شعارات مناهضة للحوثيين في شوارع صنعاء وفقا لنشطاء محليين (مارس 2022)
14-01-2023 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
ارتفعت حدة الأصوات الشعبية الساخطة خلال الأيام القليلة الماضية في صنعاء بشمال اليمن، للتنديد بـ "فساد" الحوثيين عقب اتهامات لهم بالنهب المنظم للثروات والعبث بمقدرات المناطق التي يسيطرون عليها، وتعرض المؤسسات والتجار والمواطنين لحالة إفقار بسبب سطوة النافذين الموالين للجماعة. تصدر تلك الأصوات بعض نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع جماعة الحوثيين لشنّ حملة قمع وملاحقة واعتقال في نهاية المطاف، طالت بعض هؤلاء، وفقا لتقارير محلية، على الرغم من أنّ بعض النشطاء يدينون بالولاء للجماعة ولعبوا دورا تحريضيا خلال الحرب. وقد أدانت أكثر من 120 منظمة حقوقية في بيان مشترك الاعتقالات الجماعية التي ينفذها الحوثيين ضد نشطاء ورواد وسائل التواصل الاجتماعي، على خلفية "ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم".
تزامن الغليان الشعبي، مع تفاقم الأوضاع المعيشية في البلاد بعد 8 أعوام من الصراع، تعطّلت فيها الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم وخدمات مياه الشرب، مارس الحوثيون خلالها أيضا عمليات تغيير ثقافي وفكري وديني واسعة. ورغم نجاح الهدنة الأممية التي استمرت لستة أشهر من إبريل حتى أكتوبر 2022، في خفض حدة العمليات القتالية بين الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين، غير أن الأزمة الإنسانية ظلت معضلة أساسية تواجه معظم اليمنيين.
تَصاعُد الرفض الشعبي ضد الحوثيين، أثار حالة من القلق والخوف لدى أجهزة الأخيرة، حيث اتخذت إجراءات مشددة لمواجهة التظاهرات المحتملة ومراقبة أي تحركات شعبية في صنعاء والمدن القريبة منها. ظهر ذلك، من خلال نشره الجماعة لدوريات أمنية على مداخل صنعاء ومنع دخول مسلحي القبائل إلى وسط المدينة، فضلاً عن تمركز دورياتها الأمنية أمام جامعة صنعاء والشوارع الرئيسية ومداخل الأسواق الشعبية، إضافة إلى توجيه الجماعة لعناصرها بالتواجد في أماكن عملهم وتهديدها بمعاقبة كل من يتغيّب. وهي حالة تعبّر عن استياء حقيقي لدى الجماعة المدعومة من إيران، خاصة وأن ذلك يتزامن مع انتفاضة شعبية واسعة النطاق في طهران والمدن الإيرانية الأخرى، تتعالى وتتسع بشكل مضطرد، رغم بذل نظام خامنئي جهود كبيرة لقمعها وتنفيذ حملات إعدام غير قانونية.
انتفاضات سابقة
شهدت مناطق سيطرة الحوثيين عدة انتفاضات خلال فترة الحرب المندلعة منذ 2014 حتى اليوم، غير أنها سرعان ما كانت تُقمع من قبل الجماعة ويتم التعامل معها بصورة عنيفة. كان أبرزها "انتفاضة حجور"، التي اندلعت في يناير 2019 في محافظة حجة شمال غرب اليمن، بين الحوثيين وقبائل حجور في مديرية "كشر"، المعقل الرئيس للقبائل. إذ حاصرت جماعة الحوثي القبائل هناك لأنها قررت مواجهتها، وخاضت معها معارك امتدت لأكثر من شهرين خسر فيها الحوثيون الكثير من مسلحيهم. ومنعت الجماعة عن قبائل حجور وصول الغذاء ومياه الشرب إضافة للأدوية والمستلزمات الطبية لإحكام الحصار على أكثر من 100 ألف نسمة في المديرية. خسرت القبائل المعركة مع الحوثيين بسبب نقص الدعم والإسناد من جانب الحكومة اليمنية والتحالف العربي حينها.
في 2020، استنفرت قبائل آل عواض وردمان في مناطق الطفة والسوادية في محافظة البيضاء، بقيادة الشيخ القبلي "ياسر العواضي"، لرفض ما وصفوه، "جرائم" الحوثيين ضدهم، وطالبت القبائل الحكومة الشرعية بالتدخل ودعم "انتفاضة البيضاء". ذلك جاء بعد أن قتل الحوثيون امرأة داخل منزلها عنوة، وهو ما اعتبرته قبائل البيضاء "وصمة عار". غير أن الانتفاضة سرعان ما انتهت بهزيمة قبائل "آل عواض" أمام الحوثيين، بسبب نقص الدعم، وحياد بعض القبائل.
سبق ذلك بأعوام، "انتفاضة عُتمة" بمحافظة ذمار ضد الحوثيين، التي انطلقت على مرحلتين، الأولى في أغسطس 2015 واستمرت لشهر، تمكنوا من خلالها السيطرة على مناطقهم رغم خسارة عدد من مقاتليهم. والثانية حدثت في 2017، بعد أن قُتل وجرح عدد كبير من مسلحي القبائل، بالإضافة إلى تعرض الممتلكات الخاصة والعامة في المديرية للنهب والتدمير. ورغم الدعم الطفيف من قبل الحكومة الشرعية والتحالف العربي، إلا أن قبائل عُتمة أصيبت بخيبة أمل كبيرة من عدم استجابة القبائل المحيطة وتفاعلها، وهو ما أدى لهزيمتها تدريجياً.
وفي 2 ديسمبر من نفس العام، شهدت صنعاء كذلك معركة مع الحوثيين، بعد أن دعى الرئيس السابق "علي عبدالله صالح" اليمنيين، أن يهبوا ضد "عدوان الحوثيين"، غير أن الدعوة انتهت بمقتله بعد يومين إعداماً بالرصاص.
وفي وقت سابق هذا العام، انطلقت حملة كتابات وشعارات سياسية مناهضة للجماعة على غرار شعارات ثورات الربيع العربي، غير أن تأثيرها لم يكن كافياً في ظل القبضة الأمنية الشديدة. حيث تعرضت المنازل التي كتبت عليها هذه الشعارات، للنهب، كما تم اختطاف العشرات من المشتبه بهم في إطلاقها. كما حظر الحوثيون التجمعات في الأرياف والمدن التي يسيطرون عليها.
لماذا الآن، وما الذي ينقصها؟
من الحقائق البديهية أنّ الانتفاضات تشتد مع تصاعد القمع والعنف تجاهها، مع ذلك يبدو أنّ الغليان الشعبي في مناطق سيطرة الحوثيين مؤخراً، لم يصل إلى مرحلة "انتفاضة" كما تصوره وسائل الإعلام المناهضة للجماعة. من بين أبرز الأسباب التي تحول دون ذلك، هو أنّ هذه التحركات الشعبية تتم بصورة فردية وتفتقر للتنظيم الجماعي، ولا تحظى بدعم كافٍ من شخصيات سياسية أو اجتماعية بارزة أو جهات نقابية وعمالية فاعلة. فضلا عن أنّ الحضور الاستخباراتي للحكومة المعترف بها دوليا في تلك المناطق ضعيف. من بين تلك الأسباب، أيضا، انشغال خصوم الحوثيين في خلافاتهم الداخلية في مناطق جنوب اليمن والمناطق المحررة في الشمال، وانشغال بعض الأطراف اليمنية الشمالية والأصوات الموالية للسعودية في التعبئة السياسية وكذلك الإعلامية ضد مطالب الجنوبيين بخروج المنطقة العسكرية الأولى من وادي حضرموت لمواجهة الحوثيين، واستكمال تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض، الأمر الذي يحول دون التركيز على ما يجري في صنعاء. في الأعوام السابقة، كان فعل الانتفاضة هامشي بالنسبة للحكومة المعترف بها دولياً، بالنظر إلى عدم استجابتها للمناطق التي انتفضت أو ثارت ضد الحوثية خلال سنوات الصراع، مما أدى لانحسار معظمها في وقت قياسي.
قد تبدو جدلية توقف العمل العسكري جراء هدنة الأمر الواقع مقنعة لإثارة فكرة "الانتفاضة" ضد الجماعة الحوثية، رغم عدم قبول الحوثيين بتجديدها مرة أخرى. إذ من الملاحظ أن التغطية الإعلامية تتجاوز بمراحل العمل على الأرض، وتتعامل مع الحدث بنوع من المبالغة العاطفية. تحاول الحكومة اللجوء لتحريض الشارع، لكنها بالمقابل تسمح لاستمرار تدفق النقود والوقود والبضائع للمنافذ التي يسيطر عليها المسلحون الحوثيون، بضغط من الرياض.
ربما، يشكّك البعض، في حقيقة دوافع الاعتقالات التي نفذها الحوثيون بحق أنصارهم. ويرون أنّ ما حصل هو عملية متوافق عليها بهدف إشاعة الرعب لدى بقية الأصوات المعارضة، التي تتواجد في مناطق سيطرة الجماعة وتنتظر الوقت المناسب للخروج ضدها. مهما كانت الحقائق على الأرض، لكنّ الأمر المؤكد، أنّ ارتفاع مثل هذه الأصوات الشعبية سواءا كانت عفوية أو منظمة، يعاظم حالة التوتر والقلق الشديد لدى الحوثيين. فليس من مصلحتها أن تشتعل الأمور ضدها في الوقت الراهن، لا سيّما في ظل مساعي عمانية للتوفيق بينها وبين المملكة العربية السعودية، من خلال محادثات سرية مستمرة منذ أشهر، تراهن الجماعة فيها على الخروج منها بمكاسب سياسية واقتصادية.
ومع أخذ مسألة الغليان الشعبي أو ما يُطلق عليها في الإعلام الحكومي بـ "ثورة الجياع"، بعين الاعتبار، من المهم أن تفكر الجهات الداعمة لهذا النشاط بصورة أكثر ابتكاراً ومنطقية، إذ لا يمكن القيام بتنظيم "انتفاضة" بدون قوى مجتمعية منظّمة أو عمل استخباراتي، وفي ظل غياب دعم سياسي لها. على الأرجح، إذا ما توفّرت هذه الإمكانيات، ستكون رافداً وموجهاً للطاقة الشعبية لتفعيل هذا النشاط أو تحقيق الحد الأدنى منه على الأقل. لأنّ ما دون ذلك سيكون الأمر بلا جدوى، وربما تكون الكلفة البشرية أعلى، في ظل وجود قبضة أمنية عنيفة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.