التحليلات

سقطرى: منع الخصوم من تحويلها إلى «مأوى»

22-05-2021 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24 | قسم الترجمات


مع احتدام معركة مدينة مأرب، يُهدّد القتال للسيطرة على جزيرة سقطرى مرة أخرى بانقسام التحالف العربي، الداعم للرئيس عبد ربه منصور هادي، وإلغاء اتفاق الرياض. التوترات المُتجدّدة في أرخبيل خليج عدن، مُتجذّرة في الصراع السياسي بين الجنوبيين وحزب الإصلاح الإسلامي السُني إلى ما هو أبعد بكثير من الروايات عن "استيلاء" الإمارات العربية المتحدة على سقطرى.


وحيث إنّه من المرجح سقوط مأرب بأيدي المتمردين الحوثيين، يهدف الجنوبيون تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، في المقام الأول، إلى منع وصول حزب الإصلاح إلى الأراضي الجنوبية.


ظلّت جزيرة سقطرى، التي يُنظر إليها على أنّها منطقة استراتيجية على طول مسار خليج عدن في باب المندب ومنصة على القرن الأفريقي، مطمعاً بشدة من قبل القوى البحرية. تشير مراجعة الأرشيف البريطاني لليمن، إلى الخطط الأولية للبحرية البريطانية لمسح سقطرى بحثاً عن ميناء بحري مُحتمل قبل الهبوط في عدن في عام 1839. وبحسب ما ورد، منعت أنماط الطقس إنشاء ميناء في سقطرى، وأيضًا بناء أي أحواض من قبل السوفييت، لإنشاء ميناء خلال فترة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بين عامي 1967 و1989. واختارت موسكو في وقت مبكر قاعدة العند في محافظة لحح بالقرب من عدن، لتكون أكبر قاعدة جوية لها في المنطقة. 


منذ مطلع القرن، تبادل اليمنيون شائعات بأنَّ الولايات المتحدة مُهتمة ببناء قاعدة في سقطرى، وبحسب ما اُشيع، وافق صالح على بيع المنطقة. أخيراً، تضع الآراء الحالية حول الطموحات الإقليمية للإمارات، الحكومة الإماراتية على أنَّها آخر القوى المُهتمة بتأسيس قاعدة إنطلاق في سقطرى. 


كانت سقطرى تدار من قبل البريطانيين عبر سلطنة بن عفرار في المهرة وسقطرى، ثم من عدن خلال فترة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كجزء من حضرموت، والآن كمحافظة خاصة منذ ديسمبر 2013 بقرار من الرئيس هادي.


في الغالب، غذّت وسائل الإعلام المعادية للمجلس الانتقالي الجنوبي مزاعم استيلاء الإمارات على سقطرى. ولم تؤخذ الجزيرة الرئيسية في الأرخبيل كقاعدة عسكرية مُحتملة بعين الاعتبار لما يقرب من قرنين من الزمان، وتجعل أنماط الطقس الحالية الوصول الجوي إلى سقطرى غير متاح لأكثر من أربعة أشهر في العام. وتَعرف الإمارات، من بين دول أخرى، هذه العقبات، حيث كانت في طليعة الإغاثة بعد العواصف المدمرة. وقال سعيد بن ماجد، أحد سكان سقطرى، "تقود الإمارات عملية إعادة الإعمار في سقطرى في أعقاب الأعاصير المدمرة، مثل تشابالا وميج ومكونو، في السنوات الخمس الماضية فقط".


في بدايات عام 2018، أشعل الصراع بين المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيس الوزراء أحمد بن دغر اشتباكات في عدن. في النهاية، امتدّ الصراع إلى سقطرى. اندلعت الاحتجاجات في الجزيرة، وانخرط فيها أنصار المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة بن دغر، في معركة رفع العلم على سقطرى. وبينما توسّطت المملكة العربية السعودية لوقف إطلاق النار في عدن، ظلّت المواجهة في سقطرى، حتى تم استبدال رئيس الوزراء بن دغر في أكتوبر 2018، فيما بدا أنَّه تنازل لكلٍ من المجلس الانتقالي والإمارات العربية المتحدة. في نهاية المطاف، حوّل المجلس الانتقالي تركيزه إلى رمزي محروس، محافظ سقطرى المُعيّن من قبل الرئيس هادي، المُرتبط بالحزب الاشتراكي اليمني، لكن علاقاته مع قيادة حزب الإصلاح ظهرت كسبب رئيسي لمعارضة سلطته.


في الأساس، القتال من أجل سقطرى هو امتداد لجهود المجلس الانتقالي الجنوبي لإزالة جميع بقايا العناصر التابعة للإصلاح من المناطق الجنوبية. لقد تم تأطير هذا القتال على أنه حماية للجنوب من الجهات السياسية ذات التاريخ الطويل في استعداء سكان الجنوب، وتعزيز تواجد الإرهابيين في جميع المحافظات الجنوبية.


دور حزب الإصلاح في حرب 1994 ليس ما يستحضره الجنوبيون فقط، ولكن أيضًا في الآونة الأخيرة يستحضر سكان عدن الإصلاح بالقمع العنيف للاحتجاجات السلمية من قبل المحافظ وحيد رشيد بين عامي 2012 ومنتصف 2014. علاوة على ذلك، تعزّز هذا التصور عن الإصلاح من خلال أدلة على الأساليب التي استخدمها مسؤولو الإصلاح في عدن. فعلى سبيل المثال، في تموز / يوليو 2013، اعترف مسؤول رفيع المستوى مسؤول عن الحوار الوطني بأنَّ مسؤولي الأمن في عدن كانوا يعتقلون عن قصد نشطاء الحراك الجنوبي من الشباب في زنازن مشتركة مع أعضاء أنصار الشريعة، مما يُعرّض هؤلاء الشباب للتطرف والتجنيد من قبل إرهابيين معروفين.


صراع مع أعداء قدامى


ما يقرب من ست سنوات منذ تحرير عدن، وأربع سنوات منذ إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي، لا تزال القوى الجنوبية تشهد صراعاً وجودياً مع القوى الفاعلة القديمة، في المقام الأول مع الإصلاح. إنَّ معارضة دور الإسلاميين السنة داخل الحكومة الشرعية هي أساس مقاومة الجنوبيين التي تهدف إلى إعادة هيكلة مركز السلطة على الأرض وليس فقط في المجال السياسي.


منذ عام 2017، حاولت قوى من الحراك دق الإسفين وزرع الخلاف بين الرئيس هادي والإصلاح، لكن دون جدوى. كان الفساد وتهريب النفط وعدم دفع المرتبات في المحافظات الجنوبية محور اتهامات المجلس الانتقالي الجنوبي لأحمد بن دغر، ورئيس الوزراء الحالي، معين عبد الملك، وأعضاء الدائرة المقربة من الرئيس هادي والمنتسبين للإصلاح داخل الجيش الوطني. لا تزال سياسة المجلس الانتقالي الجنوبي في المعارضة والمقاومة تتبنى التقليص، إن لم يكن الطرد الكامل، للقوى السياسية الشمالية التقليدية والقديمة مثل الإصلاح من الجنوب.


بعد أن طردت قوات الحوثي-صالح في مايو 2015 من المحافظات الجنوبية، حوّلت القوات الجنوبية تركيزها إلى حزب الإصلاح الإسلامي السني، وهو شريك الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي تستضيف الرياض قيادته.

نشأت الشراكة، أو التحالف لتحقيق التوازن بين القوى السياسية مع الإمارات العربية المتحدة، من الهدف الأولي لطرد قوات الحوثي-صالح، وتوسعت لاحقاً لتشمل مصالح مشتركة أوسع عندما أصبحت المحافظات الجنوبية مسؤولية الإمارات داخل التحالف الذي تقوده السعودية لاستعادة الشرعية.


كما في حالة الجزيرة الرئيسية، ومع انعدام التنمية والاستقرار السياسي على الجزيرة منذ اندلاع الربيع العربي في عام 2011، تم تسهيل العلاقات بين سقطرى والإمارات العربية المتحدة وتعزيزها من خلال تقديم المساعدات. قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال مؤسسة خليفة، بتقديم المساعدات المنقذة للحياة لسكان الجزيرة شهريًا وقامت بإعادة تأهيل الطرق الرئيسية التي تضررت من جراء الأعاصير الأخيرة. ووفرت مؤسسة خليفة غاز الطهي المجاني، وافتتحت مدارس جديدة ودفعت رواتب 470 مُدرساً متعاقداً في المدارس العامة. كما قامت المؤسسة ببناء حوالي 480 مُجمعاً سكنياً للعائلات التي فقدت منازلها خلال الأعاصير، وإعادة تأهيل مطار سقطرى، وبناء وتجهيز مستشفى خليفة بن زايد، بحسب مسؤول محلي.


هذه العلاقات بين الإمارات وسكان سقطرى سهلت- بلا شك- دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، كامتداد للحراك ومعارضة لدور الإصلاح في الجزيرة. بينما كان المحافظ الذي عيّنه الرئيس هادي قادراً على حشد الدعم ضد التوغل المزعوم للجيش الإماراتي في الجزيرة، يرى السكان المحليون "المحافظ السابق رمزي محروس ووزير الثروة السمكية السابق فهد سليم كفاين رافون، بصفتهما قادة حزب الإصلاح في سقطرى، إلى جانب عيسى مسلم"، وفقًا لأحد السكان المحليين بسقطرى.


التموضع الإقليمي والعزل


مع استمرار القوات الحكومية الموالية لهادي في خسارة قوتها لصالح الحوثيين في مأرب، فإنَّ السقوط المحتمل لعاصمة المحافظة قد يؤثر بشدة على جغرافية الصراع. في حين أنَّ النظرة التقليدية لطموحات الحوثيين في مأرب تتمحور حول المكاسب الإقليمية والسيطرة على المصفاة ومحطة الطاقة، فإنَّ سقوط مدينة مأرب من شأنه أن يطرد عناصر الإصلاح من المناطق الشمالية. يعتقد الجنوبيون أنَّ القوات الموالية لهادي والحلفاء السياسيين لن يكون لديهم سوى مناطق في الجنوب كملاذ لهم.


منذ ست سنوات، كانت كل الأنظار على الحرب ضد المتمردين الحوثيين، في حين بقيت الصراعات الأخرى على الهامش. انخرط الحوثيون في جبهات المعارك في الحديدة وتعز في مواجهة القوات المتحالفة في السابق مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح وحزب الإصلاح، على التوالي. أدّى الجمود والفتور في المعارك في تعز إلى خلق معقل للقوات التابعة للإصلاح، ومن غير المرجح أن تحقق هذه القوات أي مكاسب ضد الحوثيين أو تفسح المجال أمام أتباعها لإعادة تجميع صفوفهم بعد مأرب. يدرك الجنوبيون أنَّ الانسحاب من مأرب يعني أنَّ القوات الموالية لهادي ستعيد تجميع صفوفها في شمال حضرموت أو شمال شبوة.


منذ عام 2018، اتسع الصراع بين المجلس الانتقالي والإصلاح من الاشتباكات في عدن إلى أبين وحضرموت وشبوة وسقطرى. في عدن، ركّز التعاون بين قوات الحزام الأمني- الموالية للانتقالي- والإمارات العربية المتحدة على مكافحة الإرهاب، الذي امتد إلى شبوة قبل انسحاب الإمارات من اليمن في يوليو 2019. المصالح المشتركة بطرد العناصر الإرهابية من قلب سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي (أبين، عدن، لحج)، عزّزت العلاقة مع الإمارات وأمّنت مزيداً من الدعم السياسي للمجلس حتّى توقيع اتفاق الرياض، مُعترفًا به كممثل شرعي لشعب الجنوب.


من خلال تعزيز موقعه في سقطرى منذ عام 2019، يهدف المجلس الانتقالي إلى حرمان حزب الإصلاح من اللجوء إلى الأراضي الحيوية الجنوبية إذا سقطت مأرب في أيدي الحوثيين. مع دفع الحوثيين للقوات الحكومية شرقاً وجنوباً يواجه الرئيس هادي مرة أخرى تحدياً جديداً، واعتماده على الإصلاح مُعرّض للخطر أيضاً. في الوقت نفسه، تُختَبر العلاقة بين السعودية والإمارات حول دور حزب الإصلاح. عزّز ظهور عناصر جديدة متحالفة مع القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والتي أبرزها وسلط الضوء عليها الحوثيون وقوات الأمن الجنوبية والمسؤولون الأمريكيون، آراء المجلس الانتقالي الجنوبي بشأن التهديدات الناشئة على طول المحافظات الجنوبية. يُنظر إلى غرب حضرموت على أنَّها مناسبة لتكون ملاذ آمن للعناصر الإرهابية، ويعتقد المجلس الانتقالي الجنوبي أنَّ السيطرة على سقطرى تحرم هذه الجهات من مزيد من الأراضي في جنوب اليمن.


- المصدر: مركز تحليلات الخليج في واشنطن: فرناندو كارفاخال، علي محمود

- تنقيح ومعالجة للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدارسات


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا