07-06-2021 الساعة 3 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
بعد أكثر من عام ونصف على "اتفاق الرياض" الذي تم توقيعه في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، يجتمع الفرقاء في الرياض من جديد بدعوة من المملكة العربية السعودية لاستئناف المشاورات بشأن تنفيذ البنود العالقة في الاتفاق؛ منها الشقين "العسكري والأمني". وكان الاتفاق قد قضى بتشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2020، مكوّنة من 24 حقيبة وزارية، حصل فيها الجنوبيون على عدد 13 حقيبة من بينها خمس وزارات من نصيب المجلس الانتقالي الجنوبي، بينما حصل الشمال على عدد 11 وزارة، بالإضافة لمنصب رئيس الوزراء. جاءت حكومة المناصفة بعد جولة مفاوضات ثانية أكثر صعوبة، بسبب مواجهات عسكرية اندلعت بين الطرفين في محافظة أبين شرقي عدن في مايو/أيار 2020.
قد يكون اتفاق الرياض بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تريد أن تُثْبِت نفوذها في اليمن؛ حقق إنجازًا على المستوى السياسي بين حليفين رئيسيين مناهضين لجماعة الحوثي، من خلال تشكيل حكومة مناصفة على الأقل، لكنه فشل في تنفيذ بقية بنود الاتفاق المتعلقة بالشقين العسكري والأمني، وإن هدأت المواجهات العسكرية نسبياً بين الطرفين. أما بالنسبة للشرعية اليمنية التي يحتكر القرار فيها الرئيس هادي ونائبه علي محسن الأحمر؛ وحسب تعليقات متواترة حزب الإصلاح اليمني، بالنسبة لهؤلاء هو يعدّ فشلاً خاصةً وأنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي لم يقم بدمج وحداته العسكرية ضمن نطاق وزارتي الدفاع والداخلية؛ ولم تنسحب قوات الجيش الوطني التي يسيطر على زمامها بشكل كامل نائب الرئيس علي محسن الأحمر الحليف الاستراتيجي لحزب الإصلاح؛ كما يُفترض أن يتم تطبيقه بحسب الاتفاق.
وعلى النقيض من ذلك، يعتبر الانتقالي الجنوبي أنَّه قد حقّق خطوة مهمة ومتقدمة عبر اتفاق الرياض، بكونه أصبح شريكاً فاعلاً وأساساً في الحكومة المعترف بها دولياً، وهذا الأمر بمثابة نجاح مرحلي أدخله للمشهد الرسمي كطرف شرعي ضمن حكومة مناصفة شرعية، وهو ما يمكّنه تالياً من دخول مفاوضات الحل الشامل لإنهاء الحرب في اليمن بصورة رسمية، يحتفظ معها بمكتسباته السياسية والعسكرية والأمنية، خاصةً وأنَه لم يدمج الأخيريتين ضمن الحكومة، وبالتالي يُعتقد أن نقاطه التفاوضية في الحصول على استحقاقات سياسية بشأن الوضع في الجنوب ستكون أعلى، مقابل نقاط الشرعية التي بدأ نفوذها يتقلص مع سيطرة الحوثيين على أجزاء واسعة من محافظة مأرب وبقاء مساحة ضئيلة معها في تعز.
تزامن مع بدء استئناف مشاورات استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، تحركات دبلوماسية مكثفة بشأن اليمن، من خلال اللقاءات التي أجراها المبعوثان الأمريكي والأممي مع أطراف الأزمة، وآخرها لقاء وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك مع المبعوث الخاص للولايات المتحدة تيم لندركينغ، وذلك دعماً لعملية السلام في اليمن؛ ومناقشة أهمية استمرار دعم الحكومة اليمنية واستكمال تنفيذ اتفاق الرياض.
إضافة إلى ذلك، لقاء الحوثيين بالمبعوث الأممي مارتن غريفيث، بعد رفضهم لقاءه لأسابيع. يبدو، هنا، أنّ الضغوط الدولية والعقوبات الأمريكية التي فرضتها واشنطن على اثنين من القيادات العسكرية الحوثية وهما: محمد عبدالكريم الغماري، ويوسف المداني، لدورهما في قيادة التصعيد العسكري على مأرب والهجمات التي تستهدف المدنيين والنازحين، يبدو أنَّ هذه الضغوط دفعت بالحوثيين للقاء المبعوث الأممي أخيراً في مسقط وصنعاء، إلّا أنَّهم مازالوا يتقاعسون عن السعي لإيقاف إطلاق النار أو اتخاذ خطوات نحو تسوية الصراع حسب تصريح وزارة الخارجية الأمريكية الأخير.
تطور جديد برز مؤخراً؛ تمثّل في وصول وفد عماني إلى صنعاء لأول مرة للقاء زعيم الحوثيين وإقناع جماعته بوقف إطلاق النار؛ تمهيداً لبدء مشاورات للحل الشامل يحضّر لها المبعوث الأممي، هذا التطور يؤكّد جدية النوايا الإقليمية والدولية ومساعيها في وقف الحرب المستعرة لأكثر من 6 سنوات في اليمن.
غضب شعبي تجاه حكومة المناصفة
ميدانياً في الجنوب، شهدت عدن العاصمة المؤقتة للحكومة خلال الأشهر الماضية، موجة احتجاجات شعبية غاضبة، بسبب سوء الأوضاع المعيشية وتردي الخدمات الأساسية، وعلى رأسها "الكهرباء"، في الوقت الذي كانت تتصاعد فيه حدة الخلافات بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية. ذلك قبل عودة رئيس الانتقالي الجنوبي "عيدروس الزبيدي" إلى عدن، بعد غياب طويل شارك فيه البعض من أعضاء الحكومة، وسط تساؤلات عمّن يتحمل المسؤولية إذا كان الجميع عالقين ما بين الرياض وأبوظبي.
ليست هذه المرة الأولى حسب مراقبين؛ التي تبرز فيها مؤشرات على أنّ أطراف في الشرعية اليمنية تحاول توظيف ملف الخدمات في سياق الصراع السياسي المحتدم بين الحكومة والانتقالي الجنوبي، فهناك الكثير من الملفات العالقة والمتراكمة حتى من قبل تشكيل حكومة المناصفة. إذ عزا مراقبون اقتصاديون أن شبكات الفساد التي تنشط في قطاعات المشتقات النفطية والصرافة والعقارات والكهرباء وتمتد إلى كشوفات الرواتب العسكرية، كانت أحد أسباب تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في اليمن؛ إلى جانب استمرار العمليات العسكرية.
علاوةً على ذلك، إنَّ ضعف أداء الحكومة الذي رافقه عدم انعقاد مجلس الوزراء بصورة أسبوعية اعتيادية؛ كان بسبب عدم تواجد أعضاء الحكومة في عدن؛ إذ جرت العادة أن يعقد المجلس جلساته كل أربعاء من كل أسبوع في الظروف العادية، فكيف راهناً وبوضع استثنائي وتحديات اقتصادية وإنسانية صعبة؟ أضف لذلك، عدم حضور وزير الدفاع "محمد المقدشي" إلى عدن منذ تشكيل الحكومة وأدائه اليمين الدستورية في الرياض، كما لم يُسجل أن حضر أي من اجتماعات الحكومة التي عقدت في الرياض حتى وإن تصادف تواجده هناك، وهو دلالة على استقلالية وزارة الدفاع عن سلطة الحكومة التي باتت بعيدة عن صورة المشهد العسكري، وعن الجيش الوطني الذي يديره وزير الدفاع بإشراف مباشر من نائب رئيس الجمهورية.
وعلى نحو مماثل، كانت هناك وثائق قد سُربت عن اتهامات من وزير الأشغال العامة "مانع بن يمين" المحسوب على الانتقالي الجنوبي في الحكومة، لرئيس صندوق صيانة الطرق معين الماس؛ بسحب أموال وتحرير شيكات والتصرف بها دون علم الوزير، وباعتماد توقيع الماس وبتوجيهات أيضاً من رئاسة الوزراء ووزير المالية للبنك المركزي، لاستمرار الإجراءات المالية بدون موافقة وزير الأشغال. قد يبدو هذا شكلاً واحداً من أشكال الصراع على النفوذ داخل الوزارات بين أعضاء الحكومة ومراكز النفوذ خارجها. وتتجلى هذه الصراعات أكثر في الوزارات التي ذهبت إلى حصة الانتقالي الجنوبي، وخاصة منها الوزارات ذات الطابع الإيرادي. فتركة الفساد ثقيلة وهذا بحد ذاته يصعّب مهمة أعضاء المجلس الانتقالي داخل الحكومة.
وعلى مستوى تحمّل المسؤولية فيما يتعلق بتردي الخدمات؛ وإن كان الانتقالي يرمي المسؤولية على الحكومة باعتبار أنّ الإيرادات تورد للبنك المركزي، إلا أنّ باستطاعته ومجموعة من أعضاء الحكومة تقديم مقترحات لمجلس الوزراء لإقرارها؛ تتعلق بتحسين الخدمات في عدن ومعالجة الأوضاع الاقتصادية فيها وباقي المحافظات المحررة في الجنوب والضغط لإصدار قرارات من المجلس أو رئيس الوزراء حتى في حالة عدم انعقاد جلسات مجلس الوزراء.
فيما يتعلق بهذا الشأن أيضاً، كانت هناك أنباء متواترة عن استعدادات لاتخاذ مدينة سيئون في محافظة حضرموت؛ كعاصمة مؤقتة عوضاً عن مدينة عدن، في نوع من الترويج والتهيئة لأن تكون سيئون مقراً مناسباً لرئيس الحكومة وأعضائها وبقية مسؤولي سلطات الدولة الثلاث. غير أنَّ هذا الأمر مثّل للانتقالي الجنوبي خياراً غير مقبولاً، عكسته الدعوات المتكررة من رئيس مجلسه "عيدروس الزبيدي"، لسرعة عودة الحكومة إلى عدن لأداء مهامها في تحسين الخدمات ومعالجة الاختلالات ومكافحة الفساد.
ويبدو أنَّه على الرغم من أنّ نقل العاصمة من عدن لسيئون؛ قد يكون سبباً لتحفيز الانتقالي الجنوبي لرفع سقف مطالبه على طريق استعادة الدولة وإعلان عدن عاصمتها، نظراً لتمسكه بمشروعه الوطني في استعادة دولته الجنوبية- التي دخلت وحدة مع اليمن الشمالي عام 1990، غير أنّ اتخاذ عدن كمقر للحكومة أمر مُلزِم حسب اتفاق الرياض الرامي لتوحيد الجهود الاستراتيجية مع التحالف العربي في حربه ضد الحوثيين لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن، رغم محاولة قوى في الشرعية اليمنية تعطيل الاتفاق وتأجيج الغضب الشعبي ونشر الفوضى، الأمر الذي سبب انحسار التأييد الشعبي للحكومة بشقيها.
تحريك ورقة القاعدة
ليست ثمة مبالغة في القول إنّ قيود "اتفاق الرياض" بالنسبة لأطراف في الشرعية اليمنية، وخفوت المواجهات العسكرية بين المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات تتبع الجيش الوطني في شبوة وأبين، سمح بازدهار نشاط تنظيم القاعدة من جديد، خاصة وأنَّ أغلب هجمات التنظيم مؤخراً كانت موجّهة نحو الانتقالي الجنوبي، وذلك عبر استهداف نقاط أمنية تتبع الحزام الأمني في أبين، وكذا استهداف مقر التحالف العربي الذي تتواجد فيه القوات الإماراتية بمنشأة بلحاف في محافظة شبوة، بالإضافة لمحاولة اغتيال وزير الخدمة المدنية عبد الناصر الوالي أحد أبرز وزراء الانتقالي الجنوبي، فضلاً عن التحريض العلني والصريح من زعيم تنظيمها خالد باطرفي، ضد القوات الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.
يتزامن نشاط القاعدة مع حملة تحشيد إعلامية غير مسبوقة من قبل أطراف في الشرعية اليمنية تتصدرها قنوات فضائية مموّلة من حزب الإصلاح اليمني- فرع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، تحمّل الانتقالي الجنوبي مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية في العاصمة عدن، في مسار يتوازى مع الحملة العملياتية لتنظيم القاعدة في أبين وشبوة.
هذه المعادلة المتجانسة ربما تظهر الترابط بين تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين فرع اليمن، التي يحاول الأخير فيها توفير الغطاء لتحركات العناصر المنتمية للقاعدة مؤخرًا، وإسناد المهام القتالية لها ضد القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي. فالعلاقة العملية بين الإخوان والقاعدة قديمة ومتداخلة. سبق وارتبط علي محسن الأحمر الشخصية الأكثر تأثيراً داخل الجيش بعلاقة قديمة في الثمانينات بتنظيم القاعدة منذ مشاركته في التحشيد لحرب أفغانستان واحتضان قواته في صنعاء "الفرقة الأولى مدرع" كثير من الأفغان العرب الذين أصبح بعضهم ضمن دائرة الضباط المقربين منه. وقد يبدو مناسباً لحزب الإصلاح، الذي يرتبط بعض أفراده بالجماعتين، تحريك هذه الورقة لتشتيت قوات المجلس الانتقالي نتيجة رفض جماعة الإخوان المتنفذة في الجيش الوطني سحب قواتها من محافظتي أبين وشبوة وإعادتها إلى معسكراتها الأصلية في مأرب بالدرجة الأولى، وأيضاً لرفع الحرج عنها إذا ما واجهت الانتقالي بصورة مباشرة، خاصة وهي ملتزمة افتراضياً ببنود اتفاق الرياض.
المتوقع والمأمول من المفاوضات
يتخذ الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي المكثّف حالياً مسارين متوازيين، مسار يستكمل تنفيذ بنود اتفاق الرياض بين طرفي الشرعية والانتقالي برعاية سعودية، ومسار آخر برعاية أممية وأمريكية وجهود عمانية يتفاوض مع الحوثيين بشأن وقف إطلاق النار وانخراطهم في العملية السياسية لتحقيق السلام. مُحصّلة التحركات الدبلوماسية قد تتضاءل؛ ويتصاعد مقابلها مواجهات عسكرية إذا ما تعنّت الحوثيون في الاستجابة لجهود السلام الدولية، خاصة بعد الهجوم الصاروخي الأخير على مأرب الذي أودى بحياة 15 مدنياً، وإذا ما حاولت أيضاً أطراف أخرى في الشرعية إفشال المشاورات المتعلقة باستكمال تنفيذ اتفاق الرياض.
بالنسبة للحكومة التي زار وزير خارجيتها "بن مبارك" مسقط مؤخراً، فهي تأمل استمرار الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب والجلوس على طاولة مفاوضات لإحلال السلام في اليمن حسب تصريحاتها المتكررة، رغم بعض العثرات التي تواجهها من أطراف نافذة في الشرعية جعلت الملف العسكري وملف مشاورات السلام محصوراً بيد أشخاص محدودين في رئاسة الجمهورية. كما أنّ أحمد بن مبارك هو نتيجة لقرار الرئيس اليمني، الذي عيّنه ضمن الوزارات السيادية الأربع داخل الحكومة، وبالتالي أصبح ممثل الرئاسة اليمنية داخل هذه الحكومة.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي فهو يأمل على أقل تقدير بتشكيل وفد تفاوضي مشترك، من منطلق شرعية سياسية تخوّله المشاركة ضمن حكومة معترف بها دولياً، وإنجاز أي خطوات من شأنها إنعاش اتفاق الرياض. وقد أبدى الانتقالي في ذلك مرونة مع أطراف في الشرعية وبشكل إيجابي ينسجم مع جوهر الاتفاق. ما لم، فيعتقد أنَّه قد يمضي نحو خطوات أخرى أحادية الجانب بعيداً عن اتفاق الرياض وضغوطات التحالف العربي. وقد كان للمجلس تجربة سابقة في ذلك من خلال إعلانه الإدارة الذاتية، في أبريل 2020 التي تخلى عنها لاحقاً، وفقا لآلية التسريع السعودية.
أمّا الحوثيون، فعلى الأرجح سيرضخون للضغوطات الدولية، خاصة وأنهم أضاعوا فرصاً كثيرة للسلام، الأمر الذي يشكّل لهم وضعاً حرجاً أمام المجتمع الدولي الذي يوجّه رسائل شديدة اللهجة تتهمهم بعرقلة جهود السلام، في حين يطالب بعض أعضاء الحكومة الشرعية إعادة إدراج الحوثيين ضمن "قوائم الإرهاب" الدولية، وملاحقة قياداتهم باعتبارهم "مجرمو حرب".
في نهاية الأمر، قد يشكّل اتفاق الرياض الخطوة الأولى الممهِدة للحل. كما أّ تجاوز تحديات الاتفاق إلى جانب تكثيف مشاورات السلام مع الحوثيين، من شأنه إيجاد صيغة حل نهائية للحرب في اليمن.
زميلة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في الشؤون السياسية
- الصورة: من اليسار، رئيس الانتقالي عيدروس الزبيدي، رئيس مجلس النواب سلطان البركاني، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الرئيس اليمني هادي، ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر. توقيع اتفاق الرياض 5 نوفمبر 2019 (إعلام سعودي)
قبل 3 أشهر