جنود ينتظرون خارج قاعدة فورت هود العسكرية في تكساس في عام 2009 بعد أن قتل مسلح 12 شخصًا وأصاب 31 آخرين في إطلاق نار (AFP)
16-04-2024 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
"من غير المستبعد أن تتحول اليمن إلى مركز رئيسي لتنظيم القاعدة، مجددا، بعد ضعف التنظيم في أفغانستان وباكستان، ومقتل زعيمه أيمن الظواهري، وتولي أحمد سيف العدل المقيم في إيران الزعامة."
إبراهيم علي
مرّ وقت طويل على آخر مرة شنّ فيها فرع تنظيم القاعدة اليمني هجمات عابرة للحدود. بين العامين 2009 و2010، نفذ هذا الفرع عددا من العمليات الخارجية، إلى درجة أنه تحول إلى تهديد خارجي أكثر منه تهديدا داخليا. خلال تلك الفترة، انصب الاهتمام الأمريكي والبريطاني على هذا الفرع أكثر من الاهتمام بأي فرع آخر للتنظيم، بل أكثر من التنظيم الأم في أفغانستان وباكستان، على رغم أن زعيمه الأسبق، أسامة بن لادن كان مايزال على قيد الحياة. من هذا المنطلق، اعتبرته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) التهديد الأخطر من بين كل أفرع التنظيم، ومن التنظيم الأم، وتصرفت أمنيا وعسكريا واستخباراتيا على هذا الأساس.[1]
التهديد الخارجي الذي شكله فرع القاعدة اليمني، منح الرئيس اليمني الأسبق، علي عبدالله صالح، حظوة لدى الإدارة الأمريكية، حيث تصاعد التعاون الأمني والعسكري بين وصنعاء وواشنطن بشكل غير مسبوق، والأهم من ذلك، تضاعف الدعم المالي لنظام صالح، إذ ارتفع إلى 150 مليون دولار سنويا.[2] مثلت هذه النقطة مدخلا للمعارضة لاتهام صالح بالمتاجرة في ملف القاعدة، لكن، لم يكن لدى الأمريكيين من خيار غير التعامل معه، إذ احتكر صالح كل ما يتعلق بهذا الملف على نفسه، وبقي ما يقوله خصومه، وحتى ما تشك به واشنطن، مفتقرا للأدلة، رغم دعم القرائن له.[3]
على مستوى التسليح، حصلت قوات الأمن المركزي، التي كان يرأسها نجل شقيق صالح، يحيى محمد عبدالله صالح، على معدات وآليات وأسلحة متطورة. في وقت لاحق، كشفت وسائل إعلام أمريكية أن الأسلحة التي منحت لنظام صالح في إطار تعاون مكافحة الإرهاب، استخدمت للحرب على جماعة الحوثي في محافظة صعدة.[4]
عمليا، بدأت بريطانيا بإنشاء أربع مراكز لمكافحة الإرهاب في أربع محافظات يمنية، هي أبين، مأرب، شبوة، وحضرموت، لكنَّ اندلاع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط نظام صالح مطلع العام 2011، حال دون استكمال هذا المشروع. أثرت الاحتجاجات على مسار الحرب على الإرهاب بشكل عام.[5]
عمليات القاعدة الخارجية
قبل اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل صالح، كان تنظيم القاعدة في اليمن قد نفذ عددا من العمليات الخارجية، كمحاولة اغتيال من كان حينها نائب وزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف، وإرسال طرود مفخخة إلى المملكة المتحدة، إضافة إلى محاولة تفجير طائرة ركاب في أجواء الولايات المتحدة الأمريكية عبر انتحاري نيجيري الجنسية يدعى "عمر الفاروق" لكنه فشل في تنفيذها. أحدثت هذه المحاولات هزة عالمية، واستدعت مضاعفة الإجراءات والتدابير الأمنية في عدد من مطارات دول العالم، وبالطبع تكثيف جهود مكافحة الإرهاب في اليمن بالتنسيق مع نظام صالح.[6]
مع أن تنظيم القاعدة لم يكن في أوج قوته خلال تلك الفترة، مقارنة بوضعه في الأعوام 2012، 2013، 2014، إلا أنه تمكن من تنفيذ أهم عملياته العابرة للحدود. إلى جانب وجود ثغرات أمنية، امتلك التنظيم بعض أدوات التفوق في العمليات الخارجية، لعل أبرزها صنع متفجرات قادرة على تجاوز أجهزة الفحص في المطارات، كما حصل في عمليتي عمر الفاروق وعبدالله طالع عسيري ضد بن نايف. لكنَّ أداة التفوق هذه ارتبطت بالقيادي إبراهيم عسيري (سعودي الجنسية) الذي تم الإعلان عن مقتله بقصف أمريكي قبل سنوات، ولم يؤكد التنظيم أو ينف ذلك إلى اليوم. كان خبير المتفجرات السعودي واحدا من أهم المطلوبين لواشنطن في فرع القاعدة اليمن.[7]
ومع أن نموذج عمليات العامين 2009 و 2010، لم يتكرر في الأعوام التالية، إلا أن التنظيم تمكن من تنفيذ عمليات من خلال التأثير عن بعد. لعبت مجلة "انسباير" الناطقة بالإنجليزية دورا كبيرا في ذلك. أدوات التفوق من خلال التأثير في هذه المرحلة كانت القياديان اليمني أنور العولقي، والباكستاني سمير خان اللذان قتلا بقصف أمريكي في سبتمبر من العام 2011.[8]
على الرغم من أن العولقي وخان قتلا في العام 2011، إلا أن تأثير نشاطهما امتد لسنوات تالية. في العام 2015، قال شريف كواشي أحد الأخوين اللذين نفذا هجوم صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، إذ قتلا 12 شخصا، إنه تلقى تمويلا من القيادي بتنظيم القاعدة في اليمن أنور العولقي. وقد ورد ذلك في تصريح أدلى به لتلفزيون "بي.إف.إم" الفرنسي قبيل مقتله أثناء تحصنه داخل مطبعة في ضاحية باريسية.
وجاء في تسجيل بثته القناة بعد انتهاء الحصار "لقد أرسلني أنا شريف كواشي تنظيم القاعدة في اليمن. ذهبت إلى هناك وأنور العولقي هو الذي قدم لي التمويل".[9]
كذلك، تفجيرات بوسطن الأمريكية، حيث اعترف جوهر تسارنييف المتهم بتنفيذ التفجيرات مع شقيقه الذي قتلته قوات الأمن، أن خطة التفجيرات حددت في البداية الرابع من يوليو، وهو العيد القومي للولايات المتحدة لتنفيذ عمليتهما.
وأوضح الشاب الذي هاجر مع أسرته من الشيشان إلى الولايات المتحدة، أنه وشقيقه شاهدا بتأثر مراسم تشييع جثمان أنور العولقي الذي لقي مصرعه في هجوم بطائرة أميركية بدون طيار في سبتمبر 2011، وأنهما قررا تنفيذ العملية باستخدام أواني الطهي البخارية داخل إحدى المدن الأميركية الكبيرة، بعدما تعلما كيفية صنع العبوات المتفجرة باستخدام تلك الأواني من موقع إلكتروني "تديره القاعدة في شبه الجزيرة العربية، التي تتخذ من اليمن مقرا لها". في إشارة إلى مجلة "انسباير".[10]
قبل هذه العملية، وتحديدا في العام 2009، كان تأثير العولقي قد وصل إلى الجيش الأمريكي، حين تمكن من تجنيد الضابط نضال حسن (من أصل فلسطيني). إذ أطلق الرائد "حسن" النار على زملائه في القاعدة العسكرية "فورت هود" بولاية تكساس، ليقتل 13 جنديا ويصيب أكثر من 38 آخرين. في وقت لاحق أكد العولقي، وكان يعمل اماماً في مسجد دار الهجرة الواقع بالعاصمة الامريكية واشنطن، أن نضال بدأ بمراسلته عبر البريد الالكتروني قبل أكثر من عام على العملية، واستفسر منه ان كان عمل كهذا يعتبر جهاداً.[11]
تراجع العمليات الخارجية
في حين تأكد خبر مقتل أنور العولقي وسمير خان بغارة الجوف، لا توجد معلومات دقيقة حتى اللحظة حول مصير خبير صانع القنابل السعودي إبراهيم عسيري. لكنَّ المؤكد هو أن عمليات التنظيم الخارجية تراجعت بعد العام 2013، رغم أن مجلة "انسباير" استمرت في الصدور، ورغم أن التنظيم نفذ خلال العامين 2013 و2014، عمليات داخلية تفوق ما نفذه منذ تأسيسه كمًا وكيفًا.
من المهم الإشارة هنا إلى أن عمليات التنظيم الخارجية نُفذت على فترات متباعدة، ومن الصعب القول إنها تراجعت خلال عامٍ ما، لكنَّ الأعوام التالية لم تشهد عمليات من هذا النوع. بالنسبة لما بعد العام 2014، يبدو إن ما حدث فيه كان تجميدا للنشاط وليس تراجعا له. ربما أراد التنظيم الاستفادة من التطورات التي شهدتها اليمن بعد إعلان السعودية عن عملية عسكرية ضد الحوثيين في مارس 2015. إلى ما قبل هذا التاريخ، كان تنظيم القاعدة الهدف الأول للحرب في اليمن. أما بعده، فقد بات هدفا ثانويا. لهذا السبب لم يشأ التنظيم أن يلفت أنظار الغرب إليه من خلال تنفيذ عمليات بالتزامن مع حرب المملكة على الحوثيين، خصوصا في ظل تحذيرات غربية من تأثير حرب السعودية ضد الحوثيين في اليمن على ملف مكافحة الإرهاب.[12]
لكن، مع دخول حرب التحالف في اليمن حالة المراوحة، عاود التنظيم نشاطه الداخلي، ومحاولاته لتنفيذ عمليات خارجية. نجحت محاولات التنظيم في تنفيذ عملية "بينساكولا" بالولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، قال مسؤولون في الولايات المتحدة إن ضابط سلاح الجو السعودي الذي شن هجوما مسلحا داخل قاعدة بحرية أمريكية في ديسمبر/ كانون الأول عام 2019 كان يتعاون مع تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" لتخطيط الهجوم. ووفق "إف بي آي"، تبين من التسجيلات أنه كان على اتصال مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو فرع من تنظيم القاعدة يوجد في اليمن، بخصوص تنفيذ "عملية خاصة".[13]
مقتل أبرز القادة
في حال اعتبار تجميد العمليات الخارجية ومعظم النشاط الداخلي بعد العام 2014 مجرد سياسة تتعلق بحسابات خاصة للتنظيم، لا يمكن إغفال أن مقتل معظم قادة البارزين بعد هذا التاريخ قد لعب دورا في التأثير على نشاطه، إلى جانب جهود القوات الجنوبية العسكرية وطرده من أبرز معاقله في محافظات أبين وشبوة وحضرموت، فضلا عن الانقسامات التي نشأت داخل التنظيم.
بالعودة إلى أسماء القيادات التي لقت حتفها، سنجد أنها من خططت لمعظم العمليات الداخلية والعابرة للحدود. بعد العام 2014، تمكنت الطائرات الأمريكية من دون طيار من الوصول إلى معظم قادة الصفين الأول والثاني في قاعدة اليمن، أمثال زعيمه ناصر الوحيشي، وخليفة زعيمه قاسم الريمي، ومسئوله الشرعي حارث النظاري، والمسئول الدعوي مأمون حاتم، وقائده الأمني جلال بلعيدي المرقشي، وقيادات أخرى كثيرة.
يمكن القول إن العمليات سالفة الذكر قضت على العقل المدبر والمخطط لعمليات تنظيم القاعدة في اليمن داخليا وخارجيا. لكن، هل انتهى التنظيم بالفعل كتهديد عابر للقارات؟
هل انتهى تنظيم اليمن كتهديد خارجي؟
بالنظر إلى الخسائر التي مني بها تنظيم القاعدة في اليمن خلال العقد الأخير، يمكن القول إنه انتهى كتهديد خارجي، وضعف كثيرا كتهديد داخلي، لكن التطورات التي شهدها التنظيم أخيرا تقول غير ذلك.
مع أن خالد باطرفي كان آخر قادة التنظيم الذين ينتمون إلى فئة الجهاديين القدامى، إلا أن مرحلته شهدت تطورا مهما، تمثل في تعزيز العلاقة بإيران، بعد مقتل زعيم القاعدة أيمن الظواهر وتولي المصري أحمد سيف العدل الزعامة خلفا له. تم الإفراج عن سيف العدل في العام 2015، ضمن صفقة بين قاعدة اليمن وإيران، لكنه رفض مغادرة أراضي الأخيرة بعد ذلك. أوفد سيف العدل نجله إلى اليمن، وليس إلى أي بلد آخر يتواجد فيها فرع للتنظيم، كالصومال وغيرها.[14] تفيد مصادر خاصة بأن تنظيم اليمن حصل على دعم كبير من إيران، وقد انعكس على نشاطه العملياتي بعدما كان قد تراجع كثيرا إثر العمليات التي نفذتها القوات الجنوبية داخل معاقله في عدد من المحافظات. استخدم التنظيم في بعض هجماته ـ ولأول مرة ـ طائرات من دون طيار، وصواريخ "غراد".[15] قبل هذا كان التنظيم قد استنجد بالقبائل طلبا للدعم، وأقر علنًا، أنه يعاني أزمة مالية خانقة، لكن وضعه تغير بشكل مفاجئ. وبناء على ذلك، من غير المستبعد أن تشهد عملياته تصاعدا خلال الفترة المقبلة.[16]
على الصعيد الخارجي، وفي ظل الدعم الإيراني، قد تعود عمليات التنظيم الى الواجهة مجددا، وإن لم يكن بصورة أكبر، إذ تجيد إيران اللعب من خلال الأدوات بشكل كبير، كما لاحظنا ذلك من خلال عمليات البحر الأحمر التي ينفذها الحوثيون، والعمليات في العراق وسوريا ولبنان عبر فصائل موالية. ومن المهم الإشارة هنا، إلى أن حرب غزة كان لها دور أيضا في تقريب وجهات النظر بين إيران والقاعدة، وبين إيران والإخوان المسلمين.[17]
صحيح أن تنظيم القاعدة في اليمن لن يكون نسخة سنية من جماعة الحوثي فيما يتعلق بالعمل لحساب إيران، خصوصا مع تولي سعد بن عاطف قيادة التنظيم خلفا لباطرفي[18]، إلا أنّ استمرار حصول التنظيم على دعم من حلفاء طهران في اليمن يعني عودته كتهديد كبير للداخل والخارج، كما يعني أن ما حققته كل جهود مكافحة الإرهاب السابقة من إنجازات، سيذهب أدراج الرياح، إن لم يتم تحصين تلك المكاسب بدعم لوجستي وعسكري واستخباري واسع.
إلى جانب ذلك، من غير المستبعد أن تتحول اليمن إلى مركز رئيسي لتنظيم القاعدة، مجددا، بعد ضعف التنظيم في أفغانستان وباكستان، ومقتل زعيمه أيمن الظواهري، وتولي أحمد سيف العدل المقيم في إيران الزعامة، وهو ما يعني أن تنظيم اليمن قد يصبح تهديداً أكثر من أي وقت مضى.
إبراهيم علي
هو اسم مستعار لباحث متخصص في شؤون الجماعات المسلّحة، طلب إخفاء هويته لأسباب شخصية
المراجع:
[12] وفق مصدر مقرب من التنظيم.