03-07-2021 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم الترجمات
بعد عقد من اندلاع الحرب الأهلية السورية، تواصل روسيا وإيران السيطرة على المشهد الجيوسياسي للبلاد. يدعم النفوذ الروسي وجود قاعدتين بحرية لها في طرطوس وحميميم، فضلاً عن قدرتها على تنفيذ ضربات جوية حاسمة ضد الرئيس السوري بشار الأسد. من جهة أخرى يتوقف النفوذ الإيراني على الوجود العسكري المكثف للحرس الثوري في شرق وجنوب سوريا، والذي يكمله حزب الله وشبكة واسعة من الوكلاء الشيعة المتحالفين مع الأسد. فبينما يظلّ روسيا وإيران شريكين عسكريين ودبلوماسيين في سوريا، من غير الواضح ما إذا كان هذا الاصطفاف سيستمر في مرحلة إعادة الإعمار المفترضة بعد الصراع، أو ما إذا كان سيمتد إلى صراعات أخرى في الشرق الأوسط مثل اليمن.
تطور التعاون الروسي الإيراني في سوريا
عندما اشتدّت الاحتجاجات في درعا وتحوّلت إلى حربٍ أهلية في سوريا عام 2011، بدأت آفاق التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران في سوريا ضئيلة. ففي يونيو 2010 صوتت روسيا لصالح قرار مجلس الأمن رقم 1929، الذي فرض عقوبات متعددة الأطراف على إيران. بينما كان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد يرفع في الوقت نفسه دعوى قضائية ضد روسيا لخرقها عقد تسليم صفقة الصواريخ الدفاعية "إس-300" لإيران. تصادم حينها موقف روسيا الحذر المضاد للثورات العربية في تونس، ومصر، وليبيا، والبحرين مع دعم إيران لانتفاضات الربيع العربي ضد الأنظمة الموالية لأمريكا في الشرق الأوسط، وخصمها القديم معمر القذافي.
بسبب هذا الخلاف بين روسيا وإيران، كان الاصطفاف بين البلدين في سوريا فعالاً إلى حد كبير خلال العامين الأولى من الحرب السورية الأهلية. حيث نظرت إيران إلى سوريا كشريك مقاوم للأزمات في العالم العربي، والذي وقف إلى جانب طهران خلال حربها مع العراق طيلة السنوات من 1980 إلى 1988، حينها نشر الحرس الثوري الإيراني أعداداً كبيرة من القوات نيابة عن الأسد في عام 2013. أيضا كانت روسيا قد اعتبرت سوريا على أنَّها العمود الأخير المتبقي من نفوذها في الحقبة السوفيتية في الشرق الأوسط وبوابتها إلى البحر الأبيض المتوسط، لكنَّ تجربتها التاريخية مع عائلة الأسد أعادت ذكريات الاصطفاف والخلاف العميق. فقد كانت الرابطة الفكرية الرئيسية بين روسيا وإيران تمنع تغيير النظام المدعوم من الولايات المتحدة في سوريا، حيث كان كلا البلدين ينظران إلى التدخلات العسكرية بقيادة الولايات المتحدة في جمهورية كوسوفو والعراق وليبيا على أنها تهديد للأمن الدولي.
من جانبها وسعّت روسيا تعاونها الدبلوماسي مع إيران من خلال دعم وجود طهران في محادثات جنيف التي توسطت فيها الأمم المتحدة بشأن سوريا في يناير 2014. ومع ذلك كانت روسيا لا تزال قلقة بشأن التعاون الاستراتيجي مع إيران في سوريا، حيث أرادت تصوير نفسها على أنها مجرد "وسيط نزيه" بين بشار الأسد والمعارضة السورية. وذلك بعد أن تغيّرت وجهة نظر روسيا عن إيران خلال مشاورات قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مع المسئولين الروس في يوليو 2015، فقد حذّر سليماني من أنَّ الأسد على وشك فقدان السلطة وأنَّ المعارضة السورية قد تحتل ساحل البحر المتوسط في سوريا. كل هذا مهَّد لروسيا الطريق لشن أولى ضرباتها الجوية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في سبتمبر 2015، والتي عزّزت في نهاية المطاف قبضة الأسد على السلطة.
روسيا وإيران: شريكان أم متنافسان ما بعد الصراع في سوريا؟
اتفقت إيران وروسيا على توزيع جهودهما في سوريا منذ 2015، حيث لعبت قوات الحرس الثوري الإيراني دوراً حاسماً في انتصارات الأسد في حلب، ودرعا، ودير الزور، وأقامت معاقل في جنوب سوريا، لكنها لعبت دوراً هامشياً في إدلب، وفي مقاومة التوغلات العسكرية التركية في شمال سوريا. بدورها استكملت روسيا عمليات نشر قوات الحرس الثوري الإيراني من خلال الدعم الجوي والمقاتلين العسكريين في مجموعة "فاغنر" التابعة لروسيا، الذين قدّموا دعماً لوجستياً وقوةً بشرية إضافية للجيش السوري. كما استخدمت روسيا دورها القيادي في محادثات أستانا للسلام في سوريا، والتي ضمت إيران وتركيا كرعاة للحوار السوري، واستخدمت أيضاً علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل ودول الخليج؛ وقدرتها على استخدام الفيتو في مجلس الأمن لتعزيز شرعية الأسد. ومن أجل استكمال هذه الحملات الدبلوماسية، استفادت روسيا من وسائل إعلامها الحكومية الناطقة باللغة العربية "روسيا اليوم" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتبييض جرائم حرب الأسد، وتسليط الضوء على مساهمات إيران في مكافحة الإرهاب في سوريا.
بمجرد دخول الحرب الأهلية السورية مرحلة إعادة الإعمار "ما بعد الحرب''، ستستمر روسيا وإيران بشكل شبه مؤكّد في دعم عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وتقويض "قانون قيصر لحماية المدنيين" الذي أقرّته الولايات المتحدة الأمريكية [بغرض فرض عقوبات على الجهات التي تدعم بشار الأسد] ولمنع المستثمرين الأجانب من إبرام العقود المتعلقة بإعادة إعمار سوريا. ومع ذلك يمكن أن تؤدّي عملية إعادة إعمار سوريا إلى تفاقم الخلاف بين روسيا وإيران من ناحيتين:
أولاً: تميل روسيا أكثر بكثير من إيران لدعم الإصلاح الشامل لقطاع الأمن في سوريا، لأنَّها تعتقد أنَّ الأسد يعتمد بدرجة أقل على السلطة الشخصية لجذب الاستثمارات الأجنبية. يمكن لهذه الآراء المتناقضة حول ضرورة إصلاح قطاع الأمن السوري أن تحفز روسيا على تعزيز تحالفاتها مع إيران لتعميق روابطها مع هيئات المخابرات العسكرية والجوية. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الحالة المضطربة أصلاً للعلاقات المدنية العسكرية في سوريا. فقد يؤدّي الوجود المتزايد لقوات الأمن الروسية والإيرانية في سوريا، والتي تسعى إلى تحقيق أجندات متباينة، إلى زيادة حدَّة الخلافات بين موسكو وطهران بشأن إصلاح قطاع الأمن السوري.
"في اليمن يظهر اتجاه مماثل للتعاون الروسي الإيراني بينما يتركز خلافهما حول قضية نهاية الحرب في اليمن"
ثانيًا: قد تتنافس روسيا وإيران على إبرام عقود إعادة الإعمار في سوريا. مما يؤدّي إلى التفوق الروسي المبكر على حساب إيران للحصول على عقود في قطاعات العقار وتعدين الفوسفات والطاقة في سوريا مما سيحدث احتكاكات دورية مع إيران. نظراً لأنَّ التدخل العسكري الإيراني في سوريا كلفها 30 مليار دولار وتكلف الضربات الجوية الروسية 4 ملايين دولار يومياً، فإنَّ رغبة روسيا وإيران في تعافي العملة يمكن أن تؤدي إلى تفاقم هذه التوترات ما بعد الحرب.
في حين أنَّ خلافات روسيا وإيران بشأن سوريا من غير المرجح أن تعرّض شراكتهما الواسعة للخطر، إلا أنَّها تشير إلى أن الأزمات الإقليمية قد تظهر فيما بعد، ففي اليمن يظهر اتجاه مماثل للتعاون الروسي الإيراني بينما يتركز خلافهما حول قضية نهاية الحرب في اليمن. فقد كانت روسيا وإيران قد انتقدتا التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن منذ مارس 2015، ورفض كلا البلدين قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يفرض عقوبات على الحوثيين. ومع ذلك تعترف روسيا بالرئيس عبدربه منصور هادي باعتباره الممثل الشرعي الوحيد في اليمن. وهذا يتناقض مع السياسة الإيرانية التي تضفي الشرعية على سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، والتي انعكست من خلال تعيين حسن إيرلو سفيراً لإيران في اليمن عند الحوثيين في صنعاء.
فبينما يهدف بشار الأسد إلى استعادة السيطرة على إدلب وإخفاء هيمنة نظامه على شمال سوريا، ينتقل التحالف العسكري الروسي الإيراني في سوريا إلى شراكة تنافسية. قد يؤدي هذا الاتجاه إلى تكريس المزيد من الاهتمام الروسي الإيراني بالقضايا على المستوى الكلي، مثل إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة حول البرنامج النووي الإيراني (JCPOA)، ومكافحة العقوبات الأمريكية أحادية الجانب، وتقسيم الخلافات المتزايدة بشأن سوريا واليمن في الأشهر المقبلة.
صموئيل راماني، دكتوراه في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أكسفورد.
- المصدر بالإنجليزية مركز LCE للشرق الأوسط (النص الأصلي)
- معالجة وتنقيح إلى العربية: مركز سوث24 للأخبار والدراسات
الصورة: أنصار الحكومة السورية في دمشق وهم يلوحون بالأعلام السورية والروسية والإيرانية (رويترز)