محاولة التصعيد البرتغالي بعدن عام 1513
03-06-2024 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
"حصار عدن الذي بدأ فجرًا أثناء عطلة عيد الفصح انتهى إلى فشل صارخ للبرتغال مع منتصف النهار"
سوث24 | فاطمة جونسون
في 26 مارس عام 1513، أنقذ التدافع والسلالم عدن من هيمنة برتغالية. حصار عدن الذي بدأ فجرًا أثناء عطلة عيد الفصح انتهى إلى فشل صارخ للبرتغال مع منتصف النهار. أربكت محاولة حصار عدن النائب الثاني لحاكم الهند البرتغالية ألفونسو دي ألبوكيرك من خلال سورها المرعب [1] وأبراجها الشاهقة. وذكرت تقارير أن كافة سلالم الصعود التي استخدمها البرتغاليون تصدعت تحت وطأة وزن القوة المهاجمة. لقد توقف الحصار جراء الخطأ الفادح في تقدير قوة عدن وعدم اللجوء إلى إجراء مسح عسكري كامل يتعلق بالمنطقة. ويشتهر دي ألبوكيرك بتعليقه الجاف التالي: "أعتقد أنني لو كنت استطلعت عدن أولًا، ما كنت أطلقت هجومنا من حيث فعلنا". [2]
بحلول الوقت الذي كلف فيه ملك البرتغال مانويل الأول دي ألبوكيرك بتأمين السيطرة على البحر الأحمر من خلال الاستيلاء على عدن، كانت بلاده قوة متأججة جديدة على الساحة الأكبر في المحيط الهندي. وعلى نحو أخاذ، كان الملاحون البرتغاليون أول من اكتشفوا، بحلول عام 1513، ممرًا مائيًا من أوروبا إلى الهند تحت إشراف الخبير فاسكو دا جاما. وسيطرت البرتغال بمرور الوقت على مواقع ثمينة في المحيط الهندي والبحر العربي مثل كيلوا (في تنزانيا المعاصرة)، وسوفالا (في موزمبيق المعاصرة)، وجوا في الهند عام 1510. واستطاعت البرتغال بشكل مدهش الحفاظ على سيطرتها على جوا حتى عام 1961. وعلاوة على ذلك، سيطرت البرتغال على المزيد من المواقع الرئيسية في شمال غرب الهند وتشمل ديو، ودامان، ومومباي، وفاساي، وسالسيت بحلول عام 1535. [3] كان البرتغاليون ينظرون إلى عدن بعين الاعتبار الشديد واصفين إياها بـ "المكان النبيل"[4] حيث قالوا عنها:
"هناك 4 أشياء ينبغي على البرتغال الاستحواذ عليها بقوة ويقين شديدين: عدن من أجل السيطرة على المضايق المتجهة إلى مكة [البحر الأحمر]، وهرمز حتى يتسنى الهيمنة على مضايق البصرة [الخليج الفارسي]، وديو وجوا من أجل بسط السيادة على كافة مديريات الهند الأخرى".[5]
بيد أن السيطرة على البحر الأحمر ظل عصيا على الطموح البرتغالي. سعي البرتغاليين إلى استكمال مشروع المحيط الهندي أدى بهم إلى ما وصفه اللغوي السير إدوارد دينيسون روس (الذي أتقن 49 لغة بينها العربية) بأنه "أكثر الحلقات رومانسية في تاريخ المغامرة البرتغالية". [6] ثمة رواية مفعمة بالحيوية حول الهجوم البرتغالي على لسان الشهير جواو دي باروس (الذي يقارنه البعض بالمؤرخ الروماني العظيم ليفي)، حيث تقدم تفاصيل حيوية متشابكة لا توجد في أي مصادر أخرى. وسرد الرجل روايته في المجلد الثاني من كتاب "عقود آسيا". وأشار إلى أنه قبل البدء في أي أعمال قتالية، طلب دي ألبوكيرك من قائد عدن في ذلك الوقت (مير مرجان أو الأمير مرجان)، وهو إثيوبي مسيحي المولد اعتنق الإسلام على متن سفينته في ميناء عدن، أن يقبل شفهيًا سيادة البرتغال على عدن. وبسبب رفض الأمير مرجان التنازل عن السيطرة على عدن، قام دي ألبوكيرك بحشد قوة مؤلفة من 2700 جندي (من البرتغال وساحل مالابار الهندي) و20 سفينة حيث حشدوا قواتهم في مواجهة السور المنيع لمدينة عدن. ووفقا لدي باروس، فإن حماسة قوات دي ألبوكيرك أدت إلى خطأ الاندفاع لتسلق السور بسرعة أكثر من اللازم تسببت في انهيار السلالم تحت وطأة الثقل المفرط. وذكرت تقارير أن قوات الحملة الصليبية كانت تصرخ مرارا وتكرارا: "إلى السور"! أحد القباطنة البرتغاليين، جارسيا دي سوسا، والذي وصل إلى أحد الأبراج ودخل مدينة عدن، اختار الموت بدلا من استخدام حبل للهروب من الهجوم المضاد لقوات الأمير مرجان حيث اعتبر هذا أمرا مهينًا.
وحققت عدن النصر بعد 4 ساعات من القتال الصلد، وانسحب دي ألبوكيرك إلى جزيرة كمران المتاخمة لشمال اليمن. [7] في الجزيرة المذكورة، لقى نحو 500 من جنوده حتفهم جراء الانسداد الرئوي والإرهاق وفقر الغذاء. وفي الجزيرة ذاتها، زعم دي ألبوكيرك أنه رأى رؤيا "تتعلق بأراضي الكاهن جون (ملك وكاهن مسيحي خيالي حكم الهند أو آسيا الوسطى أو إثيوبيا، وخلقت أسطورته في ألمانيا وسوريا في القرن الثاني عشر). [8] …وأنه رأى علامة في السماء على شكل صليب يلمع بشكل براق. [9]
التفاصيل الغريبة بشأن عقلية دي ألبوكيرك وجنوده الذين قيل أنهم ركعوا وصرخوا بعد الرؤيا المذكورة آنفُا تؤكد ما الذي دفع (جزئيًا) السياسة البرتغالية الإمبريالية نحو محاولة الاستيلاء على عدن. يتمثل هذا في نشر رسائل الأناجيل الكنسية الأربعة للعهد المسيحي الجديد. [10] بجانب ما قد يطلق عليه محفزات تقليدية للصراع (السيطرة على الموارد)، كان البرتغاليون عاقدي العزم على جعل نسختهم الكاثوليكية المسيحية تهيمن على شبه الجزيرة العربية ومنطقة البحر الأحمر الأوسع. من المعروف أن الملك مانويل الأول أراد تدمير الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. وقبل حصار عدن عام 1513، قام البرتغاليون بإعادة تسمية مسجد في سقطرى إلى " Nossa Senhora da Vitoria"(سيدة انتصارنا)، كما قاموا حتى بتسمية جزيرة بريم (ميون) اليمنية في باب المندب "Vera Cruz"(الصليب الحق). [11] وفقا للمؤرخ روجر كراولي، كان الملك مانويل الأول يملك سببًا دينيًا عميقًا للتعدي على البحر الأحمر قام بالإفصاح عنه فقط لدي ألبوكيرك وحفنة أخرى قليلة. لقد كان هذا السبب يتعلق بالإيمان بالأخرويات، وأن انتصار ملك مسيحي في البحر الأحمر من شأنه أن ينهي هيمنة الإسلام في المنطقة وخضوع القدس بدورها تحت سيطرة مسيحية. بنهاية عصر وبداية آخر، كان سيتم الاحتفاء بالملك مانويل الأول كـ "ملك الملوك". [12] بالرغم من حقيقة أن الكاهن جون لم يكن له وجود على الإطلاق، أشارت تقارير دي ألبوكيرك إلى الملك مانويل الأول أنه مقتنع تماما بأنه كان شخصية سياسية حقيقية في إثيوبيا وسوف يدعم الإمبراطورية البرتغالية في تنصير البحر الأحمر. [13]
رد فعل العالم الإسلامي نحو المحاولة البرتغالية للاستيلاء على عدن يشير بقوة إلى اعتبارها حربا دينية. أرسل شيخ عدن أخبارا عاجلة عن الحصار إلى جدة ومكة ومن ثم انتقلت بدورها إلى القاهرة. السلطان المملوكي قنصوة الغوري (امتدت فترة حكمه بين 1501-1517) أمر بالدعاء في مساجد القاهرة في صلاة الجمعة لتفادي كارثة وشيكة تتعلق بتدمير مكة ودخول البرتغاليين إلى القاهرة. [14] المثير للاهتمام هو أنه قبل هجوم عام 1513 على عدن، دفعت انتصارات البرتغاليين (في سقطرى وهرمز ومسقط) الغوري إلى إرسال مبعوث إلى بابا الكاثوليك في روما آنذاك يوليوس الثاني. ونقل المبعوث رسائل مفادها أنه إذا لم يقتنع الملك مانويل عن طريق البابا يوليوس الثاني بالامتناع عن مواصلة مشروعه الإمبريالي، سوف يتم تدمير الأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين واضطهاد رعاياه المسيحيين. [15] ربما كان الاستيلاء على عدن جزء من مخطط برتغالي رئيسي يتسم بجنون العظمة لتحقيق حلم الملك مانويل الأول بأن يكون ملك البحر وملك العالم المسيحي، وربما كان هذا ينبع جزئيًا من خوف حقيقي لحماية المصالح المسيحية. في رسالة، كتب دي ألبوكيرك إلى مانويل الأول: "إنها ليست خدمة صغيرة التي سوف تفعلها من أجل الرب بتدمير كرسي الهلاك وكافة شرورهم". [16]
حدثت العملية البرتغالية البحرية الإمبريالية في العقود الأولى من القرن السادس عشر الميلادي على مسرح حقيقي أعالي البحار! كانت هناك منافسات وتحالفات شديدة وحلقات من الوحشية الفائقة وتبادل مذهل للسلطة. قائمة اللاعبين الرئيسيين تضمنت البرتغاليين أنفسهم ممثلين بشكل رئيسي في مانويل الأول، هذا بالإضافة إلى سلطنة المماليك الشركسية العرقية التي غطت مصر والشام والساحل الغربي للسعودية المعاصرة (الحجاز) ويمثلها قنصوة الغوري، وجمهورية فينيسيا ويمثلها دوق فينسيا ليوراندو لوريدان، ومملكة كاليكوت أو كوزيكود في ولاية كيرالا الهندية حديثا ويمثلها ساموثيري راجا، وسلطان جوجارات ويمثلها شمس الدين مظفر شاه الثاني، والعثمانيين ويمثلهم سليم الأول، وبلاد فارس الصفوية ويمثلها إسماعيل الأول، والإمبراطورية الإثيوبية ويمثلها داويت الثاني، وأخيرا السلطنة الطاهرية، وهي سلالة عربية تنحدر من الضالع وسيطرت على عدن في ذاك الوقت، ويمثلها الظافر عامر الثاني بن عبد الوهاب. لقد كان التحالف الرئيسي المناهض للبرتغاليين بين المماليك والفينيسيين (نسبة إلى فينيسيا). جاء ذلك في الوقت الذي حاول فيه البرتغاليون ترسيخ اتفاق مع دولة الفرس الصفوية من أجل إمكانية الوصول إلى قوات برية تستطيع استخدامها ضد المماليك والعثمانيين. وعرض دي ألبوكيرك على شاه إسماعيل الأول مساعدات عسكرية للفوز بـ "حكم مدينة القاهرة" وإلحاق "جروح خطيرة" بـ "الأتراك". [17] وعلاوة على ذلك، عملت البرتغال مع إثيوبيا المسيحية على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري على أساس استخباري ولوجستي، ومضت قدما في مشاريع دينية هناك(بعثات). في وقت ما، استقر 400 رجل برتغالي في إثيوبيا مما خلق في نهاية المطاف جالية إثيوبية-برتغالية تتألف من 3000 فرد. [18] هناك أيضا قصة تتعلق بـ 40 مرتزقة برتغاليين اعتنقوا الإسلام واستقروا في عدن بالرغم من أن ذلك كان عام 1530 أي بعد وقت طويل من هجوم عام 1513. [19]
كيف كان العنف المصاحب لهجوم 1513 في عدن؟ وكيف كان العنف المصاحب لرد الفعل العدني؟ تكشف رسالة حديثة الاتجاه البرتغالي السائد لسكان عدن حيث كانوا يشيرون إليهم بوصف "المور". وقالت الرسالة: "المور في هذه الأرض لن يشيدوا بنتائج المناقشات الفلسفية ولكنهم انقسموا على أنفسهم بعد الكثير من الدماء". [20] وتظهر السجلات أيضا أنه مع رفض الأمير مرجان القبول الفوري للسيادة البرتغالية على عدن (كما هو مذكور آنفًا)، عرض بسذاجة إلى حد ما على دي ألبوكيرك شخصيًا مناقشة مسألة وصول السفن العشرين البرتغالية إلى عدن. كان هذا رغم حقيقة أن دي ألبوكيرك ذكر فقط أن القوة البحرية البرتغالية كانت في البحر الأحمر تعتزم الإبحار إلى جدة والسويس للقضاء على الأساطيل المملوكية. لقد قوبل عرض الأمير مرجان بالتفاوض في مواجهة هذه المعلومات بالرفض الفوري من دي ألبوكيرك. شملت ترسانة الأسلحة والتجهيزات البرتغالية آلة الكبش الضاربة، والعتلات، والمجارف، والفؤوس، والبنادق، والمدافع، والبارود. [21] وعلاوة على ذلك، أحرق البرتغاليون عددا كبيرا من السفن التجارية في ميناء عدن. [22] أحدث البرتغاليون ثقبا بسور مدينة عدن (بفعل التفجيرات). بيد أن الهجوم العشوائي منح القوات الطاهرية بسهولة اليد العليا. لقد قذفت القوات الصخور والسهام والرماح على جنود البرتغال ومالابار. وأصيب العديد من القوات المهاجمة بجروح خطيرة بسبب انهيار السلالم المستخدمة في الصعود تحت وطأة ثقل العديد من النبلاء البرتغاليين الذين كانوا تواقين إلى إثبات شجاعتهم، وتسببوا في ازدحام شديد على السلالم التي كانت قصيرة جدا. مجرد سرد أحد التفصيلات البشعة عن رد الفعل الطاهري يفضح مستوى العنف المستخدم حيث "أن صفًا من رؤوس البرتغاليين كانت تتدلى على أسنة الرماح من البرج المهزوم". [23] سلوك البرتغاليين بعد الهجوم الفاشل على عدن عام 1513 يفضح مدى الوحشية التي كانوا سيتعاملون بها في عدن لو حققوا الانتصار في نهاية المطاف أو كانوا قادرين على إلحاق المزيد من الإصابات أثناء الهجوم نفسه بدلا من الاضطرار إلى التراجع. إن القصص المتعلقة بقسوة البرتغاليين في محيط البحر الأحمر بعد 1513 يتم تداولها كدليل عار يطاردهم. تتذكر الكاتبة كيف أخبرت في طفولتها أن البرتغاليين كانوا يشتهرون على نحو سيء السمعة بقطع أنوف وأيدي وآذان أعدائهم بالإضافة إلى التشهير بضحاياهم المثيرين للشفقة حتى لا يراود أحد شك في القوة الخام للإمبراطورية البرتغالية، وهو ما تشهد عليه سجلات التاريخ. [24]
لقى دي ألبوكيرك حتفه في 15 ديسمبر عام 1515 جراء مرض الزحار بينما كان على متن "فرول دا روزا" في المياه المحيطة بجوا. لقد اعتزم ألبوكيرك قصف عدن مجددا في يناير 1514 لكنه أُحبط من ندرة السفن الصالحة للإبحار، كما تشتت انتباهه من خلال الحاجة إلى إخضاع هرمز بشكل صحيح تحت السيطرة البرتغالية قبل إمكانية مواجهة عدن مجددًا. يتفق المؤرخون على نحو واسع النطاق على أن السياسية البرتغالية الإمبريالية كانت سيئة التصور [25]، وأن عدم القدرة على الاستيلاء على عدن جعل من المستحيل أن تشل أركان سلطنة المماليك من خلال احتكار تجارة التوابل. [26] على غرار قسطنطين الأول حاكم الإمبراطورية البيزنطية، رأى دي ألبوكيرك، كما هو مذكور آنفًا، رؤيا صليب يلمع في السماء. يقال أن قسطنطين الأول رأى أيضا عام 312 ميلاديا رؤيا صليب مشتعل في السماء منقوش عليه الكلمات "بهذه العلامة، قم بالغزو".[27] ومضى قسطنطين الأول قدما ليهزم ماكسينتيوس في نفس العام من أجل السيطرة على الإمبراطورية الرومانية الغربية. ولكن بالنسبة للبرتغال، لم تحدث معجزة تحقيق السيطرة الكاملة على المحيط الهندي. وفي الوقت الذي أصبح فيه العثمانيون القوة البحرية العالمية التالية، راودتهم أيضا أفكار غزو عدن واليمن ككل القوى الاستعمارية:
"في الوقت الراهن، لا يوجد سيد لليمن، إنها إمارة فارغة تستحق أن تكون سنجقًا (كلمة بالتركية تعني مقاطعة) لطيفًا. سوف يكون غزوها مهمة سهلة وممكنة. وإذا تم احتلالها، سيكون من الممكن السيطرة على أراضي الهند وإرسال كمية عظيمة من الذهب والمجوهرات سنويا إلى إسطنبول". [28]
السابق: