10-07-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليل
مع تطور الأحداث في جنوب اليمن، أصدرت كل من أميركا وفرنسا وبريطانيا تصريحات متعاقبة على ألسنة سفراء هذه الدول في اليمن، أكّدت جميعها - بشكل أساسي - على "إنهاء التوتر والتصعيد في المحافظات الجنوبية، والعودة لمفاوضات تنفيذ اتفاق الرياض".
وكانت سفارة أميركا لدى اليمن، قد نشرت تصريحًا رسميًا باسم القائمة بأعمال سفيرها، كاثي ويستلي، أكّدت فيه على ضرورة إيقاف "الخطاب التصعيدي والإجراءات في محافظات اليمن الجنوبية"، وحثت الأطراف على "عودة الحوار لتنفيذ اتفاق الرياض". وحذّرت "الذين يقوّضون أمن اليمن واستقراره ووحدته" بأنهم "يخاطرون بالتعرض للرد الدولي".
بعد أقل من يوم على تصريح ويستلي الذي أثار جدلًا واسعًا، قال السفير الفرنسي في اليمن، جان ماري - في تصريح "انتزعته" صحيفة الشرق الأوسط السعودية - أنَّه "يجب وقف التصعيد بالقرارات الاستفزازية والخطابات من كل الأطراف في جنوب اليمن"، مؤكدًا أنَّ بلاده "تدعم بقوة اتفاق الرياض نحو الحل السياسي الشامل تحت رعاية الأمم المتحدة".
أما السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، فقد شدد - في تغريده له على حسابه الرسمي - على ضرورة "إنهاء كل الإجراءات الاستفزازية وعودة الجانبين فورًا إلى طاولة مفاوضات تنفيذ اتفاق الرياض"، مُعبرًّا عن قلع بالغ "من التصعيد الأخير في الجنوب"، ومؤكّدًا أنَّه "يخالف اتفاق الرياض".
اهتمام متزايد
بالمجمل، عكست التصريحات اهتمامًا دوليًا متزايدًا بوضع جنوب اليمن الخاص في الأزمة اليمنية الشاملة. لقد أظهرت التصريحات استيعابا دوليًا لخارطة الصراع اليمنية، وتعاملت مع جنوب اليمن - لأول مرة منذ عقود - بشكل مستقل. لكن لا يزال هذا التعامل ينطلق فقط من توصيف الأزمة الحديثة حتى الآن، وليس من الانفتاح الأوسع على جذور الأزمة هناك، بما يؤدي بالتالي لحلها بشكل نهائي.
يمكن تفسير تواتر عبارات "جنوب اليمن، الجنوب والمحافظات اليمنية الجنوبية" في التصريحات الثلاثة على أنه إقرار دولي بواقع جديد يقسم الأزمة اليمنية إلى شقين: جنوبي وشمالي، ويضع لجنوب اليمن حسابات مختلفة.
يبدو أنَّ هذه التصريحات تمثّل إشارة وإيذانًا بانتهاء النظرة الشمولية للأزمة في اليمن، التي تظهر الأزمة كـ "كل وواحد"، بعيدًا عن واقع الأرض، ولطالما تسببت في تعقيد الصراع والذهاب به إلى مستويات أخرى وإطالة أمده، وأفشلت كل مساع الحل الأممية والدولية.
التقط المجلس الانتقالي الجنوبي، الساعي لـ "استقلال وعودة دولة الجنوب" هذه الإشارة الدولية سريعًا، وأشاد بتصريح لـ "ممثل رئيس المجلس للشؤون الخارجية"، السياسي عمرو البيض، بما أسماه "الاهتمام بالجنوب والنظر إلى أنَّ استقراره خطوة مفصلية للاستقرار في المنطقة".
بالرغم من أنَّ التصريحات - الأميركية والفرنسية منها - أكدَّت على "وحدة اليمن"، وهو ما يتعارض مع مساع الانتقالي الجنوبي والجنوبيين المُطالبين بعودة أوضاع ما قبل 22 مايو/أيار 1990، إلا أنَّه يمكن احتساب هذا التأكيد كموقف طبيعي بروتوكولي لطالما تكرر طيلة 3 عقود من قِبل هذه الدول وغيرها، ولا يشكّل إضافة جديدة أو موقفا مغاير يمكن البناء عليه في تحليل سياسات وتوجهات هذه الدول، فضلا عن أنّ الواقع الذي فرضه الحوثيون في شمال اليمن قد أوجد الظروف الموضوعية التي تتعارض مع الدعوات الدولية، وأسسوا لانفصالا حقيقيا في جغرافيا شمال اليمن التي يسيطرون على معظمها.
كما أنَّه يمكن اعتبار هذه النظرة الجديدة الخاصة لوضع جنوب اليمن كدليل على مستوى التقدم الحقيقي الذي أحرزه الجنوبيون بقيادة المجلس الانتقالي باتجاه مشروع "الاستقلال " وعودة دولتهم، ووصولهم إلى مستوى يدفع أبرز القوى الدولية الفعّالة إلى تثبيت نظرة منفصلة للواقع هناك.
استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي منذ تأسيسه عام 2017 إن ينقل قضية جنوب اليمن إلى المحافل الدولية الفعالة والمؤثرة، ويشمل ذلك هذه الدول الثلاث، بالإضافة لتكريسه واقع جديد في المحافظات الجنوبية، وإعادة تموضع وترتيب نفسه كطرف قوي وراسخ في حل الأزمة.
وقف التصعيد وتنفيذ اتفاق الرياض
كان اتفاق الرياض الموقّع بين المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، وحكومة الرئيس الشرعي هادي من جهة أخرى في 2019 محور ما أكدّت عليه تصريحات الدول الثلاث. هذا الموقف القوي المشترك يتوافق بشكل تام مع دعوات متكررة للمجلس الانتقالي الجنوبي إلى "استكمال تنفيذ الاتفاق بكافة بنوده"، منذ مغادرة وزراء الطرف الآخر في حكومة المناصفة العاصمة عدن بعد أشهر قليلة من وصولها المحافظة.
يتهم الانتقالي الجنوبي الطرف الآخر في اتفاق الرياض بـ "التنصل والهروب من الالتزامات والمسؤولية تجاه المواطنين، ومحاولة نسف وتدمير الاتفاق"، وأكّد باستمرار على "التمسك الكامل" بالاتفاق، وضرورة تنفيذ كافة شقوقه السياسية والعسكرية والإدارية والاقتصادية.
من المهم ألا تؤخذ التصريحات الثلاثة بمعزل عن الجهود السعودية المبذولة باستمرار لدفع طرفي اتفاق الرياض إلى استكمال مشاورات تنفيذه، حيث ظهرت هذه التصريحات كأنها حشد سعودي للمواقف الدولية المؤثرة لدعم موقفها، والضغط في اتجاه تنفيذ اتفاق الرياض الذي يتعرّض لعقبات كبيرة تهدّد بإفشاله. على الرغم من أنها ظهرت مؤخرا منحازة لصالح طرف من أطراف الاتفاق.
دعت التصريحات إلى وقف التصعيد في محافظات جنوب اليمن وإنهاء مظاهر التوتر فيها؛ وذلك عقب متوالية من الأحداث بدأت منذ مغادرة وزراء حكومة هادي عدن بدون مبررات واضحة، وهو ما اعتبره الانتقالي الجنوبي خرقًا حقيقيًا للاتفاق الذي ينص على بقاء الحكومة في عدن.
يتهم الانتقالي الطرف الآخر بممارسة التصعيد في الجنوب عبر سحب وزراءه من عدن، والتحشيد العسكري المستمر في محافظة أبين (ساحة المعارك الملتهبة بين الطرفين)، وقمع الجنوبيين الموالين له في محافظات شبوة وحضرموت التي تسيطر عليها قوات هادي، والتي يتألف معظمها من جنود شماليين.
وكانت القوات الموالية لحكومة هادي قد شنت حملة اعتقالات واسعة طالت قيادات وأعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي، من ضمنهم رئيس المجلس في حضرموت، وآخرين، بالإضافة لعدد من المدنيين في محافظة شبوة. نتيجة لذلك، اندلعت احتجاجات وفعالية جماهيرية في محافظة شبوة "رفضًا لأعمال التقطع والاعتقالات غير القانونية"، وهي التي واجهتها قوات الحكومة اليمنية بالسلاح والقمع العنيف، وحاولت منعها عبر اعتقالات إضافية أخرى طالت نشطاء وأعضاء في المجلس.
كما خرجت فعاليات جديدة أخرى أكبر في محافظتي شبوة وحضرموت في السابع من يوليو/تموز الجاري، فيما عُرف بـ "يوم الأرض الجنوبي"، والذي يصادف ذكرى الحرب ضد جنوب اليمن عام 1994.
دعوات إيقاف التصعيد التي حملتها التصريحات الثلاثة تعني الحكومة اليمنية أكثر من أي طرف آخر. فهي عمليًا من بدأت هذا التصعيد في محافظات جنوب اليمن، وفقا لمراقبين.
وعلى الرغم من استجابه شخصيات بارزة في الانتقالي الجنوبي للتصريحات على أنَّها تحمل موقفًا سلبيًا تجاه المجلس والجنوبيين - كان ذلك على الأرجح بسبب مفردة "الوحدة اليمنية، إلا أنّه يمكن اعتبار هذه التصريحات إدانة واضحة للتصعيد الذي بدأته الحكومة اليمنية، والذي تسبب بردات فعل طبيعية شعبية في محافظات الجنوب.
وكان الناطق الرسمي للانتقالي الجنوبي، علي الكثيري، قد صرّح لصحيفة الشرق الأوسط السعودية أنَّهم في المجلس "أبلغوا أميركا" ردهم بخصوص تصريح كاثي ويستلي، مؤكّدًا أنَّ الانتقالي "يُقدّر أي جهود عاجلة تُنهي القتل والقمع والجرائم التي يتعرّض لها المدنيون في الجنوب، ويرحب بأي دعوة للشروع الفوري في استكمال تنفيذ اتفاق الرياض".
تدويل الاتفاق
ترعى السعودية - التي تقود التحالف في اليمن - اتفاق الرياض بين الانتقالي والحكومة اليمنية كطرف أوحد، مع دعم دولي مُعلن للاتفاق وأهميته في الحل السياسي الشامل للأزمة، لكنَّ هذا الدور الحصري للسعودية يبدو أقرب من أي وقت مضى للتغيّر. سيعني دخول الأطراف الدولية الأكبر فعليًا في تنفيذ اتفاق الرياض - على غرار دورها في المفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية - إلى تدويل الاتفاق، وإخراجه من الدائرة السعودية المغلقة.
لو حدث ذلك، يمكن القول بأنِّ الانتقالي الجنوبي هو المستفيد الأكبر، حيث يُمكن للدول الكبرى أن تضغط بشكل أقوى لتنفيذ الاتفاق، وهو ما يعني بالمحصلة اعترافا دوليًا رسميًا بالمجلس كطرف رئيسي ثالث في حل الأزمة اليمنية إلى جانب الحوثيين المسيطرين على الشمال، والحكومة اليمنية. أو كطرف أساسي ضمن طرف الحكومة اليمنية كما ينص بند "تشكيل وفد تفاوضي مشترك" ضمن الشق السياسي من الاتفاق.
أيضًا سيعمل تدويل الاتفاق على تقليص الدور والتأثير السعودي إلى حد ما، وهو ما يعني موقفًا أضعف للحكومة اليمنية التي ينحاز لها هذا الدور بشكل واضح، خصوصا وأنّ هذا الانحياز ينطلق من "حسابات سعودية أخرى لوضع شمال اليمن"، في ظل استمرار التقارب الهادئ مع إيران، وكذلك من محاولة إبقاء "الغطاء الشرعي" الذي تدخلت بموجبه المملكة في الأزمة اليمنية.
يعقوب السفياني
محرر وصحفي في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: متظاهر يرفع علم الجنوب وخلفه لوحة كبيرة تظهر فيها صور قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي، خلال تظاهرة كبرى في سيئون، حضرموت، 8 يوليو 2021 (أسعد جوبان/ حضرموت21)