18-07-2021 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ورقة بحثية
» مرحلة الاستعمار الأوروبي ظلت قائمة على الرغبة في التوسع وإخضاع المستعمرات لسيطرتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
» منظومة الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي كانت قائمة على عوامل فرضتها ظروف وسياقات عديدة منها الحروب العالمية الأولى والثانية.
» هناك بعض أوجه التشابه فيما بين السياسات الاستعمارية الثلاث، من خلال اتباعها مبدأ إغراء الزعامات السياسية والقبلية، ودعمها لهم بالأموال أو منح المناصب وبعض الامتيازات.
» مارست سياسات قهرية وقمعية تصل حد الإبادة لمن يقاوم تواجدها، كالجزائر مثلا.
» الاستعمار البريطاني كان يميل أكثر إلى أسلوب المهادنة والمرونة والتقرب من المجتمعات المحلية.
» الاستعمار الفرنسي كان أكثر تركيزاً في سياسته على التأثير الثقافي في المجتمعات المحلية من خلال نشر اللغة والتعليم.
» أنظمة ما بعد الاستعمار واجهت تحديات وإرهاصات عديدة من تحولات اقتصادية واجتماعية.
» أنظمة ما بعد الاستعمار كان من أبرز أخطاءها ربما هو عدم استغلالها للإرث الإيجابي الذي خلفه الاستعمار
» تأخر أنظمة ما بعد الاستعمار القومية في الإصلاحات الاقتصادية، أدى لظهور حركات راديكالية للإسلام السياسي.
» هناك تغييرات إيجابية أحدثها الاستعمار لاحقاً من أساليب في شكل الدول، بعد أن كانت عبارة عن مناطق مقسمة بين القبائل.
» الثورة الصناعية في أوروبا أثرت على أسلوب المعيشة وطبيعة الأعمال الاقتصادية وأساليب التنقل والتواصل في البلدان المستعمرة.
» هناك رصيد ثقافي ومعرفي اكتسبه الكثير من العرب عبر المدارس والجامعات التي حرص الاستعمار على الاهتمام بها.
مقدمة
دفعت شدة التنافس الاستعماري في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، لأن تسارع الدول الأوروبية الكبرى لتكوين إمبراطوريات لها في الوطن العربي والعالم، فبينما سيطر الفرنسيون على شمال غرب إفريقيا وإفريقيا الوسطى ولمدة وجيزة على بلاد الشام، سيطر الإنجليز على مصر والخليج وعدن في جنوب اليمن والعراق ضمن إمبراطورتيهم، وتدافعت إيطاليا في هذا التنافس للسيطرة على ليبيا وبعض دول إفريقيا.
وعلى الرغم من بعض الاختلافات في طبيعة سياسات الدول الاستعمارية الأوروبية، وكذلك طبيعة اختلافات المجتمعات العربية التي واجهتها، فقد كانت طرق وأساليب التعامل تتشابه وتختلف في أحيان أخرى، نظراً لخصوصية كل منطقة وأهميتها وكذا اختلاف كل دولة استعمارية عن الأخرى في أسلوبها وتعاطيها في سياساتها الاستعمارية والأهداف التي تطمح لتحقيقها.
حاولت في هذه الورقة البحثية الغوص في تاريخ مرحلة الاستعمار الأوروبي الذي مثّل موجة ثانية من الاستعمار على الوطن العربي بعد موجة الاستعمار العثمانية الأولى، وسلّطت الضوء على الدور المحوري الذي لعبه الاستعمار في دول (الجزائر وجنوب اليمن وليبيا)، والتأثيرات التي أحدثها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إنّ سبب اختيار الموضوع هو الاهتمام برصد الأوضاع التي مرت بها الدول العربية قيد الدراسة، تمهيداً لمعرفة آثار السياسة الاستعمارية عليها في تشكيل الدولة والاقتصاد والمجتمع، وتمّ اختيار ثلاثة أنواع مختلفة من دول الاستعمار لمحاولة فهم الفروق التي أحدثتها.
وقد تناولت في الجزء الأول من الورقة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، أما الجزء الثاني تناولت فيه الاستعمار البريطاني على جنوب اليمن وتحديداً مدينة عدن، وأخيراً في الجزء الثالث تناولت الاستعمار الإيطالي في ليبيا، وتمّ التطرق خلال الورقة للسياسات الاستعمارية التي أثرت على شكل الدولة والاقتصاد والمجتمع في كل جزئية تتعلق بها. مع الاعتماد على المنهج الوصفي من خلال وصف الأحداث التاريخية للاستعمار في كل دولة، والتحليلي في تحليل المادة والأثر الذي أحدثه الاستعمار من خلال النقاط أعلاه، بالإضافة إلى منهج دراسة المقارنة الذي حددت فيه سبل التلاقي والقواسم المشتركة وأوجه التشابه والاختلاف في الدول الثلاث.
أولاً: الاستعمار الفرنسي في الجزائر
كانت الجزائر أول البلاد العربية في شمال أفريقيا التي دخلها العثمانيون سنة 1516، كقوة حامية استنجد بها الجزائريون لمواجهة التحرشات الإسبانية، التي كانت تقوم بها سفن بحرية تابعة لمدريد على شواطئهم. وقد استجاب العثمانيون للطلب الجزائري، ونجحوا في طرد الإسبان، لكنهم لم يغادروا البلاد، وبقوا فيها إلى سنة 1830، وكانت فترة حكمهم كارثية وملطخة بالدماء، وقد عمل الأتراك على حرمان الجزائريين من مناصب الإدارة والحكم، وفرضوا ضرائب مجحفة بحق السكان، ما تسبب في ثورات شعبية عديدة عليهم.
يمكن القول أن فترة الحكم العثماني مهدت للاحتلال الفرنسي في الجزائر، بعد أن مرت باضطرابات سياسية عديدة انتهت بتسليم الشمال الأفريقي ليد المستعمر، وكانت فرنسا إحدى الدول الاستعمارية التي كان لها دور محوري في تشكيل الدولة والاقتصاد والمجتمع في الجزائر، وهو ما سأتطرق له في الورقة البحثية، لكونه يندرج تحت الاستعمار الأوروبي بشكل أكثر تحديد.
حيث كانت بداية الاستعمار في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، والذي دام لأكثر من 132 عاماً، إذ قرر الفرنسيون اجتياح الجزائر بالاستيلاء على العاصمة أولاً، ثم ضموا بقية المناطق عام 1834، فتدفّق الكثير من الأوروبيين الفلاحين والطبقات العاملة من جنوب إيطاليا وإسبانيا وفرنسا لعاصمة الجزائر. وقد أصدرت فرنسا قراراً يعتبر الجزائر (ممتلكات فرنسية في أفريقيا الشمالية) ، لها وضع مستعمرة عسكرية تابعة لوزارة الحرب، تنقسم إلى ثلاث ولايات (ديبار تومان)، يديرها حاكم عسكري وتسيرّها الأوامر الملكية، تلاه قرار 1 سبتمبر 1834، الذي جعل أقاليم المدن الساحلية الرئيسية حيث يستقر المستوطنون مناطق مدنية، وأحدث بها ثلاث بلديات هي بلديات الجزائر ووهران وعنابة، واعتبر الجهات المتبقية مناطق عسكرية، وشرعت جيوشها بالتوغل نحو الداخل الجزائري مستبيحة الحرمات والمقدسات، ومطبقة سياسة الأرض المحروقة والإبادة المادية والمعنوية.
وقد عد الاحتلال الفرنسي للجزائر من أكبر النماذج الاستعمارية في تاريخ الاستعمار الأوروبي الحديث، حيث كانت سياسة الاحتلال منذ البداية تهدف إلى بسط النفوذ الفرنسي في المنطقة، والاستيلاء على خيراتها وثرواتها، وبالتالي إيجاد منطقة نفوذ فرنسية يخضع لها السكان بالقوة، ولذلك عمد الفرنسيون إلى انتهاج سياسة الإدماج في الجزائر، وإصدار قوانين تجعل من الجزائريين رعايا أوروبيين، ومن أجل ذلك قامت السلطات الفرنسية بتشكيل نظام إداري تنفيذاً لسياستها وقد مر بمرحلتين:
1- مرحلة النظام العسكري: والتي امتدت من 1830 – 1870، بعدما نجح الجيش الفرنسي من السيطرة الكاملة على الجزائر، بادرت السلطات الفرنسية بقيادة (ديبورمون) إلى إنشاء نواة الإدارة الفرنسية في الجزائر، حيث كانت هذه الإدارة تتشكل من ثلاث لجان هي: اللجنة المالية والحكومية، واللجنة البلدية، واللجنة الدينية.
2- مرحلة النظام المدني: بدأت هذه المرحلة مباشرة بعد الإطاحة بحكومة لويس نابليون بتاريخ 2 ديسمبر 1870، حيث عين الجنرال (دوقيرون) كأول حاكم عام مدني في الجزائر، وطالب بتشكيل حكومة محلية قوية.
يتبين لنا من خلال ما تم عرضه، أنّ أسلوب الإدارة الفرنسية للجزائر تأثر بوجود موقفين مختلفين، هما موقف العسكريين ويتمثل في اتخاذ بعض الرؤساء التقليديين الجزائريين الموالين للاستعمار وسطاء بينه وبين الجماهير، والموقف الثاني للمدنيين والذي يقوم على أسلوب الإدارة المباشرة. هذه السياسة بشكلها العام أفسحت المجال لاحقاً للاحتلال الشامل، من حيث قضاءها على غير الموالين من القادة والهياكل السياسية التقليدية، واستبدالهم بالسلطة الفرنسية والموالين لها، وهو ما غير معالم شكل الدولة السياسي في الجزائر مع الوقت.
سياسة الاستعمار الاقتصادية في الجزائر:
شرعت الإدارة الاستعمارية في ترسيخ دعائم نفوذها من خلال السيطرة المنظمة والواسعة على الاقتصاد الجزائري، واتبعت سياسة إغراق الجزائر بالمستوطنين مما أدى إلى نفاذ الأراضي.
وبصورة عامة فالاقتصاد الجزائري إلى ما قبل الاستعمار كان يعتمد على نمط الإنتاج الزراعي والرعي، فجاء الاستعمار وتأثرت الزراعة الجزائرية بالاحتلال سلباً وإيجاباً، فمن جهة انتقلت الأرض غصباً من أيدي أصحابها إلى جالية أوروبية يحميها جيش مسلح بأسلحة حديثة، ومعها خسر الفلاح الجزائري مورد رزقه الأساسي، وتحول في كثير من الأحيان إلى أجير عند الكولون. أما النواحي الإيجابية فهي إدخال تقنيات جديدة لتجويد الإنتاج وتوفيره.
وقد غير الاستعمار الفرنسي الاقتصاد الجزائري ليصبح منتجًا للمحاصيل التي يتم تصديرها بشكل أساسي لفرنسا، إذ كانت أكثر المساحات التي خصصت للزراعة هي زراعة الكروم، على حساب مساحات الحبوب والخضر والفواكه، وبهذا تطورت صناعة النبيذ الجزائري وأصبحت تقارن بأحسن الصناعات الأوروبية، حيث كانت تمثل أهم المبيعات الجزائرية في الخارج، ففي عام 1933 مثلت مداخيل النبيذ حوالي 66% من قيمة الإيرادات الإجمالية للجزائر، وبذلك اعتبرت أهم مورد للعملة الصعبة.
كما تم استغلال الموارد المعدنية الجزائرية (الفوسفات وخام الحديد والنفط)، وفرضت الإدارة الاستعمارية ضرائب متنوعة على الأهالي، وفي كل مرحلة من فترة الاستعمار يتم إلزام الأهالي على دفع ضرائب جديدة.
من الملاحظ أنه من خلال التشريعات والقوانين والمراسيم الفرنسية التي اعتبرت الجزائر جزءاً لا يتجزأ من الأوروبيين وتوطينهم، هيأت جواً ليكون ملائماً لنمو اقتصاد رأسمالي، وذلك بإنشاء قاعدة من المؤسسات المالية والبنوك، وإقامة مشاريع في شتى المجالات من أجل تطوير الاقتصاد الاستعماري في الجزائر، حتى يكون مكملاً للاقتصاد الفرنسي.
على ضوء هذه الخلفية المختصرة يمكن القول، أن سياسة الاستيطان الاقتصادي أسست ورسمت لمعالم السياسات الأخرى والأشكال المرتبطة بها اجتماعياً وثقافياً وفكرياً.
سياسة الاستعمار الاجتماعية في الجزائر:
كان لسياسة المستعمر أثر كبير في عمق وخطورة التمزيق الاجتماعي في الجزائر خلال فترة نفوذه، إلى ساعة اندلاع الثورة التحريرية، واعتبرت الإبادة من الأساليب التي استخدمها الاستعمار ضمن سياسته، لكسر شوكة المقاومة وإرهاب السكان.
وقد كان المستوطنون يتمتعون بسلطة أكبر ودخل مرتفع، بينما الأغلبية الجزائرية تعاني من فقدان المكانة والخضوع والفقر. تم القضاء على الكثير من تعليمهم التقليدي والديني واستبداله بالتعليم الفرنسي المسيحي. مما أدى ذلك إلى تكوين الطبقة المطوّرة التي أصبحت فيما بعد ثوارًا رئيسيين خلال حرب الاستقلال.
وقد عمل الاستعمار في هذا الإطار على عدة أمور منها:
• تشجيع هجرة الأوروبيين إلى الجزائر، وهي سياسة عبّر عنها الجنرال (بوجو) في خطبة ألقاها أمام مجلس النواب الفرنسي عام 1840، قال فيها" إننا في حاجة إلى أكبر عدد ممكن من المستوطنين الفرنسيين والأوربيين على الجزائر، ولكي تجلبوه فلابد أن تمنحوهم أخصب الأراضي أينما وجدتم مياهاً تتدفق ومراعي جيدة، يجب توزيع هذه الأراضي على الأوربيين حتى يصبحوا أربابها".
• العمل على تفكيك المجتمع الجزائري بالنفي، والتهجير، والتجهيل، وخاصة بإضرام نار الفتنة بين القبائل وتشجيع استهلاك الخمور، وبث النزاع والفوضى، وكان من أخطر مظاهر هذا الجانب تقسيم السكان إلى أصليين هم البربر، وغزاة دخلاء بزعمهم هم العرب، وبث التفرقة بينهم.
• تجنيس فئة من الجزائريين الذين تتوفر فيهم بعض الشروط النادرة، كالخدمة في الجيش الفرنسي، أو المجالس المنتخبة أو الإدارة، إضافة إلى القراءة والكتابة بالفرنسية وحيازة بعض الممتلكات، مع التخلي عن قانون الاحوال الشخصية الإسلامية.
أضف إلى ذلك التأثيرات الثقافية من خلال فرض الفرنسة، والذي كانت الفرنسية لغة أساسية للتعليم في المدارس، بالإضافة إلى التنصير من خلال رجال الدين الفرنسيين، وتشجيعهم عليه بواسطة الأعمال الإنسانية والتربوية.
من خلال استعراض ما جاء في الورقة من الاستعمار الفرنسي للجزائر، يتبين أن جل الساسة الفرنسيين كان همهم الاحتفاظ بالجزائر كموقع جغرافي سياسي، واستغلال ثروتها وتصدير المنتجات الفرنسية إليها بجانب الاهتمام بالتوسع العسكري وتغيير الديمغرافية الاجتماعية.
كل هذا أدى في النهاية إلى قيام ثورات عديدة لمواجهة الاستعمار، نتيجة لأسباب السياسات الاستعمارية الاقتصادية ومحاولات طمس هوية المجتمع الجزائري، بيد أن الجيش الفرنسي ظل يقمع هذه المقاومات لعدم التكافؤ في القوة، ومع الوقت تبلورت حركة التحرر الوطنية الجزائرية بداية القرن العشرين، وتغيرت أساليب الكفاح من المسلح إلى اتخاذ أسلوب الضغط السياسي والإبداع الثقافي، نتيجة للنهضة الفكرية والإعلامية بقيادة عدد من المثقفين الجزائريين وكذا حركة الإصلاح الديني في المشرق الإسلامي.
ثانياً: الاستعمار البريطاني في عدن - جنوب اليمن
قام الاستعمار البريطاني باحتلال عدن التي تقع في جنوب اليمن عام 1839، لأكثر من 128 عاماً، وكانت مداخيل السيطرة عليها تحت مسميات مختلفة تارة كمحطة لإمداد السفن أو مخازن الفحم، وتارة أخرى كمرفأ عبر الطريق من وإلى شركة الهند الشرقية البريطانية، التي كانت تمثل منظمة تجارية وسياسية قوية منذ نشأتها. وبعد أن استكمل البريطانيون كل ما يتعلق من تقارير ومعلومات عن عدن ومينائها وتحصيناتها العسكرية، قرروا احتلالها.
وسيطر البريطانيون على عدن بالقوة، بعد أن فشلت محاولاتهم للسيطرة عليها بأساليب الضغط السياسي والمناورات الحربية، لإجبار سلطان لحج وعدن آنذاك "محسن فضل العبدلي" وجميع زعماء قبائل العبادلة التنازل عنها، وقد حذرهم الكابتن "ستافورد هينز" قائد الحملة البريطانية في عدن، بأنّ أي مقاومة من جانبهم لن يترتب عليها سوى زيادة الخسائر في الأرواح.
وهكذا مثّلت عدن بالنسبة للاستعمار البريطاني مركز تجمع وبرج مراقبة وقاعدة انطلاق لتحقيق مصالحه، كونها كانت نقطة اتصال في منتصف الطريق الواصل بين الشرق والغرب.
علاوةً على ذلك، أصبحت عدن تعرف بين المسؤولين البريطانيين في وثائقهم، بأنها "القلعة العسكرية"، ومعنى ذلك أنه أصبح يعطى لسياسة الأمن العسكري الأفضلية والأولوية على الاعتبارات الاقتصادية والتجارية للمستعمرة، خاصة وأنّ الدول الأوروبية الأخرى أصبحت تملك أساطيل كبيرة تنافس بريطانيا وتهدد مستعمراتها.
وقد زادت المخاطر على مستعمرة عدن ومحمياتها بعد أن شنت القوات العثمانية وقوات المملكة المتوكلية هجمات حربية متلاحقة عليها، فالعثمانيون منذ نجاحهم في السيطرة على صنعاء كانوا يتطلعون إلى جميع أراضي الجزيرة العربية بما فيها عدن. ولم يستطع البريطانيون إيقاف التوغل العثماني في الجنوب نظراً لعدم كفاية قواتهم العسكرية، وعوضاً عن ذلك استخدموا نفوذهم السياسي والدبلوماسي في الضغط على الحكومة العثمانية، فسحبت جنودها الأتراك من أراضي القبائل الجنوبية التي ترتبط بمعاهدات مع بريطانيا، وهي المناطق المعروفة بالمحميات الغربية التي كانت تحت النفوذ البريطاني، مقابل المحميات الشرقية في حضرموت والمهرة التي كانت خارجة عن النفوذ البريطاني.
ومع أنّ الوضع العسكري في المحميات الشرقية لم يكن يثير قلق البريطانيين بالقدر الذي يثيره الوضع في المحميات الغربية التي ترتبط حدوها مع الإمام المتوكل في شمال اليمن، إلا أنّ البريطانيين سعوا إلى تحقيق المزيد من الاستقرار الأمني في المحميات الشرقية بتأسيسهم فيها لقوة عسكرية مستقلة، عُرفت باسم "جيش البادية الحضرمي" كانت مهمتها في الدرجة الأولى المحافظة على أمن الحدود، والسيطرة على القبائل البدوية، وكان الجيش شأنه شأن جيش الاتحاد النظامي "الليوي" في المحميات الغربية، يخضع مباشرة في كل شؤونه المالية والعسكرية لحاكم عدن العام. بعد أن كانت بريطانيا وقبل إنشاء هذه الجيوش تعتمد في سياستها على مبدأ "فرق تسد" بين القبائل، لأنها رأت أنّ هذه السياسة مفيدة لها في تعميق الفجوة ونشر الخلاف بين القبائل، حتى لا يشكلوا جبهة وطنية قوية موحدة تهدد وجودهم هناك.
وعلى الرغم من ذلك، فقد كان طابع السياسة البريطانية المباشر مع القبائل طابع مرن، يعتمد على عقد المعاهدات والولاءات مع السلاطين والأمراء وزعماء القبائل، وكانت تصرف لهم رواتب شهرية وسنوية بالقدر الذي يتناسب ومكانة كل منهم، لكسب ود القبائل واستقطاب زعماءها.
سياسة بريطانيا الاقتصادية في عدن:
بعد عام 1939، أصبح الإنجليز هم المتحكمين الأساسيين في تغيير العلاقات بين الأشخاص وبين الأنظمة المحلية ذاتها، كما أصبح الوجود العسكري هو الذي يحكم الحياة الاقتصادية لعدن، وقد طُبقت الرقابة على البضائع والمؤن الغذائية، وكان التوزيع لا يتم إلا بالبطاقة . إضافةً لذلك، كان الأساس الاقتصادي لعدن هو تموينها السفن بالوقود، فلم يأت عام 1958 إلا وقد أصبحت عدن أنشط ميناء في العالم بعد نيويورك. كما حدث تطوّر هائل في العمران، وأنشئت مصافي البترول البريطانية في عدن الصغرى، وكل هذا أدى إلى التوسع الكبير في ميادين العمل وإلى خلق قوة عمالية ضخمة في المستعمرة. أضف إلى ذلك أنّ عدن كانت منتجعاً للتجار كما أرادت بريطانيا ذلك في الأساس عندما خفضت ضرائبها، وأوجدت فيها النظام الذي يقدم الفرص لكل من لا يتحدى السلطة البريطانية.
وقد عمدت السياسة البريطانية منذ احتلالها إلى فتح باب الهجرة الأجنبية إلى عدن، وسهلت للعناصر الأجنبية سبل العيش فيها وأصبحت لهم الأولوية في جميع متطلبات الحياة. وبذلك تنامت أهمية الميناء الاقتصادية، وترتب عليه نمو العلاقات الرأسمالية ومضاعفة نشاط الشركات الاحتكارية، وهو ما انعكس تالياً على نشاط الميادين الاقتصادية والاجتماعية.
تأثير الاستعمار البريطاني على المجتمع في عدن – جنوب اليمن:
سكن مستعمرة عدن إبان الاستعمار بشر من مختلف الأعراق والأديان، حيث كان يوجد المسجد والمعبد اليهودي والكنيسة، وكان معظم مواطني المستعمرة على درجة عالية من التعليم، وعملوا في العديد من المناصب المهنية داخل البيروقراطية الاستعمارية.
وبسبب الأنماط الجديدة في العمل والنشاط الاقتصادي الذي كان قائم، برز مجتمع جديد في عدن، فقد بدأ الآباء بعد الحرب العالمية الثانية يهتمون بتعليم أبنائهم من أجل الالتحاق بالوظائف الحكومية والشركات، لكنهم وجدوا أنفسهم لا يحصلون إلا على الوظائف الدنيا، بينما الوظائف القيادية كانت حكراً على الأجانب، خاصة وأن الاستعمار كان يعمل لأكثر من قرن على تغيير الديمغرافية السكانية في المحميات الغربية، من خلال فتح باب الهجرة للإنجليز نحو مستعمرة عدن.
بعد ذلك، تكوّن ما يعرف بـ (اتحاد إمارات الجنوب العربي) عام 1959 - 1962، بموجب اتفاقيات ومعاهدات مع بريطانيا، لم تكن تختلف عن معاهدات الصداقة والحماية التي أبرمت مع حكام السلطنات والمشيخات في المحميات الغربية والشرقية، والتي بموجب هذه المعاهدات قيّد الاتحاد بالسياسة البريطانية لا سيما في الجوانب العسكرية والسياسية الخارجية.
في الوقت ذاته، كانت ثورة شمال اليمن في أوجها عام 1962، فدعمت موقف الوطنيين في الجنوب بقيادة الجبهة القومية التي تكونت من حركات أهلية واجتماعية لقيام ثورة 14 أكتوبر 1963، وأنهكت بريطانيا خاصة وأنها كانت قد تعرضت لنكبات في الخمسينات، بعد أن طُردت من قواعدها في مصر والأردن والعراق وتُحديت في عُمان، وهزمت في السويس، بالإضافة إلى أنّ القومية العربية والمنافسة الأمريكية/ السوفيتية لم تكونا في صالحها.
وقد كان على البريطانيين أن يستجيبوا للتحدي والتهديد الذي كانت تتعرض له المحميات من قبل المجتمعات القبلية التي انقسمت ولاءاتها، ومما زاد الخطورة عليها هو نشوء نخبة قادرة على استيعاب الأفكار المنبثقة من العالم العربي بشكل خاص وبقية العالم بشكل عام، نتيجة للتطور الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي في المستعمرة.
وفي 29 نوفمبر 1967، حملت طائرات الهليكوبتر آخر الرجال البريطانيين إلى ظهر بوارج قوة عسكرية بحرية، وهكذا انتهت الـ 128 سنة من الحكم البريطاني في عدن، بعد أن مثل انسحابها نهاية لسيادتها في الشرق الأوسط.
يمكن القول، أن الاستعمار البريطاني انتفع من وجوده في عدن بشتى المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية، وهي الفوائد التي جعلت البريطانيين يتثبتون بها ويحافظون عليها لأطول فترة ممكنة، إذ كانت أول نقطة سيطروا عليها في منطقة البحر الأحمر وآخر نقطة اضطروا للتخلي عنها.
ثالثاً: الاستعمار الإيطالي في ليبيا
كانت إيطاليا آخر الدول الأوروبية التي دخلت مجال التوسع الاستعماري. قرب ليبيا من إيطاليا جعلها هدفاً رئيسا من أهداف السياسة الاستعمارية الإيطالية. وكان على إيطاليا وهي الدولة التي كانت غير محسوبة في عداد الدول الكبرى آنذاك، أن تحصل على موافقة الدول الاستعمارية الأخرى لتنفيذ مشروعها لاحتلال ليبيا.
وخلال السنوات التالية لم تتردد إيطاليا في التحرك على الساحة الدولية لضمان حصولها على طرابلس وبرقة، فعقدت جملة من الاتفاقيات السرية مع عدد من القوى العالمية، فاعترفت بأحقية فرنسا بالهيمنة على المغرب، مقابل رضوخ الفرنسيين لمطالب الايطاليين في ليبيا، كما اتفقت مع البريطانيين على الاعتراف بدورهم في مصر، مقابل مساندة بريطانيا لمطامعهم.
وفي الحقيقة، كانت الدوافع الاستعمارية عميقة الجذور ترجع إلى إيطاليا ذاتها أكثر مما ترجع إلى الدولة العثمانية التي حكمت ليبيا لأكثر من ثلاثة قرون، من خلال رغبتها في الحصول على مستعمرات كمنفذ لهجرة السكان المتزايدين، ومصدر للحاصلات والمواد الخام، وسوق للسلع الإيطالية، وميدان لاستثمار رؤوس الأموال الإيطالية.
وكان الإيطاليون يعتقدون أنهم عندما قاموا بغزو طرابلس عام 1911، أن الليبيون سينظرون إليهم كمحررين من الحكم العثماني، ولم يتوقعوا أن تندلع مقاومة ضدهم لمدة 20 عاماً في المناطق المحيطة بطرابلس بقيادة عمر المختار، وهي المقاومة طويلة الأجل من قبل السنوسيين التي حرمت الإيطاليين من السيطرة التامة على البلاد حتى عام 1931م، عندما أسروا وأعدموا قائد المقاومة السنوسية عمر المختار.
سياسة الاستعمار الإيطالي الاقتصادية في ليبيا:
أدركت الحكومة الإيطالية أهمية استخدام الأدوات الاقتصادية في تنفيذ سياستها الخارجية وفعاليتها في تحقيق سيطرتها على ليبيا، كغيرها من الدول الاستعمارية. فإلى جانب الجهود السياسية التي اتبعتها إيطاليا على الصعيد الدولي لإثبات أحقيتها في ولاية طرابلس الغرب وبرقة، فإنّ هناك مظاهر تغلغلية أخرى عملت إيطاليا على ترسيخها، وتكمن هذه المظاهر في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية، التي التزمت إيطاليا بالعمل عليها وتعزيزها.
وإذا ما أردنا التركيز على الجانب الاقتصادي، يمكن القول أنّ "التغلغل الاقتصادي الايطالي تعاظم مطلع القرن العشرين في حوض البحر المتوسط، حيث أدى تطور صناعات النسيج والسيارات والكيماويات والأغذية، إلى البحث عن أسواق استهلاك جديدة، وبالتالي نالت أسواق البلدان المطلة على البحر المتوسط أهمية خاصة من جانب المفكرين الاقتصاديين في إيطاليا، وقد جاء اختيار الحكومة الإيطالية لبنك دي روما لتعزيز سياسته الاستعمارية، حيث كان أحد الأسباب لتسهيل عملية الاحتلال الإيطالي لليبيا، كما استطاع البنك تأسيس قواعد اقتصادية من خلال فتح عدة فروع له في أغلب المدن الليبية. وقد بدأ البنك في تنفيذ سياسة الحكومة الإيطالية منذ مزاولة نشاطه الاقتصادي، حيث قام بشراء الأراضي واستملاكها عن طريق نظام القروض التي كان البنك يمنحها للأهالي بفوائد، لا يستطيع الأهالي فيما بعد بسدادها بعد أن يكونوا رهنوا أراضيهم لإدارة البنك".
ومع استمرار تمكين إيطاليا لسياستها الاستعمارية خلال السنوات اللاحقة، أصدرت مرسوم عام 1922، يعتبر كافة الأراضي غير المزروعة والمهجورة ملكاً للدولة الإيطالية، ثم تالياً في عام 1923 صادرت الأراضي التي لا يقوم أصحابها بأعمال الري، وكذلك نزعت ملكية أراضي وممتلكات المتمردين والأشخاص المتورطين في مساعدتهم.
وقد بلغ عدد الأسر الإيطالية التي استوطنت ليبيا وعملت بالزراعة ٣٩٦٠ عائلة مجموع أفرادها ٢٣٩١٩، أمّا جملة الإيطاليين الذين استوطنوا ليبيا فقد وصلت إلى ١١٠آلاف شخص .
أثر السياسة الاستعمارية على المجتمع في ليبيا:
تأثر المجتمع الليبي بالسياسة الاستعمارية بشكل سلبي، "إذ شهدت فترة الاستعمار سياسة استيطانية وحشية، أدت إلى زوال النخب التي كانت تمسك بزمام مناطق البلاد المختلفة قبل الاستعمار، وقد أدت الإبادة الجماعية بين عامي 1929-1934، إلى مقتل نصف مليون ليبي، كما تعرّض أكثر من 600 ألف شخص للنفي".
علاوةً على ذلك، حاول الاستعمار الإيطالي تمكين نفوذه من خلال فرض اللغة والتعليم الإيطالي بدلًا من التعليم النظامي الرسمي والأهلي، وتدريس المواد باللغة الإيطالية واستخدام المدرسين الإيطاليين، وتسيير المدارس وفق خطط المدارس في إيطاليا، كما اهتمت إيطاليا بفتح المدارس لتعليم أبناء جالياتها، بالإضافة إلى قيامها بحملات التنصير وبعض الأعمال الخيرية، عملاً بالأساليب التقليدية للتغلغل الأوروبي في سياسته الاستعمارية.
يمكن القول أن التجربة الاستعمارية كونت ملامح النزعة الوطنية في ليبيا، وتصاعد بعد ذلك المد التحرري في البلدان العربية إلى أن وصل ليبيا، وعلى الرغم من تحرير طرابلس بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنّ الليبيين كانوا يقفون ضد الإدارة العسكرية البريطانية التي جاءت بعد تحقيقها وحلفاءها الانتصار في الحرب، وكانوا يعبّرون عن رفضهم لأي إدارة أجنبية على بلادهم، وانتهى ذلك بنقل سلطة الإدارة العسكرية البريطانية إلى أيدي الزعماء المحليين.
وبحلول 24 ديسمبر عام 1951 أعلنت الأمم المتحدة استقلال ليبيا رسميا، وتوحّدت ليبيا وأصبحت بلدًا مستقلاً، وتم تأسيس المملكة الليبية المتحدة بنظام فيدرالي يضم ثلاث ولايات، كان ملكها محمد إدريس بن المهدى بن محمد السنوسي.
الخاتمة:
من خلال ما تم عرضه في الورقة البحثية، يتبين لنا أن مرحلة الاستعمار الأوروبي مهما اختلفت في أساليب هيمنتها ونفوذها في الوطن العربي، إلا أنها في جوهرها ظلت قائمة على الرغبة في التوسع وإخضاع المستعمرات لسيطرتها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أن منظومة الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي لدول عربية عديدة من بينها الجزائر وجنوب اليمن- عدن تحديداً وليبيا، لم تكن تنشط أو تتحرك من فراغ، وإنما كانت قائمة على عوامل مرتبطة ببعضها البعض، فرضتها ظروف وسياقات عديدة مر بها العالم من ضمنها الحروب العالمية الأولى والثانية.
وقد يكون هناك بعض أوجه التشابه فيما بين السياسات الاستعمارية الثلاث، من خلال اتباعها مبدأ إغراء الزعامات السياسية والقبلية، ودعمها لهم بالأموال أو منح المناصب وبعض الامتيازات، طالما أن هذه الزعامات لا تشكل لها تهديد. وكذا اهتمامها بإنشاء قطاعات اقتصادية وتنموية لتسيير شؤونها الإدارية في المستعمرات. بالإضافة لاستعمالها لسياسات قهرية وقمعية تصل حد الإبادة لمن يقاوم تواجدها، وقد كانت الجزائر أحد الأمثلة على ذلك. أما أوجه الاختلاف ربما الاستعمار البريطاني كان يميل أكثر إلى أسلوب المهادنة والمرونة والتقرب من المجتمعات المحلية، ودعمهم بالمال لكسب الولاء، بينما الاستعمار الفرنسي على الرغم من ميله للعنف والقوة الجبرية، إلا أنه كان أكثر تركيزاً في سياسته على التأثير الثقافي في المجتمعات المحلية من خلال نشر اللغة والتعليم، خصوصاً وأن فرنسا لديها تحيز مفرط لثقافتها ولغتها، أما في ليبيا فقد كانت التجربة الاستعمارية الايطالية فيها أقل نجاحاً وتأثيراً، أو بعبارة أبعد عن التنميق حسب بعض النظريات، بأن ليبيا لم تُستعمر بالحد الكافي، الذي يمكن أن يُحدث تأثير كبير على مجتمعاتها المحلية.
ومما لا شك فيه أيضاً أن التحدي الاستعماري قوبل بمقاومة صلبة ونضال شعبي من قبل الدول الثلاث محل الدراسة، لكن المشكلة لم تكن حصراً على مواجهة المستعمرين أنفسهم، فأنظمة ما بعد الاستعمار واجهت تحديات وإرهاصات عديدة من تحولات اقتصادية واجتماعية، وكان من أبرز أخطاءها ربما هو عدم استغلالها للإرث الإيجابي الذي خلفه الاستعمار، والذي كان بالإمكان البناء عليه وتطويره، وكذا محاولتها إخفاء الانشقاقات الاجتماعية العميقة والانقسامات التي واجهت بنية الدولة القومية، مقابل إبرازها للانسجام الثقافي، على حساب المظهر الأيديولوجي الوهمي للاندماج الوطني، وهو ما أدى لإحداث فجوة عميقة ظهر على إثرها صراع طائفي وعرقي في دول عربية عديدة واستمرت إلى يومنا هذا. كما أن تأخر أنظمة ما بعد الاستعمار القومية في الإصلاحات الاقتصادية، أدى لظهور حركات راديكالية للإسلام السياسي معادية لهذه الأنظمة للمطالبة بالإصلاحات، وهو ما مثل أيضاً تحدي لنشوء أيديولوجيا جديدة حلت محل القومية العربية.
في الأخير، قد يكون التاريخ الاستعماري في الوطن العربي مليء بالأحكام السلبية المسبقة، لكن لا ينبغي أن نعتبره حكماً مطلقاً، ونتغافل عن التغييرات الإيجابية الأخرى التي أحدثها الاستعمار لاحقاً من أساليب في شكل الدول، بعد أن كانت عبارة عن مناطق مقسمة بين القبائل أو ولايات يحكمها مشائخ وزعماء بشكل فردي يتوارثون الحكم فيما بينهم، إلى أساليب حكم لم تعد فردية أو متفرقة، وإن كان البعض منها مازال ملكي أو ربما تحول لديكتاتوريات عسكرية، لكن حضور الشعب وتمثيله بات مهماً وإن كان شكلياً في بعض الأحيان. كما أن الثورة الصناعية في أوروبا أثرت على أسلوب المعيشة وطبيعة الأعمال الاقتصادية وأساليب التنقل والتواصل، وتم نقل هذا التطور الصناعي للمنطقة العربية إبان الاستعمار، أضف لذلك الدور في إنشاء مشاريع البنى التحتية الأساسية التي تضمنت الطرقات والجسور والأنفاق وتحديث الأسلوب المعماري الذي مازالت آثاره لليوم في الكثير من الدول العربية. وكذا الرصيد الثقافي والمعرفي الذي اكتسبه الكثير من العرب عبر المدارس والجامعات التي حرص الاستعمار على الاهتمام بها، وتأثير المناخ الفكري السائد آنذاك على عقول مناضلي التحرير الوطني بمختلف مجالاتهم، وغزارة علمهم ووافر ثقافتهم، والذي به قامت ثوراتهم لاحقاً ضد الاستعمار
فريدة أحمد
زميله مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحثة في الشؤون السياسية
- مصدر صورة الغلاف: ويكيبيديا، تم إضافة تعديلات على الصورة من قبل مركز سوث24
- للإطلاع على مراجع البحث يمكن ذلك في النسخة الإلكترونية (من هنا)