رئيس الوزراء اليمني، أحمد عوض بن مبارك، 9 أبريل 2023 (Middleeastmonitor)
05-06-2024 الساعة 11 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | عبد الله الشادلي
في مثل هذا اليوم 5 فبراير 2024، تم تعيين وزير الخارجية اليمني السابق د. أحمد بن مبارك رئيسًا للحكومة المعترف بها دوليًا خلفًا لمعين عبد الملك سعيد. جاء ذلك بعد أسابيع من النقاشات داخل مجلس القيادة الرئاسي، أعلى سلطة سياسية في البلاد، حول الشخصية المناسبة لخلافة عبد الملك الذي قاد حكومتين منذ 2018، ولاحقته تهم الفساد والفشل.
فور وصوله العاصمة عدن بعد قرار التعيين، أجرى بن مبارك سلسلة نزولات ميدانية إلى مرافق صحية وإدارية ومدنية حكومية لتفقد سير الأعمال فيها. كما أصدر قرارات مهمة نالت الإشادة مثل قرار تشكيل لجنة مناقصات شراء وقود محطات توليد الكهرباء في 18 فبراير، وتوجيهات بتقليص النفقات الدبلوماسية اليمنية في الخارج.
ورغم البداية القوية لبن مبارك، إلا أن الملفات الرئيسية التي كان يتوقع منه تحقيق تقدم فيها لازالت كما هي إن لم تكن أسوأ. فعلى سبيل المثال، شهدت العاصمة عدن خلال شهر مايو انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة في اليوم الواحد بسبب نفاد الوقود.
متعلق: الأولويات أمام قيادة الحكومة الجديدة في اليمن
كما أن مرتبات العسكريين لشهر أبريل تأخر صرفها حتى مطلع يونيو الجاري، على الرغم من حالة انتظام نسبية في صرف المرتبات خلال العاميين الماضيين. بالإضافة لذلك، انخفضت قيمة العملة المحلية إلى أدنى مستوى تاريخي حيث بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 1750 ريالًا يمنيًا . وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية.
فهل برهنت الأشهر السابقة على فشل أولي بن مبارك على رأس الحكومة؟ أم أنه من المبكر الحكم على الإصلاحات التي يطبقها والتي قد تتطلب مزيدًا من الوقت؟ وهل تشكل الظروف المحيطة تحديًا آخرًا جديدًا أمامه يجب أخذه بعين الاعتبار؟
إرث ثقيل
في 16 مايو الماضي، وخلال لقاء تلفزيوني من قناة اليمن الفضائية، انتقد بن مبارك قيادة الحكومة السابقة بسبب سوء إدارة ملف الكهرباء، ولمَّح إلى صفقات فساد كانت تتم بانتظام في شراء وقود الديزل والمازوت لتشغيل المحطات الحكومية والمحطات المستأجرة.
وقال بن مبارك إنه تم إنفاق 1.01 تريليون ريال يمني في العام الماضي على قطاع الكهرباء، 70% منها في شراء الوقود، دون حلّ جذري للمشكلة. وقال إن قيادة الحكومة السابقة كانت تشتري طن الوقود بنحو 1200$ بدون مناقصات نزيهة، بينما اليوم بعد تشكيل لجنة المناقصات يتم شراء الطن الواحد بسعر 700$.
وأشار بن مبارك إلى أنّ 31% من إيرادات الدولة تستهلكها الكهرباء، موضحا أن هذه الأرقام الكبيرة كانت كافية لإنشاء محطات طاقة استراتيجية ووقف استنزاف الموارد. وطالب المواطنين بالصبر من أجل معالجات مستدامة بعيدة عن العشوائية.
وفي جلسة الحوار الرئيسية بمنتدى الاعلام العربي المنعقد في دبي، حول مستقبل اليمن، في 28 مايو الماضي، تطرق بن مبارك إلى الآثار الكارثية المباشرة للهجمات الحوثية على منشآت النفط الخام في أكتوبر ونوفمبر 2022، والتي تسبب بتوقف صادرات النفط والغاز وحرمان الحكومة من أكثر من 70% من مواردها.
كما تحدث عن التداعيات الاقتصادية لهجمات الحوثيين ضد السفن التجارية في باب المندب، وارتفاع أسعار شحن الغذاء والوقود إلى الموانئ اليمنية بسبب هذا التصعيد.
وبالنظر إلى هذه العوامل معا، يمكن القول إن بن مبارك كان أمام تركة ثقيلة من الفساد وسوء الإدارة لا يستهان بها. لكن حقيقة أنه كان جزءًا من الحكومة السابقة، تجعل الحديث عن كل هذا أقل منطقية. أكثر من ذلك يرى البعض أن بن مبارك لم يحقق شيئا ملموسا حتى الآن.
وفي هذا الصدد، قال الصحفي مطيع بامزاحم لمركز سوث24: "حتَّى الآن لا وجود لأي تحرك ملموس لرئيس الوزراء في ملفات الخدمات وعلى رأسها الكهرباء، رغم شفافية الطرح الذي قدمه بشأن الفساد الذي كان يحدث عبر قيادة الحكومة السابقة".
وأضاف: "أما ملفات العملة وضبط الأسعار والمرتبات، فلم يحدث فيها أي تغيير منذ أن تولى بن مبارك منصبه". ومع ذلك لا ينكر بامزاحم أنه من المبكر الحكم على نجاح بن مبارك في هذه الملفات الآن، لكن المؤشرات وفقا له ليست مبشرة كثيرا.
إخفاق؟
يرى الباحث السياسي محمود الطاهر أن بن مبارك أخفق حتى الآن في مهامه كرئيس للوزراء، وأنه "لم يلب التوقعات، ولم يتمكن من إحداث أي تقدم ملموس على مختلف الأصعدة".
وأضاف لمركز سوث24: "هو لم يستطع أن يحرّك الملف السياسي والعسكري ساكنًا، ولم يحقق أي تقدم في معالجة الملفات الخدمية والاقتصادية والاجتماعية المتراكمة".
وأردف: "إن إصداره قرارات بوجود جميع الوزراء ووكلاء الوزارات داخل اليمن، ومنع السفريات الخارجية، لم يُقابله أي التزام واقعي، بل شوهد هو نفسه يسافر إلى الخارج لحضور فعاليات لا تمت للعمل الحكومي بصلة، مثل حضوره إلى نادي دبي للصحافة".
التزامات حتمية
مهما كانت حجم التحديات، تبقى الحكومة أمام التزامات حتمية لا يمكن التنصل منها، وفي مقدمتها المرتبات كما يؤكد الخبير الاقتصادي د. محمد الكسادي. وفي سبيل تحقيق ذلك، يرى الكسادي أنه "يجب على الحكومة أن تمتنع عن صرف أي نفقات خارجية غير ضرورية، وإنشاء قاعدة بيانات للموظفين المتعاقدين، حتى تتمكن من التأكد من عدم وجود أي موظفين مزدوجين أو غير مستحقين".
ووضع الكسادي إجراءات البنك المركزي في عدن الأخيرة في سياق الإصلاحات الاقتصادية الممتازة في عهد بن مبارك. مضيفًا: "أتمنى أن تلامس نتائج هذا القرارات واقع المواطنين الصعب. لكن أيضًا على الجانب المالي، على بن مبارك الدفع نحو توريد كل الإيرادات وصبها بأوعية البنك المركزي، والضرائب أيضًا".
ويرى المحلل السياسي عبد السلام الأثوري أن مكافحة الفساد والإصلاحات الإدارية يجب أن تمضي رغم التحديات السياسية والاقتصادية الهائلة التي تقف أمام بن مبارك كرئيس للوزراء. وأضاف لمركز سوث24:"ما تزال أزمة اليمن من بين الأسوأ في العالم، مع ملايين الأشخاص الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية والأمراض، وهذا يضع واجبات أكثر".
خطوات مطلوبة
يرى الصحفي بامزاحم أنه "ينبغي على رئيس الوزراء تفعيل ما يعرف بإبراء الذمة وليبدأ بنفسه أولا ويفرضها على فريقه الوزاري كي يتبعه الآخرون، وعدم استثناء أي مسؤول كان أو رجل أعمال مهما كانت صفته وموقعه، كخطوة أولى نحو الحد من الفساد والثراء غير المشروع".
وأضاف: "عليه أن يبدأ بمكافحة الفساد من الأعلى نزولا للأسفل إذا أراد إحداث نقلة نوعية في ملف الإصلاح الاقتصادي، إلى جانب اختيار شخصيات تكنوقراطية متخصصة في مجالها . كما يجب عليه الإسراع في تحسين الوضع الخدمي والاقتصادي ووضع المعالجات التي تتناسب مع الإمكانات".
في المحصلة، يبدو أن ما يفصل بن مبارك عن توصيف الفشل أو الإخفاق خيط رفيع يعلق عليه الكثير آمالهم. وعند الحديث عن التحديات أمام بن مبارك، لا يمكن إغفال ميزاته مثل علاقاته المتينة مع السعودية والولايات المتحدة وأوروبا، وعلاقاته الإيجابية مع الأطراف السياسية في الداخل ضمن معسكر الشرعية اليمنية.