ميناء بلحاف النفطي بشبوة (Getty Images)
25-04-2023 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
أثارت التسريبات الأخيرة المُتعلقة بمصير الأزمة اليمنية والمسار الاقتصادي من الاتفاق المتوقع بين الأطراف المخاوف من الاندماج الاقتصادي مع مليشيا الحوثيين المدعومة من إيران في شمال اليمن، وما قد يشكله ذلك من مخاطر وتداعيات على الوضع الاقتصادي في الجنوب.
وكانت وسائل إعلام سعودية قد كشفت في وقت سابق عن "لمسات أخيرة لمرحلة سلام انتقالية" في اليمن برعاية الأمم المتحدة، تضمنت مسارات سياسية وعسكرية واقتصادية من بينها وقف شامل لإطلاق النار، فتح جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية ودمج البنك المركزي اليمني، واستكمال تبادل الأسرى والمعتقلين.
وتزامنت هذه التسريبات مع أول زيارة رسمية معلنة أجراها فريق سعودي برئاسة السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، إلى صنعاء لإجراء نقاشات مع الحوثيين، والتحذيرات التي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي من "المساس بثروات الجنوب" رغم الدعم الذي أكده المجلس للتحركات السعودية.
وفي 6 أبريل الجاري، عدد المسؤول بالمجلس الانتقالي الجنوبي عادل الشبحي بعض النقاط التي يتم مناقشتها للاتفاق المحتمل، ومنها: "مرحلة انتقالية لمدة سنتين يتم فيها توحيد البنك المركزي والإيرادات والاتفاق على شكل الدولة". ولم يحدد الشبحي موقف المجلس الذي ينتمي إليه منها.
وتمثل خطوة دمج البنك المركزي في عدن بالبنك المركزي الخاضع للحوثيين في صنعاء أبرز الخطوات ضمن المسار الاقتصادي المتوقع، وهو ما يحذر خبراء اقتصاديون ومراقبون من تبعاته وانعكاساته الاقتصادية وحتّى السياسية على جنوب اليمن، فضلا عن التشكيك بمقدرة هذه الخطوة على إحداث أي تحسين للوضع الاقتصادي في البلاد.
دمج البنكين
يستبعد الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة حضرموت، الدكتور محمد الكسادي، الاتفاق على دمج البنك المركزي في عدن بالبنك المركزي في صنعاء، ضمن أي مسار اقتصادي في أي اتفاق قادم. ويعتقد أنّ "الانفصام في السياسة النقدية في المناطق الحكومية ومناطق سيطرة الحوثيين، أصبح واضحاً".
وقال لـ "سوث24"، أنّ "إيرادات الحوثيين من قطاع الاتصالات وحدها تبلغ نحو 36 مليار ريال، ناهيك عن الموارد الأخرى، مثل: إيرادات ميناء الحديدة وضرائب الزكاة. الحوثيون يريدون التهام كل الإيرادات، ورغم أنّ لديهم موارد كثيرة، إلا أنَّهم يرفضون دفع مرتبات الموظفين في مناطق سيطرتهم".
على النقيض يعتقد الخبير الاقتصادي ماجد الداعري "أن يكون هناك فقط قرار بإعادة البنك المركزي إلى صنعاء، وإعادة العمليات الرئيسية المصرفية إلى ما كانت عليه، مع اختيار محافظ توافقي لإدارة البنك، وقد يحصل تقاسم في أعضاء مجلس الإدارة وفي وكلاء البنك".
لكنه قال أنّ خطوة التقاسم هذه "قد ينجم عنها تضخم في أعداد الموظفين". وأضاف الداعري لـ "سوث24": "بالتأكيد قرار الدمج يعني أنّ البنك في عدن سيعود فرعاً كما كان عليه من قبل، وسيتم جمع الموارد من المؤسسات الإيرادية في عدن وتحويلها إلى صنعاء".
ويرى رئيس مركز المعرفة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، د. عمر باجردانة أنّ "دمج البنكين المركزيين في عدن وصنعاء لن يُعالج الأزمة، بل سيفاقم من مشكلة الانقسام المالي والاقتصادي".
وأضاف لـ "سوث24": "دمج البنكين سيعيد نفس الأدوات التي سيطرت على المشهد خلال فترة الحرب، واستفادت منها لإدارة المشهد الاقتصادي، وهذا يعني مزيداً من الأزمات ومزيداً من الإشكالات. هذا الإجراء سيُفرزُ سلطة مالية واحدة تمتلك صلاحيات التحكم بكل صادرات وواردات الجنوب والاقتصاد الوطني".
وأردف: "هذه السلطة، على الأرجح، ستكون بيد المتنفذين من أدوات النظام السابق التي سيُعاد تصديرها إلى المشهد"، حدَّ تعبيره.
مخاطر
لا تقتصر مخاطر المسار الاقتصادي المتوقع أو الذي تم تسريبه مؤخرًا على الجوانب الاقتصادية فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب السياسية، إذ من المرجّح أن تثير خطوة دمج البنكين حالة من الانقسام السياسي. كما أنها قد تعزز من نفوذ الحركة الحوثية في الشمال وتضاعف من مخاطر سيطرتها على مزيد من الموارد.
لذلك يرى الدكتور الكسادي أنّ على المجلس الانتقالي الجنوبي رفض توحيد الاقتصاد والاندماج في اقتصاد الحوثيين. "من الأفضل بقاء الحال كما هو عليه؛ لإن حالة الانقسام النقدي والمالي يعزز من مساعي استقلال الجنوب وبناء دولة مستقلة".
ولا يخفي الكسادي مخاوفه من أنه في حال حدث الاندماج الاقتصادي، أنّ يتم تجيير الاتفاق لصالح الشمال، "وبحكم الكثافة السكانية قد يستأثرون بثروات الجنوب".
وفي هذا الصدد، قال الخبير ماجد الداعري: "اقتصاد الحوثيين عبارة عن اقتصاد حرب قائم على الجبايات والأسواق السوداء، والمضاربات بالعملة، وغسيل وتبييض وتهريب الأموال وضرائب الجمارك لا يوجد لديهم اقتصاد حقيقي حتى يُمكن دمجه مع اقتصاد الجنوب أو مع البنك المركزي في عدن".
وأضاف: "أغلب الإيرادات المالية في مناطق الحوثيين لا تدخل في إطار ميزانية الدول لديهم، ولا توجد لديهم ميزانية دولة، على اعتبار أنّهم لا يصرفون أي مرتبات، ولا يقدمون أي خدمات للمواطنين في مناطقهم".
وحذَّر الخبير الاقتصادي عمر باجردانة من خطر الاندماج باقتصاد الحوثيين. وأضاف: "خطوة كهذه ستُعيد الجنوبيين إلى منطقة الصفر مُجدداً؛ لأنّ من سيتحكّم في صادرات وواردات الجنوب سيتّبع منهجية النظام السابق".
ومنذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، في سبتمبر 2014، أنفذت الجماعة سياسات مالية واقتصادية وسط اتهامات بالاستيلاء على الأموال العامة والخاصة. وفرضت الجماعة خلال الأعوام الأخيرة قيودا على دخول طبعات نقدية جديدة من المناطق الحكومية مما تسبب بفجوة كبيرة في سعر الريال اليمني.
وفي 23 مارس الماضي، أصدر الحوثيون قانون "منع التعاملات الربوية"، الذي يقضي بمنع الفوائد الشهرية من الودائع المصرفية، وسط تحذيرات من تداعيات هذه الخطوة على النظام المصرفي في اليمن كلها.
ويجري الحوثيون تعديلات مالية واقتصادية وفقا لرؤية دينية خاصة بهم في مناطق شمال اليمن، تشتمل على تخصيص قرابة 20% من الثروة في مناطقهم لصالح السلالة التي ينتمي لها زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وهو إجراء متبع حتَّى الآن في مناطق شمال اليمن وفقًا لمصادر محلية.
أيضًا، سبق للحوثيين أن رفضوا تنفيذ الشق الاقتصادي من اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة [2018]، الذي نص على تخصيص إيرادات الميناء لدفع رواتب الموظفين في مناطق الحوثيين، وهو ما لم يتم حتَّى الآن.