تجميع: مركز سوث24
15-08-2023 الساعة 7 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | فريدة أحمد
في أول خطاب له عن السياسة الخارجية، دعا الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، إلى إنهاء الحرب في اليمن، ووقف مبيعات الأسلحة الأمريكية للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، لما سببته الحرب من كارثة إنسانية واستراتيجية. حتى الآن، وبعد أكثر من سنتين على تولي إدارة "بايدن" الرئاسة، أخفقت الولايات المتحدة في تنفيذ وعودها. يقول "تريتا بارسي"، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، "بعد عامين من رئاسته، ربما تكون الصين قد أوفت بهذا الوعد". عمليًا، غيّر النشاط الدبلوماسي الصيني في الشرق الأوسط خلال النصف الأول من العام كثير من التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، وفي مقدمة ذلك جهود بكين في مسألة التقارب السعودي الإيراني؛ الذي فتح فصلًا جديدًا لترتيب العلاقات بين أكبر قوتين إقليميتين نافذتين في المنطقة بعد عقود من التوتر.
في شهر يونيو الفائت، أعادت السفارة الإيرانية افتتاح سفارتها في العاصمة السعودية الرياض، بعد سنوات من الخلاف الدبلوماسي بين البلدين. ومن المزمع فتح السفارة السعودية في طهران خلال الفترة المقبلة، وفقًا لما أعلنه وزير الخارجية السعودي، "فيصل بن فرحان"، خلال زيارته إلى طهران منتصف يونيو، التي عدّت الأولى منذ 10 سنوات. وهو ما يعني فوائد محتملة يمكن أن يجلبها التقارب ليس على مستوى البلدين فقط، ولكن للمنطقة ككل، ذلك وفقًا لـ "على رضا عنايتي"، سفير إيران لدى السعودية، الذي شدد على أن العلاقات المتجددة يمكن أن يكون لها "تداعيات كبيرة على السلام الإقليمي والاستقرار والاستقلال، مع تعزيز ثقافة الحوار في المنطقة".
يبدو أن الصين نجحت إلى حدٍ ما في إحداث فارق دبلوماسي، سيمكنّها بلا شك من تعميق علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، لا سيّما وأن الولايات المتحدة سعت إلى التخفيف من مشاركتها هناك. إذ تسعى دول الإقليم بصورة أساسية إلى التعاون مع الصين في مجالات التكنولوجيا والأمن والبنية التحتية، وقد ساهم خفوت دور واشنطن في المنطقة من تسريع هذا الأمر، خاصة وأن "بايدن"، ظل يعزّز من فكرة أن الصين أولوية أمنية قصوى وفقًا لاستراتيجية الأمن القومي، وأنّها "التحدي الجيوسياسي الأكثر أهمية لأمريكا". يبدو أنّ هذا الحديث ترك العديد من شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يعتقدون أن اهتمام واشنطن يصب في مكانٍ آخر، وجعلهم يتجهون للبحث عن بدائل استراتيجية اقتصادية وأمنية أخرى، وبالذات بعد أن شهدوا تخلي واشنطن عن أفغانستان بكل سهولة؛ بعد 20 عامًا.
من المهم القول، أنّ سياسة الصين تجاه المنطقة تتماشى مع السياق الأوسع لعلاقتها مع السعودية وإيران، وطالما أنّها أحدثت خرقًا دبلوماسيًا كبيرًا في هذا الجانب، فهي قد تسعى أكثر للتوسط في عملية السلام في اليمن. وقد يكون التقارب السعودي الإيراني خطوة أولى نحو هذه الغاية، ذلك على الرغم من عدم وجود إشارة مباشرة إلى اليمن في نص الاتفاقية. غير أنّ الاهتمام الصيني يبدو واضحًا، انطلاقًا من مصالح بكين الاستراتيجية على المستوى الاقتصادي في الشرق الأوسط.
"سياسة الصين تجاه المنطقة تتماشى مع السياق الأوسع لعلاقتها مع السعودية وإيران، وطالما أنّها أحدثت خرقًا دبلوماسيًا كبيرًا في هذا الجانب، فهي قد تسعى أكثر للتوسط في عملية السلام في اليمن."
تحرّكات صينية في اليمن
لا تزال تحركات الصين في اليمن غير واضحة المعالم حتى الآن. ومع ذلك، هناك بعض الملاحظات الأوّلية التي يمكن طرحها على النحو التالي:
1- موقع مهم: يعد موقع اليمن الاستراتيجي جاذبًا وربما أكثر حسمًا بالنسبة للصين، خاصة المناطق المطلّة على بحر العرب وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، حيث يمر جزء كبير من تجارة الصين والنفط المستورد من الشرق الأوسط وإفريقيا عبر هذه الممرات المائية إلى جانب مضيق هرمز. لذا، وفقًا لتفكيرها الاستراتيجي، قد ترى بكين أن تأمين الوصول إلى الموانئ في جنوب وشمال اليمن، يمكن أن يساعد في تعزيز مبادرة "الحزام والطريق" التي تطمح لها، وهو ما يضمن دخولها إلى طرق التجارة العالمية بصورة أكثر سلاسة.
2- تواجد عسكري: في 2017، بنت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها، في جيبوتي، وذلك لاستخدامها في إمداد سفن القوات البحرية التي تشارك في مهام حفظ السلام والإغاثة قبالة سواحل اليمن والصومال، وفقًا لما ذكرته. ورغم مخاوف الدول الكبرى من الوجود العسكري الصيني في جيبوتي وتبعاته على الخريطة الجيواستراتيجية العالمية، غير أن الصين ظلّت تؤكد أنها ليست سوى قاعدة لوجستية. إذ يبدو أنّ تحركات الصين تهدف إلى فتح مزيد من الأسواق لتجارتها والحصول على مناطق نفوذ اقتصادية وأمنية وتجارية بالقرب من المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومضيق باب المندب، لتأمين طرق مواردها من الطاقة والنقل التجاري. فضلًا عن ذلك، فهي ترغب بالحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في دول المنطقة ومواجهة أي تهديدات يمكن أن تؤثر على مسار خططها، سواء من الإرهاب أو القرصنة أو الحوثيين. أيضا، يعزز من هذا التوجه الاتهامات المتكررة لمسؤولين أمريكيين حول بناء قاعدة عسكرية صينية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو الأمر الذي يقول الأمريكيون أنهم لن يسمحوا به.
3- اتفاقيات ومنح: لطالما شجعت اليمن الاستثمارات الصينية، فخلال زيارة رسمية قام بها الرئيس السابق هادي لبكين عام 2013، وقّع الطرفان الصيني واليمني حزمة من اتفاقيات التعاون الاستثماري والمستقبلي، ومنها اتفاقية توسيع وتعميق محطة الحاويات بميناء عدن بتكلفة 507 مليون دولار، وكذا في مجال التخطيط والتعاون الدولي والتربية التعليم. غير أنّه تم تعليق كثير من المشاريع الصينية الجارية سواء النفطية أو المتعلقة بالبنية التحتية، فضلًا عن عدم تنفيذ المشاريع التي تم التوقيع عليها عام 2013، جراء الحرب الدائرة في اليمن لأكثر من ثمان سنوات. في يوليو 2017، قدّمت بكين منحة قدرها 22.5 مليون دولار كمساعدات إغاثة للحكومة اليمنية وأموال إضافية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية للمساعدة في مكافحة وباء الكوليرا. كما قدمت الحكومة الصينية في عام 2009، منحة قدرها 753000 دولار، كمساعدة لليمنيين النازحين بسبب القتال بين الجيش والحوثيين. من المهم القول، إنّ الصين "مستعدة للمشاركة بنشاط في عملية إعادة الإعمار الاقتصادي في اليمن في المستقبل"، وفقًا للسفير "تيان تشي". وقد تكون مبادرة الحزام والطريق محفزًا لذلك.
4- خروج السعودية من الحرب: فإلى جانب مساعي الصين في إعادة تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، هي تدرك جيدًا أنّ خروج الرياض من حرب اليمن، سيتيح أجواء أكثر ملائمة للاستقرار في المنطقة، وهو ما يجعلها أكثر اطمئنانًا لتنفيذ مشاريعها الاستراتيجية، لا سيّما وهي تشتري نصف نفطها الخام من الدول العربية، وبالذات أن السعودية تتصدر القائمة. ومن المتوقع أن تظل السعودية مُصدّرًا رئيسيًا، وربما المهيمن، للنفط الخام إلى الصين بعد زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى الرياض في ديسمبر العام الفائت. إذ من المقرر أن تتلقى الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما بين 1 تريليون دولار إلى 2 تريليون دولار في شكل استثمارات من أكبر الصناديق السيادية في الشرق الأوسط بحلول عام 2030.
5- لقاءات متواصلة: تثير اللقاءات المتكررة من قبل المسؤولين الصينين مع السلطة الشرعية في اليمن، كثير من التكهنات حول الاهتمام المتزايد، وبالذات بعد القمم الصينية الخليجية والعربية أواخر العام الفائت. إذ كانت مجمل اللقاءات تؤكد على مسألة وصول أطراف الصراع في اليمن إلى تسوية سياسية شاملة. كان آخرها لقاء القائم بأعمال السفارة الصينية لدى اليمن، "شاو تشنغ"، مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي "رشاد العليمي" في 31 يوليو الفائت، لمناقشة مسار الجهود الإقليمية والدولية لإحياء العملية السياسية، وكذا الضغوط الصينية المطلوبة لتعزيز فرص السلام في اليمن. وسبق ذلك بالمثل، لقاءات متعددة ومنفردة مع نواب مجلس القيادة الرئاسي.
ذات صلة: كيف تنظر الصين لجنوب اليمن؟
6- استئناف عمل السفارة: تحاول بكين تكثيف عملها الدبلوماسي في اليمن، من خلال مساعيها لفتح السفارة من جديد، إذ زار وفد دبلوماسي صيني في ديسمبر العام الماضي، العاصمة عدن، للتمهيد لاستئناف عمل السفارة الصينية، خاصة وأن الوفد توجه إلى مبنى القنصلية الصينية بحي السفارات بمديرية خورمكسر. وأعلن "شاو تشينغ"، القائم بأعمال السفارة الصينية لدى اليمن خلال زيارته، عن جاهزية مبنى ومقر السفارة الصينية السابقة بالعاصمة عدن، موجهًا الشكر للقيادات اليمنية لحفاظها على المبنى الذي تم إغلاقه بشكل مؤقت في يونيو 2015.
7- وسيط خفي: تتحدث مصادر لسوث24، عن جهود صينية دؤوبة بُذلت في المحادثات الثنائية التي جرت بين السعوديين والحوثيين في النصف الأول من العام الحالي، ذلك على رغم ظهور عُمان كوسيط إقليمي في الواجهة، غير أن بكين لعبت دور الوسيط الدولي الخفي في هذه التفاهمات. فهي تريد الحفاظ على علاقاتها مع مختلف أطراف الصراع في اليمن، بما في ذلك الحوثيين. مثل هذا الدور؛ لعبته بكين مع حركة طالبان في أفغانستان، عندما نظمت لمحادثات سلام في 2019، بهدف تحقيق مصالحة بين الأطراف المتناحرة في أفغانستان، وإبرام اتفاق تنسحب بمقتضاه القوات الأمريكية والقوات الأجنبية الأخرى مقابل ضمانات أمنية من طالبان. التقارب الصيني مع طالبان يعدّ جزءًا من الصراع الاستراتيجي مع واشنطن، وملء الفراغ الأمريكي وسط آسيا، وهو يبدو ذات الدور الذي تقوم به الصين راهنًا في الشرق الأوسط من خلال تقديم نفسها كبديل عن الولايات المتحدة.
مؤخرًا، حاول الحوثيون استغلال التعاطي الصيني مع الأطراف اليمنية، من خلال إعلانهم عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "أنتون أويل" الصينية للاستثمار في مجال الاستكشافات النفطية باليمن، وهو أمر لم يكن يأمل القادة في السلطة الشرعية اليمنية بسماعه، لكن سرعان ما نفى القائم بأعمال السفير الصيني، بأن لا علاقة للحكومة الصينية بما أشيع حول توقيع مذكرة التفاهم. وعلى الفور، أعلنت الشركة الصينية، إن فرعها في دبي، "وقّع مذكرة تفاهم غير قانونية، نتيجة عدم وجود فهم كافٍ للمعلومات ذات الصلة"، مع إعلانها رسميًا إلغاء مذكرة التفاهم والاعتذار للأطراف المعنية. غير أن مراقبين مأزالوا يتشككون من المواقف الصينية تجاه حقيقة تعاملاتها مع الحوثيين، إذ من المهم بالنسبة لبكين ضمان عدم وجود تهديدات أو مخاوف أمنية على البحر الأحمر، لا سيّما وأن الحوثيين يسيطرون على شريط ساحلي يمتد لأكثر من 200 كيلو مترا، (من بعد الخوخه إلى ميدي قبل الحدود السعودية)، فضلًا عن رغبتها بالحفاظ على مقاربة التفاهم بين السعودية وإيران، خاصة في ظل دعم الأخيرة للحوثيين.
8- العلاقة مع الجنوبيين: يبدو واضحًا من خلال اللقاءات الصينية المنتظمة بقادة الحكومة الشرعية، أنّ بكين ترغب ببناء علاقات قوية مع اليمن، ومن خلال لقاء سفيرها بنائب مجلس القيادة الرئاسي ورئيس المجلس الانتقالي الجنوبي "عيدروس الزبيدي" أكثر من مرة، وحتى قبل انضمامه للرئاسي، يُظهر مدى إدراكها الجيد لأهمية ترتيب أولوياتها مع الجنوبيين النافذين على الأرض سياسيًا وعسكريًا، وتتعامل بواقعية وذكاء مع المعطيات الراهنة، قلّما تتعامل بها بعض الدول، ومنها دول إقليمية. لا سيّما وأن سيطرة القوات الجنوبية العسكرية على السواحل في بحر العرب وخليج عدن ومدخل مضيق باب المندب، يُشكل أهمية في تأمين مصالح جنوب اليمن أولًا، ومصالح الدول الكبرى التي تمر تجارتها الدولية عبر هذه الممرات، وحمايتها من أي تهديدات أو مخاطر محتملة من الجماعات الإرهابية أو القرصنة أو الحوثيين. فضلًا عن ذلك، فالصين وروسيا تربطهما علاقات قوية باليمن الجنوبي سابقًا قبل دخوله في وحدة مع اليمن الشمالي عام 1990، مما يسمح لبكين بالتحدث مع الأطراف الجنوبية والحفاظ على علاقات من شأنها أن تضمن مصالحها في المنطقة.
"تُدرك الصين جيدا أهمية ترتيب أولوياتها مع الجنوبيين النافذين على الأرض سياسيًا وعسكريًا، وتتعامل بواقعية وذكاء مع المعطيات الراهنة."
أولويات أمريكية ملحّة
في 27 يوليو الفائت، التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي "جاك سوليفان"، ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، وكان من بين الملفات التي تم النقاش حولها إلى جانب العلاقات الثنائية والإقليمية، ملف اليمن، الذي يبدو أنّه سيظل عالقًا بين حالة "اللاسلم واللاحرب"، من خلال استمرار الترحيب الأمريكي بهدنة الأمر الواقع وفوائدها خلال الأشهر الستة عشر الماضية، إذ لا يبدو أنّ هناك ما يلوح في الأفق لإنهاء الأزمة في اليمن. ظهر ذلك واضحًا بالمثل في حديث متشائم للمبعوث الأمريكي الخاص لدى اليمن "تيم ليندركنغ"، عن المفاوضات قبل شهرين، معبّرًا بالقول: "لا أتوقع حلًا دائمًا - ولا ينبغي أن يحدث بين عشية وضحاها فالصراع مستمر منذ ما يقرب من ثماني سنوات في اليمن". متابعًا، "ستستغرق العملية السياسية وقتًا ومن المحتمل أن تواجه العديد من النكسات، لكنني ما زلت متفائلًا بأن أمامنا فرصة حقيقية من أجل السلام".
حديث "ليندركنغ" عن العديد من النكسات، يصف بصورة استباقية الحالة المتوقعة، ويضع الولايات المتحدة أمام أسئلة صعبة فيما إذا كانت ستبذل جهودًا حقيقية من أجل تنفيذ وعودها لإخراج اليمن من أزمتها، فهي دومًا ما تؤكد على دور الأمم المتحدة المهم في جهود السلام باليمن، والجهود الدبلوماسية الرامية للتحرك نحو حل دائم للصراع. بشكل أعمق، يبدو أن لدى واشنطن أولويات قصوى راهنًا، ويمكن أن ينعكس مدى تحقيقها لهذه الأولويات على كثير من الملفات في المنطقة، منها ملف اليمن. فهي تريد موازنة صفقات أكثر حسمًا في الشرق الأوسط، وأهمها صفقة التطبيع الإسرائيلي السعودي، وهي صفقة تقابل صفقة الصين لتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، وربما الأهم في المنطقة. فوفقًا لموقع "إكسيوس" الأمريكي، توجه رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي "ديفيد بارنيا"، سرًا، إلى واشنطن قبل زيارة "سوليفان" إلى السعودية بأسبوعين، وأجرى محادثات مع كبار مسؤولي البيت الأبيض ووكالة المخابرات المركزية حول جهود إدارة "بايدن" للتوصل إلى اتفاق مع السعودية من شأنه أن يشمل التطبيع بين المملكة وإسرائيل.
وفق تسريبات غير مؤكدة، تشمل الصفقة ثلاث اشتراطات سعودية للتوقيع عليها، أبرزها: الحصول على معاهدة أمنية من شأنها أن تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن المملكة في حال تعرضها لهجوم أمني وعسكري، وكذا مساندتها في الحصول على برنامج نووي مدني تشرف عليه أميركا، بالإضافة لوقف التوسع الاستيطاني، وعدم ضم أراضٍ فلسطينية من الضفة الغربية. في المقابل، يبدو أن الولايات المتحدة تريد من السعودية فرض قيود كبيرة على العلاقات المتنامية بينها وبين الصين.
تبعًا لذلك، وصل أكثر من 3000 بحار ومشاة البحرية الأمريكية من مجموعة باتان البرمائية الجاهزة (ARG)، والوحدة الاستكشافية البحرية السادسة والعشرون (MEU) إلى الشرق الأوسط في 6 أغسطس. وتشمل منطقة عمليات الأسطول الأمريكي الخامس ما يقرب من 2.5 مليون ميل مربع من المساحة المائية، منها الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي وثلاث نقاط اختناق حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب. ومن غير المعروف ما إذا كان نشر القوات مؤخرًا في البحر الأحمر هو جزء من الضمانات الأمنية والعسكرية غير المعلنة للسعودية من أجل اتمام صفقة التطبيع المنتظرة في المنطقة، أو جزء من حشد أوسع للقوات الأمريكية في المنطقة، في ظل التصعيد الإيراني خلال الأشهر الأخيرة؛ ومحاولتها الاستيلاء على ناقلات تجارية في الممرات المائية الخليجية.
يتوقع مراقبون أن التطبيع الإسرائيلي السعودي، سيغيّر منطقة الشرق الأوسط، رغم الظروف والعقبات التي يمكن أن تكتنف مساراته، لا سيّما في ظل وجود حكومة يمينية تعتبر الأكثر تطرّفًا في تاريخ إسرائيل، وتصطدم بمطالب السعودية المتمسكة بـ المبادرة العربية التي أعقبت القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002، والمتمثّله بحل الدولتين على حدود 1967. بالنسبة لإدارة "بايدن"، مهما كان لديها من آراء شخصية عن سجل ولي العهد السعودي في ملف حقوق الإنسان، ربما ستحتفظ بها لنفسها في الوقت الراهن، حتى لا تفسد مسار الصفقة التي ترعاها وتعقد الآمال عليها.
أما الصين، ربما تكون تفوّقت على الولايات المتحدة في طريقة تعاملها مع طهران والرياض، وهو ما بدا فعليًا من خلال رعاية التقارب بين الطرفين، ومن المرجّح أن تسعى في ذات الوتيرة الدبلوماسية لحل أزمة الصراع اليمن والوصول بها إلى مرحلة السلام الشامل. إذ إنّها حتى الآن، تبدو الشريك الدولي الأكثر موثوقية بالنسبة للأطراف الإقليمية التي تدخّلت في حرب اليمن بشكل مباشر، وربما كذلك للأطراف المحلية اليمنية خصوصًا إذا اضطلعت بدور الوسيط مباشرة.
في المحصّله، سيظل اليمنيون يترقّبون ما قد ينعكس على الملف اليمني من تغييرات جيوسياسية في المنطقة، وما إذا كان الفضل في إيصال اليمن إلى بر الأمان سينسب إلى واشنطن أم بكين.