04-03-2022 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | أندرو كوريبكو
ذكر موقع "أكسيوس" الإخباري أن وزارة الخارجية الأمريكية سحبت للتو برقية أُرسلت إلى السفارة الإماراتية عبر دبلوماسييها تصف الموقف المحايد الذي تبنته أبو ظبي تجاه العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا بأنه يضع الدولة الخليجية في صف "المعسكر الروسي".
ووفقا للموقع الأمريكي، فقد تضمنت البرقية ما يلي: "استمراركم في الدعوة للحوار كما فعلتم في مجلس الأمن ليس موقفا محايدًا، لكنه يضعكم في معسكر روسيا، الطرف المعتدي في هذا الصراع".
وبالرغم من سحب البرقية لأسباب تتعلق بـ "اللغة المستخدمة وأنها أُرسلت عن طريق الخطأ" وفقا للمتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية الأربعاء، لكنها تكشف وجهة النظر التي تفسر بها الولايات المتحدة موقف أبوظبي تجاه الصراع في أوكرانيا. وبشكل موضوعي، فإن النهج الأمريكي يمكن وصفه بـ "المجموع الصفري" لأنه يشبه بشكل مخيف إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش في أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية: "إما معنا أو ضدنا".
لقد تغير الزمن منذ ذلك الوقت إذ لم تعد الولايات المتحدة القوة العالمية العظمى بلا نزاع مثلما كانت في السابق. لقد تضاءلت هيمنتها أحادية القطب على العلاقات الدولية منذ فترة من الزمن مما أدى بالمقابل إلى صعود قوى عظمى متعددة الأقطاب أمثال روسيا والصين، وكذلك تركت المجال لآخرين مثل الإمارات العربية المتحدة لتضحى أكثر ارتباطا على المستوى الدولي أيضا.
وفيما يتعلق بتلك الدولة الخليجية، فإنها تمارس سياسة خارجية براجماتية تستهدف المحاذاة المتعددة بين مختلف الشركاء سعيا وراء المصالح المشتركة المرتبطة بالسلام والاستقرار والتنمية.
لقد شرح المؤلف هذا الأمر بشكل أكثر استفاضة في تحليل سابق نشره "مركز سوث24" وصف خلاله "الاستراتيجية الجيواقتصادية المتنامية للإمارات". وبالرغم من أن روسيا لا تلعب دورا رئيسيا في توجه الإستراتيجية الكبرى لهذا البلد، لكنّ الدولتين لا تزالا ناجحتين في زرع علاقات وطيدة جدا على مدار الأعوام الأخيرة. لقد اتخذت العلاقة في معظمها شكل التعاون العسكري التقني لكنها أيضا ترتبط بوعد التوسع الشامل صوب قطاعات أخرى مثل التنسيق في مجال الطاقة والاستثمارات الثنائية.
إنّ العلاقات الروسية-الإماراتية تصب في مصلحة الطرفين ولا تستهدف أي طرف ثالث مثل الولايات المتحدة. طبيعة العلاقة المحترمة لهذه الروابط المشتركة تتناقض مع التحديات الأخيرة التي لم تعد مجال إنكار في العلاقات الأمريكية الإماراتية. وفي وقت سابق، ذكر موقع "أكسيوس" أيضا أن "الإمارات امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن بسبب رد فعل الولايات المتحدة تجاه هجمات الحوثيين".
ونقل الصحفي الذي كتب التقرير عن ثلاثة مصادر إماراتية وأمريكية وإسرائيلية قولهم إنّ أبوظبي شعرت بخيبة الأمل من عدم إعادة تصنيف واشنطن للحوثيين كجماعة إرهابية في أعقاب هجماتهم الأخيرة ضد الإمارات. وأضافت المصادر أيضا أنّ رد فعل الولايات المتحدة على العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا كان أسرع من رد فعلها تجاه الحوثيين. وينبغي أن يتذكر القراء أيضا أنّ روسيا اتخذت موقفا صلبا داعما للإمارات بعد هجوم الحوثيين وهو ما حلله المؤلف في مقالة لمركز "سوث24" بعنوان "تفسير رد الفعل الروسي تجاه هجوم الطائرة المسيرة لأبوظبي".
ورغم أنّ موسكو لم تصنّف الحوثيين أبدا كجماعة إرهابية، لكنّ روسيا أيضا ليست لاعبا رئيسيا في العملية الدبلوماسية التي تستهدف الوصول إلى حل لحرب اليمن، وبالتالي فإنّ امتناعها عن فعل ذلك ليس بنفس أهمية إصرار واشنطن على عدم إعادة تصنيفهم كخطوة لدعم حليفتها الإقليمية من خلال التضامن مع مخاوفها بشأن مكافحة الإرهاب.
في ديسمبر الماضي، وقّعت الإمارات صفقة شراء أسلحة مع فرنسا بقيمة 19 مليار دولار تشتري بموجبها 80 طائرة رافال و12 هليكوبتر عسكرية بالرغم من أنّ وزارة دفاع الدولة الخليجية ذكرت أن ذلك الاتفاق ليس بديلا عن صفقة " F-35" المجمّدة مع الولايات المتحدة المتهمة بتسيسها. وأعلنت وزارة الدفاع الإماراتية الأربعاء أنها سوف تشتري 12 طائرة تدريب قتالية خفيفة متطورة من الصين طراز L-15. وفي أواخر العام الماضي، اتجهت شركة "روستيك" الروسية صوب الإمارات لتصنيع مشترك للطائرة سو-75 "شيك ميت". ويوضح ذلك أّن الإمارات العربية المتحدة تقوم بتنويع شركائها في مجال الدفاع.
يكفي أن نقول إن الولايات المتحدة تشعر بالانزعاج الأكيد تجاه الثقة الإماراتية في بسط استقلالها الإستراتيجي خلال الشهور الأخيرة. وتملك الولايات المتحدة توجها مؤسفا تنظر من خلاله إلى كافة شركائها نظرة دونية وتعتبرهم ليسوا على قدم المساواة، ولذلك تتوقع منهم الرضوخ لكافة طلباتها، ومن يرفض يتم اعتباره مكروها بالنسبة لها، وهو ما فعلته واشنطن مع الإمارات بسبب السياسة النشطة التي تمارسها فيما يتعلق بتنوع مصادر الدفاع وموقفها المحايد في مجلس الأمن الدولي تجاه التدخل الروسي في أوكرانيا.
وسواء في مجالات الدفاع أو الاستثمارات أو السياحة أو التجارة أو غيرها فإنّ القيادة الإماراتية سوف تقوم دائما بوضع مصالحها القومية كأولوية على نحو يكمل شركاءها المعنيين. لن تقوم أبوظبي بفعل تصرف أحادي بشكل يهدد مصالح أي طرف آخر. هؤلاء الذين يفسرون القرارات السياسية المختلفة بأي شكل آخر يقومون بتقييم غير دقيق لدوافع وتأثير السياسة الإماراتية. ومما لا شك فيه، فإن هذا المنظور يعادل لعبة "المجموع الصفري" التي عفا عليها الزمن التي تسعى فيه واشنطن إلى الضغط على الآخرين للتضحية بمصالحهم الخاصة من أجل أطراف أخرى.
ما تزال الإمارات تحترم الولايات المتحدة كشريك إستراتيجي مجرب لكنها واشنطن وليست أبوظبي التي تقوم بتعقيد علاقتهما التاريخية. ينبغي على الولايات المتحدة التخلي عن سياسات "المجموع الصفري" تجاه الإمارات خشية المخاطرة بمزيد من التدهور في العلاقات.
وبالرغم من أنها خطوة تبعث على الارتياح والترحيب أن تقوم الولايات المتحدة بسحب برقية تصف بشكل خاطئ موقف الإمارات المحايد في مجلس الأمن بأنه يعني الوقوف إلى "جانب المعسكر الروسي"، لكن لم يكن ينبغي أن يتم إرسالها من الأساس. ويكشف ذلك كيف تنظر الولايات المتحدة حقا إلى الإمارات، وكيف تخطط لمعاملتها وهو أمر يثير القلق بشأن مستقبل هذه العلاقات.
إنّ الانسلاخ الأمريكي التدريجي عن غرب آسيا بدافع هدفها الإستراتيجي بالتركيز على احتواء متزايد للصين في منطقة "إندو-باسيفيك"، وكذلك الأمر حاليا مع روسيا في شرق أوروبا يحدث على حساب شركائها الأمنيين الإقليميين التقليديين. ويمثل هذا أحد الأسباب التي أدت إلى تسريع وتيرة سياسات التنوع الاستراتيجي الكبير التي تطبقها الإمارات في جميع المجالات على مدار الأعوام القليلة الماضية. لا سيما المتعلقة بالدفاع والسياسة، وهو ما ظهر جليا من خلال تنامي علاقاتها مع روسيا وآخرين أمثال الصين وفرنسا. بيد أن هذه العلاقات حديثة العهد لا تحدث على حساب الولايات المتحدة لكنها تصبو إلى ملء الفراغ الإستراتيجي الذي خلفه الانسحاب الأمريكي من المنطقة.
وبدلا من اعتراف الولايات المتحدة بأن إعادة التوجيه الجيواستراتيجي غير المدروس يخلق دون قصد عدم الاستقرار ويترك فراغا في غرب آسيا، تقوم واشنطن بشكل يثير السخرية بإلقاء اللوم على الإمارات بشأن ذلك وهو ما يتضح من خلال قراءة بسيطة للبرقية الأمريكية المسحوبة.
الإمارات التي تقدر سيادتها وفقا لحقوقها الدولية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، شأنها شأن سائر الدول، سوف تواصل الدفاع عن مصالحها القومية غير آبهة بأي ضغط أجنبي للتنازل عنها مهما كان مصدره.
محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو (الآراء الواردة في هذه المقالة تعكس رأي المؤلف)
- الصورة: لانا نصيبة المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة ورئيسة مجلس الأمن لشهر مارس (رسمي)