24-11-2020 الساعة 4 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| يعقوب السفياني
على ناصية كل شارع، فوق الأرصفة، على جنبات المساجد والمطاعم، في مواقف مركبات النقل، على امتداد سواحل وشطئان عدن، ينتشرُ الافٌ من اللاجئين الأفارقة، أغلبهم في سن الشباب. أعداد هؤلاء الكبيرة تكاد لا تنتهي، وهجرتهم إلى عدن مستمرة دون انقطاع، في ظل وضع سياسي ضبابي، ونزاع عسكري متعدد الأطراف، وأزمة اقتصادية خانقة. فلماذا يخاطر هؤلاء لدخول بلد غير مستقر؟ وما هي تبعات وجودهم بهذه الأعداد في عدن، في ظلّ غياب الدور الحكومي والدولي تجاه هذا الملف؟
الهجرة
تدفقُ المهاجرين من دول القرن الأفريقي إلى عدن ليس أمراً جديداً، بل هو امتداد لموجات هجرة غير مسبوقة إلى جنوب اليمن منذ عقود، لكن هجرتهم ما بعد عام 2015 إلى عدن من نوع آخر بالنظر إلى أعداد المهاجرين، أعمارهم، وجنسهم، معطيات جديدة لقضية قديمة، في محافظة تملك من المشكلات ما يغنيها عن أي مشاكلٍ وتعقيدات أخرى.
بينما كانت موجات الهجرة غير الشرعية إلى عدن والجنوب سابقا تحتوي على نسبة أكبر من النساء والأطفال بالنسبة للشباب والرجال، تتميز موجات الهجرة خلال الآونة الأخيرة بالمهاجرين في سن الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 عاما، وينتشر هؤلاء في معظم شوارع وجولات وأزقة المدينة، بدون وثائق هوية، أو خطة لتطبيع أوضاعهم في المحافظة.
وفقاً لمنظمة الهجرة العالمية، فأنّ أكثر من 138.000 شخص عبروا خليج عدن إلى اليمن، في العام 2019. يمثّل ذلك أكثر من 110.000 من المهاجرين واللاجئين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا خلال نفس الفترة. [1]
مخاطرٌ أمنية
ينتشر الأفارقة في عدن على شكل جماعات، ويتركّز تواجد معظم هؤلاء في مديرياتٍ محددة في عدن (دار سعد، الشيخ عثمان، المنصورة)، كما يتواجدون بنسب أقل في باقي مديريات عدن.
ونظراً لوضعهم الإنساني المزري والوخيم، يخشى البعض من أن يُستغلوا كتهديد أمني حقيقي في المحافظة التي شهدت أعتى موجات العنف والإرهاب في تاريخها منذ العام 2015.
أفارقة يفترشون رصيفاً في أحد شوارع عدن ( الصورة: سوث24)
يُمثّل هؤلاء الأفارقة لقمةً سائغةً في متناول الجماعات الإرهابية، والأطراف اليمنية المحلية المعادية للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي سيطرَ على المدينة بعد طرد قوات الإخوان المسلمين والحكومة اليمنية في أغسطس/آب العام المنصرم، واتهم مسؤولون في المجلس جماعة الحوثي، والإخوان المسلمين والحكومة اليمنية، وتنظيم القاعدة بتجنيد خلايا من الأفارقة والمهمشين لتنفيذ مهام إرهابية في عدن، وزعزعة الأمن والاستقرار.
استغلال اللاجئين الأفارقة يبدو أكثر وضوحاً مع الجماعة الحوثية، والأخيرة عمدت إلى تحشيد هؤلاء بطريقة دينية عقائدية، وأصدرت أنشودة جهادية بعنوان "أحفاد بلال"، تُشيد فيها بـ الأفارقة والمُهمشين المشاركين في جبهاتها، ويبَث إعلام الجماعة مشاهد من جبهات عدة يشارك فيها الأفارقة والمهمشون، كما شيّعت الجماعة جثامين عشرات القتلى من هؤلاء في مناطق مختلفة شمال اليمن. [2]
فتى صومالي قُتل في صفوف الحوثيين (إعلام الجماعة)
المخاطر الأمنية للاجئين الأفارقة في عدن لا تقتصر على تجنيد واستقطاب هؤلاء لصالح الحوثيون والإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية فقط، بل يشكّل بعضهم أيضاً تحدياً أمنيا نتيجة لضلوع أفراد منهم في جرائم جنائية كالقتل والسرقة، والإتجار بالمخدرات، بالإضافة إلى شبكات التسول المُنظّمة، التي يتم فيها استغلال صغار السن للتسوّل مقابل الغذاء والمأوى، وغالباً ما يكون الطرف المُستغل لهم العصابات المحلية.
تبعات اقتصادية وصحية
ألقى الانهيار الاقتصادي غير المسبوق بظلاله على عدن كغيرها من المحافظات، وأثقل كاهل سكانها الارتفاع الجنوني والمتزايد باطراد في سلع الحياة الأساسية، وهو ما انعكس على السواد الأعظم من سكان عدن، بالتزامن مع الصراع العسكري الذي تعتبر المحافظة أهم أسبابه وأهدافه. الانهيار الاقتصادي يأتي بالتوازي مع حالة من التردي الكبير في قطاع الخدمات العامة، كالمياه والكهرباء، وأيضاً القطاع الصحي المتهالك في خضم انتشار جائحة فيروس كورونا المُستجد. هذه العوامل مُجتمعة جعلت من أعداد الأفارقة الكبيرة في عدن وموجات الهجرة غير الشرعية التي لا تنقطع عبئاً كبيراً إضافياً على المدينة.
يُهاجر الأفارقة بطريقة غير شرعية إلى عدن، وهو ما يعني أنّهم لا يخضعون للمعايير المطلوبة، وقد يحمل هؤلاء معهم أوبئةً وأمراض جديدة إلى المدينة وما جاورها من المحافظات، خصوصاً فيروس كورونا. يعيش هؤلاء في مناخاتٍ شديدة الفقر والعوز، وكونهم يُعدّون بعشرات الالاف، ذلك يجعل عدن في خضم مجاعة مجتمعات الأفارقة والمهمشين المنفصلة في المحافظة، مع غياب الدور الحكومي بشكل تام، وضعف وتراخ الدور الأممي والدولي.
ترانزيت؟
"جئت إلى عدن من أجل الذهاب إلى السعودية، اليمن هي الطريق الوحيد إلى السعودية"، يقول الشاب الإثيوبي عبد الله جمّال حسن لـ"سوث24"، وهو شاب عشريني يقطن رصيف شارع بمديرية الشيخ عثمان، إلى جانب العشرات من أقرانه. ويروي عبد الله قصة فشل حلمه بدخول السعودية: "أنا من إقليم أورومو، أرضي تشهد حروباً ونزاعات لا تنتهي، سمعت كغيري من أبناء الأورومو عن السعودية، هنالك يحصل الناس على أعمالٍ ومرتّب كبير، قررت الذهاب رغم أنني لست مؤهلاً لأي وظيفة، كنت سأقبل بتنظيف السيارات، وعندها عرفت أنَّ اليمن هي الطريق الوحيد للسعودية، اتفقت مع مهرب لتهريبي إلى سواحل عدن، وقام بتهريبنا في قارب، دفعتُ 20 ألف (بير) إثيوبي لقاء ذلك". (10 ألاف بير إثيوبي= 500 دولار أمريكي تقريباً – المُحرر).
"تعرضت لإخفاقٍ شديد"، يواصل عبد الله:" وصلت عدن، كان ذلك قبل 9 أشهر، ومشيت على الأقدام مسافات طويلة إلى البيضاء (محافظة في شمال اليمن)، وهناك كنا أكثر من 40 أثيوبي وصومالي، ننتظر مهرباً يمنياً ليأخذنا إلى السعودية، كان الأمر مكلفاً أكثر من كلفة الرحلة من إثيوبيا إلى عدن، قام المٌهرب برصنا في حافلة نقل وقاد الطريق بنا إلى الحدود السعودية مع حضرموت، أخبرنا أننا قريبين، ثم في لحظة ما اختفى المُهرب في الليل وأفقنا على ركلات وصفع الجنود السعوديين، تعرّضنا لضرب مبرح وتم سجننا لأسابيع، قبل أن يتم إرسالنا مرة أخرى إلى اليمن، وعندها عدتُ إلى عدن".
قصة عبد الله ليست الوحيدة، كثير من الأفارقة قدموا إلى عدن ومناطق أخرى في جنوب وشمال اليمن لجعلها نقطة عبور إلى السعودية ودول الخليج، وغالباً ما تفشل محاولات هؤلاء فيبقون عالقين في مناطق جنوب وشمال اليمن. وعلى الرغم من أنّها تسيطر على كافة المنافذ البحرية والبرية في جنوب اليمن والساحل الغربي، تُبقي السعودية ودول الخليج حدود الجنوب مفتوحةً أمام موجات الهجرة هذه، في الوقت الذي تُقفل فيه حدودها تماماً. [3]
أفارقة في حلم الوصول للخليج (DW)
حكومةٌ غائبة
تواجدت حكومة عبد ربه منصور هادي في عدن طيلة فترة ما بعد تحرير عدن في 2015، حتّى طردها بعد أربعة أعوام، وفي هذه الفترة لم تقدّم الحكومة اليمنية شيءً يُذكر لمعالجة أزمة اللاجئين والمهاجرين الأفارقة في المحافظة، واكتفى وزراء في هذه الحكومة بتوظيف المأساة سياسياً لمهاجمة الخصوم، كما لم تقم هذه الحكومة بالدور المطلوب في التنسيق مع الجهات الأممية المختصة باللاجئين والمهاجرين والداعمة لهم، وهو ما جعل دور الأخيرة محدوداَ وغير فعّالٍ.
هذا الموقف الجامد للجهات الرسمية والحكومية بدأ يتغيّر مع وصول محافظ عدن الجديد، أحمد حامد لملس، والذي تم تعيينه بناءً على الشق السياسي من اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، في 29 يوليو/تموز العام الجاري. وضع لملس ملف المهاجرين واللاجئين غير الشرعيين على قائمة مهامه المُستعجلة، والتقى في 27 أكتوبر/تشرين الأول نائب رئيس المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، السيد جون ماتيو، وناقش معه آلية إعادة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية. ويعقدُ سكان عدن الآمال على إدارة لملس في حلحلة وحلّ كثير من الملفات والمشكلات في عدن، ومن أهمها قضية المهاجرين واللاجئين غير الشرعيين، والنازحين من مناطق الحرب في شمال اليمن.
وضع إنساني وخيم
ومع كل ما تشكّله قضية المهاجرين واللاجئين الأفارقة من مخاطر وتعقيدات إضافية، إلا أنّ المشكلة الأكبر والمعاناة الكبرى هي من نصيب هؤلاء قبل أي أطراف أخرى. يعيش الأفارقة في عدن في أوضاع إنسانية مزرية للغاية، الغذاء والمياه النظيفة والمساكن والرعاية الصحية، كلها منعدمة تماماً.
يقتاتُ كثير من هؤلاء على ما تجود به أيدي الآخرين، وقد يحالف الحظ القليل جداً منهم فيجدون عملاً في مغسلة للسيارات أو كمنظفي طاولات في المطاعم، وكثير ما يُشاهدون حاملين أسطال المياه الممزوجة برغوة الصابون ويمشون بها في الشوارع، أملاً في الحصول على فرصة لتنظيف مركبة أحدهم، فيضمنون وجبة عشاء. ويتسوّل الأفارقة أيضاً، خصوصاً الأطفال والنساء منهم.
"قد يمرُ يومٌ كاملٌ دون أن آكل شيء، وأغلب الأوقات لا نأكل إلا وجبة واحدة يومياً"، يقول خالد غيلان لـ"سوث24"، بالنسبة لهذا الشاب الإثيوبي فارع الطول، والذي قدم إلى عدن من إثيوبيا قبل أكثر من عام، فالحصول على عمل حقيقي في عدن "مُستحيلٌ تماماً"، يقول غيلان:" أنام على الرصيف وآكل ما تجود به إيدي الخيّرين، لم أتمكن مع الحصول على عمل، إنّهم يكرهون لوني وعربيتي الركيكة، إنّ السود في هذه الأرض لا فرصة لهم، ورغم أنّ الناس هنا يتعاطفون تماماً معنا، إلا إنّه من النادر أن تجد أحداً يعاملك كإنسان حقيقي، ينظرون لنا باحتقار، غادرتُ إثيوبيا للبحث عن مكان أكثر أمنا واستقرارً، لكني لم أجده".
شبابُ إثيوبيين لـ "سوث24": نريدُ أن نعيش حياة كريمة. (الصورة: سوث24، 23 نوفمبر 2020)
قضية المهاجرين واللاجئين الأفارقة تتطلب الحل السريع والعاجل معها، يعيش هؤلاء أوضاعاً مزرية، ويتحدث كثير منهم عن انتهاكات جسدية ولفظية يتعرضون لها من المجتمع والسلطات على حد سواء، وتشمل الانتهاكات التحرش والاستغلال الجنسي للفتيات، والاغتصاب.
إنّ إيجاد الحلول لمشكلة هؤلاء يعني تبديد المخاطر الأمنية، تخفيف العبء الاقتصادي، والأهم من هذا كله، حمايتهم من الاستغلال بكافة أشكاله وأنواعه، وصون آدميتهم وكرامتهم.
يعقوب السفياني
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- مركز سوث24 للأخبار والدراسات
المراجع:
[1] سوث24<خليج عدن يفوق البحر المتوسط.. واليمن تزاحم أوروبا بعدد المهاجرين> South.net [2] صحيفة الشرق الأوسط<الحوثيون يعاودون تجنيد اللاجئين الأفارقة إجبارياً> aawsat.com [3] DW <الوصول إلى الخليج.. حلم مهاجرين أفارقة يتبخر في صحراء اليمن>DW.com