20-12-2020 الساعة 12 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
بعد أكثر من عام على توقيعه، نجح اتفاق الرياض أخيراً، برعاية سعودية، بتشكيل حكومة مناصفة جديدة بين جنوب وشمال اليمن، برئاسة الدكتور معين عبد الملك، وبمشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي، كأول كيان جنوبي يتبنّى التحرير والاستقلال ويشارك في السلطة، بالإضافة لمختلف الأحزاب والأطياف السياسية اليمنية، أبرزها المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، وريث الإخوان المسلمين في اليمن.
وتواجه هذه الحكومة تحديات وصعاب كثيرة ومتعددة، أهمها البنيان السياسي المضطرب والمتضاد بين الشركاء الجدد، والوضع الاقتصادي المتدهور والحاد، وتحدي الحوثيين الذين يحكمون صنعاء ومعظم شمال اليمن.
حكومة الأضداد
لأول مرة منذ توقيع الوحدة اليمنية في 1990 وما تلاها من أحداث دامية تمثّلت باجتياح جنوب اليمن في 1994، تُشكّل حكومة تضمّ هذا التنوع الواسع من الأطياف والأحزاب السياسية، لا سيمّا المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو الكيان المنادي باستقلال جنوب اليمن وعودة هويته ودولته المستقلة، ويضع هذا التنوع تساؤلات عن مدى إمكانية نجاح واستمرار الحكومة الجديدة، في ظل تحديات أخرى كثيرة محلية وإقليمية، وفي ظل أوضاع سياسية متوترة في المنطقة والعالم بأسره.
وتتشكل الحكومة الجديدة من 24 وزارة، بعد تقليص عدد الوزارات بدمج بعضها، ووزعت الحقائب الوزارية بالمناصفة بين شمال وجنوب اليمن، ووافق الانتقالي الجنوبي على خمس حقائب وزارية ضمن حصة جنوب اليمن، فيما أوكلت مهام بقية الوزارات الجنوبية لشخصيات من جنوب اليمن محسوبة على هيئات محلية واجتماعية وأحزاب سياسية يمنية أخرى، وبالتشاور مع المجلس الانتقالي الجنوبي.
لذا يجب على المجلس الانتقالي الجنوبي تحقيق قدرة ملموسة على ضبط إيقاع الوزراء الجنوبيين، خصوصاً اولئك الذين لا يرتبطون أيدلوجياً بتنظيمات يمنية. ربما من شأن ذلك على الأقل أن يعزز فرص نجاح الحكومة، التي ستتواجد في الجنوب، كما يرى مراقبون.
انفوجرافيك، حصة الجنوب في حكومة المناصفة اليمنية. (حسين الأنعمي، سوث24)
تجمع الحكومة الشرعية الجديدة أعداء الأمس في إطار واحد، فلم يمضِ الكثير على معارك أبين شرقي عدن، حيث لا يزال صدى المدافع في أجواء تلك المحافظة، التي كانت ساحة حرب مستمرة بين القوات الجنوبية الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات الحكومية التي يوالي كثير منها جماعة الإخوان المسلمين وتقلص نفوذها بشكلٍ ملحوظ بعد تنفيذ اتفاق الرياض، وتشكيل الحكومة الجديدة.
يقف قطبا الوحدة اليمنية وحرب صيف 1994- حزب المؤتمر وحزب الإصلاح- جنباً إلى جنب مع المجلس الانتقالي الجنوبي، الكيان الذي يضم معظم وأبرز رموز الحركة التحررية الجنوبية، وهو ما يجعل التنبؤ بمستقبل وأداء الحكومة الجديدة أمراً مستعجلاً، فالأمر يبدو وكأن هذه الحكومة بحاجة لوصفة سرية أو معجزة سياسية لضبط وإنجاح هذا الخليط غير المتجانس من الأضداد والأنداد، الأعداء القدامى والجدد.
أزمة انعدام الثقة بين طرفي اتفاق الرياض تسببت بتعطيله لأكثر من 13 شهراُ منذ توقيعه في 5 نوفمبر 2019، قبل أن يرَ الاتفاق النور أخيراً بعد أيام من الانسحابات العسكرية المتبادلة من خطوط التماس في محافظة أبين، بإشراف وفد من التحالف العربي. لكن تشكيل الحكومة لا يعني بأي حال من الأحوال نهاية أزمة الثقة الحادة هذه، فلا زال كلا الطرفين حذرين، خصوصاً المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي التزم تموضع دفاعياً دائماً تجاه خروقات القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية، واتهم أجنحة فيها بمحاولة تعطيل اتفاق الرياض، وهي أجنحة حصلت على حقائب وزارية ضمن حصتي الجنوب والشمال، في الحكومة الجديدة، وتحظى بدعم قطر وتركيا المعاديتين للتحالف العربي.
"الأمر يبدو وكأن هذه الحكومة بحاجة لوصفة سرية أو معجزة سياسية لضبط وإنجاح هذا الخليط غير المتجانس"
اقتصاد منهار
يعيش جنوب اليمن، وجيوب الحكومة اليمنية في محافظات الوسط اليمني في تعز ومأرب، أزمةً اقتصادية خانقة ومتزايدة باطراد، بالتزامن مع انهيار الريال اليمني لمستويات قياسية تاريخية، وهو ما ألقى بظلاله على حياة المواطنين وانعكس بصورة مدمرة على أوضاعهم الحياتية والمعيشية، ودفع بالكثير منهم إلى تحت خط الفقر.
ومن المفارقات العجيبة أنّ هذا الانهيار الاقتصادي يكاد يكون حكراً على مناطق جنوب ووسط اليمن بينما يحافظ الحوثيون في الشمال المحاصر على استقرار نسبي للعملة، ووصل الفارق بين ريال عدن وريال صنعاء إلى أكثر من 44%، فيما وصل سعر الدولار الأمريكي في عدن إلى أكثر من 900 ريال مقابل 670 ريال في صنعاء، قبل أن يهبط بعد إعلان الحكومة إلى ما دون 800 ريال.
ويعتبر الانهيار الاقتصادي وغلاء الأسعار وتردي الخدمات العامة في عدن وجنوب اليمن من أهم أسباب اندلاع الأزمة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الجديدة، إذ يرى المجلس الانتقالي الجنوبي- بوصفه كيان مفوّض من قبل الجنوبيين- أن أوضاع الناس جنوباً على عاتقه.
في أحيان كثيرة، اُعتبر هبوط العملة المحلية وتردي الأوضاع الخدمية أوراق ضغط سياسية استخدمتها الحكومة اليمنية السابقة وأجنحتها التي تمثّل قوى حرب صيف 1994، ضد المجلس الانتقالي الجنوبي، لإضعاف موقف وفد الانتقالي الجنوبي بالعاصمة السعودية الرياض، بعد فشل واستحالة الحل العسكري. وبالتالي يعني نجاح اتفاق الرياض وتشكيل الحكومة الجديدة أنّه لم تعد هنالك حاجة لهذه الأوراق- على الأقل حالياً- وهو ما يُبشر بتحسن الوضع الاقتصادي، وقد بدأت العملة الوطنية بالتعافي السريع والمدهش بعد ساعات فقط من إعلان هذه الحكومة.
الحوثي.. العدو المتجدد
يحكم الحوثيون وجناح المؤتمر الموالي للجماعة صنعاء والشمال منذ أكثر من 6 أعوام، ويقاتل الحوثي أطراف اتفاق الرياض مجتمعة في سلسلة جبهات مفتوحة في جنوب ووسط اليمن، وخصوصاً جبهات شمال الضالع المندلعة منذ فبراير العام المنصرم، وجبهات مأرب التي تقاتل فيها قبائل مأرب وبعض الوحدات العسكرية.
وبتشكيل الحكومة الجديدة، وإيقاف الحرب في جنوب اليمن والزحف نحو عدن، يُمكن أن تشهد الجبهات المضادة للحوثي نقلة نوعية في الانتصارات العسكرية، وتنشيط للجبهات المتوقفة في شمال اليمن، واستعادة البوصلة باتجاه صنعاء التي أضاعتها القوى القادمة من مأرب وشمال اليمن إلى محافظة شبوة الجنوبية، وهو ما تضمنه الشق العسكري من اتفاق الرياض، والذي ينصّ على انسحاب هذه القوات وعودتها إلى ثكناتها، على الرغم من أن مراقبين لا يتوقعّون أن يتوسع القتال مع الحوثي بصورة كبيرة، حيث يبذل المجتمع الدولي جهوداً ضاغطة لإنهاء الصراع من خلال مفاوضات سلام شاملة.
يمكن أن يدفع الضغط العسكري المحتمل الحوثيين إلى طاولة الحوار، والقبول بالمبادرات وصيغ الحل التي تقدمها الأمم المتحدة لحل الأزمة اليمنية، ومع ذلك لا زالت المراهنة على هذا الضغط الذي ستشكله القوى المنضوية تحت حكومة اتفاق الرياض غير معروفة النتيجة، خصوصاً في ظل ما يبدو أنه تحالفات طارئة جديدة بين الحوثيين وقوى الإخوان المسلمين المشاركة في الحكومة اليمنية، وهي التحالفات التي ستعمل المصالحة الخليجية مع قطر- حال نجاحها- على تبديدها أو تحجيمها، كما يقول مراقبون.
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الكاركتير الرئيسي (الأيام العدنية)