السفينة البريطانية روبيمار أثناء غرقها قبالة السواحل اليمنية في البحر الأحمر، بعد تعرضها لهجوم للحوثيين في 18 فبراير 2024 (ا ف ب)
09-03-2024 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24 | ورقة بحثية
دعت ورقة بحثية حديثة إلى وجود استراتيجية جديدة وفاعلة لمكافحة الاعتداءات البحرية، وربما صياغة رؤية أكثر شمولا في التعاطي مع هجمات مليشيا الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن، بما في ذلك تقديم الدعم العسكري والأمني والاقتصادي للحكومة المعترف بها دوليا في اليمن، وتوفير الدعم اللازم للقوات المحلية في الجنوب وعلى الساحل الغربي.
وقالت الورقة التي أصدرها مركز سوث24 يوم السبت، أنّ هذه الرؤية يجب أن تصاغ من منظور لا يأخذ بطبيعة الحال، النتائج فقط، بل معالجة جذور المشكلات والأسباب والظروف التي خلقت أو سهلت لمثل هذه التهديدات بالبروز.
وحللت الورقة أبرز عمليات القرصنة والهجمات العسكرية للدول أو للجماعات من غير الدول في البحر الأحمر وخليج عدن خلال القرون الثلاثة الماضية. سواء كانت تقف خلقها جماعات مسلّحة كجماعة الحوثيين في اليمن والقراصنة الصوماليين وتنظيم القاعدة أو حتى القراصنة الأوروبيين في أوقات سابقة، أو تلك الأحداث التي تقف خلقها دول وطنية كإيران وإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك استعرضت الورقة التي أعدها فريق متخصص بالأمن والجماعات المسلحة في المركز، دوافع هذه الأعمال وتطورها وتطور أدواتها وردود الفعل بشأنها. كما سلطت الضوء على التأثيرات السلبية للقرصنة والهجمات، ضد السفن، على التجارة الدولية والاقتصاد المحلي والإقليمي والدولي وفرص الاستثمار والاستقرار والأمن في المنطقة.
وقالت الورقة إنّ إيران قد مهدت من خلال جمع المعلومات الاستخبارية طيلة السنوات الماضية، لحرب الحوثيين على السفن بالبحر الأحمر في وقت مبكر، وأن ما يجري حاليا هو فصل من فصول معركتها البحرية مع إسرائيل، والتي تشير نتائجها الأولية إلى أنّ طهران تتفوق فيها حتى اللحظة.
وبالنسبة إلى الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، فقد كانت الغطاء المناسب لهذه المرحلة من العمليات.
وعلى رغم أنّ البحر الأحمر شهد العديد من الحوادث طوال القرون الماضية، إلا أن ما شهده هذا الممر المائي الهام خلال العام 2023 ومطلع 2024 من هجمات للحوثيين، يبدو مختلفا بشكل كبير.
وقالت الورقة أنّ الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية لم تحل دون استمرار هجمات الجماعة. وبحسب الورقة فإنّ "الولايات المتحدة بدت كما لو أنّها تتعامل مع تهديد فريد من نوعه. ويشير إلى ذلك تدرجها في الرد على جماعة الحوثي؛ بدأ بتشكيل تحالفٍ بحري في 19 ديسمبر 2023، إلى إطلاق عمليات جوية ضد الجماعة الشيعية في اليمن بهدف إضعاف قدراتها العسكرية، إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية بشكل خاص.
ومع ذلك، واصلت الجماعة عملياتها في البحر الأحمر، بل إنها وسّعت دائرتها لتصل إلى خليج عدن في البحر العربي.
وبحسب الورقة "لم تكن واشنطن تتوقع أن يشهد البحر الأحمر وخليج عدن عمليات من هذا النوع وبكل هذه الجرأة، لذا اتسمت ردة فعلها بالعشوائية، ويبدو أن نتائج عملياتها ضد الجماعة كانت مفاجئة". إذ وبحسب المسؤولين الأمريكيين فالحوثيون هم الكيان الأول في تاريخ العالم الذي استخدم الصواريخ الباليستية المضادة للسفن على الإطلاق. وبالرغم من ذلك قالت الورقة أنّ نتائج الرد الأمريكي حتى الآن "مخيبة للآمال بشكل كبير".
الحوثيون "ينفّذون هجماتهم في البحر الأحمر تحت غطاء أخلاقي يمس مشاعر ملايين العرب والمسلمين يتعلق بـ "قضية فلسطين". ومن خلال ذلك يسعون بدرجة أساسية، "لإعادة رسم صورتهم بين السكان المحليين، الذي يتعرضون للقمع والفقر، خصوصا في مناطق سيطرة الجماعة شمال اليمن" كما تقول الورقة.
وخلصت إلى جملة من النتائج والتوصيات التي من الممكن أن تساعد في فهم السياقات المختلفة لهذه الأحداث وتقدّم بعض المقترحات التي يعتقد المركز أنها قد تساهم في الحد من التحديات التي تواجه هذه المنطقة البحرية الهامة من العالم، وتنعكس بصورة إيجابية على اليمن ودول الإقليم.
نتائج الورقة
• شهدت القرصنة تحولًا ملحوظًا من حيث الدوافع والأهداف والطرق المستخدمة. ففي الماضي، كانت القرصنة مدفوعة بشكل أساسي بالبحث عن الغنائم، وأعمال السلب والنهب، بينما أصبحت اليوم أكثر ارتباطًا بالجماعات المسلحة المتطرفة والجريمة المنظمة. كما أنها باتت مرتبطة بشكل أكبر بصراع النفوذ العالمي.
• تختلف عمليات جماعة الحوثي الأخيرة في البحرين الأحمر والعربي عن كل العمليات التي سبقتها خلال القرون الماضية، على أكثر من مستوى. برزت معها مخاطر جادة تهدد مستقبل استقرار المنطقة البحري والأمن المائي ومعه المشاريع الاستراتيجية الوطنية والدولية طويلة الأمد. كما برزت تحديات واضحة في القدرة على مواجهة هذه الاعتداءات والسبل الكفيلة بردعها، مقارنة بالإجراءات المتخذة ضد عمليات القرصنة في السابق.
• تطورت استراتيجيات مكافحة القرصنة بشكل كبير على مدار القرون الثلاثة الماضية. ففي الماضي، كانت تعتمد بشكل أساسي على القوة العسكرية، بينما تشمل اليوم نهجًا أكثر شمولاً يجمع بين الجهود الدولية والتعاون الإقليمي والعقوبات الاقتصادية والسياسية.
• أظهرت عمليات جماعة الحوثي في البحر الأحمر وخليج عدن حاجة العالم لاستراتيجية جديدة وفاعلة في مكافحة الاعتداءات البحرية، وربما صياغة رؤية أكثر شمولا في التعاطي مع هذه الهجمات من منظور لا يأخذ بطبيعة الحال، النتائج فقط، بل معالجة جذور المشكلات والأسباب والظروف التي خلقت أو سهلت لمثل هذه التهديدات بالبروز، أو تلك التي مكّنت مثل هذه الجماعات الوكيلة على أن تصبح ما أصبحت عليه اليوم.
• على المستوى المجتمعي، تكمن خطورة هذه العمليات في ابتكار أصحابها لأساليب جديدة لتبرير دوافعهم. مثل استغلال القضايا الإنسانية التي تتفاعل معها عاطفة ووعي المجتمعات المحلية، وكذلك بالمقابل انحياز أو فشل أو تواطئ الهيئات الدولية والعالمية تجاه هذه القضايا.
• لا تزال القرصنة تشكل تهديدًا خطيرًا على الأمن البحري والتجارة الدولية، خاصة في ظل ازدياد خطورة وعتاد القراصنة وتنوع وتطور هجماتهم والأسلحة المستخدمة من أجل ذلك.
• تواجه مكافحة القرصنة العديد من التحديات، مثل ضعف الدول الساحلية، وازدياد الفقر بين السكان فيها، وتغيّر المناخ، إضافة إلى تحول القرصنة مؤخرا إلى جزء من أجندات الصراع القائم في المنطقة، كما هو الحال مع جماعة الحوثيين اليمنية.
• في ضوء تطوّر وتنوع الهجمات التي شهدتها منطقة البحر الأحمر وخليج عدن خلال السنوات الماضية، يمكن الاستشفاف أنّ إيران هيأت المنطقة لمرحلة تصعيد بحري عالمي، بات فيه انخراط الحوثيين أحد النتائج وليس أحد الأسباب.
التوصيات
وقدّمت الورقة جملة من التوصيات للأطراف ذات العلاقة، من أبرزها:
• ضرورة تعزيز التعاون الدولي لمكافحة القرصنة، من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق الجهود العسكرية. بما في ذلك انخراط فاعل وأوسع للدول العربية المؤثرة في عملية تأمين طريق الملاحة في البحرين الأحمر والعربي.
• تقديم الدعم للدول الساحلية في بناء قدراتها البحرية وتعزيز سيادة القانون على أراضيها. مع الإشارة إلى أن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والقوات المسلّحة في جنوب اليمن أو الساحل الغربي، لم تتلق أي دعم حتى الآن في هذا الجانب، ولم تسند إليها أية مهمة، على الرغم من الدعوات التي وجهها أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.
• معالجة الأسباب الجذرية للقرصنة، مثل الفقر والبطالة، من خلال برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز وجود استقرار وتنمية مستدامة. إضافة إلى العمل الجدي والعاجل على إنهاء الصراعات الداخلية بصورة جذرية وعادلة.
• في الحالة اليمنية يتطلب الأمر دعما لوجوستيا واستخباريا وتدريبيا للحكومة اليمنية لاستكمال فرض سيطرتها على المناطق التي تخضع لجماعة الحوثيين في الشمال. وتجنّب السياسات الفاشلة التي انتهجتها واشنطن والدول الغربية في الأزمة اليمنية، والتي ضاعفت من تهديد الجماعة على الملاحة البحرية عقب سيطرتها على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، من خلال اتفاق استوكهولم لعام 2018.
• لضمان وجود آلية عاجلة وحلول طويلة الأمد، يوصى بتزويد القوات الأمنية والعسكرية المحلية في جنوب وغرب اليمن بمنظومات دفاع متطورة، للحد من عبور الصواريخ البالستية وطائرات الدرون على أجواء جنوب اليمن إلى خليج عدن وباب المندب.
• لا يوجد حل واحد سحري للحد من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، بل يجب استخدام مزيج من الحلول العسكرية والسياسية والاقتصادية، من قبيل:
- دعم القوات اليمنية: تقديم الدعم اللوجستي والعسكري والتدريب اللازم للقوات المحلية في اليمن لمواجهة تهديد جماعة الحوثيين.
- الضغط على إيران: من خلال فرض عقوبات مؤثرة ، تدفعها لوقف دعم جماعة الحوثيين وتزويدهم بالأسلحة وقطع غيار الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها من أوجه الدعم الأخرى.
- الضغط على جماعة الحوثي: من خلال تزامن الإجراءات العقابية العسكرية بإجراء سياسية وقانونية.
- معالجة الأزمة اليمنية: إيجاد حل شامل للأزمة اليمنية يُنهي الحرب ويحّل القضايا الأساسية بصورة عادلة ويعزز مفهوم الدولة والمؤسسات.
- لا يمكن حل مشكلة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر بمعزل عن حل الأزمة اليمنية بشكل عام.
- يجب أن تكون الحلول لأزمة البحر الأحمر وخليج عدن شاملة ومستدامة لضمان استقرار هذه الممرات المائية على المدى الطويل.