06-12-2021 الساعة 6 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| د.إيمان زهران
ألحق الصراع الدائر على مدار السنوات الماضية، ضرراً عميقا بالاقتصاد اليمني، إذ واجه اليمن اضطرابات اقتصادية واجتماعية وإنسانية وسياسية وأمنية غير مسبوقة منذ اندلاع الصراع وحتى وقتنا هذا، دفعت جميعها إلى انكماش الناتج المحلي الاجمالي، وتوقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية، وتوقف البرامج الاستثمارية الحكومية، وكذلك انحسار جزء كبير من الاستثمارات الخاصة، وانسحاب اغلب المستثمرين الأجانب، وخروج رأس المال المحلي إلى الخارج بحثاً عن بيئة آمنة. كما توقفت حركة صادرات النفط والغاز الطبيعي، فضلاً عن تعليق العديد من برامج المنح والقروض الخارجية، وانخفاض الإيرادات الحكومية غير النفطية من الجمارك والضرائب، إضافة إلى تكرار الأزمات الحادة في السيولة النقدية وفي الوقود والكهرباء. وهو ما يؤسس إلى ما يمر به اليمن من أوضاعا مضطربة غير مسبوقة في تدهور مؤشرات التنمية، وتراجع أداء المؤسسات، وتفاقم الأزمة الإنسانية، فضلاً عن التدمير الذى لحق بأجزاء كبيرة من البنية التحتية والمنشآت العامة والخاصة، جنبا إلى جنب، مع ما واجهه اليمن من تنامي حجم التداعيات السلبية لجائحة كورونا، حيث مثلت تهديدا جديدا يضاف إلى مجمل التهديدات التي يتعرض لها.
تأسيسا على ذلك، يأتي التساؤل حول دعائم الانهيار الاقتصادي بالداخل اليمني، ومؤشرات القياس لذلك الإنهيار، ومدى إمكانية أن تُدرج ملفات المُعالجات الاقتصادية على جدول أعمال التوظيفات الأممية للمسألة اليمنية.
أولاً - دعائم الانهيار الاقتصادي:
ساهم الصراع في اليمن - بصورة مباشرة وغير مباشرة - في الوصول إلى الأزمة الراهنة، نظرا لما ألحقه من أضرار بالبنية التحتية، وما تسبب به من نقص حاد في مدخلات الإنتاج الأساسية، وبما فرضه من قيود على الأنشطة الاقتصادية. إذ تسبب الصراع القائم بخسائر اقتصادية تراكمية، وذلك جنبا إلى جنب مع عوامل أخرى دعمت حالة التدهور الاقتصادي، أبرزها ما انعكس على حجم التداعيات السلبية لجائحة كورونا، حيث تضررت العديد من الأنشطة الاقتصادية، منها على سبيل المثال، تراجع تحويلات المغتربين التي تمثل أكبر مكون للدخل من العملات الصعبة، فضلاً عن تراجع حجم المساعدات الدولية المقدمة إلى اليمن بنسبة كبيرة، ومنها المساعدات الإنسانية وسلاسل الإمداد نتيجة للتفاوت بحالات الإغلاق الكلي/ والجزئي على مستوى العالم جراء الجائحة. هذا بالإضافة إلى الأنشطة الأساسية الداخلية والتي انعكست بصورة مباشرة على تردي مُجمل التفاعلات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، والتي يتمثل أبرزها في:
1. الانقسام النقدي/ السياسات المصرفية:
انعكس ذلك الأمر بصورة مباشرة في عدد من المشاهدات، أبرزها:
- تراجع كلا من "الحكومة المُعترف بها دولياً، وجماعة الحوثيين"، عن اتفاق تحييد الاقتصاد، وتجزئة القدرات المؤسساتية والقرارات الاقتصادية وفرض انقسام نقدي ومصرفي، حيث دعمت تلك السياسيات تأسيس ما يُعرف بـ "الفصل القسري" بين اقتصاد مناطق سيطرتهما؛ فعلى سبيل المثال: رفضت جماعة الحوثيين قرار نقل البنك المركزي عام 2016، وفي ديسمبر 2019 قررت منع تداول العملة الجديدة التي طبعتها حكومة الرئيس هادي، مُعللة ذلك بالحفاظ على قيمة الريال ومحاصرة التضخم.
- استحدثت جماعة الحوثي مراكز جمركية على مشارف المناطق خارج سيطرتها، وأجبرت البنوك في مناطقها على عدم التعامل مع البنك المركزي في عدن حينما بدأ بإصدار خطابات الاعتماد لاستيراد السلع الرئيسية.
- أحدث الانقسام بالسياسات النقدية والمصرفية إرباكاً بسياسات "المالية العامة" وتشتيت إيراداتها، فضلاً عن ظهور تعقيدات كثيرة أمام الأنشطة الاقتصادية، وكذلك تضييق الخناق على القطاعين التجاري والمصرفي بما تم فرضه من قيود على التداولات المالية المحلية، وعلى التبادلات التجارية بين مناطق سيطرة الطرفين، وهو ما أسس إلى خلق بيئتين متمايزتين للاقتصاد الكلي، وشكّل بدوره تشوهاً اقتصادياً.
الجدير بالذكر، أنَّ سياسات الحكومة المُعترف بها دولياً قد انتهت إلى تقويض استقرار الاقتصاد الكلي في مناطق سيطرتها، خاصة بعد قيامها بتمويل عجز الموازنة بالسحب الحر/ والمكشوف عبر البنك المركزي، وطباعة أوراق نقدية جديدة، من دون وجود غطاء كاف من النقد الأجنبي. وفي المقابل، شهدت مناطق سيطرة الحوثيين استقراراً نسبياً في قيمة الريال وفي معدل التضخم، لكن ذلك لا يعود فقط إلى الإجراءات التي اتخذها هؤلاء بالتعارض مع سياسات مركزي عدن، إذ بجانب التركيز على زيادة الإيرادات، فقد عمدوا إلى ضغط النفقات العامة إلى الحدود القصوى، حتى بدوا وكأنهم يتصرفون كـ "سلطة بلا التزامات"؛ فعلى سبيل المثال: لا يدفعون لموظفي الدولة إلا نصف راتب كل شهرين تقريبا، والنفقات التشغيلية لمؤسسات الدولة في حدودها الأدنى، وتم تقليص حجم النقد المتداول في السوق، وهو ما أسهم تباعا في استقرار قيمة العملة نسبيا في مناطق سيطرتهم.
2. الإدارة الاقتصادية المضطربة:
تنعكس أوجه الاضطرابات الإدارية بالملف الاقتصادي، وذلك بالنظر إلى إشكالية "غياب الشفافية"، قياسا إلى عدم خضوع العمليات المالية الرسمية إلى الرقابة والمراجعة والتدقيق، فضلاً عن عدم الإعداد أو الإعلان عن أي موازنات مُدرجة لإدارة مؤسسات الدولة اليمنية - باستثناء موازنة 2019 - إذ أن الكثير من الإيرادات الرسمية لا تورد إلى الحسابات الحكومية في البنك المركزي في عدن، وعلى رأسها إيرادات النفط والغاز، استنادا إلى عدد من التبريرات، أبرزها:
- الأوضاع الأمنية غير المستقرة في عدن.
- مخاوف الحكومة المُعترف بها دولياً من استيلاء الأطراف الأخرى المنخرطة بملف الصراع على الأموال، مثل جماعة الحوثيين.
- إعادة هيكلة الخريطة الاقتصادية، وذلك عبر محاصرة القطاع الخاص، وبناء اقتصاد خاص يسيطر فيه أنصارهم ورموزهم على قطاع المال والأعمال.
3. تفشي أوجه الفساد:
أسهم الصراع الدائر في اليمن بشكل كبير في تفشي أوجه الفساد الاقتصادي والمالي في الدولة، فعلى سبيل المثال: فرضت جماعة الحوثيين "جبايات غير قانونية على الأنشطة التجارية"، فضلاً عن غياب الشفافية في كافة القرارات التي تتعلق بالسياسات النقدية كـ "طباعة العملات الجديدة"- جنبا إلى جنب - مع تحركات أخرى أسهمت في تصدر اليمن مراكز متقدمة في المؤشر العالمي لـ "مُدركات الفساد". إذ أسهمت مختلف الأطراف المنخرطة بالـ "المسألة اليمنية"، في إضعاف وهشاشة الأوضاع الاقتصادية الحالية، وذلك من خلال:
- ضعف الحكومة المُعترف بها دولياً وما ترتب على ذلك من خلل في استيفاء إيرادات الدولة، وفتح الباب للمضاربين بالعملة.
- الدور الحوثي في أزمة السيولة والنقد الأجنبي، وذلك عبر استحواذهم على نقود البنك المركزي عقب اقتحامهم صنعاء، وتخزينها واستغلالها خارج القطاع المصرفي، بما في ذلك أموال هيئات ومؤسسات التأمين، والتقاعد، والاحتياطي الأجنبي.
ثانياً - مؤشرات الانهيار:
ثمة عدد من المؤشرات والتي أسست إلى حالة الانهيار الاقتصادي، فضلاً عن تردي المؤسسات النقدية/ والمصرفية، وهو ما ظهر بالنقاط التالية:
1. الفصل القسري للاقتصاد اليمني:
حيث شهدت اليمن تحولات اقتصادية مُقلقة لعل أبرزها التأسيس لحالة "فصل قسري" بين اقتصاد المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي ومناطق سيطرة الحكومة المُعترف بها دولياً. ومَثل قرار عدم التعامل مع الفئات النقدية الجديدة من العملة المحلية الذي اتخذه البنك المركزي الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي في صنعاء، نقطة تحول نوعي في مسار خلق اقتصاديين متمايزين بل ومتصارعين في الداخل اليمني، وقد مهدت تلك الخطوة لحالة اقحام للقطاع المصرفي في الصراع القائم، وصدور قرارات مزدوجة وإجراءات ضاعفت من التحديات التي يواجهها الاقتصاد اليمني وفاقمت من الأزمة الإنسانية والمعيشية التي تعد الأسوأ عالمياً.
2. العجز المستمر والمتزايد في الموازنة العامة:
وذلك انعكاس مباشر لمحدودية إيرادات الحكومة مقابل ارتفاع نفقاتها – جنبا إلى جنب - عدد من العوامل النوعية، أبرزها ما تمثل في تراجع عائدات تصدير النفط الخام جراء انخفاض متوسط أسعاره عالمياً مقارنة بالعام الماضي، فضلاً عن ارتفاع تكاليف استخراجه محليا، نتيجة تفشي الفساد المالي والإداري في هذا القطاع.
3. تضافر طباعة "العملات المحلية":
لترتفع بذلك حصيلة "الكتلة النقدية المتداولة"، وذلك انعكاساً للعجز المتزايد في الميزانية العامة والذي تزامن مع التراجع في حجم احتياطيات البنك المركزي اليمني من العملات الصعبة. بالإضافة إلى سعي الحكومة المُعترف بها دولياً لتسديد التزاماتها ودفع رواتب الموظفين في القطاع العام.
4. نفاذ قيمة "الوديعة السعودية" في البنك المركزي:
إذ ساهمت الوديعة السعودية، المقدرة بـ 2,2 مليار دولار، في تمكين البنك المركزي اليمني من تغطية الواردات الأساسية منذ منتصف العام 2018، لكن يبدو أن الوديعة قاربت على النفاد مؤخراً. وبالرغم من أن المملكة العربية السعودية قد تضطر إلى تقديم وديعة جديدة في نهاية المطاف، غير أنه من المُرجح أن تكون أقل من الوديعة السابقة، وبالتالي ستكون أدنى من المساهمة المطلوبة لتغطية الواردات وغيرها من متطلبات الإنقاذ الاقتصادي، خاصة في ذلك التوقيت الذي تشهد فيه مصادر العملات الصعبة (التحويلات والمساعدات وعوائد التصدير) تراجعاً كبيراً.
5. نُدرة فـــرص العمـل:
فعقب اندلاع الصراع في اليمن، تراجعت بشكل ملحوظ معدلات التوظيف والإشغال بمختلف القطاعات التنموية والاقتصادية، كما أن العديـــد مـــن الموظفيـــن - خاصـــة هؤلاء من ينتمون إلى القطاع العـــام – يتلقون رواتبهم بصورة جزئيـــة وغيـــر منتظمـــة منـــذ ســـنوات. فضلاً عن هذا، فقد أدت القيـــود المفروضـــة علـــى الـــواردات إلى ارتفـــاع حاد في أسعار الوقود خاصة في مناطق الشمال.
6. تراجع حجم التحويلات المالية من العمالة اليمنية في الخارج:
يرجع ذلك كانعكاس مباشر للتداعيات السلبية لجائحة كورونا، وهو ما ينعكس بصورة مباشرة على انخفاض معدلات الإعالة لشريحة كبيرة من اليمنيين، فضلاً عن تراجع حجم السيولة النقدية في السوق المحلية. وهو الأمر ذو الأثر الممتد، خاصة مع دخول العالم لموجة جديدة من الجائحة مع ترجيحات متباينة لعودة الإغلاق الجزئي.
7. التداعيات السلبية لجائحة كورونا:
وهو ما يتمثل فيما خلفته الجائحة من انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على حالة الأنشطة الاقتصادية والمالية بالدولة اليمنية، فعلى سبيل المثال: فرضت الإجراءات الوقائية تعطيل نسبة كبيرة من الأنشطة الاقتصادية، بالإضافة إلى تقليص سوق العمل بشكل ملحوظ نتيجة للالتزام بسياسات التباعد الاجتماعي والإغلاق الجزئي، فضلاً عن هذا، نجد أن "الإجراءات الوقائية لمكافحة الوباء" استلزمت موارد مالية ضخمة تم اقتطاعها من تمويل المشاريع الإغاثية والتنموية.
8. الصراع حول الإيرادات العامة للموارد الطبيعية:
يؤسس لذلك ما عكسه الصراع القائم بين الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية، من تداعيات سلبية على واقع "الاقتصاد اليمني"، فعلى سبيل المثال: أدى تصاعد الخلاف بين الحكومة المُعترف بها دولياً وجماعة الحوثي حول تحصيل رسوم المشتقات النفطية المستوردة إلى خلق أزمة مباشرة داخل مناطق سيطرة الجماعة، فضلاً عن حالة الاضطراب النوعي بين حكومة الرئيس هادي والمجلس الانتقالي، وذلك بعد إعلان المجلس عن "الإدارة الذاتية للجنوب"، وذلك قبل أن تتراجع الحكومة المُعترف بها دولياً، والدفع بإعادة التوطئة مع الانتقالي في ضوء الاتفاق على آلية لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض.
ثالثاً - أولويات التعافي:
تظل قضية "التعافي الاقتصادي"، و"إعادة الإعمار"، و"بناء سلام مستدام"، إحدى أهم القضايا الكبرى والتي ينبغي أن تحتل حيزا كبيراً من الاهتمام والإعداد المبكر ضمن جدول أعمال الأجندة الأممية، وذلك عند إعادة الدفع بالتحرك نحو إنجاز متطلبات التسوية السياسية، بأن تشتمل التحركات الأممية على متطلبات تهيئة البيئة اليمنية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والسياسية، وإعادة ترميم وبناء ما دمرته سنوات الصراع والحرب من البنى التحتية والمقومات المجتمعية، وخلق محفزات آمنة لتنمية الاقتصاد، وإيجاد فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة وتنمية الموارد البشرية، بالإضافة إلى حلحلة التحديات والصعوبات الرامية لاحتواء "تعافي الاقتصاد اليمني"، وذلك من خلال:
1. المجالات ذات الأولوية:
- الدفع بأولوية الملف الاقتصادي على أجندة المبعوث الأممي الرابع لمفاوضات التسوية السياسية المرتقبة، وذلك من خلال تخصيص جلسة حول "إنقاذ الواقع الاقتصادي"، وتبني "إجراءات لبناء الثقة الاقتصادية".
- إعادة تعبئة الموارد العامة للدولة، وفي مقدمتها إنتاج وتصدير النفط والغاز، لتغطية فاتورة المرتبات، واستعادة الدورة النقدية في الاقتصاد اليمني.
- استئناف تشغيل محطة مأرب الغازية، وكذلك الدفع بتشغيل مختلف المحطات الكهربائية، مع بحث/ وإيجاد صياغة مناسبة لتأجير محطات الكهرباء للقطاع الخاص. وكذلك، تشغيل مصفاة عدن، وتزويدها بالنفط الخام الخفيف بسعره العالمي من مأرب عبر رأس عيسى. إذ سيضمن ذلك تحصيل الإيرادات العامة بشفافية لدفع مرتبات موظفي الدولة، وإنعاش الاقتصاد وتخفيف الضغوط المتباينة على العملة الوطنية.
- تحييد المؤسسات الاقتصادية والمالية، وأهمها: البنك المركزي، وذلك لتقوم بكامل وظائفها بحيادية واستقلالية تامة في كافة مناطق البلاد، وبمنأى عن الصراعات الجارية.
- تسهيل نقل العملات الأجنبية الخاصة بالبنوك من وإلى اليمن، وإزالة القيود على التحويلات النقدية بين مناطق سيطرة أطراف الصراع.
- فك القيود المفروضة من النظام المالي الدولي على البنوك اليمنية في مجال الاعتمادات المستندية، والتحويلات بالدولار، وفتح حسابات البنوك المغلقة من خلال اتخاذ الترتيبات اللازمة للامتثال للأنظمة الدولية المتعلقة بمجابهة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
- حشد دعم المانحين للوضع الإنساني، ومشاريع التنمية في المناطق التي تتمتع باستقرار أمني، والحوار مع البنك الدولي لمواصلة دعم الإعانات النقدية للفقراء المسجلين في صندوق الرعاية الاجتماعية.
- فتح المنافذ البرية والجوية والبحرية أمام حركة الأفراد، والتجارة الخارجية، خاصة استيراد الغذاء والدواء والوقود للتخفيف من وطأة التأثيرات المتباينة للأزمة الإنسانية، والتى تصنف بكونها الأسوأ في العالم.
2. متطلبات التعافي:
- تحييد مصادر الإيرادات المتفق على تحييدها، وعلى رأسها عائدات النفط والغاز.
- تحييد البنود الحتمية التى سيتم تمويلها، خاصة مرتبات موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين، والإعانات النقدية للحالات المسجلة في صندوق الرعاية الاجتماعية حال توفير فائض في الموارد.
- ضمان توزيع الموارد على مستحقيها وفقا لمعايير موضوعية في كافة المناطق دون تمييز.
- تمويل واردات السلع الأساسية بسعر الصرف الرسمي لكل المناطق بدون استثناء.
- ضمان الرقابة والمساءلة في تحصيل وإنفاق الموارد، وإيداعها في البنك المركزي.
- تجسيد الشفافية حول حصر الموارد، وبيان أوجه النفقات، ونشر تقارير دورية على الموقع الالكتروني.
- تحييد الصراعات والاضطرابات السياسية عن إدارة المؤسسات المالية والاقتصادية المتفق على تحييدها.
- تبادل قواعد البيانات والمعلومات، وتسهيل انتقال الموظفين بين المناطق وفقا للحاجة.
- الاتفاق على الآلية المناسبة لإنقاذ الاقتصاد اليمني، ووضع شروط مرجعية واضحة ومحددة لها. والنظر في اختيار شخصيات تحظى بالحياد والكفاءة والنزاهة.
رابعاً - توظيفات أممية:
ثمة عدد من الأطر التي تدفع بالجهود الأممية نحو إنجازها لمتطلبات إنقاذ الاقتصاد اليمني، خاصة مع إعادة الدفع بمسارات التسوية السياسية، إذ يجب الأخذ في الاعتبار عدد من النقاط، أبرزها:
- إيجاد سلطة نقدية موحدة تمارس السياسة النقدية والمصرفية في كافة مناطق البلاد، وتدفع بالثقة في القطاع المصرفي، والتوسع في قنوات التواصل مع النظام المالي العالمي.
- بحث إمكانية تعبئة الموارد الحقيقية الضريبية والنفطية لتمويل النفقات العامة الحتمية، خاصة تلك التي تتعلق بالأنشطة الإغاثية ومرتبات موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين.
- استئناف الدورة النقدية في الاقتصاد اليمني، والتي توقفت بفعل توقف صادرات النفط والغاز، وتخفيض طباعة المزيد من الأوراق النقدية لتفادي مخاطر التمويل التضخمي على المدى المتوسط والطويل.
- زيادة عرض النقد الأجنبي عبر زيادة الصادرات. وبالتالي، دعم الاحتياطيات الخارجية، وإبطاء التدهور في قيمة العملة الوطنية، وتحسين فرص التمويل المستدام لواردات السلع الغذائية الأساسية بسعر الصرف الرسمي، وتهدئة موجات التضخم.
- المساعدة على استمرار كيان مؤسسات الدولة ومرافق الخدمات الاجتماعية الأساسية، ولو في إطار الحد الأدنى.
- تفعيل الرقابة على المال العام، وتحسين ثقة القطاع الخاص بأوجه الاقتصاد اليمني.
- خلق مساحات مشتركة بين مختلف الأطراف الفاعلة بالمسألة اليمنية، والمتصارعة بالداخل، وما يخلفه ذلك من انعكاس مباشر على "مصلحة المواطنين" في كل المناطق اليمنية دون تمييز.
- الانتهاء إلى "التزام توافقي" بين مختلف الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية "محليا، وإقليميا، ودوليا" لإنهاء الأزمة الإنسانية بالداخل اليمني، والتي تصنف بكونها أسوء الأزمات الإنسانية في العالم.
الجدير بالذكر، أن إنقاذ اقتصاد دول الصراع يتطلب سنوات عديدة من التنسيق النوعي بين الحكومة، والأطراف المنخرطة بالعملية الصراعية، والشركاء الدوليين والفواعل الأممية، والقطاع الخاص والمدني، وهو ما يتطلب إدراجه ضمن هياكل "اتفاقات السلام"، على أن لا تقتصر التوظيفات الأممية على الأطر السياسية فقط، ولكن تتضمن خلق حلولاً للقضايا الاقتصادية المحورية، والتي تُشكّل إحدى أهم دعائم نجاح الفترة الانتقالية فيما بعد "اتفاق السلام"، وبالتطبيق على الحالة اليمنية، فإنّ أبرز القضايا التي تتطلب التوطئة الأممية، ما يلى:
1. الاتفاق على الأولويات الاقتصادية للحكومة الانتقالية: على أن تشتمل التوظيفات الأممية على الاتفاق حول الخطوط العريضة لأولويات برنامج الحكومة الجديدة، بما في ذلك إعطاء الأولوية للنفقات العامة التي تعزز التعافي الاقتصادي وتحفّز النمو، إضافة إلى إعطاء الأولوية للقطاعات الهامة كقطاع الكهرباء، حتى لا يُعاد إنتاج سيناريو "الحكومة التوافقية" التي شُكلت من الأحزاب السياسية المختلفة بموجب المبادرة الخليجية، إذ لم تحظى تلك الحكومة حينذاك على دعم سياسي حقيقي لأولوياتها. ومن ثم، ففي حالة تشكيل حكومة إصلاحات فإنه يجب تحديد الإصلاحات التي ستقوم بها. وبالمثل، إذا ما تقرر تشكيل حكومة تصريف الأعمال، أو أي حكومة أخرى في هذا السياق، فإنه يجب تحديد برنامجها بوضوح بحيث لا يكاد يكون هناك أي غموض حول ما يجب أو ما لا يجب القيام به. وبصفة خاصة حين النظر لأولويات إنقاذ الاقتصاد اليمني فيما بعد إنهاء الصراع وإقرار توافقات "التسوية السياسية".
2. إنهاء الانقسام المؤسسي: وذلك عبر التوافق الأممي مع الأطراف المحلية، وتلك المنخرطة بالصراع الداخلي، على آليات واضحة وإطار زمني لمعالجة انقسام مؤسسات الدولة، وخاصة تلك التي تلعب دورا جوهريا في اقتصاد اليمن، مع الالتزام بالعمل ضمن نطاق هذه المؤسسات، خاصة وأنَّ التوجه نحو إنشاء هياكل حكومية موازية لا يؤدي إلى إضعاف دور المؤسسات القائمة فقط، بل كذلك يمحو "ذاكرتها المؤسسية"، مما يمنع الحكومة الجديدة من مواصلة عملها من حيث انتهت الحكومات السابقة، وبيان حجم إنجازاتهم، والبناء عليه.
3. تشكيل مجلس اقتصادي اجتماعي: وذلك بأن تسعى التوظيفات الأممية السياسية نحو خلق توافقات محلية داعمة لإنشاء مجلس يجمع بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وتكليفه بصياغة السياسات الاقتصادية. وذلك بالنظر لتجربة "مجلس 2014"، على أن يتم التوافق حول إلزامية سياسات ذلك المجلس لكافة الأطراف المحلية بالداخل اليمني.
4. إعادة تعريف الفلسفة الاقتصادية للدولة: وذلك عبر صياغة رؤية جديدة للتنمية، تستهدف هيكلة برامج إصلاحات اقتصادية شاملة ومحددة ومُجدولة زمنيا، شرط أن تكون رؤية متبصرة تتجنب تكرار إخفاقات الماضي، فعلى سبيل المثال: من ضمن إخفاقات الماضي الاعتماد المفرط على عائدات النفط وتهميش وإفقار المناطق الريفية وتزايد العجز الشديد في الميزان التجاري للمواد الغذائية.
5. إدارة البنك المركزي: وذلك عبر التوافق حول تمكين البنك المركزي اليمني من أداء دوره وفقا للقانون، مع إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك وفقاً للمعايير المذكورة في قانون البنك المركزي، ووفق شروط الكفاءة والنزاهة.
6. إدارة المساعدات الدولية: عبر الاتفاق حول أهمية التزام المانحين والداعمين لليمن بتدفق جميع المساعدات والمنح المالية عبر القنوات الرسمية دون تدخل أي طرف سياسي، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بالدور الإشرافي للبنك المركزي على تدفقات المساعدات الدولية، بما يضمن مساهمتها في احتياطي النقد الأجنبي وغير ذلك. مع التأكيد على إلزام "الحكومة التوافقية" بأقصى درجات الشفافية في ملف المساعدات المقدمة من الدول المانحة، والنص على أحكام الرقابة ذات الصلة.
7. إدارة الإيرادات العامة للدولة: وذلك عبر التوافق حول كيفية إدارة "تحصيل الإيرادات العامة للموارد الطبيعية"، خاصة المحافظات المنتجة للنفط والغاز، فضلاً عن دعم وجود مراقب دولي "مُدقق" لتلك الإيرادات، والتزام الحكومة بأعلى معايير الشفافية في إدارة هذا القطاع الهام.
8. توريد المتحصلات القانونية: وذلك بالتوافق حول الالتزام بقيام السلطات المختلفة في المحافظات بتوريد جميع المتحصلات القانونية من الضرائب والرسوم الجمركية بالحسابات الحكومية لدى البنك المركزي وفق إجراءات من الشفافية والمساءلة.
9. إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي: عبر تعيين المبادئ الحاكمة والمنظمة لعملية إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي، وكذلك الهياكل المؤسساتية لتلك العملية، وذلك بما يضمن الكفاءة والشفافية والتوافق مع مصالح المواطنين. وكذلك تحديد الدور المناط بالجهات المانحة في دعم الحكومة الانتقالية، إضافة إلى التفاوض على إطار مساءلة مشتركة لتنفيذ وتيسير مرحلة إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي على النحو المرجو وفق مؤشرات إنجاز وأداء واضحة، وفقا لما هو متعارف عليه ومعمول به في أفضل ممارسات المتابعة والتقييم.
10. فتح الموانئ والمطارات والمنافذ البرية: وذلك بإلغاء كافة القيود التي وضعت لتمكين الحكومة من فتح الموانئ والمطارات والمنافذ البرية المختلفة، وإلغاء كافة القيود التي وُضعت على حركة البضائع والمسافرين، إضافة إلى إلغاء البرامج التي استحدثت لتفتيش السفن خارج الموانئ اليمنية. إذ قد تكون هذه الخطوة واحدة من ضمن إجراءات إعادة بناء الثقة مع المجتمعين الإقليمي والدولي.
11. استعادة ثقة مجتمع الشحن الدولي: وهو ما يتطلب بدوره عدد من التحركات، أولها: ما يتعلق باستعادة ثقة الناقلين البحريين الدوليين في موانئ اليمن، وبخاصة ميناء عدن وميناء الحديدة من خلال أحكام مباشرة يتم تضمينها كأحد أهم الأولويات على الأجندة الأممية للتسوية السياسية. وثانيا: ما يتعلق باستعادة الامتثال للمدونة الدولية لأمن السفن والمرافق البحرية الدولية (ISPS) في المحطات الرئيسية لليمن وما ينعكس على ذلك من استعادة ثقة مجتمع الشحن الدولي.
تأسيسا على ما سبق.. فثمَّة عدد من التحركات يُجدر أن تؤخذ في قائمة الأولويات لدى أجندة "المبعوث الأممي الرابع"، خاصة مع التأكيد على أنَّ تسوية الصراع بالمسألة اليمنية، لا يتعلق فقط بالإطار السياسي، ولكن يتطلب كذلك بحث ماهية وأطر ودعائم "الإنقاذ الأممي" للملف الاقتصادي، وهو ما يتطلب ما يلى:
1. إيضاح ماهية وأوجه التفويض الكامل للمبعوث الأممي من جانب الأمم المتحدة، وتمكينه من التعامل مع أوجه الصراع الاقتصادي. وليس بالضرورة أن يتم ذلك من خلال بيان أو قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - على الرغم من أن ذلك سيكون خطوة ذو ثقل تسهل من إدارته للملف - ولكن يمكن إنشاء منصب رفيع المستوى كنائب المبعوث مثلًا، للتعامل بشكل موجه مع الملف الاقتصادية. كذلك، يتعين على المبعوث تعيين عدد كافٍ من الموظفين ذوي المهارات التقنية والمعرفة في الاقتصاد والتمويل والاقتصاد السياسي للتغلب على التحديات المعقدة، والتوسط بين الأطراف، وتحديد الحلول الممكنة تقنيا وسياسيا.
2. إنشاء آلية للتنسيق الدولي حول المسار الاقتصادي لعملية التسوية السياسية السلمية بالمسألة اليمنية. وذلك قياسا للتجربة السابقة لـ "مجموعة عمل أصدقاء اليمن". حيث ستوفر هذه الآلية بيئة معتمدة دولياً وتحظى بالتوافق المحلي/ الداخلي والإقليمي، على أن تستهدف في مجمل اجنداتها التنسيق بين مختلف التوظيفات الأممية، والجهود الاقليمية، لمعالجة أولويات المسار الاقتصادي في اليمن.
3. إعادة ترتيب الأولويات، على أن تكون قضايا خفض التصعيد الاقتصادي على رأس جدول الأعمال الأممية، وهو ما يتطلب مفاوضات جادة، وخلق توافقات مشتركة بين الأطراف المنخرطة بالصراع، نظرا لارتباط تلك القضايا ارتباطا وثيقا بقضايا السيادة والسلطة والشرعية. كما تشمل هذه القضايا تنسيق السياسات النقدية والمالية، والقيود المفروضة على التجارة، والبنية التحتية، والطرق التجارية الرئيسية، وإدارة الإيرادات العامة لضمان دفع رواتب موظفي القطاع العام، وتجنب الازدواج الضريبي، وإعادة توحيد المؤسسات الرئيسية، ودمج الخدمة المدنية، وإدارة عملية إعادة الإعمار بعد الصراع.
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي
- الصورة: أرشيف
- لتحميل الورقة بصيغة بي دي إف (من هنا)