20-07-2021 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
اضطر فرقاء الأزمة اليمنية المعنيون باستكمال تنفيذ بنود اتفاق الرياض، إلى إيقاف مواصلة المحادثات بشأنه، بسبب التوترات العسكرية الأخيرة في محافظتي شبوة وأبين، وبسبب ما يقول المجلس الانتقالي الجنوبي كطرف رئيس في المحادثات؛ أن هناك عمل متعمد من أطراف في حكومة هادي لإفشال جهود الأشقاء.
حتى الآن، تبدو الأمور غير واضحة من حيث التفاصيل التي نوقشت خلال الفترة الماضية؛ سوى بعض التصريحات هنا وهناك عن ترتيبات بعودة الحكومة إلى العاصمة عدن، والتي يبدو أنّ الانتقالي الجنوبي كان حريصاً وما زال؛ على عودتها من أجل تحمّلها مسؤولية الملفات العالقة وفي مقدمتها ملف الخدمات. لكنّ الحكومة حسب إعلام المجلس، دائماً ما تتذرع بالجانب الأمني رغم مناقشة وفد الانتقالي على أن ترتيب عودة الحكومة وتأمينها مرتبط بقيادة العمليات المشتركة للتحالف العربي.
في مقابل ذلك، بدى موقف الطرف الآخر في حكومة المناصفة حاداً تجاه الانتقالي، واتهم فيه الأخير بأنه يعرقل تنفيذ اتفاق الرياض من خلال اجراءات التصعيد وعدم المساعدة في عودة الحكومة وتأمين مقراتها في عدن. إذ يبدو أنّ التعيينات العسكرية الأخيرة التي صدرت من "عيدروس الزبيدي" رئيس المجلس الانتقالي؛ سببت نوعا من الاستفزاز للحكومة والرياض على حدٍ سواء، لتصدر الأخيرة بيان يعتبر أن مثل هذه الاجراءات إخلال لبنود اتفاق الرياض ولا ينسجم معها، داعية الطرفين للاستجابة إلى ما تم التوافق عليه ونبذ الخلافات (1). في الوقت ذاته، يعتبر الانتقالي الجنوبي؛ أن التعيينات شأن داخلي يتعلق بقوام جهازه العسكري، مبرراً ذلك بعدم معقولية أن يصدر وزير الدفاع المقدشي أو الجنرال علي محسن الأحمر مثل هذه القرارات داخل قوات الانتقالي المستقلة أساساً، والتي لم تُدمج قواتها ضمن نطاق الوحدات العسكرية للجيش الوطني. إضافة لذلك، التعيينات السياسية في وزارة الخارجية والتحركات الانفرادية رغم الشراكة السياسية في إطار حكومة مناصفة، غير مبرراً بالمثل دون الرجوع للانتقالي حسب ناشطيه، إذ كيف تستنكر أطراف في الحكومة تعيينات سياسية وعسكرية قام بها الانتقالي؛ بينما هي في الأساس تعمل بها بشكل منفرد.
وهو الأمر ذاته الذي اتبعته حكومة معين في تعاطيها مع تعيينات محافظ عدن بن لملس الأخيرة، التي رفضتها وعارضتها على اعتبار أنها مخالفة؛ رغم أنها من صلاحيات السلطة المحلية في عدن، لكنها في نفس الوقت؛ تغض الطرف عن تعيينات مشابهة في محافظات أخرى منها شبوة ومأرب والمهرة، لا تخضع لسلطة الانتقالي، في نوع من الازدواجية في معايير التعامل مع الأطراف.
غير ذلك، كانت النقطة الجوهرية التي شكلت محل خلاف بين طرفي اتفاق الرياض، هي البند الثامن الذي ينص على تشكيل وفد تفاوضي مشترك، وبأنه يحق للانتقالي التمثيل في أي عملية سلام قادمة، بيد أن المماطلة والتهرب دائماً ما يكون حاضراً من الطرف الآخر، حسب ما يصرح الانتقالي بذلك. إضافة لنقاط أخرى خلافية من بينها، انسحاب قوات الجيش الوطني التي قدمت من مأرب إلى شبوة وأجزاء من أبين منذ أغسطس 2019، وعودتها إلى مواقعها على أن يحل محلها قوات النخبة الشبوانية والحزام الأمني.
التعويل الأكبر على تنفيذ اتفاق الرياض لم يكن ملقى على طرفيه بقدر ما كان مرهوناً بدور راعي الاتفاق وتأثيره الكبير على الأطراف وحجم قدرته السياسية في المشهد اليمني؛ إلا أن الملاحظ أن تعليقات الشارع اليمني على هذه الرعاية حُصرت بالسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، الذي طغى حضوره السياسي في الاتفاق لدى الجمهور اليمني على حضور بلده نفسها؛ رغم كونه سفيراً لخادم الحرمين الشريفين وممثلاً لبلده أمام طرفي الاتفاق؛ إلا أنّ بعض المراقبين يعزون صعود الحضور الشخصي للسفير على حضوره الرسمي؛ بسبب ما اعتبروه العلاقات القديمة التي يتمتع بها لدى أطراف في الحكومة منذ أن تولى الملحقية العسكرية في سفارة بلده في صنعاء 2009؛ والتي قال عنها في أكثر من مقابلة أنها وفرت له تكوين علاقات على مستويين دبلوماسي وشخصي وطيد في اليمن (2)؛ وهذه قد تكون ميزة لا يتمتع بها المجلس الانتقالي الجنوبي في مفاوضات تنفيذ اتفاق الرياض مقارنة بالطرف الآخر.
وسيط مقبول
يرتبط استكمال آلية تنفيذ اتفاق الرياض بالجهود الدبلوماسية الساعية للدخول في مفاوضات السلام المقبلة بين أطراف النزاع في اليمن، بغض النظر عن الآلية التي يمكن أن يتبعها المبعوث الأممي الجديد، والتي تسعى فيها بقية الأطراف للمشاركة بمسارات متعددة لا تقتصر على النموذج الثنائي المبني على قرار مجلس الأمن 2216. يرتبط ذلك بأهمية ترتيب المعسكر المناهض للحوثي قبل المباشرة في مساعي سلام شاملة.
وقد كان للزيارة العمانية الأخيرة إلى مدينة نيوم السعودية التي استغرقت يومين، والتي التقى فيها العاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان؛ بالسلطان هيثم بن طارق، كان لها دلالاتها. إذ يبدو أنها أحد العلامات المتغيرة في منطقة الخليج العربي، خصوصاً وأن العلاقة كانت شبه فاترة بين البلدين، نتيجة ارتباط مسقط الوثيق بطهران؛ المنافس الأبرز للرياض في الإقليم.
إن التقارب السعودي العماني فيما يخص الأزمة اليمنية، يشكل أهمية بالنسبة للطرفين من عدة نواحي؛ خاصة وأنهما يشتركان في الحدود البرية والبحرية مع اليمن، فالرياض يهمها أن تستمر مسقط بجهودها في دعم عملية السلام في اليمن، خاصة وأنها وسيط مقبول من الطرف الحوثي، الذي يجادل بأنه لا ينبغي للمتورط بشكل مباشر في الحرب أن يلعب دور الوساطة؛ وهو يعني بذلك المملكة العربية السعودية. غير ذلك، يبدو أن الخلافات حول السياسة النفطية في تحالف "أوبك بلس" بين الرياض وأبوظبي، سببت نوعاً من التوتر في الآونة الأخيرة. وقد فسر بعض المغردين التقارب السعودي-العماني، على أنه بديل للتحالف بين السعودية والإمارات، والذي لم تعلق عليه أطراف رسمية.
على الأرجح، أنّ المنافسة الاقتصادية بين حليفي الحرب الوثيقين في اليمن، وتقديم المصالح الوطنية قبل أي شيء بالنسبة للدولتين، سيكون حاضراً خلال الفترة القادمة. مع ذلك، فمحاولات احتواء التوتر والتأكيد على متانة العلاقات بين البلدين من قبل الطرفين مستمرة، وقد أكدت ذلك زيارة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى المملكة العربية السعودية الاثنين، التي تمثل بالنسبة لهما أهمية استراتيجية لتعاون ثنائي يواجه أي تدخلات خارجية على المنطقة، وكذا حمايتها من أشكال التطرف والجماعات المسلحة.
لذا، بقدر ما تعكس تلك التوصيفات عن توتر اقتصادي بين الرياض وأبوظبي، فعمان يهمها أن تخرج ذاتها من صراعها الداخلي القائم على الأزمة الاقتصادية التي تعانيها. الملف الاقتصادي الذي حمله السلطان معه إلى شمال السعودية، هو ما يعني مسقط بالدرجة الأولى، خاصة بعد الأحداث التي جرت في أواخر مايو الشهر الماضي، عندما لجأ محتجون في مدينة صحار العمانية إلى الشارع، للمطالبة بتحقيق إصلاحات واحتواء لأزمة البطالة.
من ناحية أخرى، كان أحد أسباب الزيارة، ملف الأزمة اليمنية في إطار الجهود الدولية الرامية لحله. فالموقف العماني لا يختلف عن الموقف السعودي بشأن إيجاد حل سلمي للأزمة في اليمن ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني، وهو ما عبر عنه بيان قمة نيوم (3). فالتقارب السعودي- العماني الأخير، قد يهيئ لأرضية دبلوماسية بصورة مختلفة؛ وأبعد عن التحيّز الذي كان يظهر في تعاملات مسقط مع الحوثيين، رغم محاولاتها الظهور بغير ذلك. لكنها من الممكن أن تبقى بالنسبة لبعض الأطراف الوسيط المقبول، في جهود السلام الرامية لإنهاء الحرب في اليمن.
عودة مرتقبة لمحادثات الرياض
يشي الوضع السياسي العام، في ضوء المستجدات الأخيرة سواء في الداخل أو الخارج؛ وعلى الأخص في مسار العلاقات الخليجية، أن هناك توجه بالعودة لاستكمال تطبيق تنفيذ بنود اتفاق الرياض، نظراً لأهمية ترتيب وضع الأطراف المناوئة للحوثيين قبل الدخول في أي محادثات سلام شامل. ورغم أنّ المجلس الانتقالي الجنوبي يشدد على سعي أطراف في الحكومة لعرقلة مسار المحادثات، لكن يبدو أن رعاة الاتفاق سيعملون على احتواء التوتر، والدفع لاستئناف عملية الحوار، التي ستصب على الأرجح في إحراز تقدم ينهي انسداد الأفق بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، خاصة بعد زيارة ولي عهد أبوظبي للرياض، الحليف القوي للمجلس الجنوبي.
ينبغي القول، أنّ الاعتماد على مقاربة مبنية على تأملات بين الطرفين، ليست هي الحل، بل يتطلب استبدالها باستراتيجية مبنية على نقاط رئيسية واضحة، يضع فيها كل طرف ما له وما عليه، للانطلاق نحو مرحلة جديدة من المفاوضات.
فريدة أحمد
زميلة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات باحثة في الشؤون السياسية