12-07-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
أصدرت الخارجية السعودية في 2 يوليو الجاري بيانًا سياسيًا، أكدت فيه حرصها على تنفيذ اتفاق الرياض، ورعايتها للمفاوضات الأخيرة بين طرفي "الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي".[1]
وأشار البيان السعودي إلى ما اعتبره تصعيدًا سياسيًا وإعلاميًا من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي، إثر إصدار الأخير في 29 يونيو الماضي حزمة من القرارات السياسية في بنيته السياسية، ترقى إلى التمثيل الدبلوماسي خارجيًا.[2]
ثمّة مقدمة لهذه التطورات أهملها الجانب السعودي تتمثل في مجموعة من الممارسات التي بدرت عن القوات التابعة للحكومة اليمنية ضد عناصر الانتقالي الجنوبي والمحسوبين عليه. الأمر الذي بدى وكأنه تحولاً نوعيًا في الموقف السعودي من أزمة الصراع في جنوب اليمن.
الموقف السعودي من الأزمة
بيان الخارجية السعودية لم يشر إلى التصعيد الأمني والعسكري من قبل القوات والسلطات التابعة لحزب الإصلاح في الحكومة اليمنية. في ذلك الوقت احتج الانتقالي الجنوبي وأوقف تواصل وفده التفاوضي في مباحثات اتفاق الرياض أكثر من مرة، كانت الأولى في 18 يونيو الماضي عندما اعتقلت قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية بمحافظة شبوة، رئيس القيادة المحلية للانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت ونائبه وعددٍ من المرافقين له.[3]
فيما كانت الأخيرة في 26 يونيو الماضي [4]، حيث قامت السلطة المحلية في محافظة شبوة الموالية للإصلاح بتصعيد أمني وعسكري وصف بغير المسبوق، استهدف فعالية سلمية أقامها الانتقالي الجنوبي بمنطقة عبدان بمديرية نصاب، إذ وسعت القوات الحكومية الموالية للإصلاح إجراءاتها الأمنية والعسكرية، بصورة طالت جميع أبناء شبوة. وتعرض المتظاهرين السلميين في 7 يوليو الحالي إلى ممارسات عنيفة، تعددت بين إصابة مدنيين، واعتقال متظاهرين بينهم قيادات في المجلس، وإطلاق الرصاص الحي وقذائف المدفعية على منازل المواطنين. لذلك طالب الانتقالي الجنوبي السعودية بصفتها راعية لاتفاق الرياض اتخاذ موقف إزاء التصعيد العسكري من قبل السلطة المحلية بمحافظة شبوة الموالية للإصلاح، لكن السعودية فعلت العكس تمامًا، واعتبرت القرارات التي اتخذها الانتقالي الجنوبي تصعيدًا سياسيًا وإعلاميًا يضر اتفاق الرياض.
ليس هذا فحسب بل تحاول الدبلوماسية السعودية حاليًا حشد التأييد الدولي الذي يدعم موقفها هذا. في صورة تبدو مماثلة لما حدث بداية الأزمة اليمنية مطلع العام 2015. في ذلك الوقت استطاعت السعودية انتزاع قرار أممي ودعم دولي مكنها من التدخل العسكري في اليمن. لذلك موقف السعودية الأخير من الأزمة بين طرفي اتفاق الرياض، يحدث بالتزامن مع بذلها جهودًا دبلوماسية مضاعفة لكسب المواقف الدولية والإقليمية، التي تعزز موقفها الأخير في جنوب اليمن.
عودة الدور السعودي في الأزمة
هناك مؤشرات على رغبة السعودية في العودة مجددًا إلى المشهد اليمني من باب اتفاق الرياض، بعد أن عملت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مطلع العام الحالي بذريعة وقف الحرب وإنهاء الأزمة اليمنية، على إضعاف دورها في اليمن. إثر ذلك انتقلت السعودية من لعب دور الوصاية إلى لعب دور الرعاية، عندما قدمت في مارس الماضي مبادرة السلام لإنهاء الأزمة اليمنية التي رفضها الحوثيون.
بالمقابل رعت السعودية اتفاق الرياض في 5 نوفمبر 2019 بين الحكومة اليمنية الموالية للإصلاح والانتقالي الجنوبي، منذ ذلك الوقت التزمت السعودية دور الرعاية والحياد بين طرفي الاتفاق. بيْدَ أنها تحاول الآن الانتقال إلى لعب دور الوصاية في جنوب اليمن.
في هذا السياق تجتهد الدبلوماسية السعودية لكسب المواقف الدولية. إذ وجهت القائمة بأعمال السفير الأمريكي في اليمن كاثي ويستلي يوم الخميس الماضي، رسالة شديدة اللهجة تحث فيها طرفي اتفاق الرياض في جنوب اليمن "الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي" على العودة إلى الحوار الذي يركز على تنفيذ اتفاق الرياض.[5]
وكما أشار البيان السعودي لتصعيد الانتقالي الجنوبي، لوَّحَتْ الرسالة الأمريكية بتعرض من أسمتهم "بأولئك الذين يقوضون أمن اليمن واستقراره ووحدته" للرد الدولي. بالمقابل انتزعت صحيفة الشرق الأوسط السعودية تصريحًا من السفير الفرنسي لدى اليمن جان ماري، أكد فيه على وقف التصعيدات والاستفزازات من كل الأطراف [6]. من جانب آخر أعرب السفير البريطاني لدى اليمن مايكل ارون عن قلقه من التصعيد في الجنوب ودعا لوقف الاستفزازات من طرفي اتفاق الرياض [7] كما أعاد البريطاني تغريد تصريحات الأمريكية ويستلي والفرنسي جان ماري على حسابه بتويتر.
بالمقابل تبدو زيارة سلطان سلطنة عمان هيثم بن طارق للسعودية يوم أمس بصورة ما متصلة بالأزمة في جنوب اليمن، إذ أن الأخير لديه حدود برية مع سلطنة عمان، الأمر الذي قد يبلور موقفًا مشتركًا بين السعودية وعمان من الأزمة هناك. بالمقابل لا تقتصر الأزمة في الجنوب على تحولات المواقف السياسية، فهناك تطورات عسكرية تعكس اهتمام المجتمع الدولي بالأوضاع في جنوب اليمن، بالتزامن مع اندلاع المعارك في محافظة البيضاء وسط البلاد.
معارك البيضاء
تغير الموقف السعودي تجاه أزمة الصراع في جنوب اليمن، لم يكن الوحيد، فهناك متغيرات أخرى على صعيد مسرح العمليات العسكرية وسط اليمن. إذ دخلت آلة الحرب ضد الحوثيين لأول مرة محافظة البيضاء. من هذه الزاوية تبدو عملية فتح جبهة جديدة ضد الحوثيين، منسجمة مع مطالبة السعودية طرفي اتفاق الرياض عدم التصعيد. الأمر الذي يفسر توالي البيانات الدولية الداعمة للموقف السعودي.
في هذا السياق يبدو تطابق المواقف الدولية مع الموقف السعودي متصل بمحاولة إخماد الحرائق التي قد يفتعلها البعض في الجنوب، بالتزامن مع معارك محافظة البيضاء بسبب قربها من الجنوب، ولسبب آخر يتمثل في أن محافظة البيضاء تعد بؤرة للتنظيمات المتطرفة، لذلك وصف نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر الموالي للإصلاح معركة البيضاء بالحرب على الإنقلاب والإرهاب.[8]
الأمر الذي يجعل مسار معركة البيضاء مجهولاً، ولم يتضح بعد للاعبين الدوليين. هذا ما يعزز حساسية اللحظة الراهنة، وسردية التغير المفاجئ والمقتضب في الموقف السعودي والمواقف الدولية. وفي سياق يتصل بفتح معركة البيضاء، يبدو الاهتمام الأمريكي بمكافحة التهريب وأمن المياه الإقليمية مواكبًا، لذلك في نهاية يونيو الماضي التقى قائد الأسطول الأمريكي الخامس براد كوبر والقائمة بأعمال السفير الأمريكي لدى اليمن كاثي ويستلي بنائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر، وبحسب الأحمر هدف اللقاء إلى مكافحة الإرهاب وتأمين خطوط الملاحة الدولية.[9]
إضافة إلى ذلك أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرًا عن الاتجار بالبشر مطلع الشهر الحالي، يعكس الاهتمام الأمريكي بتأمين المياه الاقليمية قبالة السواحل اليمنية [10]. حيث أن مصفوفة التطورات العسكرية في الجغرافيا المتصلة بوسط اليمن وإجراءات تأمين المياه الإقليمية، تشير إلى ضرورة عودة الدور السعودي في الأزمة اليمنية، وهذا الأخير لن يتسنى إلا بذريعة دعم الحكومة اليمنية. كما أن تنفيذ اتفاق الرياض يرتبط بعودة الحكومة اليمنية إلى عدن.
زميل مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحث في الشؤون السياسية
- الصورة: جنود سعوديون في عدن (شينخوا)