03-06-2021 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
في آخر الاجتماعات المنعقدة في العاصمة السورية دمشق والذي ضم مسؤولين من الجانب السعودي والسوري لمناقشة ملف تطبيع العلاقات الدبلوماسية ما بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري، لم يشكل الحدث مفاجأة للمحللين الذين كانوا يتابعون تطور العلاقات ما بين دول مجلس التعاون الخليجي وسوريا في السنوات الأخيرة. فقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين باستعادة العلاقات الرسمية مع نظام الرئيس بشار الأسد عام 2018، بينما قامت عمان بتعيين سفيراً لسوريا في العام المنصرم ولكن من دون أن تقطع العلاقات ابداً. تأتي هذه القرارات لعرض الموجة العامة في مجلس التعاون الخليجي (باستثناء قطر) لاستقطاب سوريا الى محيطها العربي دبلوماسياً. تواجد المملكة ضمن هذا التوجه الذي بدأ يصبح أمراً مُتفقاً عليه بين الحكومات العربية يعزز من الانتصار الدبلوماسي لنظام الأسد وداعميه، إيران وروسيا.
تحويل الديناميكية الإقليمية
مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات الإقليمية، لماذا تقوم دول الخليج باستعادة العلاقات مع نظام الأسد؟ وماهي آثار القرار إقليمياً ودولياً؟ أولاً، الحكام الإقليميون وصلوا إلى تفهم أن النظام السوري بقي على قيد الحياة وبالتالي عودة الارتباط مع النظام السوري يحمل اعتبارات استراتيجية كبيرة حول هذا الواقع الذي أصبحت كل دول الخليج (وحتى قطر) تستوعبه.
ثانياً، خلال السنوات الماضية من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، كان شعور التوتر يتزايد لدى المسؤولين السعوديين كما هو الحال لدى بقية المسؤولين في دول الخليج حول الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن أمني للمنطقة، وبالتبعية، قضت دول الخليج العربية سنوات من أجل تعزيز علاقاتهم بالجانب الروسي. وبشكل عملي قامت دول الخليج بتعزيز مشاعر الود لروسيا عن طريق سوريا وذلك لبناء علاقات أعمق مع موسكو. منذ عام 2015 عمل الروس بشكل مكثف لتملق ملكيات وسلطنات وإمارات دول الخليج من أجل قبول أمر واقع في سوريا وهو أن موسكو وطهران وحزب الله اللبناني لديهم تواجد واضح في سوريا.
روسيا تفضل أن ترى أعضاء مجلس التعاون الخليجي الذين لديهم صناديق ثروة هائلة، واحتياطي كبير للعملة الصعبة وأصحاب وصول لأسواق الائتمان العميقة كلاعب أساسي في إعادة إعمار سوريا، وهذا يتبلور بشكل أكبر حول حقيقة أن روسيا تفتقد هذا الكم من الموارد المالية لإعادة إعمار سوريا.
مع قول ذلك، فإنَّ النفوذ الروسي يجب أن لا يكون مبالغاً فيه. زعماء الخليج لديهم اهتماماتهم الخاصة والمكلفة إقليمياً حول مواقفهم تجاه سوريا، بعض هذه الدول الخليجية تخشى وبشكل حقيقي من فكرة حكم إسلامي لمرحلة ما بعد الأسد. نفس هذه الأجندة المناهضة للثورة تواجدت في عهد الربيع العربي وتم تطبيقها في مصر، تونس، والبحرين كما هو الحال بالنسبة لسوريا. الرياض وأبوظبي بشكل أخص بقيتا قلقتين من فكرة ان الثورات المطالبة بالديموقراطية قد تحفز الاخرين في مكانٍ آخر في الشرق الأوسط وبما فيها دول الخليج وبالتالي تهدد الوضع الراهن في المنطقة برمتها.
بما أن دول الخليج واجهت جماعة الإخوان المسلمين والإسلام السياسي عامةً، كانت الإمارات قد قادت دول الخليج نحو التغيير وعودة قبول شرعية الأسد. في الحقيقة، عندما تدخلت روسيا من أجل القضاء على داعش والجماعات المرتبطة بالقاعدة في عام 2015، قامت أبوظبي وبشكل رسمي بالترحيب بأفعال موسكو معقبة أن الروس يواجهون "عدو مشترك". كان الرد متناقضاً بالنسبة لدول الخليج الأخرى وبشكل رئيسي المملكة العربية السعودية وقطر التلان كانتا على خلاف مع الجانب الروسي في الملف السوري في تلك الفترة.
أما الآن فيبدو أنَّ السعوديين اصبحوا أكثر انفتاحاً تجاه توجه أبوظبي في سوريا. عندما ناقشنا خلال هذا الشهر التقارب السوري-السعودي كان قد قال "ريان بوهل" وهو محلل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشركة ستراتفور الأمريكية "أنني أميل إلى أن أرى عملية استنساخ لما يقوم به الإماراتيين في سوريا". أو كما يضعها الدكتور في جامعة ميشيغان خوان كول أن الإمارات "مهدت الطريق" نحو استعادة العلاقات السورية- السعودية.
أخيراً، العديد من دول الخليج تؤمن أنها إذا لم تغري سوريا بالعودة إلى رحاب العالم العربي فإن الإيرانيين والأتراك سيكثفون نفوذهم. تخشى السعودية أنَّ الإيرانيين سيكونون الخيار الأمثل لإخراج سوريا من عزلتها وهو ما يدفع الرياض الى الانخراط مع دمشق. في نفس الوقت فإن أجندات انقرة في مدينة ادلب وعمليات التوغل العديدة التي تقوم بها ضد وحدات حماية الشعب الكردية في الشمال السوري تثير قلق بعض دول الخليج والتي تقوم الأخيرة بوصف تركيا بالخطر "العثماني الجديد". "في نهاية المطاف، عدم التجانس والضعف العربي كان قد خلق فراغ في فضاء القوى التي أدخلت تركيا وإيران نفسيهما فيها" قال الدكتور جوشوا لانديس، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات في جامعة أوكلاهوما، "الطريقة الوحيدة لعكس ذلك هو إعادة بناء الوحدة والقوة العربية".
النفوذ الإيراني في التحول الى الدبلوماسية مع سوريا
في نهاية الأمر، سوريا هي عامل مهم في سياسة التحول الخارجي نحو الدبلوماسية للرياض، وهي نقطة نقاش مركزية في الحوار السعودي-الإيراني في بغداد. إذا كانت السعودية مستعدة أن تقبل شرعية نظام الأسد أثناء التقارب مع سوريا، هل إيران ستقلل نشاطها شبه العسكري في سوريا وتكبح جماح كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء ولواء فاطميون ولواء زينبيون؟
"على عكس العراق ولبنان، الإيرانيين أكثر مرونة الى حد ما عندما يتمحور التفاوض حول نشاطهم في سوريا" أوضح الدكتور أندرياس كريغ، محاضر في مدرسة الدراسات الأمنية في كلية كينجز اللندنية والكلية الملكية لدراسات الدفاع، "السعوديون يريدون التأكد من أن الإيرانيين لا يقومون بتوريد ودعم الاف المليشيات الشيعية في [سوريا]، لذلك هنالك أمر يحدق بخصوص الانخراط في هذا المسار."
محمد بن سلمان يريد أن يكون الوسيط القادر من واشنطن على أن يروج الاستقرار الإقليمي خلال انعقاد قمة العلا الخليجية في يناير المنصرم، وسوريا توفر الفرصة الفريدة لتحقيق ذلك. السعوديون على الأرجح سيعملون مع الإماراتيين والعمانيين وعلى الأغلب القطريين ضمن جهود الرياض لإغراء سوريا للعودة الى رحابها العربي على حساب النفوذ الإيراني في البلاد التي دمرتها الحرب.
عقوبات قانون قيصر تقيّد السعودية في سوريا
على الرغم من كل العوائد الملموسة التي يمكن جنيها من تقبل نجاة الأسد، فإن تطبيع العلاقات مع دمشق يحمل صعوباته بالنسبة للرياض. "السعوديون يريدون أن يكونوا جزءً من بناء المستقبل الجديد لكن قد يأتي بمخاطر عديدة وتخوفات خصوصاً وأن الأوربيين والأمريكان ليسوا على استعداد حتّى الآن لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وبالتالي عليهم المشي بحذر هنا" أضاف الدكتور كريغ. وبالتالي ستحتاج الرياض الى الموازنة على خط رفيع ما بين تحفيز دمشق للمضي نحو النفوذ الإيراني وذلك قد يحدث عندما لا تقوم بقبول نظام الأسد أو خلق المشاكل والتوترات في علاقة الرياض بالعواصم الغربية.
ما زال السعوديون يعون انَّ الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوربي لا يرحبون بهذه الموجة الجديدة في العالم العربي نحو تطبيع العلاقات مع حكومة الأسد. ومع أنّ المسؤولين الغربيين قد يكونون غير سعيدين بقرارات الرياض، إلا أنَّ إعادة افتتاح سفارة الرياض في دمشق يحمل اثاراً أرفع بكثير من توقيع اتفاقيات تبادل تجاري او توفير السلاح للجيش السوري او الاستثمار في الاقتصاد السوري.
أخيراً، خوف المملكة من إغضاب حلفاءها الغربيين قد يجعل المسؤولين السعوديين أقل سرعة وأكثر حذراً عند الانخراط مع نظام الأسد. بالإضافة إلى أنّ عقوبات قانون قيصر يُعقّد أي حوافز حقيقية من أجل تعميق العلاقات كونه يحجب الفرص التمويلية لعمليات إعادة الإعمار والتي من المرجح أن تقوم بها الرياض. بالنظر إلى الأمام فإن العلاقات السورية-السعودية، وكذلك السورية-الإماراتية ستكون على الأرجح علاقات غير اقتصادية وبشكل أوسع دبلوماسية، فيما لو واشنطن قامت تخفيف عقوباتها على دمشق.
جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لمركز تحليلات الخليج في واشنطن.
إليكساندر انجلو، محلل للسياسة الخارجية (منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)
معالجة للعربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات