27-12-2020 الساعة 5 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| بدر محمد
في اليمن، حيث تشكّلت «المملكة المتوكلية الهاشمية»، وعقبها «المملكة المتوكلية اليمنية»، عقب خروج العثمانيين، أقيمت على نفس حدودها السياسية دولة «الجمهورية العربية اليمنية». التسمية اليمنية الأولى بداية القرن العشرين تماشت مع موجة انتقال الممالك والدول في المنطقة العربية من التسميات السلالية ذات الطابع الديني إلى تسمية تتصل بالجغرافيا المحلية.
هذا الأمر الذي دفع بعض السلالات والأسر الهاشمية المالكة للحكم، في شتات الأرض العربية، إلى اللجوء إلى اعتماد التسميات العربية الجهوية، كهويات سياسية رديفة للهويات السلالية، كالمملكة المتوكلية اليمنية (1918) نسبة للمسمّى الجهوي «اليمن» والمملكة المغربية الهاشمية (1956) نسبة للمسمّى الجهوي «المغرب»، بينما تنازعت المسمّى الجهوي «الشام» عددٌ من الممالك والدول التي لجأت إلى تسميات سياسية أخرى بعضها يتصل بالتاريخ وبعضها يتصل بالجغرافيا كما هو حال مركز جزيرة العرب الحجاز ونجد، المركز الذي وهب التسميات الجهوية مسمّاً جهوياً، وهب نفسه في نهاية المطاف تسمية جغرافية كهوية سياسية، قبل أن يتحوّل للتسمية الحالية «المملكة العربية السعودية».
في منتصف القرن ذاته عندما قامت ثورات القوميين العرب، قامت ثورة 26 سبتمبر 1962 ضد النظام الملكي للمملكة المتوكلية اليمنية، لتُنتج نظامَ حكم جمهوري أحالها إلى «الجمهورية العربية اليمنية»، وهي الجمهورية التي منحت الجيش المصري المُشارك في الحرب ضد نظام الأئمة، الهزيمة مقابل إدراج الصفة العربية بصورة شكلية في اسم الجمهورية اليمنية الوليدة.
أعاد القائد العربي جمال عبد الناصر جيشه إلى مصر بعد أن خسر 20 ألف جندي مصري، وظلّت الجمهورية اليمنية تُدار بنظام حكم إسلامي قضى على الفكرة القومية العربية عندما قام بتصفية رموزها السياسية وأعاد لها خلفيتها الإسلامية الأعلى كعباً على عروبتها المأمولة.
لقد كانت عروبة الدولة اليمنية حينها عروبة شكلية، فراراً من المد القومي العربي ليس إلّا، مثلما كانت يمنية المملكة المتوكلية فراراً من انبعاث الهويات المحلية ضد دول وممالك الهويات السلالية غير المتصلة لا بالجغرافيا ولا بتاريخ الأرض التي تُقيم عليها.
عشرات الآلاف من أهالي صنعاء يتظاهرون ضد مقتل قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، يناير 2020 (وسائل إعلام حوثية)
مازالت الجماعة الحوثية تمارس الأمر ذاته اليوم ضد التحالف العربي الذي تدخّل عسكرياً بقيادة السعودية في الأزمة اليمنية. وبدافع الحفاظ على الأمن القومي العربي يسعى التحالف إلى تكرار ما فعله الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر ويُنهي انقلاب الجماعة الحوثية، التي تُعدّ ذراعاً إسلامياً لدولة إيران، على الحكومة اليمنية، لكن دون جدوى تُصرّ صنعاء على لفظ عروبتها خارج أسوارها وينال التحالف العربي الهزيمة ذاتها التي تلقاها عبد الناصر في الستينات.
يزداد الحديث اليوم والجدل الذي أثاره الإماراتي، ضاحي خلفان، حول القول المأثور بأنّ «اليمن أصل العرب». وبعيداً عن سخرية خلفان ثمة سخرية يصنعها الواقع المعاش حالياً. فهذا القول تدحضه عملياً هذه الوقائع التاريخية السالفة الذكر كما ترفضه نظرياً الجماعة الحوثية بخلفيتها العقائدية الإسلامية.
فالحوثيون، «غير اليمنيين» أصلاً، لا يُقرّون بأنّ اليمن أصلُ العرب لأنهم يعتقدون بأنّ هذه الدعوة تُعدُّ تجذيراً لهوية يمنية عربية غير إسلامية، ولأنهم سادوا اليمن وحكموه بنسلهم الإسلامي ولم يحكموه بأصلهم العربي.
وهذا هو ما يجعل الحوثيين أقرب لتصنيفهم بالإسلاميين أكثر من كونهم عرب، ولأنّ نسلهم استمر في حكم اليمن لأكثر من ألف عام فهذه هي الفترة الطويلة الناسخة لمقولة «اليمن أصل العرب»، التي أحالتها إلى اسطورة خرافية لا تمت للواقع بصلة.
باحث وزميل في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصص بالشؤون السياسية اليمنية
قبل 3 أشهر