21-11-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عدن
استعرضت ورقة سياسية عدد من التصورات والتفسيرات التي هيمنت في أروقة المنظمات الدولية عند الحديث والتعاطي مع ماضي جنوب اليمن، حاضره ومستقبله، وحاولت الوقوف على أبرز الأفكار والمسائل الإشكالية التي كان لها تأثير بالغ في مسار الأحداث خلال السنوات الماضية.
وقد ركزت الورقة؛ التي أصدرها مركز سوث24 للأخبار والدراسات، الأحد، وكتبها الباحث السياسي أمين شنظور (اليافعي) على طبيعة علاقة الاتحاد الأوروبي بـ"المسألة الجنوبية"، وكيف تشكَّلت عبر ظروف كل مرحلة، مطالباً إياه – أي الاتحاد – بضرورة "تطوير استراتيجية أكثر ملائمة، خصوصاً مع وجود المبعوث الأممي الجديد. وهذا لن يأتي إلا عن طريق إقامة نقاشات وحوارات معمقة واستراتيجية ودائمة وتتجاوز قنوات الشبكات التقليدية السابقة."
وكخلفية تاريخية، استعرضت الورقة العلاقات الأوروبية بالدولة الجنوبية السابقة، ثم لاحقاً بالقضية الجنوبية، مشيرةً إلى أبرز المحطات الإشكالية التي مرّت بها هذه العلاقة. "بدءا من العلاقات المتوترة والحذرة التي خيّمت على الأجواء طيلة فترة الحرب الباردة، مروراً بتلك العلاقات التي سادت بعد تحقيق الوحدة اليمنية وما شهدته من ملابسات أثناء الفترة الانتقالية، وصولاً إلى حرب 1994، والمواقف المختلفة منها."
وبعد حرب 1994، أبرزت الورقة التطورات التي طرأت على الملف اليمني، والتصورات والتفسيرات التي سادت حول ما كان يدور في البلد، لعل أبرزها مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001 ، بما دفع "المجموعة الأوروبية إلى أن ترفع من درجة اهتمامها حيث طرحت استراتيجية شاملة عرضت فيها رؤيتها وفرص الشراكة الممكنة،" واقترحت لاحقا توسيعها إلى تنفيذ "الشراكة الاستراتيجية" بين اليمن والاتحاد الأوروبي.
ونظرا لوعود الإصلاحات السياسية التي كان يقطعها النظام اليمني، قالت الورقة بأنّ "هذه التصورات الأولية قادت الاتحاد إلى اعتبار اليمن نموذجاُ مقبولاً للدخول معه في شراكة استراتيجية، دون الأخذ بالاعتبار التناقضات بين هذه التصورات وطبيعة الواقع، حقيقة النظام السياسي و"ديمقراطيته الناشئة" وطبيعة النخبة "الكلِبتوقراطية" الحاكمة التي غيّبت المؤسسات الحقيقية القادرة على القيام بالإصلاحات".
مشيرة إلى تطوير النظام الحاكم لاستراتيجية تقوم على إفراغ "الديمقراطية الناشئة" من داخلها، "بحيث تحافظ على قدر من الاستبداد الذي يسمح له بالاحتفاظ بالسلطة، ويخدم مشروع التوريث، وفي نفس الوقت لا تنقطع المعونات الخارجية المشروطة بتعزيز الممارسة الديمقراطية."
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي، عقب حرب 2015 كان الأكثر تمسكا في رؤيته للمسار السياسي كحل وحيد للأزمة اليمنية، لكن هذه الرؤية، كما تقول الورقة "لم يستطع أن يُلِزم بها كل دوله الأعضاء لينعكس على علاقاتها هي الأخرى مع أطراف النزاع، كما لم يستطع تحويل تصوره للحل إلى مشروع قابل للتنفيذ ليقطع الطريق أمام الفاعلين الإقليميين وحلفائهم على الأرض من تحويل الحرب إلى استثمار قد يكون طويل الأمد."
المسألة الجنوبية
الورقة التي حاولت أن تتفحص جوانب من التصورات السائدة لدى صانع القرار الأوروبي تجاه "المسألة الجنوبية"، زعمت بأن هذه التصورات أفضت إلى علاقة "شابتها الكثير من الالتباسات، ومرّت بمحطات شائكة وطرق وعرة، وتأثرت كثيراً ببوصلة الصراعات الدولية المختلفة."
ووفقا للورقة "لم تدعم المفوضية الأوروبية اليمن الجنوبي إلا مشروعاً وحيداً وكان ذلك في العام 1982. ففي السابق، سادت العلاقة مع "الدولة الماركسية الكثير من التحفظ".
وعقب حرب 1994، "كانت مواقف السياسات الأوروبية من هذه الحرب قريبة إلى حد ما من الموقف الأمريكي وتمثلت في دعم جهود وقف الحرب من خلال المبادرة التي تبنتها دول الخليج، لكن في المقابل كانت هذه المواقف ضد الانفصال تماماً، فعارضت تقديم أي دعم للجنوب في هذه الفترة، كما غضت الطرف عن انتهاكات وقف إطلاق النار من قبل القوات الشمالية."
وتضيف الورقة: "بعد أن وضعت الحرب أوزراها، حدث صمت مريب حيال ما جرى في اليمن، وتم السكوت على كل الانتهاكات الإنسانية وتدمير أسس الحياة للغالبية العظمى من سكان الجنوب، كما لم يتحدث أحدٌ بعدها عن القرارات الدولية التي صدرت أثناء الحرب".
وقالت الورقة أنّ النظرة العامة التي سادت بعد الحرب كانت تضع اللوم بطريقة ما على الطرف الجنوبي بعدم قدرته "على تحمّل تبعات الممارسة الديمقراطية!" مشيرة إلى أنّ "ما يتم تجاهله وعدم ذكره في العادة "هو أن النخبة السياسية في الجنوب طرحت برنامجاً واعداً للإصلاح السياسي والاقتصادي بعد كارثة 86 واستباقاً للتحولات الكبيرة على الصعيد الدولي، كان من أبرزها إصلاح النظام السياسي".
وكنتيجة لذلك، تسرد الورقة كيف سيدخل الجنوبيون فجأة، بعد الحرب "في أوضاع اقتصادية وسياسية ونفسية قاسية، ستتلاشى كل الفرص أمام هؤلاء بالحصول على مستقبل وظيفي أفضل بعد طردهم من وظائفهم، وعلى إثرها سيخسرون كل شيء.. وبالنسبة للوضع العام في اليمن، فقد تحول البلد في غضون سنوات قليلة إلى أحد أخطر البؤر التي تُهدِّد الأمن العالمي."
أبزر التوصيات
وخرجت الورقة بعدة توصيات ونقاط، قالت أنه يمكن إعادة النقاش حولها فيما يتعلق بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي:
- إنّ المشاريع السياسية ليست مشاريعاً مقدسة، بل هي مشاريع تخضع للنقاش والتفاوض وإعادة النظر فيها على نحوٍ دائم. لهذا، لا يُفترض بالجهود الساعية إلى إيجاد حلول مستدامة أن تقع في ازدواجية بفعل التنميطات السياسية والأفكار المسبقة، كالتنميطات القائمة على المواقف من الوحدة والانفصال في الحالة اليمنية مثلا.
- لقد درجت الكتابات والأوراق السياسية والتوصيات بالتركيز على الانقسامات التي عانت منها الحركة الجنوبية، وعدم وجود كيان موحد ومتماسك يمكن أن يُمثّلهم في أي مفاوضات، فضلا عن الانقسامات الاجتماعية على خلفيات قبلية ومناطقية. وعلى ضوء ذلك يتم تبرير استبعادهم، عدم الاستماع الكاف لأصواتهم، أو بذل أي جهود يمكن أن تُساعدهم في حل المشكلات والتحديات المختلفة التي تواجههم ولا يملكون القدرة على تجاوزها بمفردهم. وعلى هذا الأساس، فإن الانقسامات قد تُشكِّل في بعض المرات فرص مثالية لمساعدة هذه الأطراف المستعدة لتقديم التنازلات في صالح بناء مجال سياسي رشيد يقوم على الأقل على الحد الأدنى من الديمقراطية والتعددية وقبول الرأي الآخر واحترام حقوق الإنسان.
- يمكن أن تكون هذه اللحظة لحظة مناسبة لتأسيس مبادئ ومرجعيات تحكم وتضبط التنافس في المجال العام بين الفصائل الجنوبية المختلفة، ومساعدتهم للانتقال من التنازع المناطقي والقبلي إلى التنافس السياسي، وتأسيس إطار يتكفل بالدفاع عنهم في وجه التهديدات التي تستهدف بقاءهم واستمرارهم. ويمكن لهذا المسار أن يُشكٍّل أفقاً أو خياراً بديلاً لتحقيق السلام والاستقرار على مستوى اليمن ككل.
- يؤمن الاتحاد الأوروبي، وبشكلٍ قاطع، أنّ الحل الوحيد للأزمة اليمنية يكمن في الحل السياسي، وأن الحل العسكري لن يصل إلى أي هدف، بل سيُعمق الأزمة، وسيزيد المعاناة الإنسانية. وعلى هذا الأساس قام بجهود حثيثة لمنع تصدير السلاح إلى أطراف النزاع، فضلا عن جهوده الدبلوماسية على الصعيد الدولي. إن المبدأ العام الذي يقوم عليه هذا التصور أخلاقي جداً، أي عدم إغراق البلد بمزيد من العنف، لكنه في المقابل يفترض وجود اتفاق ضمني مسبق بين جميع الأطراف المعنية على قيم ومبادئ مشتركة بحيث يُصبح قابلاً للتطبيق على أرض الواقع.
- في التهديدات التي يشكلّها اليمن للعالم، فإن "تبني استراتيجية شاملة تقوم على أكثر من بُعد لمساعدة الجهود المحلية باتت مطلوبة جداً. حققت القوات التي تم تشكيلها بعد 2015 الكثير من التقدم في ملف مكافحة التنظيمات الإرهابية، لكن هذه القوات الأمنية تفتقر إلى المعايير المؤسسية والتأهيل والتدريب من ناحية، ومن ناحية أخرى تمارس بعض الانتهاكات في حقوق الإنسان، وهو ما قد يفضي إلى نتائج سلبية في المستقبل. يُمكن للاتحاد الأوروبي أن يساهم في تأهيل وتدريب ورفع كفاءة هذه القوات ليس في الجوانب الميدانية فقط، ولكن فيما يتعلق بالجوانب الإنسانية. إن هذا الأمر يتطلب استراتيجيات وشراكات من نوع جديد.
- عمل الاتحاد الأوروبي ودوله على دعم وتأهيل الكثير من منظمات المجتمع المدني والكوادر والخبراء المحليين بما جعل منهم كفاءات دولية، وأصبح حضورهم وصوتهم وتمثيلهم قوياً وفاعلاً على المستوى العالمي. في الجهة المقابلة، حُرِم الجنوبيون، ولأسبابٍ مختلفة، من الحصول على أي فرص مناسبة لتطوير وتأهيل أنفسهم، وفي الفعاليات الدولية يظهر ضعف وهشاشة التمثيل بوضوح...على أنه، وبسبب الانقسامات الموجودة في الواقع المحلي، قد يؤدي الدعم والتأهيل في اتجاه واحد إلى تأسيس حالة مستدامة من اللاعدالة.
- على الأطراف المحلية أن تعمل جاهدة في سبيل منع انتهاكات حقوق الإنسان وكل الممارسات الخارجة عن النظام والقانون، السماح بحرية التعبير وممارسة الحقوق السياسية المدنية، وتشجيع التعددية، وتعزيز مشاركة وحضور المرأة في المجال العام، إن أرادت هذه الأطراف بناء شراكات مع أطراف دولية يمكن أن تُساعدها في ترميم وتطوير مؤسساتها، وتنظيم المجال العام، وصناعة واقعاً قابلاً لحلول استقرار مستدام.
- لقراءة الورقة السياسية كاملا بصيغة "بي دي إف" (من هنا)
- الصورة: مركز سوث24 للأخبار والدراسات