المبعوث الأممي لليمن ووزير الخارجية الإيراني، طهران - 5 سبتمبر 2022 (إرنا)
24-09-2022 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | رعد الريمي
ثمانية أيام هو الوقت المتبقي من عمر الهدنة الإنسانية الأممية في اليمن بعد تمديدها للمرة الثانية لشهريين إضافيين، حتَّى 2 أكتوبر القادم. تواجه هذه الهدنة، التي مثلَّت أقوى خرق في جدار الحرب المستعرة منذ ما يقرب ثمانية أعوام، احتمالات الفشل في البناء عليها، أو تمديدها مرة أخرى.
في غضون ذلك، وفي سباق مع الزمن، يحاول المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ تحقيق اتفاق هدنة موسعة، بشروط وظروف جديدة إضافية، على أنقاض الهدنة الراهنة. لقد تعثرت هذه المساعي على مدى الفترة السابقة، فيما يبدو أنَّ هذه الأيام الأخيرة المتبقية قد تكون الفرصة الأخيرة لتحقيق ذلك.
وفي تصريح صحفي، السبت، قال غروندبرغ لقناة "الجزيرة القطرية" [1] إنَّه قد قدم "إلى مختلف الأطراف مقترحا لتمديد الهدنة لأطول وقت ممكن." وأضاف: "ننتظر رد الأطراف اليمنية على مقترحنا. من الضروري وجود مقاربة بناءة بين الجميع".
عملياً، يبدو أنَّ الظروف والمتغيرات التي مر ويمر بها العالم ساعدت في تعزيز الرغبة الدولية بإخراس المدافع في اليمن، ولو مؤقتاً، وهو ما تمَّ منذ ما يقرب ستة أشهر. ولو أنَّها لم تُخرس تماماً، توقفت معارك كسر العظم بين الشرعية اليمنية والحوثيين فعلاً خلال الفترة الماضية بشكل غير مسبوق منذ 2015.
لقد مثَّلت المطالب والاشتراطات الحوثية أكبر العقبات أمام اتفاق الهدنة الموسعة، إذ تتمسك الجماعة المدعومة من إيران بشروط يراها الطرف الآخر [المجلس الرئاسي] غير مقبولة، مثل الفتح الكامل لموانئ الحديدة ومطار صنعاء الدولي أمام الحركة التجارية، لا سيَّما مع عدم إيفاء الحوثيين بالتزاماتهم مثل فتح الطرقات.
وعلى الرغم من احتواء الهدنة على عدد من البنود والشروط، لم يتحقق من ذلك الكثير عملياً. وعدا الفتح الجزئي لمطار صنعاء وميناء الحديدة، وهي بنود لصالح الحوثيين، يبدو أن الهدنة لم تتخط مرحلة وقف إطلاق النار على الرغم من عمرها الطويل نسبياً حتى الآن بيد أن حتَّى ذلك شابه خروقات هدَّد بعضها الهدنة بشكل كبير.
وفي لقاء مع السفير الفرنسي لدى اليمن، في 13 سبتمبر، قال وزير الدفاع اليمني الجديد الفريق محسن الداعري [2] إنَّ الحوثيين قاموا بتنفيذ أكثر من 8 آلاف خرق عسكري للهدنة منذ بدايتها. في المقابل، قال الحوثيون، في 18 من ذات الشهر، إن خصومهم اخترقوا الهدنة 220 مرة خلال 24 ساعة فقط. [3]
مواقف معلنة
في ندوة [4]، الجمعة، مع السفير الأمريكي السابق إلى اليمن، قال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي إنًّ "الحوثيين قدموا مطالب جديدة لتمديد الهدنة ولم يلتزموا بالمطالب القديمة."
جاء ذلك بعد يوم واحد فقط من خطاب [5] للعليمي أمام جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، هاجم فيه الحوثيين وقال إنَّهم "صنعوا الأزمة في اليمن بدعم من إيران". وجدَّد العليمي "موقف المجلس الرئاسي الداعم لتمديد الهدنة الإنسانية في اليمن". وكان العليمي والوفد المرافق له قد قاطعوا كلمة رئيس إيران خلال الجلسة وفقا لوكالة سبأ. [6]
وفي تصريحات [7]، نقلتها وكالة فرانس برس، الجمعة، ألقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان باللوم على الحوثيين في "العودة المحتملة للحرب". ونقلت الوكالة عن الأمير قوله إنَّه "من غير المرجح أن يتم تمديد الهدنة في اليمن مرة أخرى".
وعلم مركز "سوث24" من مصادر حكومية أن رئيس المجلس الرئاسي وافق على طلب تمديد الهدنة، لكن المجلس الرئاسي بكامل أعضائه لم يحدد موقفه من ذلك بعد.
كما شددت هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، في اجتماع لها السبت، على ضرورة مشاركة الانتقالي في مفاوضات تمديد الهدنة. وقال البيان: "تمديد الهدنة يرتبط بشكل أساسي بمدى توفير مقومات السلام في الجنوب". [8]
في المقابل، أظهر الحوثيون موقفا أكثر تشددا تجاه الهدنة التي لا تحقق مزيدا من المكاسب للجماعة.
وفي تصريحات نقلتها قناة "المسيرة"، قال نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن اليمني جلال الرويشان: "لا نراهن على الهدنة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للشعب اليمني". وأضاف: "من غير الممكن القبول بحالة اللاحرب واللاسلم التي يدفع إليها تحالف العدوان". [9]
كما أكد رئيس وفد الحوثيين المفاوض، محمد عبد السلام، خلال اللقاء مع كبير مساعدي وزارة الخارجية الإيرانية علي أصغر خاجي، في 10 سبتمبر الماضي، على اشتراطات الجماعة لأي تمديد للهدنة وعلى رأسها: "رفع الحصار، وقف المواجهات ودفع مرتبات الموظفين". [10]
وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين عبد اللهيان، عقب لقاء جمعه بالمبعوث الأممي لليمن في طهران، 4 سبتمبر، إنَّ "استمرار الأوضاع القائمة وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار يعتمد على الإلغاء الكامل للحصار الإنساني المفروض على اليمن." [11]
الهدنة الموسعة
في 2 أغسطس الماضي، كشف المبعوث الأممي لليمن، عن ملامح وبنود الهدنة الموسعة التي قال إنَّه سيسعى لتحقيقها خلال الأسابيع القادمة.
وقال غروندبرغ أن المقترح يشمل الاتفاق على آلية شفافة وفعّالة لصرفِ منتظم لرواتب موظفي الخدمة المدنية ومعاشات المتقاعدين المدنيين، وفتح طرق إضافية في تعز ومحافظات أخرى، والإعلان عن المزيد من الوجهات من وإلى مطار صنعاء الدولي، بالإضافة إلى انتظام تدفق الوقود إلى مواني محافظة الحديدة.
والتقى الدبلوماسي السويدي، في 8 سبتمبر، بالعاصمة السعودية الرياض رئيس المجلس الرئاسي اليمني رشاد العليمي لمناقشة مسار الهدنة وتمديدها، عشية جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي. وكان غروندبرغ قد قام بزيارة إلى إيران قبل ذلك بأربعة أيام قال إنَّه ناقش فيها مع وزير الخارجية ومسؤولين إيرانيين توسيع الهدنة.
ولم تكن تحركات غروندبرغ باتجاه الهدنة الموسعة هي الوحيدة، ففي 17 أغسطس الماضي أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عودة المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينغ إلى واشنطن بعد زيارة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية.
وقالت الوزارة إنَّ ليندركينغ شارك خلال زيارته مع كبار مسؤولي حكومة جمهورية اليمن والأمم المتحدة والدول الشريكة الإقليمية والدولية والشعب اليمني لضمان الهدنة الموسعة التي توسطت فيها الأمم المتحدة والتي تدخل حيز التنفيذ يوم 2 تشرين الأول/أكتوبر. [12]
كما التقى ليندركينغ أيضاً، في 12 سبتمبر، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي لمناقشة دعم جهود المبعوث الأممي وتحقيق السلام في اليمن. [13]
وفي بيان ، الجمعة، قالت مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، بالإضافة للاتحاد الأوروبي وألمانيا والكويت والسويد إنَّ "اتفاق الهدنة الموسعة في اليمن سوف يؤمن فرصة أكبر للتوصل إلى تسوية سياسية تفاوضية متكاملة." [14]
كما أدان البيان الدولي العروض العسكرية الأخيرة للحوثيين في صنعاء والحديدة، والهجوم الذي شنته الجماعة على القوات الموالية للحكومة اليمنية في منطقة الضباب غربي تعز، أواخر أغسطس الماضي، الذي تسبب بمقتل وإصابة عشرات الجنود. وشدد البيان على أنَّه "لا يوجد حل عسكري للصراع اليمني."
وبشأن المواقف الدولية من الهدنة في اليمن، قال المحلل السياسي والعسكري السعودي، العميد حسن الشهري لـ "سوث24": "المواقف الدولية متذبذبة تبعا لمصالح الدول الكبرى خصوصا في ظل الأزمات والتحولات الدولية والإقليمية الحالية المتسارعة".
وأضاف: "أرى أنَّه سيتم إقناع الدولة اليمنية، وجماعة الحوثي بتمديد الهدنة لفترة جديدة، وربما هدنة موسعة، والبحث عن مخرجات قابلة للتطبيق لتلبية متطلبات الشرعية اليمنية بالحد الدنى، وأيضاً إبقاء الحوثي على بعض مكاسبه بالحد الأدنى كذلك".
ويرى السياسي والأكاديمي اليمني محمد جميح أنَّ تمديد الهدنة "هو الخيار الوحيد في الظروف الراهنة".
وأضاف لـ "سوث24": "في اعتقادي أنَّه لا خيار أمام الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية إلا تمديد هذه الهدنة نظرا للاحتياجات العالمية والمتغيرات الدولية والاحتياجات الدول الكبرى في تأمين ممرات مياه البحر الأحمر وبحر العرب، والحاجة إلى التهدئة في ظل وجود صراعات في مناطق أخرى".
كما يعتقد المحلل السياسي الجنوبي مسعود زين أنًّ "الهدنة سوف تستمر".
وقال زين لـ "سوث24": "الهدنة سوف تستمر لكن سوف تبقى العديد من القضايا الشائكة مثل هذه فتح الطرق وتبادل الأسرى. هذان الملفان هما مادة تفاوضية بيد الحوثي أكثر مما هي قضية إنسانية. مقابل الالتزام بهما يسعى الحوثيون في الحصول على نسبة من مبيعات النفط والغاز".
وأضاف: "المجتمع الدولي في معظمه ينظر لملف الحرب باليمن منذ 2018 كحالة إنسانية يجب التدخل الإغاثي فيها أكثر من التعامل معها كصراع سياسي يستوجب اتخاذ موقف واضح من جميع الأطراف واتخاذ القرارات المناسبة. كل مداولات مجلس الأمن منذ ذلك التاريخ كانت تهتم بالإنساني أكثر من السياسي".
حاجة إقليمية ودولية
يستبعد السياسي محمد جميح فشل محاولات تمديد الهدنة أو التوصل لاتفاق هدنة موسعة.
وأضاف: "بالنسبة لتوسعة اتفاق الهدنة إلى ستة أشهر فهو هدف المبعوث الدولي والأمم المتحدة. المبعوث زار إيران والتقى بمسؤولين إيرانيين وهي إشارة واضحة لارتباط هذا الأمر بالملف الإيراني. الإيرانيون بعد هذه الزيارة استدعوا محمد عبد السلام وأدلى بتصريحات هي تصريحاتهم بطبيعة الحال وفيها كثير من التشدد".
وأردف: "الإيرانيون أرسلوا رسالة واضحة بأنَّهم يربطون بين الوضع في اليمن وبين مفاوضات الملف النووي. للأسف يبدو أنَّ المفاوضات الإيرانية الغربية ربما وصلت إلى طريق مسدود في فيينا لذلك تسعى طهران لاستخدام الملف اليمني كورقة ضغط".
وأضاف: "بنهاية المطاف تتوقف توسعة الهدنة من عدمها على قدرة المجتمع الدولي على الضغط من أجل توسعة لذلك. بالنسبة للحكومة والتحالف لا أعتقد أن هناك ستكون معارضة قوية لهذه التوسعة. العقدة هي عند الحوثيين وعند الإيرانيين بتصوري".
ويتفق العميد حسن الشهري مع جميح في أنَّ فشل تمديد الهدنة أو فشل التوصل لاتفاق هدنة موسعة أمر مستبعد. وأضاف: "ما أراه في هذه المرحلة هي محاولة كل طرف تثبيت مكاسبه السياسية والعسكرية سواء الدولة اليمنية الشرعية أو ميليشيات الحوثي".
بدوره يعتقد المحلل السياسي مسعود زين أنَّ "فشل الهدنة ليس على طاولة أطراف الصراع السياسي في اليمن، على الأقل في الوقت الراهن".
وأضاف: "الطرف الحوثي يريد تحقيق مكاسب أكثر من الهدنة، ويريد إنجاز تطبيع سياسي واقتصادي لمشروعية سلطته على معظم الشمال الذي يسيطر عليه".
وأردف: "كذلك يرى المجتمع الدولي الآن إنَّ نجاح الهدنة هو خيار مرحلي أفضل، هذا بالإضافة إلى تغيير أجندة أولويات الصراع في العلاقات الدولية لهذا العام من منطقتنا إلى مناطق جديدة في أوكرانيا وربما وسط وجنوب شرق آسيا لاحقا".
ويقيَّم زين الهدنة الحالية بإنَّها "في الحدود المقبولة للطرفين، برغم ضمور مكاسب كل طرف من الهدنة."
وأضاف: "لكن الحد الضروري من المكاسب تحقق، حيث كانت الهدنة منقذا حقيقيا للشرعية بالنسبة لتواجدها فيما تبقى في محافظة مأرب، وبالمقابل حقق الحوثيون مكسبا باستعادة الرحلات الجوية التجارية من وإلى مطار صنعاء، والسماح بدخول المشتقات البترولية إلى مناطقهم عبر ميناء الحديدة".
ولفت إلى أنَّ هذا التقييم "ينسحب على الأطراف الإقليمية والدولية كوضع مقبول لإعطاء فرصة لأي جهد دبلوماسي بين إيران والسعودية وبين إيران وأمريكا".
ودعا العميد الشهري المجلس الرئاسي اليمني إلى "التعامل مع الهدنة بواقعها الحالي وفقا لمصالحه." وأضاف: "من المهم أن يفهم صانع القرار في المجلس الرئاسي اللعبة الدولية في اليمن. ولا يخفى على أحد أنَّ المبعوث الحالي هو مهندس اتفاقية ستوكهولم التي قدمت قبلة الحياة للحوثيين في الحديدة".
ويربط جميح بين تمديد الهدنة في اليمن وعدد من الملفات الدولية مثل الأزمة الأوكرانية وملف الطاقة العالمية.
وأضاف: "كل المعطيات تحتم استمرار التهدئة الحالية أولا للتفرغ للملف الأوكراني بالنسبة للقوى الدولية، ثانيا لتسيير مهام نقل الغاز من مصادره المختلفة حول العالم إلى مستهلكيه في أوروبا والولايات المتحدة".
وأردف: "كذلك تسعى الإدارة الأمريكية الحالية لتحقيق تقدم في الملف اليمني من أجل رصيد شعبي في الانتخابات المقبلة".