(أحمد البنّا)
23-09-2022 الساعة 9 صباحاً بتوقيت عدن
افتتاحية
في بيئة حرب معقّدة، مستمرة منذ ثماني سنوات، ومساحات رأي محدودة، وواقع يدفع فيه الصحفيون ثمنا باهظا، لا تشكّل اليمن مساحة ملائمة لإحداث التغييرات الكافية في صورة وجوهر العمل الإعلامي والبحثي. ومع ذلك، من حيث المبدأ، يشكّل إدخال التغييرات الجوهرية في مجال الإعلام والقطاع البحثي ضرورة بالغة للمنافسة وإبراز وجهات النظر وتغطية القضايا من منظور جديد وحديث ومواكب، يراعي الواقع بدرجة رئيسية. لقد أنتجت سنوات الحرب القاسية استقطابا مخيفا في قطاع الصحافة والإعلام المحلي والإقليمي والخارجي في اليمن، انعكس بصورة دراماتيكية على طبيعة المعلومة التي تصل إلى مسامع المهتمين والمراقبين، بل ولعب الإعلام في أحايين كثيرة دورا سلبيا في تأجيج الحرب وإذكاء الخلافات وإشاعة الفوضى وتضليل الجمهور.
منذ ثلاث سنوات، كانت فكرة تأسيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات، نابعة من شعور بأنّ الحقائق حول اليمن، بصورة عامة، وجنوب اليمن على وجه الخصوص، يتم اجتزاؤها وأنّ القضايا الملّحة يتم إغفالها، عمدا، وأنّ ما يصل مسامع الخارج، ليس أكثر مما تصوّره الأطراف السياسية التي هيمنت على قطاع الإعلام لسنوات طويلة في البلاد.
يحتفل مركز سوث24 للأخبار والدراسات بذكرى تأسيسه الثالثة في 23 سبتمبر من كل عام. إذ يشكّل هذا التاريخ مخاضاً لمشروع إعلامي وبحثي طالما كان تحديا ذاتيا، بشكل خاص لإدارة المركز، انبثقت دوافعه من ضرورة إيجاد توازن حقيقي في الساحة الإعلامية والبحثية بالمنطقة، المزدحمة بآلاف وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، التي تتناول الوضع في اليمن. فضلا عن تطلّع القراء في جنوب اليمن، لوسيلة حديثة تجمع بين الالتزام بالمعايير والأدبيات المهنية لمهنة الصحافة والبحث، وبين الحفاظ على منظور إعلامي من زاوية اهتمامات الجمهور هناك. تنبع أهمية مركز سوث24 من كونه يتخصص في تغطية ونقل ومعالجة وتحليل ودراسة الأخبار والأحداث والظواهر والمشكلات داخل نطاق جنوب اليمن، ولكن أيضا كل ما يتصل بها في اليمن، وعلى الصعيد الإقليمي.
لقد سعينا، طيلة السنوات الماضية، وبجهود ذاتية ومستقلة ومحدودة جداً وبل وبإمكانيات معدومة أغلب الأوقات، أنّ نقدّم صورةً متكاملة عن المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والإنساني والخدمي وملف الإرهاب في اليمن، من منظور جنوبي بدرجة رئيسية، ولكن أيضا من منظور يمني وإقليمي ودولي، فضلا عن قراءة المتغيرات المتسارعة في مشهد مثقل بالجديد المعقّد كل لحظة، وتقديم تحليل مواكب وشبه يومي لها. كما أفردنا مساحات واسعة لمناقشة جهود عملية السلام في اليمن. وفي هذا الصدد قدّم نخبة من باحثي وكتاب ومحللي المركز المحليين والأجانب، جملة من الأبحاث والتحليلات التي نأمل أن تساهم في فك تعقيدات المشهد اليمني وتوسيع الخيارات الملائمة لنجاح الجهود الإقليمية والدولية في إيقاف الحرب في اليمن وتحقيق السلام، الذي يرجوه الجميع.
سعينا لأن نضع القارئ الغربي والعربي بصورة المشهد في اليمن من كل زواياه، وجنوب اليمن على وجه التحديد، من منظور مختلف وجريء وواقعي، لم يكن متاحا في السابق نتيجة ظروف عديدة، هيمنت خلالها نخبة شمالية محدودة في اليمن على قطاع الإعلام ومراكز الدراسات والبحوث ومنصات التواصل الخارجي والمنح والمساعدات والدعم، ولا تزال. انعكست تلك الهيمنة بشكل جلي وواضح على طريقة تحليل وتوصيات وآراء بعض الخبراء والمحللين والمتخصصين الدوليين بالشأن اليمني، وساهم ذلك بصورة أو بأخرى في تضليل صنّاع القرار والدول الفاعلة في الملف اليمني، فضلا عن إرباك الجهود الأممية والدولية في الوصول إلى حلول ومعالجات منطقية وجذرية لمشكلات اليمن التاريخية والحديثة.
لقد أَولى مركز سوث24 للأخبار والدراسات، المجموعات المحلية في جنوب اليمن، وبصورة أساسية المرأة والشباب والقطاعات المجتمعية، من كل المحافظات، اهتماما عمليا وملموسا، سواء من خلال التغطيات الصحفية أو المواضيع المدرجة على قائمة التحليل والدراسة والبحث وكذلك الأنشطة، بهدف تشكيل صورة متوازنة ورؤية شاملة للقضايا ذات الصلة. كما أثار المركز قضايا حساسة مسكوت عنها، كقضايا الفساد في القطاعات الحكومية، ومشكلات البيئة والتراث والعنف الأسري، والتحرش الجنسي والمخدرات وملفّ الإرهاب، وغير ذلك من القضايا، التي يشكّل الاقتراب منها مواجهة مع النار.
ولإثراء ذلك، نظّم مركز سوث24 سلسلة من الندوات والأنشطة التفاعلية مع خبراء وباحثين محليين وإقليميين وغربيين، من الجنسين، ومنظمات أوروبية ويمنية فاعلة في الشأن اليمني. كما سعى المركز إلى خلق شراكات محلية مع بعض الجهات البحثية والصحفية المستقلة والفاعلة، لتطوير مفاهيم العمل الصحفي الإنساني والبحثي وتعزيز روح المسؤولية الذاتية في ضرورة تطوير هذه القطاعات. كما عمل مركز سوث24 وضمن فريق متخصص وشاب، على تطوير مهاراته البحثية والإعلامية والصحفية لتقديم صورة نموذجية تشكّل حافزا للتنافس البحثي والإعلامي في جنوب اليمن، وتقود للارتقاء بالصحافة والقطاع البحثي بكافة متطلباته الضرورية. لقد ساهم افتتاح مكتب المركز الإقليمي في مدينة عدن في إنجاح ذلك بصورة ملحوظة.
خلال الثلاث السنوات الماضية، تجاوزت منتجاتنا التحليلية والبحثية والخبرية 2900 منتجا وقصة مكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية. وأصدرنا 63 ورقة ودراسة وبحث إلكتروني باللغتين أيضا. كما سعينا لتبسيط وإيصال المعلومة من خلال ما يزيد عن 580 "انفوغرافيك"، ونحو 45 ألف خبر قصير وعاجل، بهدف مراعات اهتمامات شرائح القراء والمتابعين، وخلق ارتباط في فهم القضايا المعقدة بين النخبة المتخصصة والجمهور العام، لفهم واستنباط الآراء وردود الفعل والبناء عليها لاحقا. فتجاوزت عمليات التفاعلات والوصول على مختلف منصات المركز 120 مليون تفاعل.
لا يزال أمام مركز سوث24 مراحل وخطوات ليتجاوزها في مسيرته الصحفية والبحثية. ونتطلع لأنّ يتعزز ويتطور هذا الجهد خلال الشهور والسنوات القادمة. نطمح لتطوير التعاون والشراكات مع المهتمين، وتوسيع وشمولية أنشطتنا، وسد الثغرات ومعالجة أوجه القصور التي شابت عملنا خلال السنوات الماضية. مؤكدين بذات الوقت تمسكنا بمعايير العمل الصحفي والبحثي، وعلى استقلالية عملنا ونهجنا التحريري.
قراءُنا الكرام، أنتم رأس مال مركز سوث24 الحقيقي، ويسعدنا جدا أن نستقبل دائما آراءكم وملاحظاتكم على وسائل الاتصال المنشورة على صفحات المركز. وكلُ عامٍ وأنتم بخير!
قبل 5 أشهر