رويترز
25-06-2024 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
"من الصعب أن تتخذ جماعة الحوثي قرارا بالتنسيق والتعاون مع حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة دون توجيه مباشر من إيران، كما هو الحال بالنسبة إلى قرارات كثيرة أخرى اتخذتها الجماعة".
قبل أيام قليلة، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية اتهامًا لجماعة الحوثيين في اليمن بالتعاون والتنسيق مع حركة الشباب الصومالية التابعة لتنظيم القاعدة. وفي تفاصيل هذا الاتهام، قال مسؤولون أمريكيون إن واشنطن تدرس الروابط بين مقاتلي حركة الشباب والحوثيين المتمركزين في اليمن، وذلك بعد فترة وجيزة من قيام فرع تنظيم القاعدة في شرق إفريقيا بعكس مكاسب الأراضي في وسط الصومال التي حققها جيش البلاد خلال العامين الماضيين.
تحدّث التقرير الأمريكي عن علاقة ناشئة للحوثيين مع حركة الشباب الصومالية، تثير قلق أمريكا بشأن زيادة الوضع في البحر الأحمر وخليج عدن سوءً. وزعمت المخابرات الأمريكية أن الحوثيين وحركة الشباب ناقشوا صفقة لتزويد الأخيرة بالأسلحة. ووفقا لمشروع التهديدات الحرجة التابع لمعهد انتربرايز الأمريكي، فإنّ للمجموعتين صلات غير مباشرة من خلال شبكات الأسلحة الإقليمية غير المشروعة التي من المرجّح أن تسهل المحادثات غير المباشرة، وستمكّن الجماعتين من تبادل أنظمة عالية الجودة لا يتم تبادلها عادة في شبكة التهريب في خليج عدن، مثل الطائرات المسيّرة وصواريخ أرض – جو.
شبكات تهريب السلاح بين اليمن والصومال في خليج عدن (مشروع التهديدات الحرجة)
حقيقة أم مبالغة؟
من المهم الإشارة إلى أنّ الاتهام الأمريكي لجماعة الحوثيين جاء في ظل تصاعد عمليات الاستهداف المتبادلة بين الطرفين في البحر واليابسة، وأيضا في ظل الحرب الإعلامية عقب اتهامات الجماعة لموظفي السفارة الأمريكية في صنعاء المعتقلين لديها وموظفين أممين بالتجسس، ما قد يخلق انطباعا لدى البعض عن الاتهام يميل إلى التشكيك فيه. خصوصا وأنّ واشنطن وجهت بعده اتهامًا للصين بتسهيل عملية شراء السلاح للحوثيين، كما اتهمت إيران مرارًا بتزويدهم بالسلاح.
غير أن قراءة الاتهام من هذه الزاوية، أو محاولة الحصول على نتائج من خلال الاعتماد على مثل هذه القرائن، قد لا تساعد على معرفة الحقيقة كاملة، خصوصا وأن تعاونا بين الطرفين المتنافرين أيدلوجيا (جماعة الحوثي والقاعدة) قد حدث بالفعل في أماكن أخرى، نتيجة لبعض التطورات التي شهدتها السنوات الأخيرة والتي جعلت ما هو مستبعد حدوثه ممكنا جدا.
التطورات المحلية والإقليمية والدولية
لهذا، من المهم قراءة هذا الاتهام على ضوء كثير من التطورات المحلية والإقليمية والدولية، ومن بينها تولي سيف العدل المتواجد في إيران قيادة تنظيم القاعدة بعد مقتل أيمن الظواهري، وهجمات البحر الأحمر، وتوقف الهجمات المتبادلة بين جماعة الحوثي وفرع تنظيم القاعدة في اليمن منذ العام 2022.
ومع ذلك، هناك ما يعزز وجود علاقة سابقة بين الحوثيين وحركة الشباب، وإن لم تتضح طبيعتها. فقد أفاد تقرير "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود" (GITOC) لعام 2020 أنّ بعض الأسلحة التي حصلت عليها حركة الشباب من شبكة اليمن-الصومال تأتي من شحنات إيرانية موجهة للحوثيين، وأن هذا على الأرجح ناتج عن تجار الأسلحة الساعين للربح. كما كشفت تحقيقات GITOC أنّ مسؤولاً حوثياً على الأقل كان على اتصال مباشر مع مهرب أسلحة صومالي يورّد أسلحة إلى فرع تنظيم الدولة في شمال الصومال.
دور إيران
أمر آخر، من الصعب أن تتخذ جماعة الحوثي قرارا بالتنسيق والتعاون مع حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة دون توجيه مباشر من إيران، كما هو الحال بالنسبة إلى قرارات كثيرة أخرى اتخذتها الجماعة. لا يتعلق الأمر فقط باتخاذ قرار كهذا، وإنما أيضا بإمكانية نجاح الجماعة في جعله واقعا، حتى مع فرع القاعدة اليمني. من هنا، يجب استدعاء إيران لفهم خطوات أذرعها في المنطقة، وفي مقدمتها جماعة الحوثيين. على الرغم أنّ تقرير شبكة سي إن إنّ أشار إلى أنّ المسؤولين الأمريكيين أشاروا بعدم وجود دليل مباشر حتى الآن.
وقبل الحديث عن حركة الشباب، يجب التذكير بأن إيران نجحت في خلق تقارب كبير وتعاون بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة في اليمن. بدأ الأمر بإبرام صفقات تبادل معتقلين في 2015، ووصل إلى ما هو أبعد من وقف عمليات الاستهداف المتبادل. منذ توقف عمليات تنظيم القاعدة ضد جماعة الحوثي، حصل التنظيم على طائرات مسيّرة لاستهداف القوات المسلّحة الجنوبية في محافظتي أبين وشبوة في جنوب اليمن. منذ تأسيسه في العام 2009، لم يسبق للتنظيم أن استخدم هذا السلاح في عملياته ضد خصومه. حتى لو امتلك التنظيم سلاحا كهذا بجهد ذاتي، سوف يصعب عليه استخدامه بشكل مؤثر دون دعم تقني خارجي.
هذا يعني أن مسألة اختلاف الأيدلوجيا التي جعلت البعض يستبعد وجود تعاون بين الحوثيين وحركة الشباب، لن تكون عائقا أمام حدوث ذلك. إلا أنه يمكن طرح سؤال حول الأمر الذي جعل هذا ممكنا. في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى وجود زعيم تنظيم القاعدة الأم أحمد سيف العدل، في إيران. وهو مهندس التقارب بين فروع التنظيم وبين أذرع إيران في المنطقة. كما سبق وقدّمت إيران الملاذ والتدريب والأسلحة والأموال لتنظيم القاعدة طوال تسعينيات القرن العشرين.
يمكن القول إن سيف العدل هو التفسير الوحيد للتغير الذي طرأ على طبيعة العلاقة بين تنظيم القاعدة وبين إيران. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في اليمن، فعلى الرغم من أن فرع القاعدة اليمني اعتبر جماعة الحوثي هدفا أولا ورئيسيا لعملياته بعد العام 2015، إلا أن الأمر تغير في وقت لاحق. ظهر هذا التغيّر في نقطتين مهمتين، أولهما انسحاب التنظيم من آخر معاقله في محافظة البيضاء عام 2021، وثانيهما إيقاف التنظيم لعملياته ضد الجماعة منذ عامين وتركيزها ضد المجلس الانتقالي الجنوبي. فوفقا للباحثة البريطانية في شؤون التنظيم، إليزابيث كيندل، لم ينفّذ تنظيم القاعدة أية عملية ضد جماعة الحوثي منذ 6 يوليو 2022.
وإذا كان سيف العدل قد تمكّن من خلق تقارب بين فرع القاعدة اليمني وبين جماعة الحوثي، فمن غير المستبعد أن يقوم بالأمر ذاته مع حركة الشباب الصومالية، فرع تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا. ومع أنّ هذا ليس دليلا في حد ذاته، إلا أنه من القرائن القوية التي تدعم الاتهام الأمريكي لجماعة الحوثي، خصوصا بعد تهديد الجماعة بتوسيع عملياتها إلى المحيط الهندي، بل وترجمة التهديد إلى واقع عملي من خلال تنفيذ بعض العمليات ضد سفن شحن تقول الجماعة إنها مرتبطة بإسرائيل.
كما أنه من الصعب الحديث عن قدرات ذاتية حوثية وراء توسيع دائرة العمليات لتتجاوز البحر الأحمر إلى البحر المتوسط والمحيط الهندي بدون تنسيق مع جماعات أخرى مثل حركة الشباب. وقال مسؤول دفاعي أمريكي كبير إن المسلحين الحوثيين في اليمن ينظرون إلى هذا التعاون "الناشئ" مع حركة الشباب كوسيلة "يجب أخذها على محمل الجد" أثناء محاولتهم تشكيل تهديد للسفن الأمريكية والبريطانية خارج البحر الأحمر.
إضافة إلى ذلك، ومن خلال عملياتها في البحر الأحمر، استطاعت جماعة الحوثي أن تقدم نفسها كجبهة ضغط أولى ضد إسرائيل. يذهب كثيرون إلى أن حرب غزة خلقت تقاربا كبيرا بين القاعدة وبين طهران وأذرعها في المنطقة. حدث هذا حتى مع أذرع جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حركة حماس. فعلى سبيل المثال، كان يمكن ملاحظة ذلك في تصريحات بعض قادة حزب الإصلاح في اليمن، أمثال المتوفي حديثا، رجل الدين البارز عبد المجيد الزنداني، ومحمد الحزمي، ومبخوت بن عبود الشريف، وآخرين. فضلا عن تغيرّ سياسة بعض قنواتهم الفضائية، كقناة المهرية التي تُبث من تركيا.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن التنافر الأيديولوجي بين حركة الشباب السنية، وجماعة الحوثي الشيعية، لا يمثل عائقا أمام أي تقارب أو تعاون أو تنسيق بينهما. ويمكن تلخيص العوامل التي قد تفسر سعيهم للتعاون، بالتالي:
1. مواجهة عدو مشترك: تنظر كل من حركة الشباب وجماعة الحوثي إلى الولايات المتحدة كعدو رئيسي، ومن ناحية تاريخية، واجهت كلتا الجماعتين عمليات عسكرية أمريكية. كما أن التعاون في مجال تبادل الأسلحة والخبرات قد يُساهم في تعزيز قدراتهما على مقاومة التدخلات الخارجية.
2. الرغبة في الحصول على الدعم: فكلتا الجماعتين تعاني من نقص في الموارد والعتاد، والتعاون مع بعضهما البعض قد يُتيح لهما الوصول إلى المزيد من الأسلحة والتمويل.
3. توسيع رقعة النفوذ: ربما تسعى جماعة الحوثي إلى توسيع نفوذها الإقليمي والبحري من خلال دعم حركة الشباب، في حين قد ترى حركة الشباب في التعاون مع الحوثيين فرصة لتقوية مكانتها في الصومال.
4. التضامن الأيديولوجي: رغم الاختلافات الطائفية، تنتمي كلا الجماعتين إلى ديانة واحدة وتتشاركان بعض الأفكار، وتلتقيان عند بعض القواسم المشتركة، مثل التضامن مع غزة، مما قد يُشكّل أرضية مشتركة للتعاون.