(Brookings)
25-05-2023 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | نانسي طلال زيدان
لطالما شكل العداء التاريخي بين القوتين الإقليميتين السعودية، مركز الإسلام السني، وإيران، مركز الإسلام الشيعي، محور استقرار ضخم لأمن إسرائيل وتنامي مصالحها على مُختلف المُستويات مع دول الخليج، والجوار العربي. بل وحققت إسرائيل خطوات فارقة بتوقيع اتفاقات "إبراهيم" مع عدد من الدول العربية برعاية أمريكية في عهد ترامب. وفي عهد الرئيس الحالي، جو بايدن، تجتهد الإدارة الأمريكية لصياغة تطبيع سعودي إسرائيلي، اشترطت فيه الرياض الالتزام بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود 67، وأن تحظى الرياض ببرنامج نووي لأغراض مدنية، كما ترفع واشنطن مستوى تسليح الرياض بنفس نوعية وكفاءة السلاح المُصدّر أمريكياً لإسرائيل، بالإضافة لتدعيم واشنطن لاستراتيجية دفاع مع الرياض بدعم أمني وعسكري أكبر من المُعدل الذي يَقره الكونجرس حالياً. تلك الشروط التي كانت ومازالت صعبة التقبل من قِبل أمريكا وإسرائيل. [1]
في غضون ذلك، وبحدوث التوافق السعودي الإيراني برعاية بكين المُنافس الأقوى لواشنطن في الشرق الأوسط، تغيرت كثير من مُعادلات المصالح والنفوذ الإقليمي، بآمال انتهاء التهديد الإيراني لدول الخليج، بل باتت العلاقات تخضع لتوافقات ومصالح مُتنامية. ذلك الأمر، أدى لزيادة قلق إسرائيل-حيث وصف أحد مُفكريها ذلك التوافق، بـ "ضربة لفكرة إسرائيل وجهودها في السنوات الأخيرة لمحاولة تشكيل كتلة مناهضة لإيران في المنطقة" [2]، وأدّى أيضاً لإعادة تنشيط اهتمام واشنطن بالنفوذ في الشرق الأوسط عامة. وإضافة لرغبة بايدن في خوض انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، أعلنت الإدارة الأمريكية صراحة أن التطبيع الإسرائيلي السعودي أحد أهداف الأمن القومي الأمريكي. [3]
ترصد هذه الورقة المساعي الأمريكية لتحقيق التطبيع الإسرائيلي السعودي، ومدى فاعلية اتفاقات "إبراهيم" بالنسبة لإسرائيل؛ خاصة بعد تنامي التفاهمات الإيرانية العربية من جانب، وبعد عودة سوريا لجامعة الدول العربية وتدعيم الدول العربية خطواتها بالتعاون مع روسيا والصين وإيران لتحقيق الاستقرار للدولة السورية، وهو ما يبدو عكس الرغبة الأمريكية الإسرائيلية من جانب آخر.
التطبيع الإسرائيلي السعودي: الهدف الأهم
أفاد موقع " Axios" الأميركي، نقلا عن البيت الأبيض، أنّ اجتماعا في 7 مايو الجاري ضم مستشاري الأمن القومي للهند والولايات المتحدة والإمارات وولي العهد السعودي في الرياض، لتعزيز رؤيتهم المشتركة لمنطقة شرق أوسطية أكثر أمنًا وازدهارًا ومترابطة مع الهند [4]. المقصود هُنا مناقشة مشروع الممر الغذائي من الهند للشرق الأوسط، الذي في أصله هو شراكة بين الهند والإمارات وإسرائيل. ورغماً عن ذلك، لم تكُن إسرائيل مُشاركة على طاولة النقاش التي عُقدت في السعودية، رغم أنها لم تكن جُزءاً من اتفاق المشروع، بينما أطلع كبار مستشاري بايدن، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، على فحوى محادثات مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. [5]
إلا أنّ ذلك الاجتماع كان من ترتيب واشنطن، لبلورة شراكة اقتصادية تجمع بين الرياض وإسرائيل، وإن كانت شراكة مُتعددة الأطراف بغرض فتح مسارات على أمر واقع؛ تُعزز إمكانية التطبيع السعودي المُتكامل مع إسرائيل [6]، وأيضاً مُجابهة الولايات المُتحدة للنفوذ الصيني المُتمدد في المنطقة اقتصاديا وتُجارياً عبر مبادرة الحزام والطريق، من خلال مجموعة "I2U2"، التي تضم الهند واسرائيل والولايات المتحدة والإمارات. [7]
ماهية "I2U2"؟
في العام (2019)، أي قبل عامين من انقطاعات الإمدادات الغذائية الناجمة عن فيروس كورونا المستجد بالعام (2021)، وقبل فترة طويلة من صدمات الإمدادات الغذائية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية بالعام (2022)، أشركت الإمارات الهند في إنشاء مشروع ضخم بقيمة (7 مليارات) دولاراً لإنشاء ممر الغذاء الإماراتي لضمان الأمن الغذائي للإمارات ودول الشرق الأوسط الأخرى. وكانت بداية الترتيب للممر مُنذ العام (2017)، حين وقّعت الهند (14) اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة (CSP) مع الإمارات، ثالث أكبر شريك تجاري للهند وجارتها في بحر العرب. وبعد توقيع "اتفاق إبراهيم" في سبتمبر 2020، بين الإمارات وإسرائيل؛ تقدّم التخطيط لتطوير ذلك الممر الغذائي بين الدول الآسيوية الثلاثة، من خلال القطاع الخاص، واستثمارات المشاريع المشتركة التي تمت زراعتها بعناية من خلال القطاع العام، علماً بأن التعاون الهندي الإسرائيلي توطّد على مدار السنوات الماضية، وقد أنتجا نظامي الابتكار الإسرائيلي والهندي مشروعًا مشتركًا لتصنيع المعدات الزراعية الذكية مناخيًا في الهند، والتي تشكّل طبقة داعمة إضافية لتكامل ممر الغذاء بين الهند والشرق الأوسط. [8]
وفي 14 يوليو 2022، عقدت قمة "I2U2"، الاجتماع الأول لرؤساء حكومات الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة أيضاً، من خلال مؤتمر عبر الفيديو خلال زيارة بايدن لإسرائيل، بغرض الترويج الأمريكي لرعاية التطبيع الإسرائيلي مع السعودية قُبيل القمة العربية الأمريكية بجدة، وكجزء من جولته في الشرق الأوسط التي استمرت أربعة أيام. بالنسبة لواشنطن، من المهم تطوير قوس من الربط التجاري من ساحل بحر العرب في الهند؛ إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط في إسرائيل مع الإمارات كمركز يوفر ثقلًا جيوسياسيًا موازنًا للوجود التجاري الصيني المتوسع عبر المحيطين الهندي والهادئ إلى الشرق الأوسط. وإذا بحثنا عن الاستفادة الأمريكية من ذلك الممر نجدها اقتصادياً في البنية الاستراتيجية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ حيث تُعزز واشنطن استثماراتها، ذلك بالإضافة للمكسب السياسي حيث الدعم الأمريكي الدائم لإسرائيل وتوطيد نفوذها شرق أوسطياً. [9]
الصورة: مشروع الممر الغذائي، تجميع South24 Center (الخرائط MEI)
إسرائيل بين القمة العربية ومنتدى النقب
في (18 مايو) الحالي، اقتحم الآلاف من القوميين اليهود، القدس حاملين العلم الإسرائيلي مُرددين شعارات معادية للعرب، وزعم المسؤولون الإسرائيليون أنّ المسيرة تحيي ذكرى "يوم القدس"، لدرجة أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أصدر بيانًا: "إن الولايات المتحدة تعارض بشكل قاطع اللغة العنصرية بأي شكل من الأشكال، وندين الهتافات البغيضة مثل "الموت للعرب" خلال مسيرات القدس ". وأصدرت كل من وزارة الخارجية السعودية وكل من الإمارات والبحرين ومنظمة التعاون الإسلامي والبرلمان العربي بيانات مماثلة [10]. وقبل ذلك كانت قد شنّت حكومة نتنياهو عملية عسكرية جوية على قطاع غزة استمرت لأيام قبل أنّ تتوقف بوساطة مصرية.
ذلك يأتي على الرغم من الترتيبات الأمريكية لتوطيد علاقات إسرائيل بمُحيطها العربي، وتكثيف الجهود لجر السعودية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل. تُعزز واشنطن ترتيباتها، كذلك، لعقد منتدى النقب مُجدداً ليضُم نظراء من الولايات المتحدة والإمارات والبحرين والمغرب ومصر، وربما بمشاركة السودان الذي يُعتبر جزء من اتفاقيات إبراهيم، لكنه لم يستكمل بعد اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وهو الآن مُنغمس في صراع داخلي. [11] مؤخرا دفعت الولايات المتحدة من أجل حضور الرئيس الأوكراني زيلينسكي للقمة العربية الـ(32) بجدة، التي شهدت كذلك حضور الرئيس السوري بشار الأسد، بعد غياب (12) عاماً، قُبيل توجه زيلينسكي لاجتماع السبع الكبار G7 في اليابان. يُعتقد أنّ مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سولفان هو من رتّب زيارة زيلنسكي خلال زيارته الرياض في 7 مايو، بهدف إظهار القمة العربية وكأنها حشد دعم إقليمي لأوكرانيا في مواجهة موسكو الصديق الحالي الأقرب للرياض والعرب. جدير بالمُلاحظة، أنّ التصرف العربي كان مسؤولاً ومتوازنا، انعكس ذلك في البيان الختامي للقمة. لقد رحّب ولي العهد السعودي بكل من الأسد وزيلينسكي في مدينة جدة، معربًا عن دعمه "لكل ما يساعد في الحد من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا"، واستعداد الرياض للقيام بدور الوساطة [12]. بالمقابل أيضا أكّد إعلان جدة على محورية القضية الفلسطينية والتمسك العربي بمبادرة السلام العربية والحق الفلسطيني في دولة مستقلة بحدود 67، وهي المواقف التي عكست إلى حد ملحوظ استقلال القرار العربي.
وأخيراً، في العالم الناشئ متعدد الأقطاب، لدى السعوديون خيارات وقدرة على إحداث توازنات في علاقاتهم مع جميع الأطراف، إذ تنظر الرياض لواشنطن على أنها صديق وليس قائد، وفي مقابل ذلك، عدم التفريط بمصالحها مع إيران في الجوار. يمكن تلمّس ذلك من تصريحات رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية محمد باقري مؤخراً، بأن "جمهورية إيران الإسلامية والدول الواقعة جنوب الخليج [العربي] قادرة على التعاون لضمان أمن الخليج ومضيق هرمز وبحر عمان"، مُشيراً لما شهدته مياه الخليج، التي تحمل ما لا يقل عن ثلث النفط المنقول بحراً في العالم، سلسلة من الحوادث منذ الانسحاب الأمريكي في عهد ترامب في (2018) [13]، بالإضافة للعلاقات الاقتصادية المتصاعدة التي جعلت من الصين الآن الشريك التجاري الأول للسعودية. وعلى الصعيد الإقليمي فإنّ الشركات الصينية، وليست الأمريكية، هي التي تعيد بناء العراق، والصين أيضاً هي أول الأطراف التي بادرت لدعم الاقتصاد السوري وعمليات دعم الإعمار.
على نحو آخر، ووفقًا لنتائج استطلاع نادر للرأي العام في السعودية، أجراه معهد واشنطن، فإن (38%) من السعوديين لا يعارضون العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، "إذا كان ذلك يساعد اقتصادنا". كما تحظى اتفاقيات "إبراهيم" 2020 بين إسرائيل ودول الخليج والمغرب بتأييد (38%). غير أن (81%) من السعوديين، يعتقدون أنه في حال وقوع زلزال أو كارثة طبيعية أخرى مثل تلك التي حدثت هذا العام في تركيا وسوريا، "على الدول العربية رفض أي مساعدات إنسانية من إسرائيل" [14]. لذا، فأقصى ما يُمكن لإسرائيل أن تحظى به؛ هو سماح السلطات السعودية برحلات جوية مباشرة من مطارات إسرائيل للأراضي السعودية للمسلمين الذين يريدون أداء فريضة الحج، التي ستتم في يونيو 2023.
مما سبق، نجد أن التوافقات السعودية الإيرانية تعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتعزز الدوافع الإسرائيلية للتطبيع الكامل مع المملكة. وعلى الرغم أنّ اسرائيل تبدو متفائلة في تحقيق تقدم في مساعيها لذلك، خصوصا بعد مزاعم [15] الإعلام العبري بوجود اتصالات حديثة بين قيادتي البلدين - لم تنفها البلدان رسميا - إلا أنّ السعودية لم تُظهر مؤشرات علنية يمكن البناء عليها بجدية في هذا السياق.
باحثة غير مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحثة في العلوم السياسية والتحليل الإعلامي
المراجع:
[1] Richard LeBaron, Saudi Arabia should consider the ‘Just Do It’ strategy for normalizing ties with Israel. May 10, 2023
[2] Saudi deal with Iran worries Israel, shakes up Middle East, 11 Mar 2023
[3] I24 news
[4] Amrita Ghosh, India Daily: UAE and Saudi Arabia Talk Rail Links with India, May 9th, 2023
[5] Biden advisers brief Israel's Netanyahu on Saudi talks, axios.com, May 8, 2023
[6] LAZAR BERMAN, Senior US official in Saudi Arabia to discuss massive rail project with UAE, India, 7 May 2023
[7] Ibid.
[8] Michaël Tanchum, The India-Middle East Food Corridor: How the UAE, Israel, and India are forging a new inter-regional supply chain, July 27, 2022
[9] Michaël Tanchum, ibid
[10] Saudi Arabia strongly condemns storming of Al Aqsa Mosque: FM, english.alarabiya,19 May ,2023
[11] Ben Caspit, Israel's Netanyahu willing to pay 'heavy price' for normalization with Saudi Arabia, May 19, 2023
[12] BASSEM MROUE, Addressing Arab leaders in Saudi Arabia, Zelensky vows Ukraine ‘will never submit’,19 May 2023
[13] Iran Says Possible to Secure Gulf Waters with Neighbours, barrons, May 21, 2023
[14] For Israel, normalization with Saudi Arabia not impossible, May 16, 2023
[15] اتصالات مباشرة بين نتنياهو وبن سلمان؟ أنباء حول تقارب بين السعودية وإسرائيل - YouTube