيون بغزو صنعاء في سبتمبر 2014 مما أدى إلى حالة من القلق السعودي المتزايد بشأن التطورات في اليمن للحد الذي دفعها للتدخل العسكري في مارس 2015. وانتهزت إيران تلك الفرصة لدعم الحوثيين لممارسة ضغط وتهديد غير مباشرين ضد المملكة، بالإضافة إلى مد نطاق نفوذ طهران في منطقة البحر الأحمر البحرية ذات الأهمية الاستراتيجية الهائلة.
زودت إيران الحوثيين بالأسلحة وأجزاءها بالإضافة إلى التدريب العسكري، لا سيما عن طريق "فيلق القدس" التابع لـ "الحرس الثوري الإسلامي" وكذلك حزب الله كجزء من الدعم للحركة اليمنية. على مر السنين، برزت العلاقات بين حزب الله والحوثيين حيث زادت وتيرة تعاون الحركتين في تهريب الأسلحة. وعلاوة على ذلك، ساهم مستشارون تابعون لحزب الله في تعزيز الجسارة العسكرية للحوثيين. كما تقدم قناة المنار التلفزيونية المملوكة لحزب الله الدعم الفني لقناة المسيرة التابعة للحوثيين والتي يقع مقرها الرئيسي في بيروت.
الدعم المقدم من إيران يسمح للحوثيين أيضا بالحصول على الخبرة اللازمة لبناء مصانع أسلحة داخل اليمن. وبفضل الدعم الإيراني، عزز الحوثيون ترسانتهم العسكرية وقدراتهم القتالية على مدار الأعوام الثمانية الماضية. وتجلى ذلك بشكل أكثر وضوحا في هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل.
ومع ترسيخ الشراكة بين طهران والحوثيين، حفرت الحركة اليمنية دورا لها في "محور المقاومة" الذي يجمع معا الفصائل المسلحة التابعة لإيران في العراق، وسوريا، ولبنان، وغيرها. من المؤكد أن الحوثيين حلفاء لإيران أكثر من كونهم وكلاء لها. في الحقيقة، فإن الحوثيين يستغلون علاقاتهم مع إيران للمضي قدما في مصالحهم الخاصة، ولا يوجد دليل على أنهم يتلقون أوامر من طهران، أو على أنهم يعتمدون على طهران بشكل دراماتيكي لتشكيل سياساتهم.
وهكذا، فإن الحوثيين يختلفون عن حركة مثل حزب الله في طبيعة العلاقات مع إيران. ورغم ذلك، فإن تواجد الحوثيين داخل "محور المقاومة" ليس مجرد انتماء رمزي إذ أن الحركة اليمنية تثمن بالتأكيد وتدافع عن وضعها داخل هذه المنظومة.
الأساس المنطقي وراء هجمات الحوثيين
ثمة بعض الأسباب، يرتبط كل منها بمغزى خاص، وراء موجة الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون.
السبب الأول مفاده أن الحوثيين يحاولون تقوية انتمائهم لـ "محور المقاومة". وبينما بدأت حماس المواجهة مع إسرائيل، وفي الوقت الذي تحشد فيه طهران حلفاءها الإقليميين للمشاركة في القتال إلى حد ما، يهتم الحوثيون بتأكيد قوتهم وأهميتهم داخل "محور المقاومة". وبالرغم من أن الحوثيين، كما ذكرنا آنفًا، ليسوا وكلاء لإيران، بعكس حزب الله وفصائل مسلحة أخرى، فإن الصراع الحالي بين حماس وإسرائيل يبدو لحظة مناسبة للحركة اليمنية لتأكيد وترسيخ انتماءها للمحور داخل المشهد الإقليمي. وينطوي ذلك على الكثير من المزايا للحوثيين والتي تتضمن زيادة الدعم العسكري القادم من إيران.
السبب الثاني هو أن الهجمات تستهدف زيادة نفوذ الحوثيين في المحادثات مع المملكة السعودية المستمرة منذ فترة من الوقت والتي أخفقت في التبلور إلى نتائج محددة. بالأخذ في الاعتبار إصرار السعودية على وضع نهاية لمغامرتها اليمنية الكارثية والتركيز بدلا من ذلك على مشروعات الاستثمار العديدة المرتبطة بـ "رؤية 2030" التي تستهدف تحويل المملكة الخليجية إلى مقصد سياحي كبير وتحسين الصورة الدولية لها، تؤدي هجمات الحوثيين إلى ترسيخ نفوذ الحركة اليمنية خلال المفاوضات.
السبب الثالث يتمثل في أن هذه الهجمات تعزز وضع الحوثيين على المستوى الداخلي. في الواقع، يواجه الحوثيون سخطا شعبيا متزايدا في شمال اليمن بدافع الأزمة الاقتصادية العميقة طويلة الأمد، والارتفاع المطرد في أسعار السلع الأساسية، واستمرار تراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار. ما يزيد الطين بلة هو عدم دفع الرواتب الحكومية بانتظام في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون منذ عام 2016. إن الوحشية التي يقمع بها الحوثيون أي محاولة للاحتجاج على حكمهم واختراق أجهزتهم الأمنية أوصال المجتمع يُنظر إليه دائمًا باعتباره المصدر الوحيد للحركة اليمنية للبقاء في السلطة.
في سياق هذا السخط الواسع، أصبحت الهجمات ضد إسرائيل بالنسبة للحوثيين بمثابة أداة للظفر ببعض الدعم الداخلي. في الحقيقة، مثلما هو الحال في باقي أرجاء العالم الإسلامي، يحظى الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية بدعم قوي داخل اليمن. وتجلى ذلك في المظاهرات المناصرة للفلسطينيين التي شهدتها كافة أنحاء اليمن، بما في ذلك تعز وصنعاء وعدن وحضرموت ومأرب وصعدة وإب والحديدة والمهرة.
من خلال تقديم أنفسهم في صورة الفاعل اليمني العسكري والسياسي والوحيد الذي يملك القدرة والعزم على شن هجمات ضد إسرائيل، من المرجح أن يتمكن الحوثيون من حشد الدعم، أو على الأقل التعاطف من بين العديد من المكاسب. بالأخذ في الاعتبار أن الشعار الذي يتبناه الحوثيون منذ 2003 يصب اللعنات على اليهود ويدعو بالموت على إسرائيل وأمريكا، أصبح واضحا حاجة الحركة اليمنية إلى مواكبة مستوى صرختهم الخاصة (الشعار) لو أرادوا الاحتفاظ بالمصداقية.
بالرغم من الجولات الأخيرة ضد إسرائيل، لا يبدو الحوثيون مهتمين بالمشاركة بشكل مباشر في الصراع، إذ أن هجماتهم في أكثر الأحيان رمزية ولا تمثل تهديدا أمنيا خطيرا لإسرائيل. بيد أن الممارسات العسكرية الحوثية التي وعدوا باستمرارها طالما استمرت الحرب في غزة تشي بالكثير بشأن قدرات إيران وحلفائها على مهاجمة إسرائيل من اتجاهات مختلفة وتجبر الدولة اليهودية على تحويل اهتمامها إلى جبهات متعددة.
مسؤولة برنامج الأبحاث في منظمة تحرير العبيد (FTS)، وزميلة غير مقيمة في معهد أوريون للسياسات (OPI) وزميلة في مركز الجماعات المسلحة.