15-08-2021 الساعة 1 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
تتهاوى المدن والولايات الأفغانية كحبات العِقد في أيدي حركة طالبان المتطرفة، وسط تساؤلات عن "سر" هذا السقوط السريع لمناطق يُفترض أنها تخضع لسيطرة الجيش الأفغاني، الذي موّلته الولايات المتحدة ودول الغرب بأحدث المعدات العسكرية، لسنوات. هذا الأمر، يقول خبراء أنه قد يحفّز المناطق التي تشهد قتالا أهليا في مناطق أخرى من العالم، كاليمن.
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، السبت، أنّ بقاء القوات الأمريكية لسنة أو لخمس سنوات في أفغانستان لن يُحدث فرقا، إذا لم يكن الجيش الأفغاني قادرا على فرض سيطرته على البلاد. [1] ربما أراد بايدن، على الأرجح، تبرير خطوة تخلّي الولايات المتحدة عن أفغانستان، وتركها بمفردها في أتون حرب أهلية، لكن جماعات دينية أخرى في العالم، كالحوثيين، المدعومين من إيران، قد يعتبرونها، إشارة مناسبة لتوسيع عمليات القتال في البلد الآسيوي الفقير (اليمن) الذي يخوض حربا منذ سبع سنوات.
يقول الخبير السياسي الأمريكي، المقيم في موسكو، أندرو كوريبكو أنّ "تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها الأفغان قد يدفع الحوثيين إلى اتخاذ خطوة أخرى في مأرب."
ويضيف كوريبكو في تعليق لـ "سوث24"، أنّ "الجماعة [الحوثية] ترى أنّ بايدن يبني على استراتيجية ترامب المتمثلة في ترك حلفاء أمريكا الإقليميين بمفردهم إلى حد كبير، مثلما مارس ضغوطًا على المملكة العربية السعودية في اليمن منذ توليه منصبه من خلال تعليق عمليات الدعم العسكري الأمريكي هناك."
وكانت إدارة بايدن قد أعلنت رسميا، في 16 فبراير شباط الماضي إزالة جماعة الحوثيين، من قائمة التصنيف الإرهابي، واتخذت خطوات ضد السعودية، التي تقود قواتها التحالف الذي تدخّل في اليمن منذ 2015.
واشنطن منشغلة
وتسيطر الحركة الدينية على معظم جغرافيا اليمن الشمالي، بعد طرد القوات الحكومية من كثير من المناطق، في حين تخوض قواتها قتالا عنيفا على مشارف مدينة مأرب الغنية بالنفط والغاز.
"من وجهة نظر الحوثيين، قد لا تفعل الولايات المتحدة الكثير لمنعهم إذا اتخذت خطوة أخرى نحو مأرب." قال كوريبكو لـ سوث24. وأضاف: "إنّ أمريكا منشغلة للغاية باستكمال انسحابها المروع من كابول، عن إيلاء اهتماماً باليمن في الوقت الحالي. هذا لا يعني أنّ الجماعة [الحوثية] ستنجح، لكنهم فقط قد يرون الآن فرصة يمكنهم اغتنامها."
لمّحت صحيفة الوقت الإيرانية الناطقة بالإنجليزية، بالفعل، إلى أنّ الحوثيين يعتزمون إنهاء السيطرة على المدينة الشمالية. وبحسب الصحيفة فإنّ "تحرير المدينة الاستراتيجية يقترب من نهايته، حيث قال رئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي إنّ أنصار الله [الحوثيين] والجيش اليمني الآن على أعتاب المدينة." [2]
بالنسبة للحوثيين، تقول الصحيفة "إن القدرة على السيطرة على مأرب أكثر من أي شيء آخر تمثّل نجاحا في الاستيلاء على آخر معقل للمعارضة في الشمال." وينعكس ذلك ليس فقط من موقع مأرب الهام، "الذي يربط العديد من خطوط التجارة اليمنية"، بل أنها "تمتلك أكبر محطة كهرباء في اليمن وثروة من الموارد الطبيعية ، خاصة مع 90 في المائة من مواردها النفطية والغازية".
سوف تمنح مأرب الحوثيين في صنعاء كل الموارد لتسوية المشاكل المالية في المناطق التي تحت سيطرتهم، وفقا للصحيفة. "بالنسبة لهادي...، فإنّ خسارة مأرب تعني ضربة قاتلة لظروفه السياسية والعسكرية، خاصة في الوقت الذي يبني فيه المجلس الانتقالي الجنوبي قوته وتعبئة موارده في الجنوب."
يقول المحلل السياسي كوريبكو، "إنّ نتيجة هذه المعركة سوف تعتمد على العلاقة بين قوات التحالف والقوات المحلية."
لأنه، وفقا لكوريبكو، لا يبدو أنّ الولايات المتحدة مهتمة بالمشاركة بشكل مباشر [في اليمن]، "خاصة أنها تجنبت المزيد من التدخل المباشر في أفغانستان، حيث تتعرض قواتها المسلحة الآن للتهديد من قبل طالبان. لذلك من غير المرجح أن يساعدوا حلفائهم العرب في اليمن إذا تعرضوا للهجوم هناك."
ومع توارد الأنباء عن دخول مقاتلي طالبان العاصمة الأفغانية كابل، ووصول وفدها إلى مقر الرئاسة الأفغانية قادما من قطر، انتقد مسؤولون أمريكيون سابقون بوزارة الدفاع، الخطوة التي أقدمت عليها إدارة بايدن بالانسحاب من الدولة الآسيوية، وألقوا باللوم على الإدارة الأميركية فيما آلت إليه الأوضاع بأفغانستان، وحذروا الرئيس بايدن من أنه "سيعلم قريبا مدى أهميتها عندما يسيطر عليها المتطرفون الذين سيمنحون الإرهابيين ملاذا آمنا". [3]
مخاوف حكومية
السيناريو الأفغاني، ليس جديدا كلياً على الوضعّ العسكري في اليمن. سبق وأسقطت جماعة الحوثيين، مناطق شمال اليمن خلال أسابيع قليلة في العام 2014، وانتهت بسيطرة الجماعة على العاصمة اليمنية صنعاء، وسط تواطئ القوات الحكومية الرسمية التابعة للرئيس السابق، صالح، ونائب الرئيس اليمني الحالي، علي محسن الأحمر، المقرّب من الإسلاميين (حزب الإصلاح).
لكنّ، الحكومة اليمنية، المقيمة في الرياض، تضاعفت مخاوفها من سقوط معاقلها الأخيرة في الشمال، وبالتالي، القضاء على تواجدها في الجنوب، حيث تفتقد هناك للحاضنة الشعبية. حيث حذر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، السبت من "السيناريو والمصير القاتم" الذي وصلت إليه أفغانستان. ودعا كافة القوى السياسية إلى "الوحدة" لحسم المعركة ضد الحوثيين. [4]
وسيطرت حركة طالبان في الآونة الأخيرة على أكثر 20 من عواصم المقاطعات في أفغانستان بعد قتال مع القوات الحكومية. في حين سيطر الحوثيون على معظم أجزاء شمال البلاد. وكثف الحوثيون خلال الأسابيع الماضية عملياتهم العسكرية في البيضاء وسط البلاد، وتمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة في المحافظة الاستراتيجية الحدودية مع جنوب اليمن. [5]
رأت صحيفة الوقت الإيرانية أنه في حال قبلت الحكومة اليمنية بشروط صنعاء بسبب الضغط العسكري الحوثي، ونجاح جهود الوساطة العمانية. فإنه في ظل هذا السيناريو، "يُمكن لصنعاء من خلال انتزاع التنازلات من الجانب الآخر تحييد الضغوط الاقتصادية بطريقة ما، وتوسيع الانقسام في المعسكر المقابل، وكذلك تعزيز شرعيتها في الداخل والخارج كحكومة شرعية في اليمن."
اجتاحت واشنطن وحلفائها أفغانستان، في أكتوبر 2001، بحجة محاربة "تنظيم القاعدة" والحد من خطر التهديدات الإرهابية وأطاحت بحكم طالبان، عقب هجمات التنظيم في الـ 11 من سبتمبر على الولايات المتحدة. وعقب مغادرة كل القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي القواعد العسكرية في البلاد، تصاعدت تحذيرات من وجود "احتمال كبير لعودة القاعدة وتنظيم الدولة إلى الظهور". [6]
في اليمن تراهن واشنطن على "تعب" الحوثيين من القتال في مأرب. والعودة إلى طاولة المفاوضات. ظهر المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ مؤخرا، واثقا من أنّ "الحوثيين ليسوا منتصرين في مأرب" منتقدا دور إيران غير الجاد في إحلال السلام في اليمن. [7] فهل تراهن الولايات المتحدة، أيضا، على إقلاق إيران في حدودها الشرقية مع سيطرة الجماعة السنية المتطرفة على أفغانستان؟ مع العلم أنّ إيران كانت ملاذا آمنا لقيادات في تنظيم القاعدة، كما يقول المسؤولون الأمريكيون بأنفسهم؟!
رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: مقاتلي من حركة طالبان (رويترز)
الكلمات المفتاحية: