انعكاسات نتائج الانتخابات الإيرانية على تطورات «الحل الإقليمي» بالمسألة اليمنية

انعكاسات نتائج الانتخابات الإيرانية على تطورات «الحل الإقليمي» بالمسألة اليمنية

التحليلات

الجمعة, 30-07-2021 الساعة 02:05 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| ورقة تحليلية 

في  13 ديسمبر 2018، وقّعت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، اتفاقًا برعاية الأمم المتحدة يقضي إلى وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الموانئ ومدينة الحديدة، خلال 21 يوما من بدء وقف إطلاق النار؛ إلا أنّ ذلك تعثّر حتى الآن نظرا لرفض الحوثيين تنفيذ بنود الاتفاق، رغم مرور عامين و6 أشهر على توقيعه.

بالرغم من وجود قوات دولية، لكنها فشلت حتى اليوم، ولم تستطع الدخول إلى مناطق الاشتباكات أو منع الحوثيين من ارتكاب الخروقات المتواصلة، ليصبح التساؤل حول ما يمكن أن تؤول إليه تطورات "الحل الإقليمي في اليمن"، استنادا إلى معطيات دولية جديدة تتمثل في الإدارة الجديدة للبيت الابيض برئاسة "جو بايدن"، ومعطيات إقليمية تتعلق بنتائج الانتخابات الإيرانية وتصعيد تيار المحافظين بفوز المتشدد "إبراهيم رئيسي"، دون إغفال المعطيات الأممية والمتمثلة في اختيار الأمم المتحدة الدبلوماسي السويدي هانز غروندبرغ، لشغل منصب المبعوث الخاص إلى اليمن خلفًا للبريطاني مارتن غريفيث، الذي أنهى مهامه آخر يونيو 2021، دون أن يحقق أي نتيجة ملموسة لإنهاء الحرب في اليمن، أو إقناع الحوثيين بتنفيذ المرجعيات الدولية الخاصة بالبلد الذي يتمزق يوميًّا.

جدلية الانتخابات الإيرانية  

شهدت إيران انتخاباتها الرئاسية في 18 يونيو 2021 في ظل ضغوط داخلية وخارجية يعاني منها النظام الإيراني، وأسفرت نتائج الانتخابات عن فوز "المتشدد" إبراهيم رئيسي بمنصب رئيس الجمهورية، وذلك في عملية انتخابية خلت من التنافس تقريبا تمت هندستها سلطويا قبل بدايتها، حيث حصل رئيسي على 17.9 مليون صوت بما يعادل 61.95% من أصوات المقترعين بفارق كبير عن كافة منافسيه، وكانت هذه النتائج متوقعة إلى حد بعيد. ويوضّح الجدول أدناه عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح وعدد البطاقات البيضاء والملغاة. 
 
انعكاسات نتائج الانتخابات الإيرانية على تطورات «الحل الإقليمي» بالمسألة اليمنية

الجدير بالذكر، عزز تنظيم انتخابات المجالس المحلية التي تمت بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية، من المنافسة، لا سيما في المناطق الريفية والمناطق التي تتسم بتركيبة إثنية وطائفية متداخلة، الأمر الذي يفترض أن يزيد من نسبة المشاركة إلى حدٍ بعيد، غير أن تواضع نسبة المشاركة يكشف عن تراجع كبير لشرعية النظام وحالة من اللامبالاة الشعبية وربما إحباط من الأوضاع الاقتصادية والسياسية، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أنّ النظام كان ينظر لهذه الانتخابات بمثابة استفتاء على شعبيته.

وفقا لذلك، تُعد الانتخابات في إيران بمثابة استفتاء على النظام ككل وليست عملية تنافسية حقيقية والبرلمان ليس فاعلا في السياسة بقدر كافٍ، فإن هذه النسبة تُعطي مؤشرًا على أن قاعدة تأييد النظام تتآكل، فهي المشاركة الأقل منذ الثورة، ويتصل ذلك بما قبلها من تعبئة اجتماعية واحتجاجات واسعة آخرها احتجاجات الوقود في نوفمبر 2019، والاحتجاجات التي أعقبت سقوط الطائرة الأوكرانية في يناير 2020.
 
تأسيسا على ما سبق، نستشرف من الأمر وضعية السياسة الخارجية – خاصة الإقليمية -  للرئيس الايراني الجديد "إبراهيم رئيسي"، خاصة وأن منصب الرئيس أشبه بـ "منصب رئيس الوزراء"، ولكن تؤول عملية "صنع القرار في السياسية الخارجية" دستوريا إلى "المجلس الأعلى للأمن القومي"، والذى يشكّل انعكاسا لـ "مجلس الدفاع الأعلى الوطني" وفقا لدستور 1979، وعقب تعديل الدستور عام 1989، نصت المادة  "176" (1)   على صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي  الذى يرأسه رئيس الجمهورية، أهمها: تعيين السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها القائد. 

ومن ثم، فمن غير المستبعد أن تطرأ أي متغيرات جوهرية على السياسات الإيرانية في التعاطي مع الملفات الإقليمية، أو على العلاقات مع الولايات المتحدة، إذ أنّ السياسات العامة يرسمها المرشد الأعلى علي خامنئي، وعلى الرئيس الإصلاحي أو المحافظ الالتزام بها، وهي سياسات تخدم في جوهرها تطلعات الحرس الثوري في إنفاذ مشروع فرض النفوذ الإيراني في دول الجوار كالدولة اليمنية، وفي عموم الشرق الأوسط.

ملامح التموضع الإيراني في اليمن 

تختلف الاستراتيجية الإيرانية في اليمن، عن نظيرتها في كل من العراق وسوريا ولبنان؛ إذ تتسم بالغموض والخصوصية، وذلك لاعتبارين:  

1.   الاعتبار الأول – ضعف القاعدة الشعبية الشيعية "الجعفرية":  إذ يرفض المجتمع اليمني لتلك الفئة، وهو ما انعكس بشكل واضح في التحركات السوسيولوجية لـ "الحوثيين"، إذ في فترة "التعبئة العامة" لم تظهر الكثير من معتقداتها الشيعية خوفاً من الرفض الشعبي لها، بالإضافة إلى موقف السطات الرسمية الرافض للتدخل الإيراني في اليمن.  

2.  الاعتبار الثاني – التنافس الإيراني السعودي:  وهو ما يتعلق بإستراتيجية طهران نحو مد النفوذ بالداخل اليمني وذلك عبر الاعتماد على آلية "الاختراق الناعم"، وتجنب أي ممارسات من شأنها أن تدفع بالرياض نحو مواجهتها في مناطق النفوذ اليمني. فعلى سبيل المثال: أدّت التحركات الحوثية نحو السيطرة على المحافظات اليمنية بدء من سبتمبر 2014، وتنفيذ عدد من المناورات العسكرية على الحدود مع المملكة العربية السعودية إلى تدخل الرياض وإطلاق عملية "عاصفة الحزم"، حيث أنها إذا ﻟﻢ تنجح في تقويض "المشروع الإيراﻧﻲ" في اليمن فقد تعطيه دفعة نفوذ أقوى مما كان عليه، لاسيما بعد سيطرة الحوثيين على الترسانة العسكرية اليمنية، فضلاً عن محاولة الاختراق الثقافي والفكري المتمثل في تغيير المناهج المدرسية في مناطق سيطرة ميليشيا الحوﺛﻲ، والدورات الخاصة لقيادات وأفراد المجتمع، دون إغفال السيطرة على الخطاب الديني وأدوات التوجيه.

وباستقراء حالات التدخل الإيراني في دول الجوار الإقليمي، ولا سيما في اليمن، يُلاحظ أن إيران تستند في تدخلاتها على ثلاث اعتبارات أساسية، تعد بمثابة خطة عمل إيرانية لتحقيق الأهداف المتعلقة بالتغلغل وتوسيع مجال النفوذ والهيمنة ، حيث:

-  الاعتبار الأول: محاولة الاستفادة من الانقسام والفوضى وعدم الاستقرار وضعف السلطة المركزية لاختراق الدولة، ومن ثم استغلال الانقسامات بين النخب السياسية المختلفة عبر دعم الفصائل القريبة من إيران مذهبيا أو المتفقة معها في التوجهات، وذلك من خلال السعي لإقامة شراكات مع الفاعلين دون الدول، خاصة تلك الرافضة للأوضاع القائمة سواء على المستوى المحلي، نتيجةً لتصوراتهم الخاصة  بأنهم مهمشين سياسيًّا أو اقتصاديًّا واجتماعيًّا، أو أن نصيبهم من النفوذ والسلطة لا يلبي طموحاتهم السياسية، أو على المستوى الإقليمي، نتيجة لعدم رضائهم عن التوازنات الإقليمية القائمة، لتصورها أن هذه التوازنات تميل بشدة لصالح من تعدهم خصوما لها، والمتمثلين في الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة الأمريكية.

-  الاعتبار الثاني:  اعتماد إيران على الاستثمار السياسي طويل الأجل في دعم شركائها أو الموالين لها من الفاعلين دون الدول. وذلك من خلال انتقاء واستقطاب الجماعات أو الفصائل التي تمتلك إمكانيات أفضل، أو تحظى بفرص أكبر للنجاح مستقبلاً، وتوثيق علاقاتها بها، وتشجيعها ودعمها سياسيا وماليا وعسكريا، وتعزيز قدراتها من خلال البناء القاعدي طويل الأمد، الذي غالبا ما يفضي في نهاية المطاف إلى تمكين هذه الجماعات أو الفصائل من تقلد الحكم، أو الوصول إلى مواقع سياسية حيوية ومؤثرة في دولها. فالذين يحكمون في العراق حاليا هم نتاج استثمار إيران في دعم عديد من الفصائل والتنظيمات العراقية الشيعية منذ قيام الثورة الإيرانية. كذلك تستثمر إيران في دعم حزب الله في لبنان، وفي دعم الحوثيين في اليمن، منذ فترة طويلة تزيد على ثلاثة عقود.

-  الاعتبار الثالث:  تشجيع الجماعات أو الفصائل الموالية لإيران على العمل على مستويين: المستوى الأول: داخل إطار الهيكل السياسي الرسمي للدول، عبر المشاركة في العملية السياسية في إطار مؤسسات الحكم الرسمية، حتى يكون لهذه الجماعات دور حاسم في القرارات الرئيسية لدولها. والمستوى الثاني: خارج إطار الهيكل السياسي الرسمي للدول أو بالتوازي معه، من خلال امتلاك هذه الجماعات لِبنى تنظيمية مغلقة، ومصادر تمويل مستقلة وأذرع عسكرية خاصة بها، على نحو يجعلها غير خاضعة بشكل كامل لسلطة الدولة، ويتيح لها إمكانية تقويض النظام السياسي القائم عندما تسير الأمور بشكل يتنافى مع مصالح وتفضيلات هذه الجماعات، أو مع المصالح والتفضيلات الإيرانية. مثلما هو الحال سواء في حالة الحوثيين في اليمن.

ودعما للاعتبارات الثلاث السابقة، استندت إيران إلى عدد من الأدوات لدعم تموضعها ولتعزيز تغلغلها في الداخل اليمني وبسط النفوذ النوعي عبر الورقة الحوثية، وذلك من خلال: 

-  أدوات الدعم السياسي:  أحد أهم تلك الأدوات ما يتعلق بـ "التشبيك الدبلوماسي" وذلك عبر فتح المكتب الرسمي للحوثيين في طهران، وتبادل سفراء بين الحوثيين وطهران، ودعم النفقات السياسية والاقتصادية من خلال استخدام مقدرات السفارات الإيرانية بدول العالم للتعريف بجماعة "عبد الملك الحوثي"، ودعم جبهة الحوثيين سياسيا في المحافل الاقليمية والدولية خاصة في مجلس الأمن والأمم المتحدة ضمن ما يسمى "جبهة المقاومة"، كذلك دعم طهران لملف "المشروعية السياسية" لحركات المقاومة، عبر دعم العلاقات بين جماعة أنصار الله وكلا من روسيا وسوريا وباكستان والعراق الصين، والمساعدة في فتح مكاتب للحوثيين في هذه الدول كخطوة نحو كسر العزلة الإقليمية والدولية، فضلا عن تحييد الموقف الصيني والروسي بمجلس الأمن ضد الحوثيين. 

-  أدوات الدعم الحقوقي:  وذلك بالعمل على إبراز قضية اليمن، وجماعة الحوثي، حقوقيا عبر التواصل مع المنظمات الحقوقية لإظهار الشعب اليمني يُنتهك حقوقيا من قبل السعودية والتحالف، وتقديم استشارات قانونية لمؤسسات حقوق الإنسان العاملة في اليمن. وإرسال المساعدات الانسانية الإيرانية إلى صنعاء، وإنشاء مقر للمساعدة الشعبية لتركيز المنظمات الإيرانية غير الحكومية على دعم اليمن باعتباره أهم الأعمال الإنسانية لإيران في اليمن.

-  أدوات الدعم الإعلامي:  وذلك في إطار الترويج لما يسمى بالحقوق الحوثية في مختلف وسائل الإعلام وباللغات الحية بكل دول العالم، وإظهار مظلومية الحوثي، والتركيز على الوضع الإنساني. فضلا عن القيام بحملات شعبية متنوعة على وسائل التواصل الاجتماعي لدعم الحوثي واظهار الأزمة كقمع للشعب اليمني من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. والتضخيم وإظهار ديناميكيات الصراع كانتصارات للجماعة الحوثية، وأنها قادرة على تحقيق انتصارات ميدانية ضد السعودية وحلفائها. بالإضافة إلى تغيير "الصورة الذهنية" للمتلقي عبر إنتاج أفلام ووثائق مصوّرة حول موضوع "المقاوم"، ونشرها في وسائل الإعلام اليمنية التي يسيطر عليها الحوثي.

-  أدوات الدعم الثقافي:  وذلك عبر تفعيل الدور العلمي والثقافي لعمائم طهران، واستقطاب الشعب اليمني عبر زيادة المنح الدراسية لطلاب اليمنيين، ودعم إجراء البحوث العلمية التي تعزز التموضع الإيراني في اليمن. فعلى سبيل المثال: عقد لقاءات متخصصة في اليمن كتنظيم مؤتمرات مهمة مثل: الوحدة الإسلامية، الصحوة الإسلامية، المؤتمر العالمي ضد التيارات التكفيرية المتطرفة. ودعم تنظيم مسيرات وتجمعات دعما للحوثي، وزيادة أنشطة جمعية "التقارب بين الأديان"، والندوات العالمية لـ"آل البيت" دعماً للحوثي. وكذلك "التجييش الديني" عبر إصدار فتاوى المراجع الشيعية الكبرى في إجازة تخصيص الأموال الشرعية للدعم الحوثي. 

-  أدوات الدعم الاقتصادي: حيث عمدت طهران على ربط الاقتصاد اليمني لجماعة الحوثي بالاقتصاد الإيراني، عبر دعم العلاقات التجارية بين رجال الأعمال الإيرانيين واليمنيين وخاصة المقربين من عبد الملك الحوثي، وتقديم خدمات استشارية لرجال الأعمال اليمنيين. 

ومن ثم، فاستنادا إلى تلك الاعتبارات، تسعى الإستراتيجية الإيرانية -  سواء الإصلاحية او المحافظة - بمختلف تحركاتها إلى تعزيز التموضع من خلال تكثيف نشاطها على الساحة اليمنية عبر إحراز مزيد من النفوذ في اليمن عبر الورقة الحوثية باعتباره يحظى بموقع استراتيجي متميز، ووزن جيو- سياسي مؤثر في المنطقة، إذ ترى إيران أن بإمكانها من خلال تحالفها مع الحوثيين، ودعمها لهم سياسيا وعسكريا من أجل ترسيخ تموضعهم في قمة السلطة في اليمن، أن تزيد تأثيرها ونفوذها في المنطقة بشكل كبير، عبر إيجاد موطئ قدم لها بالقرب من ممر استراتيجي دولي بالغ الأهمية، مما يتيح لها الفرصة للتحكم في حركة المرور في خليج عدن ومضيق باب المندب، الذي يُعد نقطة الربط الرئيسية التي تصل الخليج العربي والمحيط الهندي بالبحر الأحمر، وقناة السويس، والذى يُعد الممر المائي الرئيسي للنفط في العالم. (2)  

الدوافع الأمريكية لـ "الحل الإقليمي" في اليمن: 

انعكست التوجهات المرنة لإدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" بالتزامن مع نجاح "إبراهيم رئيسي" في الانتخابات الإيرانية، للدفع نحو تفعيل استراتيجياتها الجديد لخفض التوتر الإقليمي. إذ تمثلت أولى تلك الخطوات بالدعوة لبدء التفاوض مع طهران، والتمهيد لإنجاز ما أعلنه الرئيس الأمريكي من "إيقاف الحرب في اليمن"، وذلك في إطار خطواته الرامية للعب دوراً أكثر توازناً لإدارة الصراعات الإقليمية بالمنطقة، إذ من أبرز تلك الخطوات: تعيين مبعوث أمريكي "تيم ليندركينغ" لبحث آفاق الحل، وإلغاء تصنيف "الحوثيين" كجماعة إرهابية، وإعادة النظر في مباحثات الملف النووي الايراني، فضلا عن الدفع بالأطراف الإقليمية لإعادة ترسيم مسارات التسوية السلمية مثل السعودية وعُمان.
  
وفي هذا السياق، يمكن ترجيح الدفع بواشنطن نحو تبني اقتراب "الحل الإقليمي" خاصة مع تغيّر المعادلة الإيرانية من رئاسة الإصلاحي "حسن روحاني" إلى المحافظ "إبراهيم رئيسي"، وذلك استنادا على عدد من الدوافع والأسس ضمن تقييمها للحالة اليمنية بشكل عام، ومنها على سبيل المثال:

- إنهاء حالة "اللاحسم" بالمسألة اليمنية : تؤشر كافة المشاهدات منذ اندلاع الأزمة اليمنية على أنها أصبحت تدور في فلك "اللاحسم"، خاصة في ظل قدرة أطرافها على مواصلة المعارك بلا توقف. فضلا عن تصاعد منحنى المعارك بشكل دائم، بما يعكس قدرة الأطراف على تطوير قدراتهم الهجومية من مرحلة لأخرى، فضلا عن فشل كافة محاولات "الاختراق النوعي" لأطراف المعادلة اليمنية، بما ينذر بحالة "اللا حسم" بين أطراف تلك المسألة، خاصة وأنّ السياق الحاكم لتلك الأزمة لا يختلف عن ما يتم هيكلته لمعادلات التسوية. فعلى سبيل المثال: لم تضفِ الجولات المتعددة في عواصم متباينة كجنيف والكويت واستكهولم أي اختراق سياسي يمكن ترجمته ميدانيا، وبالتالي هناك تعادل في المسارين "السياسي، والميداني"، بما قد يُعرقل مسارات "الحل الإقليمي" للأزمة، ويجعل تبني خيار مقابل الآخر أمرًا من الصعب حسمه.

- تقويض "الانخراط الإقليمي" في المسألة اليمنية: أبرز تلك المشاهدات ما تمثل في دعوة بايدن لطهران لاستئناف المباحثات حول الملف النووي الإيراني وحل أزمة العقوبات مقابل وقف دعمها العسكري للحوثيين، باعتباره يشكل تهديدًا لمصالحها ومصالح حلفائها في الخليج. كذلك محاصرة نشاط "التحالف العربي" في اليمن من خلال: إنهاء الدعم اللوجستي للتحالف، وتجميد صفقات الأسلحة الأمريكية، ودفع الحلفاء الأوروبيين إلى حذو النهج ذاته. وكذلك بالمقابل، تدفع واشنطن برسائل مهادنة مع قوى التحالف، أبرزها: تطويق النشاطات الإيرانية المعادية والمهددة لقوى التحالف، وكذلك تقديم حوافز فنية للدفاعات العسكرية السعودية المتضررة من الهجمات الحوثية، وإن كانت تلك الخطوة تسهم بشكل واضح في حالة "اللاحسم" الميداني بالأزمة اليمنية.

- إدارة "التسوية السلمية" للمسألة اليمنية:  إذ من المرجّح أن تسعى الإدارة الأمريكية - على المدى القريب والمتوسط - إلى إدارة "المسألة اليمنية" سياسيا، وذلك من خلال المبعوث الخاص "ليندركينغ"، وما قد تؤول إليه تحركاته المختلفة في احتمالات التوصل إلى طرح "عملية تسوية" بالمشاركة مع جهود الأمم المتحدة وعبر الوساطات مع القوى الإقليمية، ودفعهم إلى تحويل فائض الانخراط العسكري على الساحة اليمنية إلى جهود الوساطة من أجل التهدئة ومن ثم التسوية السياسية.

ترجيحات "الحل الاقليمي": 

ثمة مؤشرات تعكس احتمالات متفاوتة من "الانفراجة المرنة" بالعملية السياسية لمسارات التسوية بالمسألة اليمنية، وذلك استنادا إلى عدد من المشاهدات، أبرزها:  

1.  التقارب الأمريكي الإيراني: 

ثمة ترجيحات تؤشر إلى عودة التقارب الحثيث بالرؤي بين كل من الولايات المتحدة وإيران والتي تنعكس بدورها على دعم المسار السياسي بالمسألة اليمنية، إذ اشتملت تلك المؤشرات على التالي:

-  ما أعلنته إدارة "جو بايدن" من رفع اسم جماعة "الحوثيين" اليمنية المدعومة إيرانياً، من قوائم الإرهاب في فبراير 2021، بعد أقل من شهر على تصنيفها من قِبل إدارة ترامب، فضلا عن إعلان الإدارة الجديدة لإنهاء حرب اليمن، مع تأكيد الدفاع عن مصالح السعودية التي تقود تحالفاً لدعم "الشرعية" في اليمن منذ عام 2015، بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومساحات واسعة من البلاد عام 2014.

-  انطلاق المحادثات الإيرانية الأمريكية بالعاصمة النمساوية فيينا في أبريل 2021؛ في محاولة لإعادة الأطراف إلى الاتفاق، مقابل التزام طهران بتخفيض تخصيب اليورانيوم إلى حده الأدنى وتقييد الأنشطة النووية، في الوقت الذي ترفع فيه واشنطن العقوبات عن إيران التي تعج بالأزمات، خاصة بعد التداعيات السلبية لأزمة جائحة كورونا.

-  تأكيد الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" على تمسكه بالتوجه نحو الالتزام بالاتفاق النووي، خاصة وأنّ السياسة الخارجية لإيران تجاه العودة للاتفاق النووي مع القوى العالمية لن تتغير بعد الإدارة السابقة لحسن روحاني، فالنظام السياسي في إيران لا يختلف بين الإصلاحيين والمحافظين، فالسياسة الإيرانية الخارجية بيد المرشد الأعلى للثورة "علي خامنئي"، والحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات، ورجال السياسة من جميع التوجهات لا يمكنهم تجاوز ذلك.

-  محاولة الرئيس الإيراني الجديد "إبراهيم رئيسي" اكتساب الشرعية وثقة الداخل عبر إنجاح عملية "الارتباط البيني" بين العودة للاتفاق النووي، وانتهاء العقوبات الاقتصادية التي شلت الاقتصاد الإيراني، وخلقت أزمات داخلية غير محتملة زادت تبعاتها مع التداعيات السلبية لجائحة كورونا. 


2.  التنسيقات الإيرانية – السعودية:   

انعكست تلك التنسيقات النوعية على جملة المشاهد الحاكمة لإعادة سريان العلاقات الإيرانية السعودية، هو ما يمكن استنتاجه من خلال:  

-  التصريحات المرنة للرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" عقب إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية خاصة ذلك المتعلق بأنه: "لا وجود لعقبات من الجانب الإيراني أمام إعادة فتح السفارات مع المملكة العربية السعودية". وذلك على خلفية سياساته البراغماتية إقليميا، والرامية لمحاولة رأب التصدع الإيراني العربي.

-  ما أعلنته السعودية بوقت سابق عن استعدادها لخوض حوار مع إيران لخفض حدة التوتر بالمنطقة، وذلك عقب تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن الحكم وإعلانه السعي لإنهاء الحرب في اليمن.

3.  تعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن: 

وذلك في إطار تطبيقيات ما دعت إليه الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن، نحو إنهاء الصراع في اليمن، فقد تم استصدار قراراً بتعيين " تيموثي ليندركينغ " كمبعوث أمريكي خاص لليمن في فبراير الماضي، كخطوة تم ترويجها إعلامين على خلفية التنسيق والتعاون المتبادل مع المبعوث الأممي "مارتن غريفيث"، إلا أنه من الناحية التنظيمية والمنهاجية، ثمة اختلافات تطبع على مقاربات العمل والتحرك لكلا المبعوثين وتنعكس بشكل مباشر على آليات الحل بالمسألة اليمنية، حيث:

-  يدعم المبعوث الأمريكي، منهاجية البدء بإجراءات تخفيف القيود على دخول السلع والمشتقات النفطية عبر الحديدة، وفتْح مطار صنعاء الدولي كمقدمة لعملية وقف إطلاق النار، ومن ثمّ إزالة القيود بشكل كامل بعد تثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية في كافة أنحاء البلاد.

-  دعم المبعوث الأممي المنتهي ولايته "غريفيث"، منهاجية مغايرة للمبعوث الأمريكي ترتكز على وقف العمليات العسكرية أولاً، خاصة في مأرب، ومن ثم تخفيف القيود على حركة الواردات الإنسانية والتجارية عبر ميناء الحديدة، وكذلك فتح مطار صنعاء أمام حركة الطيران لوجهات إقليمية ودولية محددة. وهو ما قد يدفع بمزيد من التحديات أمام مهام السويدي هانز جروندبرج كمبعوث أممي رابع لملف اليمن، أهمها ما يتعلق بتطوير "المقاربات التفاوضية" نحو إيجاد مساحات مشتركة بين أطراف النزاع، وبحث إمكانية إصدار مرجعية دولية مختلفة من القرارات تأخذ في الاعتبار التطورات الميدانية الحالية والحاجة إلى إشراك أطراف أخرى في عملية التفاوض، فالقرارات الدولية التي تأسست عليها الجهود الأممية، خاصة قرار مجلس الأمن رقم 2216، لم تساعد في توفير الإطار التفاوضي المناسب لعمل البعثة الأممية. فعلى سبيل المثال: ذكر تقرير لمجموعة الأزمات الدولية صدر في 18 يونيو 2021، أن تفسير القرار 2216 مثل عائقاً لحدوث تقدم نحو تسوية سياسية، وأن الكثير من المراقبين والسياسيين طالبوا باستبداله. (3) 

ختاما ... يبدو أن المسألة اليمنية ستمثل إحدى أهم الانعكاسات المباشرة لديناميكية التحركات الخارجية "إقليميا ودوليا" للرئيس الإيراني المنتخب إبراهيم رئيسي، إذ في حالة تم إنجاز أجنداته الخاصة بالتنسيقات المشتركة مع الجانب الأمريكي، وعودة العلاقات بين طهران والخليج، فمن المرجّح أن يُعاد النظر مرة أخرى في مسارات الحل الإقليمي للأزمة اليمنية خاصة تلك المتعلقة بـ "المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية والتوصل لحل سياسي شامل"، واحتمالات البناء على ما انتهت إليه "الوساطة العمانية".

د. إيمان زهران 
باحثة مصرية، متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي 

الصورة الرئيسية: ابراهيم رئيسي يجلس على يمين علي خامنئي في طهران © أ ف ب 

- للإطلاع على الورقة إلكترونيا (من هنا

إيران الحوثيون الانتخابات الإيرانية الأزمة اليمنية الحرب اليمنية الولايات المتحدة السعودية