دولي

مجلة بريطانية: حضرموت قد تكون مسرحاً استراتيجيا للتدخلات الطبية

24-02-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| قسم الترجمات


يواجه اليمن، بدافع الصراع الداخلي الطويل الأمد و (العدوان) الخارجي والتدهور الاقتصادي وندرة الموارد، أسوأ أزمة إنسانية في العالم. لقد لعب العنف المستمر دورًا أساسيًا في تشكيل هذه الأزمة الإنسانية. ومع ذلك، لا يُمكن للعنف وحده أن يفسّر حجم المعاناة في جميع أنحاء البلاد وانهيار النظام الصحي؛ هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار بهدف رسم استراتيجيات للاستجابة للاحتياجات الصحية والإنسانية الحالية والمستقبلية.


خلفية الصراع


دمّرت نصف عقد من الأعمال العدائية التي لا هوادة فيها بين الجهات الحكومية وغير الحكومية، بدعم من القوى الإقليمية والدولية، حياة ملايين اليمنيين ووضعت البلاد على شفا الانهيار التام. اندلعت الحرب الأهلية في مارس 2015، عندما تدخل تحالف عدة دول بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، لإعادة الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي إلى السلطة. واليوم، تغذّي شبكة معقّدة من "العلاقات بالوكالة" هذه الحرب - من دعم الإمارات للانفصاليين في الجنوب، إلى دعم المملكة العربية السعودية للحكومة المعترف بها دوليًا، ومساعدة إيران السرية للحوثيين في الشمال الغربي. أدت هذه المصالح السياسية المتشابكة إلى إطالة وتعقيد الصراع في اليمن.


على الرغم من مخاوف جماعات حقوق الإنسان بشأن الأزمة الإنسانية في البلاد، فإنّ المصالح المحلية والإقليمية والغربية المتداخلة تستمر في تأجيج الحرب واقتصادها. الآثار طويلة المدى للنزاع المسلح الذي طال أمده في اليمن واسعة وتضعه بين أكثر الصراعات تدميرًا منذ نهاية الحرب الباردة.


على مدى السنوات الخمس الماضية، حدث ما يقرب من ربع مليون حالة وفاة كنتيجة مباشرة وغير مباشرة للصراع؛ وهذا يشمل أكثر من 12600 مدني قتلوا في هجمات استهدفتهم.  بين القتلى، 60٪ من الأطفال دون سن الخامسة. وفقًا للأمم المتحدة، إذا استمرت الحرب حتى عام 2022، فقد تتجاوز الوفيات 480 ألف حالة وفاة مع ما يقدر بنحو 330 ألف حالة وفاة للأطفال دون سن الخامسة. 


"المجلس الانتقالي الجنوبي والحوثيون يمثّلون بمكاسبهم العسكرية أرقامًا صعبة في حاضر اليمن ومستقبله"


تتشابه الظروف التي واجهها اليمن بعد وقت قصير من اندلاع النزاع المسلح مع الوضع في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخرى بعد عدة سنوات من النزاع المسلح كما هو الحال في سوريا أو ليبيا. على الرغم من اختلاف سياقات هذه النزاعات المسلحة في الأساس، إلا أن ديناميكيات العنف، ومشاركة اللاعبين الإقليميين والدوليين، والتشرذم الحاد في المؤسسات العامة تحمل أوجه تشابه.


كان هدفنا هو تسليط الضوء على العوامل السياسية والحوكمية والإنسانية المختلفة التي تؤثر على الفضاء الإنساني في اليمن والتي ساهمت في هشاشة النظام الصحي.


السياسة وانهيار الثقة


خلال فترة النزاع المسلح في اليمن، قسّمت المصالح السياسية للأطراف المتحاربة البلاد إلى كيانات متصارعة دون وطنية. وبالتالي، فقد تم إعاقة الدور التقليدي للحكومة المركزية واستبداله بأرخبيل من الدوّل البدائية، مما أدى إلى تجزئة المؤسسات العامة بما في ذلك النظام الصحي.


تخضع الأراضي اليمنية حاليًا لسيطرة ثلاثة أطراف متنازعة رئيسية، وهي الحكومة المعترف بها دوليًا وحركة الحوثي والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي. تشكّلت الكيانات الناشئة في اليمن في الغالب على أساس الولاءات السياسية أو القبلية، مما يجعل مستقبل العديد من اليمنيين يعتمد بشكل غير متساوٍ على المنطقة التي يعيشون فيها أو على الولاء الذي يمكنهم تقديمه. بالإضافة إلى هذه القوى الثلاث الكبرى، لا تزال العديد من المناطق اليمنية تحت سيطرة الجماعات المحلية أو القبائل. على الرغم من عدم اعتراف المجتمع الدولي بحركة الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي رسميًا، فقد استولوا على مناطق واسعة في كل من جنوب وشمال اليمن. إلا أنّهم يمثلون بمكاسبهم العسكرية أرقامًا صعبة في حاضر اليمن ومستقبله، مما يزيد من تعقيد الأزمة السياسية والإنسانية والتنموية.


أدى عدم الاستقرار السياسي في اليمن إلى تعميق مناخ انعدام الثقة، خاصة بين السلطات المسيطرة والمنظمات المحلية والدولية. تخضع العمليات الإنسانية والموظفون لفحوصات أمنية صارمة وقيود على التنقل أعاقت وصولهم والوصول إليهم.


انتشار انعدام الأمن الغذائي


80 في المائة من سكان اليمن، بما في ذلك 12 مليون طفل، يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية والحماية؛ لا يعرف ثلثا السكان ما إذا كانوا سيأكلون وجبة أخرى ومتى. قد يصل عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية إلى 2.4 مليون بحلول نهاية عام 2020. ويمثّل هذا نصف الأطفال دون سن الخامسة في البلاد. من بين 3.3 مليون طفل يعانون من سوء التغذية في البلاد، يعاني مليون طفل من سوء التغذية الحاد المعتدل وأكثر من 400000 من سوء التغذية الحاد الوخيم، يمكن أن يموت 90٪ منهم ما لم يستمروا في الحصول على العلاج.


أسعار المواد الغذائية كانت ترتفع بالفعل قبل عام 2015، مما ترك الكثير من سكان اليمن معرضين للخطر بشكل خاص. تفاقم انعدام الأمن الغذائي بسبب الحصار البحري والجوي الذي فرضه التحالف الذي تقوده السعودية منذ عام 2015، والذي قيّد بشدة تدفق الغذاء والوقود والأدوية إلى المدنيين. 


أدى الصراع المستمر إلى خلق ديناميكيات الحرب والأعمال التجارية التي أدّت إلى مزيد من منهجية شبكات الفساد والمحسوبية في البلاد، والتي بدورها حرمت اليمنيين من الوصول المتكافئ والكريم إلى المساعدات الإنسانية. على سبيل المثال، تم تحويل المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وقد أبرز ذلك المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي الذي قال إن "سرقة الطعام من أفواه الجياع، في وقت يموت فيه الأطفال بسبب عدم وجود ما يكفيهم من الطعام. هو سلوك إجرامي، يجب أن يتوقف على الفور ". ومع ذلك، لا تقتصر الانتهاكات المنهجية والمنظمة للمساعدات الإنسانية على طرف واحد من هذا النزاع.


ضعف القيادة والحكم


على الرغم من أنّ انعدام الأمن والعنف أعاقا العديد من العمليات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، فإنّ مناطق أخرى مثل حضرموت، التي لم تتأثر نسبيًا بالحرب النشطة، شهدت نفس التدهور في وضعها الإنساني. من المحتمل أن يكون هذا نتيجة لضعف القيادة والحوكمة الصحية. من منظور تشغيلي، يُمكن لمحافظة حضرموت أن تلعب دورًا حيويًا في الاستجابة لاحتياجات ليس فقط سكانها ولكن أيضًا للمناطق الأخرى. حضرموت تحتوي على واحد من اثنين من المطارات الدولية العاملة في البلاد. علاوة على ذلك، لم تتضرر بنيتها التحتية (خاصة مرافق الرعاية الصحية) من جراء الحرب، مما يجعلها موقعًا محتملًا للتدخلات الطبية أو الإنسانية بما في ذلك الحالات المعقدة التي يتم إجلاؤها حاليًا من اليمن. ومع وجود قيادة أفضل، و إرادة سياسية، وضمان سلامة المستفيدين، يمكن أن تكون حضرموت مسرحاً استراتيجياً للتدخلات الطبية، حيث يُمكن للفرق الطبية الدولية والمحلية على سبيل المثال أن تتعاون لتقديم خدمات الرعاية الصحية المتقدّمة مثل العمليات الجراحية المعقدة أو حتى بناء قدرات الفرق المحلية من خلال التدريب الطبي.


"يُمكن لمحافظة حضرموت أن تلعب دورًا حيويًا في الاستجابة لاحتياجات ليس فقط سكانها ولكن أيضًا للمناطق الأخرى"


تغيير المجال الإنساني


على غرار النزاعات المسلحة الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يقدّم اليمن مثالًا آخر حيث لا تواجه الأمم المتحدة تحديًا فقط بسبب نقص التمويل أو عدم القدرة على الوصول أو عدم التعاون، ولكن الأهم من ذلك من خلال تفسير تفويضها الإشكالي للعمل من خلال `"الإطار الحكومي". لا تزال مشاركة المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني في تحديد أولويات استراتيجيات التدخل ضئيلة. من ناحية أخرى، فإنّ الدور المحتمل للقطاع الصحي الخاص يتم التقليل من شأنه. تم استبعاد مرافق الرعاية الصحية الخاصة من الدعم المقدم من المنظمات الدولية بما في ذلك الإمدادات والمعدات وفرص التدريب ذات الصلة. وبالتالي، لا يزال النمط غير المتكافئ في تقديم الرعاية الصحية سائدًا، لا سيما في المناطق الريفية.


لا يمكن التقليل من دور العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في مكان تكون فيه الوحشية بالحجم الذي شوهد في اليمن، لكن تفويضها - بالشكل الحالي - غير مناسب للتعامل مع ديناميات الصراع الحديثة، لا سيما مع الانقسام المتسارع بين الحكومات المركزية، أو مشاركتهم المباشرة في النزاعات المسلحة داخل حدودهم.


التوصيات والاستنتاجات


لفترة طويلة، تم التقليل من أهمية دور السكان المحليين أو تجاهله، مما أدى إلى زيادة التفاوتات الصحية. ربما يكون إعطاء صوت للمجتمعات المتضررة هو المفهوم الأكثر أهمية لتوفير الرعاية الصحية المثالية في مناطق النزاع المسلح. يجب أن تكون المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والفئات المهمّشة جميعها من صناع القرار في الاستراتيجيات قصيرة الأجل وطويلة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، يتم تعزيز دور القطاع الصحي الخاص بشكل أكبر، لا سيما أثناء حالات الطوارئ وتفشي الأمراض نظرًا لمساهمته في النظام الصحي. تعد مراجعة تفويض التدخلات الإنسانية للأمم المتحدة أمرًا بالغ الأهمية، لا سيما في مناطق الحرب، حيث تشارك بعض الحكومات بشكل مباشر في النزاع المسلح.


إقرأ أيضا: خيارات المجلس الانتقالي الجنوبي ما بعد سقوط مأرب


لا يوجد حل سهل لأزمة اليمن المدمّرة، ولكن كما هو الحال في الطب، فإنّ التشخيص الدقيق ضروري للإدارة المناسبة. إنّ وقف إطلاق النار والتمويل المخصص للعمليات الإنسانية أمران حاسمان لإخراج اليمن من الحلقة المفرغة المتمثلة في الضعف والهشاشة. ومع ذلك، فإنّ المحنة الإنسانية تتطلب نهجاً جديداً وشاملاً للنظر فيها. وهذا لا يشمل فقط معالجة التأثير المباشر للعنف ولكن أيضًا تأثير العوامل المؤسسية. سيؤدي عدم القيام بذلك إلى جعل أي حل علاجًا للأعراض بدلًا من العلاج الحقيقي.


- المصدر الأصلي بالإنجليزية: المجلة الصحية البريطانية (BMJ)، تم إعادة نشر هذه المادة من قبل خدمة إخبارية تابعة للأمم المتحدة
- عالجه ونقّحه للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا