مصافحة بين ممثلي وفد الحوثيين والحكومة اليمنية عقب توقيع اتفاق ستوكهولم (ا ف ب)
30-05-2022 الساعة 8 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | وضاح العوبلي
في الوقت الذي كان المواطنون في اليمن يتطلّعون لإيجاد حلول شاملة للأزمة، ووضع حدٍ للحرب القائمة منذ أكثر من سبع سنوات تُنهي المعاناة التي زادت مضاعفاتها بفعل الانعكاسات الأخيرة والمباشرة للصراع الأمريكي-الروسي؛ وفي ظل غياب دور مسؤول وفعّال للنخب والأطراف التي تتقاسم السيطرة على مربعات جغرافية وسكانية محدودة ومعزولة عن بعضها، إلا أنّ هؤلاء المواطنين فوجئوا بأنّ الجهود الدولية والأممية تمضي في إنتاج رؤى تطيل من أزمة معاناته، وتنتج حلولاً مجزأة وملغومة، وتركز كل اهتماماتها على مصالح الأطراف المنخرطة في الحرب، ولا يبدو أنها تعطي المواطن ومعاناته أدنى اهتمام، بل تُضيف خيبة أمل جديدة إلى الخيبات التي اعتادها على مدى الفترات الماضية.
الحرب بيئة خصبة لشبكات المصالح
وكما هو حال الحروب والصراعات الأهلية في أي بلد، فإن حرب اليمن هي الأخرى قد انتجت شبكات مصالح تنتشر بين كل الأطراف، وتتغذى وتتوسع مصالحها بفعل استمرار الحرب وفي ظل بقاء الصراع وتراكم تعقيداته. كما تتوزع عوائد وأرباح ومصالح هذه الشبكات بين قيادات عليا ووسطية وعناصر أخرى برزت في مرحلة الصراع، بفعل تداخلات المصالح مع تلك القيادات، والتي حصلت بموجبها على امتيازات وصلاحيات معينة، وأصبح لها ثقل وحجم لم يكن متاحاً في فترة ما قبل الحرب، ولذا، فهي تخشى من وقف الحرب والصراع لأنه يعني بالنسبة لها العودة إلى الصفر. وبموجب ذلك فشبكات المصالح تستخدم صلاحياتها الواسعة وتأثيرها الكبير على أطراف الصراع من خلال إنتاج الأزمات المتسلسلة، ووضع العقبات أمام الحلول، وتفسير المبادرات وخطط السلام بتفسيرات تبعث التوجّسات، وترفع من حدة التشكيك بها إلى الحد الذي يجعل من تلك المبادرات والخطط مرفوضة، بل وتصبح بالنسبة لبعض الأطراف جزءاَ من المشكلة بدلاً من كونها خطط للحل والسلام المطلوب والمستوجب.
عقبات تنتج حلول غير ناضجة
يبدو من الواضح أنّ جميع الأطراف اليمنية تفتقد للبرامج والرؤى المنطقية التي يمكن أن تؤدي إلى تجاوز العقبات الافتراضية، وهذا الأمر بات معروفاً ويعود لأسباب عدة أهمها، منها أن قادة كل طرف أحاطت نفسها بدوائر ضيقة من المقرّبين والمحسوبين الذين لا يتمتعون بالكفاءة والخبرة المناسبة، ولا يمكنهم أن يسهموا بصياغة حلول أو تقديم أفكار في ملفات ذات أهمية تتضمن أكثر من سيناريو أو رؤية ممكنة للحل والسلام. دوائر المقربين هذه أسهمت بعزل القيادات وأصحاب القرار عن أصحاب الأفكار الناضجة ذوي الخبرة، وهو أمر زاد سوءاً وتعقيداً للوضع بشكل عام، خاصة وأن هذه الدوائر تعزّز من وجودها في أن تكون لصيقة من صاحب القرار.
أثبتت هذه القوى على مدى سنوات منذ بدء الحرب، أنها عاجزة عن ابتكار الحلول أو تبنّي المبادرات، بل على العكس، أصبحت تنتظر ما سيأتيها من المجتمع الدولي والأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص إلى اليمن والذي لا يمكنه -مهما كان- أن يضع التصورات اللازمة للحل والمتّسقة مع حقيقة الوضع والقابلة للتنفيذ. فيما تقتصر مسؤولية أطراف الصراع على وضع الملاحظات أو ما يمكن وصفه بـ "العراقيل"، التي تؤدي إلى إفراغ تلك المبادرة أو الخطة من مضامينها، وهو ما يظهرها في نهاية المطاف عاجزة عن إنتاج البدائل أو الحلول، وهذا الأمر على الأرجح له علاقة بانحصارها بين الدوائر الضيقة من المقرّبين المذكورة أعلاه.
انعدام الضمانات المرافقة
من خلال المتابعة لماراثون المفاوضات، وشد وجزر الأطراف المنخرطة فيها، يمكن الاستنتاج بكل وضوح، أن هناك انعداماً متبادلاً في الثقة، ويعود انعدام الثقة هذا إلى غياب الضمانات ووسائل الضغط الأممية والدولية، التي يفترض أن تكون حاضرة ويتم توضيحها للطرف المعرقل. إذ أن الغياب المستمر لهذه الوسائل هو من يقود كل طرف إلى تبديد وتصفير الفرص والمسارات التي قد يُظهر الطرف الآخر موافقته عليها، ويسعى لجعلها محور للتجاذبات والتفسيرات المتناقضة. هذا الأمر على الأرجح هو ما يمنع الوصول إلى القواسم التي يمكن أن تكون مشتركة ومفيدة للاعتماد عليها في بناء وتركيب الحلول الممكنة ولو بالحد المعقول والمناسب للخروج من مرحلة الصراع.
إنّ المتأمل لمسار الجولات التفاوضية والمحاور التي تتناولها، وما ينتج عنها من مخرجات ووثائق، سيجدها في الغالب تتضمن خطوات وبنود غير متوازنة، وتعبّر عن غياب أي دور مسؤول للطرف الذي يواجه الطرف الحوثي في أيٍ من جولات التفاوض بما فيها الجولة الحالية. فالفريق الذي يخوض عملية التفاوض الخاص بمنافذ تعز يتكوّن من ضباط وقيادات من محور محافظة تعز، وهو يخص طرف سياسي واحد من مجموع الأطراف التي يمثلها مجلس القيادة الرئاسي أمام الطرف الحوثي.
من المهم القول، أن خطوة كهذه هي ما تجعل مفاوضات فك الحصار عن تعز حكراً -أو هكذا تبدو- على طرف سياسي له حق القرار في هذه المفاوضات. وهذا النهج دائماً ما ينتج عنه حلول عقيمة تُبنى على مواقف يتم اتخاذها نكاية بالأطراف التي يُفترض أنها حليفة أو صديقة لها. وقد لوحظ العمل بمثل هذا الأسلوب في مشاورات "اتفاق استوكهولم"[1]، الذي استبعدت فيه "الشرعية اليمنية" بقية الأطراف الموجودة على الأرض، واكتفت بتفرّدها بالتفاوض مع الحوثيين في السويد. مما أدى لأن تنتهي بموافقتها على خطوات غير عملية ومثلت تنازلاً كبيراً أمام الحوثيين، مع أنهم كانوا حينها في حالة ضعف وتراجع، فيما كانت "القوات المشتركة" على وشك استكمال سيطرتها على الحديدة، قبل أن توقفهم الأمم المتحدة والشرعية آنذاك باتفاقها مع الحوثيين.
في تلك الفترة، كانت مدينة تعز تعاني من نفس الحصار القائم عليها إلى اليوم وربما ازداد سوءاً، وكان واضحاً حينها أن الشرعية أو الطرف المسيطر على القرار فيها، لم يكن له أي هدف من المفاوضات إلا إيقاف انهيار الحوثيين في الحديدة، ربما نكاية بالأطراف التي تقف مع الشرعية في ذات الجبهة. إذ كان بإمكان الشرعية آنذاك أن تفرض ما تريده من خطوات تجبر بها الحوثيين للانسحاب من شرق وشمال تعز، مقابل وقف زحف القوات المشتركة قبل استكمال سيطرتها على الحديدة. غير أن الشرعية لم تعمل بذلك وأظهرت نفسها أمام المجتمع الدولي بموقف ركيك وبلا هدف. فهي ادّعت بأن هدفها تحرير صنعاء واستعادة الدولة، بينما هي تعمل في الواقع لإيقاف تقدم القوات الحليفة لها وتضع أمامها الموانع التي تحول دون استكمال سيطرتها على الحديدة، وفوق ذلك لا تفرض على الحوثيين أي خطوات مقابل هذه التنازلات، لتعود على الأقل بفك الحصار عن مواطنيها المحاصرين في تعز كمثال.
في ضوء ذلك، يحق للمتابع التساؤل عن سبب انجرار "الشرعية اليمنية" للتوقيع على اتفاق بمجمله يتضمن تنازلات مُجحفة بحق أطراف وطنية عديدة على الأرض وكذا إقليمية حليفة لها، كانت قد قطعت شوطاً طويلاً في مسألة التحرير الذي اتضح مؤخراً عدم اهتمامها به.
الشرعية وتفويت الفرص
في الأشهر الأخيرة من العام الماضي 2021، نفّذت "القوات المشتركة" في الساحل الغربي عملية إعادة التموضع والانتشار[2]، وجاء تنفيذها لهذه الخطوة باعتبارها ضمن الخطوات الواردة في "اتفاق استوكهولم"، و التي رأت القيادة المشتركة أنها مستوجبة التنفيذ، لاسيّما بعد إغلاق الشرعية لملف تحرير الحديدة وعدم تطرقها لتعليقه أو إلغاء العمل به، حتى في ظل الضغط العسكري الحوثي على محافظة مأرب. هذا الموقف المتصلب للشرعية هو ما دفع القوات المشتركة لاتخاذ قرار استثمار قواتها الكثيفة المنتشرة دون أي هدف على طول الشريط الساحلي، وفي الأطراف الشرقية والجنوبية لمدينة الحديدة. بناءً على هذه المعطيات، فقد أعادت "القوات المشتركة" انتشارها خارج مدينة الحديدة ومديريات "الدريهمي والتحيتا"، إلى الأطراف الشمالية لمديريتي "الخوخة وحيس"، لتثبت مجدداً إخفاق "اتفاق استوكهولم"، وكذلك إخفاق الاتفاقات المجزأة والانفرادية. والتي لو لم تكن كذلك، لتم فرض خطوات مقابلة على الطرف الحوثي، تتمثل بإعادة انتشار قواته وانسحابه من المديريات الشمالية والشرقية في تعز، إلى أطراف مديريتي "القاعدة والعدين" جنوب محافظة إب.
يُعتقد أنه كان من الضروري أن يتضمن "اتفاق استوكهولم" خطوات متزامنة كهذه بين الحديدة وتعز، بيد أن تجاهل الشرعية لمثل هذه الاتفاقات وغض الطرف عنها أدى لنتائج عكسية على كافة الأوجه بما في ذلك الإنسانية، من خلال رفض الحوثي لفتح المعابر الرئيسية لتعز أمام وفد تعز المفاوض في عمّان بالأردن.
تعز بالمنظور العسكري الحوثي
يتعاطى الحوثيون مع تعز بحسابات عسكرية بحتة تتجاوز التصنيف الطائفي أو المذهبي الذي يذهب البعض لتفسيره. والحديث هنا من خبرة عسكرية تعتمد في القراءة على إسقاط معلومات ومعطيات الانتشار القتالي والعملياتي لجميع الأطراف على الخارطة. هذا الإسقاط يقود إلى قراءة طبيعة الانتشار العملياتي الحوثي في جبهات تعز، والذي يبدو على شكل "فك" يمكنه الإطباق وإعادة السيطرة عليها إن توفرت له الظروف المواتية لعملية كهذه.
إلى جانب ذلك تحظى تعز باهتمام كبير في الخارطة العسكرية والسياسية الحوثية، إذ أنها تمثّل جبهات مواجهة لقواته مع ثلاثة أطراف، وبالتوازي يعتقد القادة الحوثيون أن تمركزهم هذا يمنحهم نقاط امتيازات وأفضلية متعددة أمام أكثر من طرف محلي وإقليمي، ويمكن إيضاح ذلك على النحو التالي:
1- جبهة حوثية بمواجهة القوات المشتركة من خلال تمركز الحوثيين في الجبهة الغربية لتعز "مقبنة والبرح "، وهي بالتوازي جبهة تهدد الممر الملاحي العالمي في باب المندب، باعتبارها أقرب جبهات الحوثي إليه.
2- جبهة حوثية شمالية بمواجهة قوات محور تعز المحسوبة على تنظيم "الإخوان المسلمين" المتمثل بحزب الإصلاح، وذلك من خلال انتشار الحوثي في "الحوبان والستين والإطار الجغرافي الشرقي والغربي للمدينة".
3- جبهة حوثية شرقية تمتد إلى المشارف الشمالية لمحافظة لحج، والغربية لمحافظة الضالع، وهي جبهة حوثية بمواجهة قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي"، إذ تنتشر قوات الحوثيين في "الراهدة وحيفان وماوية" بمحاذات القوات الجنوبية المنتشرة في جبهات "كرش والحويمي والمسيمير" بمحافظة لحج، وكذلك في جبهة "تورصة في مديرية الأزارق" بالضالع. ناهيك عن أن هذه الجبهة الحوثية هي أقرب الجبهات من حيث المسافة لقاعدة العند الاستراتيجية، وأكثرها خطراً على العاصمة عدن.
أمام كل هذه الاعتبارات، من غير المرجّح أنّ الحوثيين سيمضون في الموافقة بسهولة على فتح المنافذ الإنسانية في تعز، لما يرون ما يمكن أن تشكّله لهم الجبهات متعددة المسارات من تأثير ونقاط ضغط في أي تفاوض مع الأطراف الثلاثة المذكورة أعلاه، سواءً كان التفاوض في إطار تسويات شاملة، أو من خلال التسويات الثنائية التي يمكنه عقدها مع كل طرف على حده.
علاوة على ذلك، فالتداخل الذي يفرضه انتشار مواقع الحوثيين في تعز، يجعل من الصعب تفكيك التعنّت الحوثي للتراجع من بعضها في إطار التهيئة لفتح المنافذ الرئيسية. لذا، من المتوقع أنهم سيوافقون ربما على فتح طرق ثانوية أو فرعية يمتصون بها مطالبات وضغوط الخارج والداخل، وهذا في أحسن الأحوال.