05-07-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ورقة تحليلية
إن أكثر معضلة يمكن أن تواجه الأطراف المتنازعة في اليمن، تكمن في كيفية ترتيب مواقعها السياسية بعد إيقاف الحرب. وتشكّل التسوية السياسية التي تبذل القوى الإقليمية والدولية جهداً في العمل عليها؛ أحد المشاغل الرئيسية في الفترة الحالية.
وعلى ضوء الحاجة الملحّة لإيقاف الحرب، تتبنى المملكة العربية السعودية مباحثات نحو استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، رغم توتر الأوضاع في الداخل بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، إثر اشتباكات في أكثر من منطقة، منها التصعيد في محافظة أبين بين قبائل مديرية لودر وقوات الحزام الأمني من جهة، وقوات هادي المسيطر على قرارها حزب الإصلاح من جهة أخرى، والذي نتج عنه سقوط قتلى ومدنيين؛ نتيجة قصف قوات هادي وما تنفذه من اقتحامات عسكرية منذ أيام في المحافظة. فضلاً عن التوتر الذي سبقه في محافظة شبوة نتيجة تعرض ساحة تظاهر في عبدان كان يفترض أن يقيم الانتقالي الجنوبي فيها فعاليته، تعرضها لاقتحام واعتقالات من قبل قوات هادي. وهو الأمر الذي يعد مخالفة صريحة في طريق استكمال الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض، والذي نصّت مرحلته الثانية على انسحاب القوات العسكرية من محافظتي حضرموت وشبوة اللتين يهيمن على أجزاء منها حزب الإصلاح، وهو ما لم يحدث بسبب التصعيد الذي تختلقه القوى العسكرية الموالية للأخير. إذ يبدو أنها استراتيجية من أجل كسب مزيد من الوقت لصالحها في التفاوض.
حتى الآن، لم تتضح معالم عن اتفاق لشكل الحل النهائي في اليمن؛ رغم المؤشرات الواعدة في الديناميكيات الإقليمية والدولية، خاصة بعد ورود أنباء عن تعيين الدبلوماسي السويدي هانز جرندبيرغ، مبعوثاً خاصاً إلى اليمن. بيد أن جهات عديدة تطرح فكرة (المجلس الرئاسي) كهيكل حوكمي لفترة انتقالية، وتروّج له كحل سحري؛ يمكن لفرقاء الأزمة من خلاله الخروج بصورة طائر الفينيق اليمني الذي ينبعث من جديد.
واقع الحال يشير إلى، أن مهمة الانتقال السياسي ليست سهلة كما يصورها البعض، فالقوى السياسية والعسكرية تواجه تعقيدات صراع تاريخية وراهنة، فضلاً عن تداخل هذه التعقيدات مع مصالح دول الإقليم والقوى الدولية الكبرى، التي لها مصلحة في تأمين موقع اليمن الجيواستراتيجي. إذ يفترض طرح حلول أكثر واقعية ومنطقية، لأن البعض قد يرى في هذا الأمر رغبة في تحقيق انتصار ظاهري مؤقت؛ وهروب من التعامل مع الوقائع على الأرض.
فضلاً عن أن تاريخ المجالس الرئاسية في اليمن لم يكن نموذجاً ناجحاً، على مستوى الشمال والجنوب قبل الوحدة وما بعدها، إذ أن الصراعات استعرّت فيها عسكرياً وسياسياً بالدرجة الأولى، كيف الآن وقد تطورت ليضاف إليها الصراع العقائدي والمذهبي؛ الذي مزّق النسيج الاجتماعي وبات من الصعب ألا يستمر منقسماً. في حين يتطلب توفير خطوات تسبق مثل هذا الإجراء الانتقالي كمصالحة وطنية مثلاً، وتحقيق إجماع وموافقة نسبية من جميع الأطراف بتوفير ضمانات لازمة لذلك، وطرح محددات لبناء الثقة بين الأطراف، وتسوية ملفات حقوق الإنسان والانتهاكات، والاتفاق مع الجنوبيين على إطار سياسي وزمني لحل القضية الجنوبية بشكل جذري.
إضافة لذلك، يمكن أن تنذر أولى عقبات المجلس الرئاسي في المسألة الأهم، وهي دمج القوات العسكرية والأمنية، وهذه معضلة واجهتها الأطراف المناهضة لمعسكر الحوثي، أثناء استكمالها تنفيذ بنود اتفاق الرياض المتعلقة بالشقين العسكري والأمني؛ خاصة في ظل ممانعة أطراف في حكومة هادي الوصول لحلول جادة، وهو ما برهنه التصعيد العسكري الأخير من قبلها في شبوة وأبين، الذي كشف عن نوايا عدائية بدا إصلاحها شبه مستحيل، في ظل استمرار الخروقات العسكرية للتهدئة. يمكن الإشارة أيضاً في جدلية صعوبة الدمج العسكري، إلى الرد السلبي على عرض مشاركة قوات طارق صالح في معركة تحرير مأرب من قبل قيادات في الجيش الوطني؛ الذي عزاه مراقبون إلى الرغبة في إدماج قوات طارق ضمن النطاق العملياتي للجيش، وهو الأمر الذي رفضه طارق رغبةً في أن تبقى القوات تحت قيادته المباشرة.
بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول أن مسألة الدمج للقوات العسكرية والأمنية إذا لم تتحقق الآن ضمن إطار طرفين مازالا يتبادلان الاتهامات والبيانات الاستفزازية فيما بينهما حتى اللحظة، كيف ستتحقق لاحقاً وهناك أربعة أو خمسة أطراف في معادلة التسوية الموسومة بمجلس رئاسي واحد، يجمع كل هؤلاء الفرقاء بما فيهم الحوثيين وقواتهم العسكرية.
هذه المقاربة للحل، تدل على أن هناك ارتداد محتمل للقتال مجدداً؛ أكبر بكثير مما إذا انتهت الحرب بانتصار كامل لصالح طرفٍ ما، لأن أطراف النزاع اليمنية مازالت تمتلك قوات عسكرية متكافئة فيما بينها تقريبا.
غير ذلك، بقاء انقسام القوات العسكرية التابعة لكل طرف بهذا التوزيع، تعكس حالة الانقسام السياسي الحاد، وهو الأمر الذي سيمهد مع الوقت إلى اللجوء للقوة العسكرية لتسوية الخلافات السياسية، كما حدث في حرب 1994، إلى جانب ما يحدث اليوم. بمعنى في كلتا الحالتين سواء حاول المجلس الرئاسي المفترض؛ دمج القوات أو لم يحاول؛ على الأرجح أن الوضع العام سيتطور بشكل أخطر مما هو عليه الآن.
ليست ثمة مبالغة في القول، أن المجلس الرئاسي سيكون عبارة عن متاهة جديدة لفترة انتقالية مفتوحة، يمكن أن تتسبب بالمزيد من النزاعات المسلحة؛ لعدة أسباب جوهرية سيرد ذكرها.
وعلى نحو مماثل، ينظر الجنوبيون لحلول مرحلية كهذه بنوع من الحذر، إذ يمكن أن تعقّد المشهد السياسي والعسكري بصورة أكبر مما هي عليه راهناً من وجهة نظر الكثيرين منهم. وقد كانت تجربة المجلس الرئاسي الذي أعقب الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية عام 1990، وما نتج عنها من حرب مدمرة في 1994. أحد الدروس المستفادة، إذ كانت أولى مراجعاتها هو في عدم قدرة الجنوبيين على التصالح مع وقائع نتائج حرب هي الأقسى في ذاكرتهم الجمعية.
وهذا يقودنا لسؤال آخر، عن كيفية بناء مجلس رئاسي على أنقاض دولة فاشلة عجزت عن القيام بوظائفها العامة، كيف بوظائفها الأخرى من أمنية وعسكرية؟ في الوقت الذي من المفترض أن يتم إفساح المجال لحلول وفرضيات أخرى ممكنة.
على هذه الخلفية، يمكن القول أن معظم القوى الجنوبية بما فيها الفصائل التي لا تنضوي تحت مظلة المجلس الانتقالي الجنوبي، الكيان السياسي الذي يمثل القاعدة الشعبية الأوسع في الجنوب، معظمها تطالب باستقلال الجنوب، وإن اختلفت مع الانتقالي الجنوبي في بعض التفاصيل، بيد أنها لا تختلف معه في إنشاء دولة مدنية فيدرالية مستقلة؛ وهذا يعيدنا إلى ما سبق وأشرنا إليه عن ضرورة الاتفاق مع الجنوبيين على إطار سياسي وزمني لحل القضية الجنوبية بشكل جذري؛ قبل الشروع في وضع إطار لحل سياسي ينهي الحرب وتنشأ عنه سلطة انتقالية في أي قالب؛ سواء الاتفاق على رئيس توافقي أو تشكيل مجلس رئاسي.
في ضوء هذا الواقع، يريد الجنوب ضمان أمنه بعد تحديد مصالحه، فهو لا يريد السيطرة على مساحات جغرافية في الشمال أو الوصول إلى صنعاء بالقدر الذي تريده الأطراف الشمالية الأخرى، بل يريد الحفاظ على مكتسباته السياسية والعسكرية على أرضه والتفاوض على أساسها. وإن تم أخذ المجلس الانتقالي الجنوبي كمثال؛ لما يشكله من موقع قوة جنوبية اليوم، فهو يريد أن يكون طرفاً أساسياً في صياغة أي حلّ قد يجري العمل عليه، من منطلق قضيّته الأساسية، ضمن أي ترتيبات قد يتمّ التوصّل إليها في حال نجحت الجهود في وقف الحرب والدخول في مسار سلام.
بالتالي الحديث عن تشكيل مجلس رئاسي في مرحلة انتقالية لاحقة، غير عملي وأقرب إلى أن يكون غير مقبولاً لدى قوى سياسية عديدة في جنوب اليمن. إذ كيف تتساوى أطراف سياسية مع أطراف أخرى في مجلس رئاسي واحد، وهي لا تحاكي التوافق أو تتوازى مع بعضها البعض في نقاط القوة؟ وقد استعرض مركز سوث24 مستويات قوة وضعف الأطراف المعنية في ورقة سابقة. [1]
المواقف المتوقعة: رئيس توافقي أم مجلس رئاسي
الحوثيون: مجلس رئاسي
يفترض أن انتهاء التسوية السياسية بتشكيل مجلس رئاسي؛ يضمن حلًا مناسبًا للحوثيين لعدة اعتبارات؛ أهمها أن المجلس الرئاسي لن يملك السلطة الدستورية لطلب التدخل الخارجي حال الانقلاب نظراً لاشتراط قراراته لصبغة التوافقية التي هم جزء منها؛ والسبب الآخر أن كافة الأطراف المتصارعة لن تقبل برئيس توافقي ينتمي للحركة الحوثية؛ كما لن يضمن الحوثيون انسجاما بينهم وبين رئيس توافقي لم يسبق له أن سجل موقفا مؤيدا لجماعتهم.
لذا فالمجلس الرئاسي هي أقرب الحلول موائمة للحركة الحوثية؛ ونلاحظ أن تشكيل جماعة الحوثي لمجلس سياسي أعلى عام 2016، في فترة تحالفهم مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح قد شابته خلافات مهمة بينهما؛ أبرزها رئاسة المجلس (رغم أن الاتفاق كان بين طرفين متحالفين حينها)، لذا قرر الطرفان آنذاك رئاسة المجلس السياسي بينهما بالتناوب ابتداء بالحوثيين الذين صمموا على التعجيل بتنفيذ الشق العسكري من الاتفاق بدمج قوات الحرس الجمهوري المولية للرئيس صالح تحت أمرتهم بقيادة عبدالخالق الحوثي؛ دون تنفيذهم بقية البنود السياسية للاتفاق؛ ما أدى في نهاية المطاف إلى انقلابهم على حليفهم؛ فيما لم يتمكن المؤتمر الشعبي العام الذي يراسه صالح من تولي رئاسة المجلس حتى الآن. ومن هنا يمكن القول أن تشكيل مجلس رئاسي هو أقرب الحلول المناسبة للحوثيين وأكثرها إمكانية للانقلاب عليه لاحقا بالنسبة لهم.
الرئيس هادي: رئيس توافقي
بات الجميع موقنون أن الرئيس هادي هو الطرف الذي لن يترتب له وضعاً سياسياَ بعد التسوية؛ ويبدو أن هادي نفسه مقتنع بهذا الأمر، لاعتبار أن التسوية التي تُبنى الآن تمهد لمرحلة انتقالية جديدة وليست تسوية لاستئناف المرحلة الانتقالية التي يرأسها؛ ولكونه جاء كرئيس توافقي عام 2012 لمدة سنتين بناء على المبادرة الخليجية؛ واستمراره قرابة 10 سنوات كرئيس شرعي نتيجة "الانقلاب" الذي استهدف شرعيته عام 2014. لذا فالأرجح أنّ الرئيس هادي هو الطرف الوحيد الذي لا يهمه شكل مؤسسة الرئاسة عقب التسوية السياسية؛ سواء أتت برئيس توافقي انتقالي يعقبه؛ أم مجلس رئاسي.
وطالما أن الرئيس هادي طرف مهم في الوصول إلى التسوية التي لن تشمله، فمن المحتمل أنه قد يستثمر أهميته في الوصول إلى التسوية بشكل آخر؛ وهذا قد يبرر الاتهامات لحزب الإصلاح باستغلال شرعية الرئيس هادي لصالحه؛ وهذا قد يدفع أيضاً رجال سلطة هادي إلى العمل مع الإصلاح تحت غطاء الرئيس الشرعي لضمان وضع مستقبلي لهم بعد رحيله. ويمكن القول أن التجمع اليمني للإصلاح قد يكون أقرب إلى القبول برئيس توافقي إذا ما خير بينه وبين المجلس الرئاسي نظرا للاستقطابات الواسعة التي أجراها بين المستقلين وعناصر الأحزاب الأخرى، تحت تأثير الهيمنة التي تمتع بها داخل مؤسسة الرئاسة والحكومة.
المجلس الانتقالي الجنوبي: غير واضح حتى الآن
من المرجح أنه لن يقبل بمجلس رئاسي يكرر فيه تجربة شراكة الجنوب والشمال في مجلس رئاسي، أدت إلى حرب اجتياح الجنوب 1994؛ ولن يقبل برئيس توافقي لديه موقف ضد مطالب استعادة دولة الجنوب الذي ينادي به الانتقالي وإن كان رئيساً جنوبياً. وقد تتضح رؤية الانتقالي من هذا الشأن إذا تم التوصل معه إلى تفاهمات حول مستقبل حل القضية الجنوبية قبل الاتفاق على ما سيؤول إليه شكل التسوية السياسية الشاملة، كما أن مشاركة الانتقالي ضمن وفد مشترك مع حكومة هادي لم يتضح شكله حتى الآن مع تعثر استكمال تنفيذ اتفاق الرياض الذي نص على هذه المشاركة.
طارق صالح: مجلس رئاسي
يسعى طارق صالح عبر إعلانه مكتباً سياسياَ للتشكيلات العسكرية التي يقودها في الساحل الغربي "المقاومة الوطنية"، إلى لعب دور سياسي مستقبلي لعائلة الرئيس السابق علي عبدالله صالح إثر تعثر إمكانية هذا الدور عبر حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يعاني من انقسامات كثيرة، ونظراً للعقوبات التي تشمل أحمد نجل الرئيس صالح وفق قرار مجلس الأمن 2216، إضافة لكون الثقل الذي يرتكز عليه طارق صالح محصوراً بثقله العسكري في أجزاء من الساحل الغربي وغياب التأثير السياسي التاريخي له؛ فيعتقد أنه يرى أن المجلس السياسي الذي يضم أكثر من عضو رئاسة؛ أقرب لمشاركته ضمن قوامه من اختيار رئيس توافقي قد لا يكون حتى مشاركا في مشاورات اختياره؛ وهذا ما قد يبرر تصريحاته السابقة التي ترى بتشكيل مجلس رئاسي حلاً مناسبا للأزمة. [2]
الأطراف غير المنظَّمة: غير واضح
تتمثل الأطراف غير المنظمة في الفئات المؤثرة مجتمعياً وغير مشمولة سياسياً؛ وأهمها المستقلون والنساء والشباب، إذ من الصعب التكهن بموقف هذه الفئات نظراً لعدم وجود أطر منظمة تعبر عن موقفها الجمعي. ورغم اهتمام مبعوثي الأمم المتحدة المتلاحقين –خاصة مارتن غريفيث المنتهية ولايته- بهذه الفئات؛ النساء بالذات؛ إلا أن تصوراته وتحضيراته لمشاورات السلام اقتصرت على إشراك هذه الفئات بصفة استشارية لمكتبه؛ ووعوده لهم بإشراكهم ضمن المراحل التالية من الحوارات التي تعقب التسوية السياسية.
إلا أننا نرى أن هذه الفئات التي كانت الأقل مساهمة في الصراع والأكثر تضررًا منه؛ يهمها بالقدر الأكبر تحقيق السلام العادل والشامل؛ ويتحقق طموحها في المشاركة ضمن تكافؤ الفرص بغض النظر عن شكل مؤسسة الرئاسة.
احتمالات تقسيم مقاعد المجلس الرئاسي
يفترض هذا التحليل أن المجلس الرئاسي (كفرضية حل)، سيضم عدد مقاعد فردية تفاديا لعرقلة اتخاذ القرار في حال تساوي الأصوات إذا ما كان العدد زوجياً؛ كما يفترض أن يكون عدد هذه المقاعد بين 3 إلى 7 نظراً لعدد الأطراف المؤثرة على الأرض ومحاولة كل منها حيازة عدد مقاعد مكافئة لخصومه؛ ورغم ذلك لا تبدو هذه الفرضية عملية نتيجة عدم جدوى تشكيل مجلس رئاسي من الأساس في ظل معادلة الصراع اليمني الحالية.
• في حالة 3 مقاعد:
سيكون من الصعب تشكيل مجلس رئاسي من 3 مقاعد فقط؛ لأنها لن تشمل كافة الأطراف المسيطرة على الأرض؛ كما أن القسمة 2 إلى 1 لن تكون مقبولة لا للشمال ولا للجنوب؛ فعلى مستوى الجنوب لن يقبل الجنوبيون بمقعد مقابل مقعدين للشمال؛ وهذه معضلة من الصعب تجاوزها؛ وإن قبل الشمال بتسلم مقعد مقابل مقعدين للجنوب؛ من الصعب على الأطراف الشمالية التخلي عن المقعد للحوثيين كما من الصعب على الحوثيين بالمقابل التخلي عن المقعد لخصومهم.
• في حالة 5 مقاعد:
يبدو أن الـ 5 مقاعد قد تكون خياراً معقولاً في حال شملت التسوية تشكيل مجلس رئاسي بدلاً عن اختيار رئيس توافقي؛ رغم أن المجلس الرئاسي قد يمثل بحد ذاته أساساً لصراع جديد بدلاً من كونه وسيلة لحل مستدام؛ وفي حال الـ 5 مقاعد؛ نتوقع أن تقسم كالتالي:
مقعدان للجنوب، يحصل بموجبها المجلس الانتقالي الجنوبي على مقعد واحد فقط؛ ومقعد سيذهب على الأرجح لواحد من المكونات الجنوبية الأخرى مع استبعاد بقيتها.
مقعدان للشمال: ويرجح أن يذهب أحدهما للحوثيين وآخر لممثلي الرئيس هادي (الإصلاح)؛ وبهذا يتوقع أن يستبعد طارق صالح كطرف مؤثر إضافي على الأرض.
المكونات غير المنظَّمة: ويتوقع حصولهم على مقعد واحد عبر اختيار شخصية مستقلة تمثل المرأة والشباب معاً، غير أن اختيار هذه الشخصية المستقلة ربما تخضع لموافقة المكونات السياسية واطراف الصراع ما سيؤثر على استقلال قرارها لاحقاً.
• في حالة 7 مقاعد:
يعتقد أن تشكيل مجلس رئاسي من عدد فوق الـ 5 يمثل عبئاً على أداء المجلس ومرونة اتخاذه للقرار؛ وهو عدد أكبر من الأطراف المسيطرة على الأرض؛ كما أن الأطراف المؤثرة ستجد صعوبة بالقبول به إذا ما تم مساواتهم في المقاعد بمكونات أقل تأثيراً أو أثر ذلك على شكل المحاصصة بين الشمال والجنوب.
رئاسة المجلس الرئاسي وطريقة التصويت
سيشكل التوافق على رئاسة للمجلس الرئاسي معضلة أخرى في أداء مهامه؛ إذ يصعب انتخاب رئيس للمجلس بتوافق الفرقاء جميعًا؛ كما سيصعب تناوب الرئاسة بينهم إذا افترضنا أن المرحلة الانتقالية لن تزيد عن سنتين؛ كما ستكون صلاحيات رئيس المجلس محل خلاف كبير يعوق استمراره، إذ يصعب التوافق على منحه حتى مجرد حق الترجيح في حال تساوي الأصوات.
أما اتخاذ القرار داخل المجلس، فستواجه تعقيدات على شاكلة هل سيتخذ قراراته بأغلبية الأصوات؟ إذ قد تواجه كثير من القرارات الهامة عدم حصولها على أغلبية؛ كما أن اتخاذ آلية التوافق ستكون شبه مستحيلة وقد أثبتت فشلها حتى في مجلس النواب الذي نصت المبادرة الخليجية على أن قراراته تخضع للتوافق بدل الأغلبية.
العلاقة داخل المجلس الرئاسي
إن شكل الصراع العسكري وتعقيدات تشعباته قد تفرض نفسها على الوضع التنافسي والصراع السياسي لاحقاً داخل المجلس؛ فقد يأخذ الصراع داخل المجلس أوجهاً كثيرة؛ فرغم أن الراجح أن يأخذ أشكالاً منفصلة بحيث يعمل كل طرف بشكل منفرد ضد طرف منفرد، لكنه بصورته الجمعية سيكون موجه ضد الانتقالي الجنوبي في أحد أشكاله وضد الحوثيين في شكله الآخر. ويتوقع أن تظهر حالات صراع منفردة بين كل طرف سياسي وآخر؛ وحالات توافق أطراف عدة على الصراع مع طرف واحد مع بقاء الصراعات البينية قائمة بين الأطراف المتحدة في مواجهة خصم بعينه.
فعلى سبيل المثال، فإن الصراعات التي قد تنشأ بين حزب الإصلاح والحوثيين من جهة؛ لن تعيق توحيد جهودهما ضد الانتقالي الجنوبي مثلاً؛ وفي نفس الوقت قد تتوحد جهود الإصلاح والانتقالي لتعطيل طموحات الحوثيين مع بقاء الصراع بينهما قائماً؛ وبالمثل قد تتوحد جهود الانتقالي والحوثيين لتحجيم الإصلاح مع بقاء الصراع البيني قائماً دون تأثر.
إن طبيعة تشكل خارطة ديناميكيات المعارك العسكرية منذ 2016 وحتى الآن، تدعم هذه الفرضية بقوة؛ إذ نجد أن الحوثيين والإصلاح يخوضون معاركاً شرسة ضد بعضهما في مأرب؛ بينما يواجهان الانتقالي في الضالع عبر الحوثيين وفي أبين عبر الإصلاح؛ وتنشأ هذه الطبيعة المعقدة للحرب ولطبيعة الصراع السياسي بعد التسوية المفترضة لتعدد المنطلقات والدوافع لكل طرف من هذه الحرب؛ وكذا من توظيف التسوية السياسية.
لذا فالمتوقع أن تأتلف الأطراف المتصارعة جميعها في تعطيل حضور الانتقالي داخل المجلس بمشاركة الحوثيين؛ كما يتوقع أن تأتلف الأطراف المتصارعة جميعها لتحجيم الحوثيين داخل المجلس بمشاركة الانتقالي؛ وهكذا.
إن هذا الشكل من الصراع داخل المجلس الرئاسي سيعطل وظيفته السياسية تماماً ويعجل بفشل التسوية السياسية برمتها؛ وسيكون ثبوت فشله بداية لإعلان جولة من الصراع أكثر مأساوية مما كانت قبل.
المجلس الرئاسي والسلطات الأخرى
أياً كانت طبيعة تشكيل الحكومة بعد التسوية السياسية المفترضة؛ فالراجح أن تأثيرات الخلافات الكبيرة المحتملة داخل المجلس الرئاسي، ستنعكس على أداء الحكومة حتى وإن كانت حكومة تكنوقراط؛ نظراً لحاجة الحكومة لتوافق الأطراف السياسية الداخلة في التسوية على تسمية أعضائها؛ إضافة إلى حالة الاستقطابات الكبيرة التي سيتعرض لها أعضاء الحكومة، وهو ما سيؤدي إلى تعطل المؤسسات العامة مع أول حالة جمود يتعرض لها المجلس الرئاسي؛ خاصة مع حالة الترهل والانقسام الشديد الذي تعاني منه المؤسسات العامة نتيجة الحرب؛ فضلاً عن أن السلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب المنتخب لم تعد معتبرة أو محل ثقة بعد ما يقارب 20 عاماً على انتخابه.
لذا فيفترض أن تشكل الرئاسة مصدراً رئيسياً لإدارة السلطة وممارسة الصلاحيات الناشئة عنها؛ بما يقوي أداء الحكومة في تسيير المؤسسات العامة وانجاز المتطلبات السياسية للمرحلة الانتقالية؛ وهذا لا يتحقق مع وضع الرئاسة في قالب المجلس الرئاسي؛ إذ إن أي خلاف محتمل داخل المجلس الرئاسي سيؤدي حتماً إلى أن يفقد المجلس سلطته والحكومة وظيفتها.
فرضية الانقلاب على التسوية
مع طبيعة المركزية الشديدة للإدارة السياسية في اليمن وغياب الحكم الذاتي للأقاليم؛ والخلاف الجوهري حول عدد الأقاليم؛ وعدم الوصول إلى أسس متوافق عليها لحل القضية الجنوبية؛ ومع بقاء العاصمة السياسية في صنعاء (وفق الدستور) ووجود عاصمة مؤقتة في عدن وفق ما اقتضته الحرب على الانقلاب الحوثي؛ فيتوقع بقاء النزاع بين العاصمتين، مع ترجيح فوز صنعاء على عدن نظراً لعدم وجود غطاء سياسي يدعم بقاء العاصمة في عدن سوى بعض الضغط المحتمل من الانتقالي الجنوبي الذي سيواجه بضغط مقابل من بقية الأطراف لصالح صنعاء.
أما عن انتقال الإدارة السياسية والاقتصادية بعد التسوية إلى صنعاء؛ بخاصة نقل البنك المركزي مجدداً إليها؛ فسيعطي هذا أفضلية للحوثيين المسيطرين عليها؛ بما يغريهم للانقلاب على التسوية السياسية برمتها؛ بالذات إذا ما بدأت ملامح خلافات داخل المجلس الرئاسي بينهم وبين أي طرف مناوئ؛ فالحوثيون الذين انقلبوا على الرئيس هادي الذي كان يملك شرعية توافقية مرعية من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي؛ وانقلبوا على حليفهم الرئيس صالح؛ ربما يجدون أن الانقلاب على تسوية سياسية هم جزء منها؛ أكثر نفعاً وأقل ضرراً لهم من الانقلابات السابقة التي قاموا بها، فالأطراف جميعها ستكون تحت مظلة سيطرتهم وكلها تتمتع بمركز قانوني معادل للآخر ولا يمتاز أي منهم بشرعية دستورية أو توافقية مطلقة كما كان الحال مع الرئيس هادي؛ لذا فإن الانقلاب على التسوية وارد أكثر في حال انتقال الرئاسة إلى شكل المجلس الرئاسي.
إن ضعف سلطة الرئيس هادي وفساد عهده منذ توليه الرئاسة في 2012؛ وتعقد المعضلات السياسية بعد الانقلاب على شرعيته التوافقية في 2014، ليس مبرراً كافياً لاختيار المجلس الرئاسي كشكل للحكم؛ خاصة وأن هادي أو نائبه الحالي لن يكونا مشمولين في المرحلة الانتقالية التي ستنشأ عن التسوية السياسية المحتملة.
كما أن اليمن كبلد بنظام رئاسي، يحتاج إلى سلطة رئاسة قوية أياً كان شكلها قد لا يحققه مجلس رئاسي متعدد الولاءات ومقيد بالتعقيدات؛ وتعذر إجراء انتخابات برلمانية خلال المرحلة الانتقالية بسبب تشظي المناطق تحت سيطرة قوات الفرقاء.
أثر الانقلاب على التسوية السياسية
السلام
من شأن حدوث أي انقلاب محتمل على التسوية السياسية؛ أن يدخل البلد في احتراب طويل الأمد دون أفق، مع تكافؤ المرتكزات القانونية لكافة الأطراف التي تشكل بمجملها الشرعية ولا تشكل أياً منها شرعية بمفردها؛ وسيقيد فقدانها جميعاً لمركز قانوني مائز أي محاولة لطلب الأمم المتحدة للدول الأعضاء التدخل عسكرياً في اليمن وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ومع احتمال استمرار الدعم الإيراني للحوثيين في تهديدهم لدول الإقليم؛ ستفقد الأخيرة الغطاء القانوني لتدخلها في اليمن إذ سيتعذر عليها الحصول على طلب للتدخل مجدداً من مجلس رئاسي منقسم معطل القرارات.
الوضع الإنساني
إن نشوء جولة جديدة من الصراع الدامي ستدخل البلد التي توصف الآن أنها تعيش أسوأ حالة إنسانية في حال أسوأ بكثير، ومع انهيار المؤسسات التي لن يمثلها أحد مع انهيار المجلس الرئاسي المفترض والحكومة معه؛ سيضطر الكثيرون ممن ما يزالون منخرطين في الوظيفة العامة في المناطق خارج سيطرة الحوثيين إلى فقدان وظائفهم والانخراط في الحرب كمصدر رزق، كما سيستمر الحوثيون في التحشيد بوتيرة أعلى مما هي عليه الآن في مناطق سيطرتهم.
جهود مكافحة الإرهاب
مع عودة انتشار التنظيمات الإرهابية في اليمن وتزايد مناطق وصولها نتيجة ما وفرته الحرب القائمة من بيئة مواتية لعودتها مجدداً؛ يتوقع أن تفقد الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وجود طرف شرعي ورئيسي داخلي قوي يمكنهم التعامل معه في جهود مكافحة الإرهاب.
فريدة أحمد: زميلة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحثة في الشؤون السياسية
عزت مصطفى: باحث ومحلل سياسي
- الصورة الرئيسية: علي سالم البيض وعلي عبد الله صالح، بعد اتفاق الوحدة وتشكيل مجلس رئاسي في 1990 (عبد الرحمن الجبري)
- لتحميل النسخة إلكترونيا (من هنا)