02-12-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | واشنطن
نشرت منظمة تحليل دولية إحصائية لما وصفتها بـ "الاضطرابات المدنية" التي شهدتها محافظات جنوب اليمن خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، على ذمة الاحتجاجات الشعبية بسبب التدهور الاقتصادي و "زيادة التوتر" بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المعترف بها دوليا، محذرة بذات الوقت من أنّ سقوط مأرب سيدفع بالمجلس إلى سحب وزراءه من الحكومة وإعلان حكم ذاتي في الجنوب.
ووفقا لتقرير نشرته منظمة (أكابس acaps) وهي منظمة تحليل ومزوّد معلومات مستقل، وترجمه سوث24، شهدت محافظات جنوب اليمن منذ منتصف سبتمبر 2021، صعودا في المظاهرات العامة التي أدت في أغلب الأحوال إلى عنف شوارع.
وركز التقرير على ما وصفها "المحافظات التي تخضع صوريًا فقط لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا لكن المجلس الانتقالي الجنوبي هو الحاكم الفعلي لها. شملت قائمة المحافظات المذكورة أبين والضالع وعدن وحضرموت ولحج وشبوة."
ووفقا للمنظمة "يُعدّ تدهور الأوضاع المعيشية بمثابة المحرك الرئيس للاضطرابات المدنية في المحافظات الجنوبية. وبصورة كبيرة، تسبب التراجع الكبير في الريال اليمني والزيادة الناتجة في أسعار السلع في تقويض قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية. كما أن تنامي وتيرة انقطاع الطاقة الكهربية، والاضطرابات المتعلقة بالإمدادات المائية، وتداعي النظام الصحي ألحق ضررا كبيرا بمقومات الرفاهية." إضافة إلى "زيادة مساحة التوتر بين الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي لأسباب تتضمن نقص التقدم في تنفيذ اتفاق الرياض".
وقال التقرير "إنّ تقدّم الحوثيون صوب مدينة مأرب من شأنه أن ينال من شرعية الحكومة المعترف بها دوليا في جنوب اليمن، وقد يحدث المزيد من التوتر مع المجلس الانتقالي الجنوبي."
الاضطرابات المدنية ورد فعل القوات الأمنية
وقالت المنظمة أنّ انخفاض قيمة الريال اليمني أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع وتدهور متزايد في الخدمات العامة. وكرد فعل على تدهور الظروف المعيشية، بدأت موجة جديدة من الاحتجاجات في محافظات جنوب اليمن منتصف أغسطس 2021. وفي سبتمبر 2021، أغلق المحتجون الطرق، وهاجموا المقرات الحكومية، وقذفوا القوات الأمنية بالحجارة وأدوات أخرى. وفي عدن على وجه الخصوص، اضطرت المحال التجارية إلى غلق أبوابها. وتعطلت الكثير من أنشطة العمل في المدن الجنوبية الكبرى مما تسبب في حرمان المواطنين من الحصول على الإمدادات المنزلية أو تأمين دخل مالي.
وبحسب التقرير اتسمت حوادث الاضطرابات المدنية بالتباين من حيث الوتيرة والمشاركة الشعبية ودرجة العنف في أرجاء المحافظات الجنوبية. وشهد شهر سبتمبر ذروة هذه الوقائع في محافظة عدن بإجمالي 196 حادث، ثم حضرموت 82. وفي أكتوبر، اندلع أكثر من 50 اضطرابا مدنيا في شبوة.
ونتيجة هذه الأحداث قالت المنظمة أنّ "الخسائر البشرية في الفترة بين سبتمبر وأكتوبر أثناء الاحتجاجات في محافظات الجنوب، بلغت أكثر من 60."
واعتبر التقرير إعلان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، فرض حالة الطوارئ في أرجاء المحافظات الجنوبية قد أدى إلى مزيد من تدهور العلاقات بين الحكومة والمجلس في ظل عدم تنفيذ اتفاق الرياض.
الديناميكيات السياسية في محافظات الجنوب
في أواخر 2019، وقعت الحكومة والمجلس الانتقالي اتفاق الرياض عبر جهود وساطة من المملكة السعودية. وكان الهدف الرئيسي من الاتفاق هو منع كلا الجانبين من اللجوء للعنف ضد بعضهما البعض وتوحيد الكتلة المناهضة للحوثيين. كما سعت بنود أخرى إلى إشراك المجلس الانتقالي الجنوبي والأطراف الجنوبية الأخرى في حكومة تعتمد على مشاركة السلطة. وكذلك فيما يتعلق بتعيين المسؤولين الحكوميين في المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى إجراء عملية دمج بين القوات العسكرية للطرفين. ومنذ ذلك الحين، وبعد إعادة التفاوض على الاتفاق في صيف 2020، تتسم عملية تنفيذ البنود المتعلقة به بالجمود، كما يقول التقرير.
وقالت المنظمة أنّ التهديد الوشيك الذي يشكله تقدم قوات الحوثيين صوب مأرب، وغزواتهم الأخيرة في الجزء الشمالي من محافظة شبوة ساهم أيضا في تدهور العلاقات بين الحكومة والمجلس الانتقالي.
محركات الاضطرابات المدنية
وقالت المنظمة أنّ سيطرة الحوثيين منتصف نوفمبر على كافة مديريات مأرب باستثناء اثنتين، أدى إلى تدفق النازحين من المناطق الريفية، وفقدان الثقة في قدرة الحكومة على إدارة الاقتصاد، في ظل مخاوف من عدم قبول الحوثيين حال سيطرتهم بالعملة الصادرة من الحكومة. ونتيجة لذلك، تزايدت محاولات أهل مأرب لتحويل أموالهم إلى عملة صعبة.
واعتبرت أنّ الانخفاض المستمر للريال اليمني وارتفاع أسعار السلع وتدهور الخدمات في محافظات الجنوب، من الأسباب الرئيسية للاضطرابات في محافظات الجنوب. ففي 1 يناير 2021، كانت قيمة الدولار الأمريكي تساوي 691 ريالًا يمنيا لكنها زادت إلى 1535 ريالًا يمنيا في منتصف نوفمبر. كما أنّ أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك، وفقا للتقرير، "يمثّل استمرار القتال بين الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين على مأرب الغنية بالموارد."
"وخلال الفترة بين سبتمبر 2020 إلى سبتمبر 2021، ارتفع الحد الأدنى لسعر السلة الغذائية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا بنسبة 66%. وتأثرت أسعار السلع في المحافظات الجنوبية بانخفاض قيمة الريال اليمني، حيث شهدت ارتفاعا ملحوظا وتحديدا منذ يناير 2020 عندما حظر الحوثيون استخدام الريال اليمني في مناطق سيطرتهم. وتسبب الحظر في وجود سعري صرف مختلفين للريال اليمني الذي تزايدت وتيرة تراجعه في مناطق سيطرة الحكومة. وعلاوة على ذلك، ارتفعت أسعار الوقود خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2021، حيث زادت أسعار الديزل في السوق الرسمية بنسبة 85%، وبنسبة 136% بين سبتمبر 2020 وسبتمبر 2021. وأدى ذلك إلى انخفاض القوة الشرائية لدى العديد من العائلات وتنامي الحاجة إلى مساعدات لتغطية الاحتياجات الرئيسية."
"وتأثرت (محافظات الجنوب) خاصة، بنقص إمدادات المياه والانقطاع المستمر للكهرباء في خضم موجات الصيف قائظة الحرارة. وعلى سبيل المثال، كان شائعا استمرار انقطاع الطاقة في عدن لمدة 10 ساعات متتالية في أعلى فترة استهلاك للكهرباء في مايو وسبتمبر. ومنذ أغسطس 2021، تدهورت الأوضاع بشكل ملحوظ وارتفعت ساعات الانقطاع إلى ما يربو عن 11 ساعة يوميا."
ووفقا للتقرير، ثمة غياب واضح للصيانة الضرورية للبنية التحتية منذ بداية الحرب، وأدت جائحة كورونا إلى مزيد من التردي للخدمات العامة كالرعاية الصحية، واتجهت البنية التحتية والمجتمعات المحلية إلى نقطة الانهيار.
عواقب التأثيرات الإنسانية
وترى المنظمة أنّ الانخفاض المستمر في قيمة الريال اليمني والانهيار الكامل للخدمات وانعدام الأمن وسيطرة الحوثيين على مأرب قد يؤدي إلى نضوب كلي للأصول المالية للعائلات وزيادة الحاجة إلى الحماية ومساعدات الأمن الغذائي.
وحدد التقرير ما وصفها بـ "محفزات" قد تؤدي إلى مزيد من التدهور كـ "هيمنة الحوثيين على مدينة مأرب ومواردها، نقص العملة الأجنبية لدى البنك المركزي اليمني، وإخفاقه في تنفيذ إجراءات اقتصادية للحد من انخفاض الريال اليمني."
ومن بين هذه المحفزات، وفقا للتقرير "انسحاب المجلس الانتقالي الجنوبي من اتفاق الرياض وإعلان الحكم الذاتي وزيادة تواجده العسكري".
رؤية منطقية
وخلص التقرير إلى انّ "سقوط مدينة مأرب في أيدي الحوثيين وبقاء مديريتين فقط بالمحافظة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا سوف يحدث تأثيرا ضارا على الأوضاع السياسية والإنسانية في المحافظات الجنوبية..، لا سيما وأنّ مأرب تظل مصدرا هاما للدخل بالنسبة للحكومة، والعاصمة الشمالية الوحيدة في نطاق سيطرتها."
وبالتالي، يقول التقرير "إن خسارة مأرب تزج بالحكومة قطعًا في خضم أزمة سياسية يستطيع المجلس الانتقالي الجنوبي استغلالها بشكل متزايد لتحقيق مكاسب سياسية." زاعما أنّ "الحجة التي قد يستخدمها القادة الجنوبيون تتمثل في أنّ الحكومة فقدت شرعيتها لأنها لم تعد تسيطر تماما على أي محافظة في شمال اليمن، وأنهم يمثلون القوة الشرعية الوحيدة في الجزء الجنوبي من البلاد."
لذا، المحتمل، كما يقول التقرير "أن يدفع هذا الوضع إلى انسحاب وزراء المجلس الانتقالي الجنوبي من الحكومة، وانهيار اتفاق الرياض في نهاية المطاف. كما قد يشتعل العنف في مناطق بأبين وشبوة اللتين سبقتا أن شهدتا مواجهات بين قوات الحكومة والمجلس الانتقالي.."
وعلاوة على ذلك، يحذر التقرير من أن يؤدي ذلك إلى تزايد حركات النزوح الداخلي من مأرب صوب محافظات الجنوب، "مما يعمق مساحة التوتر مع السكان المحليين لأسباب سياسية ويزيد الضغط على الموارد، إذ أن التوتر السياسي بين الحكومة والمجلس الانتقالي قد يرتبط بتأثير مباشر على استقبال النازحين داخل المجتمعات المحلية في المحافظات الجنوبية."
وتضيف منظمة أكابس: "إذا خسرت الحكومة السيطرة على مأرب، فإن ذلك يعني زيادة انخفاض قيمة العملة في المناطق التي تسيطر عليها، ووضع ضغوط إضافية على الموارد المالية للعائلات المتأزمة أصلا، بالإضافة إلى استمرار ارتفاع أسعار السلع، واستحالة دفع رواتب القطاع العام وقوات الجيش أو تقديم أي تحسينات ملموسة في الخدمات العامة."
- ترجمة وتلخيص: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: عدد الاضطرابات المدنية بين أغسطس-أكتوبر 2021 في جنوب اليمن (اكابس)