مؤيد للحوثيين يشارك في مسيرة للتعبير عن التضامن مع سكان غزة في صنعاء، 2 ديسمبر 2023. (محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية)
19-12-2023 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
لا يمكن استبعاد أن "هذا الدمار المتبادل المؤكد" قد يدفع الولايات المتحدة والحوثيين إلى ضبط النفس حال احتدام الأعمال القتالية بينهما، وربما يوافقان ضمنًا على فعل ذلك من خلال وساطة طرف ثالث مثلما حدث في أعقاب اغتيال قاسم سليماني.
سوث24 | د. أندرو كوريبكو
أعلنت الولايات المتحدة عن عملية "حارس الازدهار" أثناء الرحلة التي أجراها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في غرب آسيا مؤخرا. وبذلك، يتشكل تحالف بحري متعدد الجنسيات بقيادة واشنطن في البحر الأحمر في أعقاب موجة الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون ضد سفن "تابعة لإسرائيل". وقالت مصادر أمريكية أن واشنطن تتأهب لضرب الجماعة اليمنية المتمردة التي أزالتها من قائمة المنظمات الإرهابية في فبراير 2021. وقبل أسبوعين، حذرت إسرائيل أنها مستعدة للتحرك بشكل أحادي ضد الحوثيين.
ومع ذلك، فإن هذا الأمر يرتبط بمخاطر سياسية كبرى، إذ أن الطائرات أو الصواريخ سوف يتعين أن تعبر الأجواء السعودية في طريقها إلى اليمن كما هو الحال في مسار الصواريخ الحوثية صوب إسرائيل. لقد كان من الصعب بالفعل أمام المملكة السعودية الاكتفاء بالجلوس في مواجهة الانتهاكات الجوية للحوثيين، لكنها فعلت ذلك لتجنب إعادة إشعال الحرب في ظل إعادة تقاربها مع إيران. لكن الرياض قد تجد أنه من المستحيل تجاهل الانتهاكات الإسرائيلية جراء ضغط الأمة الإسلامية بشأن غزة.
ومن المتوقع أن تلجأ السعودية في نهاية المطاف إلى استئناف المحادثات السرية للتطبيع مع إسرائيل من أجل إطلاق العنان للمصالح الناجمة عن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. يأتي هذا بالرغم من أن أي ضربات إسرائيلية ضد الحوثيين تعبر من الأراضي السعودية قد تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. علاوة على ذلك، يرغب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تجنب الرد على الحوثيين وعدم خوض جولة أخرى من الحرب في اليمن، لا سيما وأن هذا من شأنه أن يخرب العلاقات الحساسة مع إيران.
لذلك، وجد بن سلمان نفسه في ورطة بعد هذه الموجة من الصواريخ الحوثية وهجماتهم ضد السفن، إذ أن عدم اتخاذ أي رد فعل يزيد وتيرة جرأتهم، ويعضد احتمالات شن ضربات إسرائيلية أحادية مما يعطل بشكل متزايد استئناف محادثات التطبيع السرية. وعلى الجانب الآخر، فإن الرد على هجمات الحوثيين قد يشعل مجددا حربًا إيرانية بالوكالة. في ظل تردد بن سلمان، أعلنت شركات شحن كبرى، وعملاقة النفط "بي بي" أنها سوف تتجنب المنطقة كإجراء وقائي، وسلك طريق رأس الرجاء الصالح رغم أنه أطول وأكثر تكلفة.
كانت الولايات المتحدة بالفعل تخطط لمجابهة هذه الطوارئ كما يتضح في سرعة اتخاذ القرار جراء مخاوف طويلة الأمر من أن سيناريو مثل الذي يتحقق في الوقت الحالي قد يرتبط بعواقب كارثية على الاقتصاد العالمي. ربما يتزايد معدل التضخم سوءًا عندما تضع الشركات هذه التكاليف الجديدة على عاتق المستهلكين. وقد يتحد هذا مع تأثير عنيف لاضطرابات ممتدة تتعلق بسلسلة التوريد مما يخلق أزمة أخرى خطيرة قد تؤثر على عشرات الدول على غرار ما فعلته جائحة كورونا.
ما يزال الحوثيون يرفعون شعار التحدي في الوقت الذي يتشكل فيه هذا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قبالة شواطئ اليمن.
ما يزال ممثلو الحوثيين يصرون على ادعائهم أنهم يستهدفون فقط السفن التابعة لإسرائيل، ويتعهدون بمواصلة ذلك والدفاع عن أنفسهم حال تعرضهم للهجوم. مع أخذ هذه البيانات المتعلقة بنواياهم في الاعتبار، فإن الحوثيين ربما يهاجمون السفن أولًا، وربما تبادر الولايات المتحدة بضربة استباقية لإجهاض ذلك. بيد أن القليل فقط من يتوقع عدم حدوث تصعيد.
الإنهاء المفاجئ لهذه الموجة من الضربات الصاروخية وهجمات السفن من شأنه أن يفقد مصداقية الحوثيين بين أنصارهم المحليين وكذلك عناصر الأمة الإسلامية الذين يحتفون بممارساتهم. وبالمثل، فإن سمعة الولايات المتحدة سوف تتضرر أيضا إذا لم تفعل شيئا البتة حيال هذه الهجمات المستمرة. لا يستطيع الرئيس الأمريكي جو بايدن تحمل تكلفة هذا الصمت قبيل حملة انتخابية يصفها كثيرون بأنها مليئة بالتحديات في إطار سعيه للفوز بولاية ثانية. بالرغم من ذلك، فإن الانتقام الأمريكي قد يجلب الجحيم إلى شمال اليمن كما أن فكرة الضلوع في حرب أخرى ليست مستساغة بالنسبة للناخبين في الولايات المتحدة.
قد تتبدد آمال البعض في منع التصعيد بسبب هذه العواقب المتوقعة، وكذلك احتمال حدوث عمليات انتقامية بواسطة وكلاء إيران في أرجاء المنطقة، بما في ذلك استئناف هجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة ضد منشآت الطاقة بدول الخليج. قد تفسر الولايات المتحدة أو الحوثيون هذه العواقب كأسباب لتنفيذ ضربات استباقية واسعة النطاق. وقد يؤدي ذلك إلى تحويل جولة أخرى من الحرب في اليمن منشأها الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس إلى حرب إقليمية حقيقية.
في نفس الوقت، لا يمكن استبعاد أن "هذا الدمار المتبادل المؤكد" قد يدفع الولايات المتحدة والحوثيين إلى ضبط النفس حال احتدام الأعمال القتالية بينهما، وربما يوافقان ضمنًا على فعل ذلك من خلال وساطة طرف ثالث مثلما حدث في أعقاب اغتيال قاسم سليماني. وأكد الناطق باسم رئيس الوزراء العراق السابق أن بلاده تلقت رسالة شفهية من إيران مفادها أن رد فعلها على الاغتيال بدأ أو على وشك البدء، وأنها سوف تستهدف فقط مواقع القوات الأمريكية في العراق.
لقد فسر البعض ذلك باعتباره إشارة إلى أن إيران اعتمدت على العراق لإبلاغ الولايات المتحدة بردها على اغتيال سليماني من أجل تخفيف الأضرار وتجنب نشوب حرب أكبر. هؤلاء الذين يتشاركون هذا الرأي يفهمون أن إيران كانت مضطرة بشكل ما للثأر من اغتيال سليماني لكن طهران كانت تريد ردًا رمزيًا من أجل تجنب نشوب تصعيد خارج السيطرة. علاوة على ذلك، ذكر الافتراض أن الولايات المتحدة قامت بمسايرة كافة هذه الأشياء من أجل هذا السبب الذي يجلب مصلحة متبادلة للطرفين.
مع ذلك، فإن الوضع مختلف جدا هذه الأيام على نحو قد لا يجعل هذا الافتراض موائمًا. بالعودة إلى الوراء، كان الهدف آنذاك يتعلق بشخصية واحدة بارزة في مجال الاستخبارات العسكرية حيث تم اغتياله بضربة مفاجئة. على النقيض، فإن ممارسات الابتزاز البحري التي يمارسها الحوثيون تجعل اقتصاد أوراسيا بأكمله على حافة الهاوية. إن العداء المتبادل بين إيران من جانب والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر محتدم جدا في الوقت الحالي بسبب الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس. لذلك، فإن طهران وحلفاءها الحوثيين وكذلك واشنطن ربما لا يضعون خيار ضبط النفس في اعتبارهم.
في هذه الظروف شديدة التوتر وبالنظر إلى المخاطر الهائلة المرتبطة، فإن أفضل ما يمكن أن يحدث هو أن تقوم دول محايدة بالتوسط بشكل حاسم بين الثلاثي المذكور مع وجهة نظر تتعلق بخفض التصعيد في هذه الأزمة، أو تسهيل تبادل لأعمال قتالية مقبولة "تحفظ ماء الوجه". ونظرا لأن الخيار الأول ليس من المرجح حدوثه بسبب مصالح السمعة المتعلقة بتلك الأطراف كما سبق توضيحه، يبدو الخيار الثاني قابلا للمضي قدما على نفس النسق الذي شهدته العراق بدءا من يناير 2020 وفقا للتفاصيل الواردة أعلاه.
إن الصين والهند هما أكبر بلدين مؤهلين للعب هذا الدور بسبب روابطهما التجارية الوطيدة مع إيران والولايات المتحدة وكذلك إسرائيل والمملكة السعودية والاتحاد الأوروبي أيضا. الأخير سوف يعاني أيضا من تجنب شركات الشحن الكبرى القيام بأنشطة في المنطقة في الوقت الراهن. لقد بذل الصين والهند قصارى جهدهما للظهور كمحايدين في الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس بالرغم من تصورات البعض أن بكين تميل أكثر ناحية حماس، ونيودلهي ناحية إسرائيل.
إن خطر حدوث السيناريو الأسوأ ونشوب حرب إقليمية حقيقية من شأنه أن يسحق اقتصاد الصين والهند من خلال قطع وارداتهما من غرب آسيا وعلاقاتهما التجارية مع الاتحاد الأوروبي. بالأخذ في الاعتبار التعداد السكاني الهائل للدولتين، فإن مثل هذه النتيجة قد تزعزع استقرار العالم بأسره. لذلك، فإن الصين والهند من مصلحتهما الذاتية عكس مسار تلك الحرب. لكن ربما يصبح الوقت متأخرًا على تلك المحاولات بالرغم من بذل الجهود المستقلة والمشتركة. كل ما نعرفه حتى الآن هو أن الأسبوع المقبل سيكون محوريًا على الأرجح.