07-08-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
تزداد وطأة التعقيدات التي يواجهها المغتربون اليمنيون في المملكة العربية السعودية. فبعد موجة توطين الوظائف التي صدرت بقرار من وزارة العمل السعودية عام 2018، والتي تشمل 11 نشاطاً وما يزال مستمراً ويشمل كل فترة وظائف جديدة، بهدف خفض معدل البطالة بين مواطنيها إلى ما بين 7% و4% بالمائة؛ حسب رؤيتها المستقبلية 2030 (1)، تعود الموجة من جديد وبقرارات غير معلنة من الجهات الرسمية، لكنها هذه المرة من جنوب المملكة وعلى وجه الخصوص المناطق التي تشترك بحدودها مع اليمن، مثل عسير ونجران وجيزان.
فقد ذكرت مصادر عاملة في الجالية اليمنية بمناطق عسير ونجران وجيزان، أن السلطات السعودية أبلغت جميع مالكي المحال والمراكز التجارية؛ بضرورة نقل العمالة اليمنية إلى مناطق أخرى في المملكة، إذ تلقى يمنيون إشعارات من السلطات السعودية بإنهاء تعاقدهم مع المنشئات التي يعملون بها، وبالمثل وجهت إنذارات للمنشئات التي لديها عمالة يمنية بضرورة إنهاء التعاقد، بما فيها عقود السكن المستأجرة، وأمهلتهم 120 يوماً للنقل، حسب عدة مصادر يمنية مقيمة في جنوب السعودية.
القرارات السعودية غير المعلنة لم تشمل العاملين في القطاعات الخاصة فقط، بل شملت الأطباء والأكاديميين والمتخصصين اليمنيين الذين يعملون في قطاعات حكومية، من بينها مستشفيات ومنشئات طبية وجامعات جنوب السعودية. وهو ما يمثل خطوة مفاجئة وغير متوقعة في هذا التوقيت، خاصة وأن المؤشرات لا توحي بتحقيق انتصار حاسم للصراع الطويل في اليمن، بما يهيئ لعودة اليمنيين المغتربين مع أسرهم إلى اليمن، خاصة وأن أعدادهم تفوق المليون في جنوب المملكة. وقد تتسبب قرارات مثل هذه في خلق أزمة اقتصادية إضافية؛ بانقطاع مصادر الدخل على الكثير من الأسر اليمنية داخل اليمن، وستعيق أهم مورد اقتصادي للبلاد المتمثل بتحويلات المغتربين المالية، خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية غير مستقرة منذ بدء الحرب في اليمن 2015 وحتى اليوم.
مخاوف حدودية قديمة
شكلت الحدود السعودية – اليمنية على مر التاريخ محل جدل وخلاف دائمين، فقد أتاح اتفاق الطائف الذي وقع عام 1934 بين البلدين، للسعودية الحصول على المدن الواقعة جنوب المملكة حالياً (نجران وجيزان وعسير)، إلا أن الاتفاقية رغم قطعية نصوصها اشترطت تجديدها كل عشرين عام. إذ طبقت السعودية مقاربة سياسية ناجحة استقطبت فيها السكان المحليين في تلك المناطق وقدمت لهم تسهيلات في مختلف المجالات من أجل ضمان ولائهم، حتى إذا ما تم تجديد الاتفاق تضمن بقائهم في إطار الحدود الموقعة عليها. كما جرى تجنيس عشرات الآلاف من اليمنيين الجنوبيين الذين غادروا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية إلى نجران في الثمانينات.
وعلى الرغم من الأزمات والأوضاع التي حلت في كل من اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، ومعطيات الظروف السياسية الداخلية في كل دولة، إلا أن مسألة تسوية النزاع الحدودي ظلت قائمة. وبعد الوحدة اليمنية بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1990، بلغت لقاءات واجتماعات اللجان المشتركة بين اليمن والسعودية لترسيم الحدود أرقاماً عالية في المفاوضات، إلى أن وصلت الأطراف المتنازعة أخيراً إلى اتفاق رعا توقيعه كل من الرئيس السابق علي عبدالله صالح وولي العهد السعودي حينها الأمير عبدالله بن عبد العزيز آل سعود سنة 2000 في جده، أنهى معه مرحلة عسيرة من التوتر الذي دام لعقود على الخلاف الحدودي شديد الحساسية بين البلدين.
ينبغي القول باختصار، أنه على الرغم من توقيع اتفاقية جدة بين البلدين سنة 2000، إلا أنها لم تنص على امتيازات لليمنيين في السعودية كما كانت تنص عليها اتفاقية الطائف 1934؛ إضافة إلى أنه مازالت هناك اعتراضات حوثية، ترفض الاتفاقية بدعوى أن النظام السابق باع الأراضي اليمنية مقابل بعض المال، خاصة بعد البدء في بناء سياج حدودي عازل عام 2013 (2)، الذي تبرره السعودية بأنه حماية لحدودها من تدفق المهاجرين أو المتسللين بصورة غير شرعية من اليمن، أو وقف أي نشاط محتمل من تنظيم القاعدة.
الدوافع السعودية لمثل هذه القرارات:
عكست القرارات السعودية الأخيرة غير المعلنة، بشأن نقل اليمنيين المغتربين من مناطق جنوب المملكة، ردود فعل يمنية متباينة بين الاستنكار والاستغراب؛ وبين أحقية المملكة في اتخاذ ما تراه مناسباً من قرارات لمصلحتها. فيما لم تصدر من الجهات الرسمية على الجانبين السعودي أو اليمني أي تصريحات بهذا الخصوص، بيد أنً المستجدات على الأرض بين أطراف الصراع اليمني والتطورات العسكرية، ربما لم تكن في صالح السعودية التي تقود التحالف العربي في اليمن، في ظل عدم تقدم أو حسم عسكري في الجبهات اليمنية، من الجيش الوطني الذي يدير القرار فيه نائب الرئيس الجنرال علي محسن الأحمر، وحزب الإصلاح اليمني – فرع تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن؛ حسب تعليقات متواترة.
وقد يبدو أن المملكة العربية السعودية باتخاذها مثل هذه القرارات؛ لديها عدة دوافع لإحداث تغييرات كهذه، ويمكن تلخيصها في الآتي:
- إن توقعات حدوث تسوية سياسية بين الأطراف اليمنية خلال الأشهر القادمة، في ظل جهود السلام الدولية والإقليمية الهادفة إلى وقف الحرب في اليمن، قد يؤدي لضغوطات تدفع إلى إنهاء فترة رئاسة هادي، وبدء فترة انتقالية جديدة برئيس توافقي جديد أو مجلس رئاسي ربما، وتوقيع التسوية السياسية سيعني إيقاف الحرب اليمنية وانتهاء سريان الطلب الرئاسي اليمني المقدم من الرئيس هادي إلى مجلس التعاون الخليجي بالتدخل العسكري في اليمن لمواجهة الانقلاب الحوثي على الشرعية، كما تعني التسوية السياسية المحتملة بدء شرعية توافقية مؤقتة يكون الحوثيون جزءاً منها. ومع تزايد مخاوف الأطراف اليمنية وكذا الإقليمية الضالعة بشكل مباشر في الحرب من احتمال انقلاب الحوثيين على التسوية المحتملة؛ واندلاع جولة جديدة من الصراع بين الأطراف اليمنية بدون غطاء عسكري من التحالف العربي بقيادة السعودية؛ الذي سيفقد السند القانوني السابق للتدخل في الصراع المرجح مع عدم تأكده من أنه قد يحصل على طلب لاحقا لأسباب تتعلق بالصلاحيات الدستورية للشرعية الجديدة التي سيشارك الحوثيون في اختيارها؛ وهو الأمر الذي قد تتطور معه المواجهات العسكرية (إذا ما انقلب الحوثيون على التسوية)، إلى استهداف الحوثيين للمناطق الجنوبية في السعودية عبر الحدود التي يسيطرون عليها من الجانب اليمني، وهذا ما يفسر الأخبار المتواترة عن رغبة السعودية في وجود منطقة آمنة داخل الحدود اليمنية تفصل الحوثيين عن حدودها.
- مع الاحتمالات الواردة باستمرار الحوثيين لحربهم ضد المناطق الجنوبية للسعودية بعد التسوية السياسية المحتملة وارتفاع وتيرتها؛ تتزايد مخاوف السعودية أن يكون للحوثيين خلايا نائمة من اليمنيين في المناطق الجنوبية للسعودية، قد تقدم دعماً داخلياً للحرب الموجهة ضد هذه المناطق من الخارج؛ خاصة وأن قرابة مليون يمني يقيمون بشكل نظامي وغير نظامي في تلك المناطق؛ وهو الأمر الذي يصعب معه فرز المتعاطفين مع الحوثيين من بين هذا العدد الكبير.
- قد يكون من بين الدوافع أيضاً خشية السلطات السعودية بأن بين اليمنيين المقيمين على أراضيها في جنوب المملكة، من هم متورطون بعمليات تجسس، أو يقدمون معلومات استخباراتية للحوثيين، أو يمنحونهم إحداثيات لبعض المواقع الاستراتيجية المهمة في مدن جيزان وعسير ونجران، فالمغتربين اليمنيين حسب مصادر مطلعة في جنوب السعودية، دائماً ما يتعرضون إلى حملات أمنية مفاجئة، الأمر الذي يؤكد مخاوف سعودية حقيقية مرتبطة بالوضع الجيوسياسي والأمني والعسكري لديها.
- إن بقاء احتمالات اندلاع مواجهات عسكرية مع إيران في مياه الخليج العربي تزيد من رفع الحساسية الأمنية السعودية في مناطقها الجنوبية؛ فالأرجح في هذه الحالة أن أحد أشكال الانتقام الإيراني سيكون موجهاً ضد السعودية عبر ذراعها اليمني "الحوثي"، ورغم انخفاض مؤشر احتمال اللجوء إلى عمل عسكري ضد إيران مع تولي إدارة الرئيس بايدن؛ إلا أن عدم حسم مفاوضات الملف النووي الإيراني؛ وكذا الاستهداف المتبادل للسفن التجارية في البحر بين إيران وخصومها الإقليميين تزايدت بشكل قد ينذر بمواجهة عسكرية إذا ما استمرت ردود الفعل المتبادلة بين الأطراف بنفس الوتيرة التي دفعت التصريحات الإسرائيلية والبريطانية إلى مستوى حاد غير مسبوق تجاه إيران؛ ودخول الحوثيين في خط استهداف سفينة تجارية سعودية بطائرة مسيرة، وهي الوسيلة التي استهدفت بها السفينة الإسرائيلية التي أشعلت الأزمة مع إيران "ميرسر ستريت"، وكما أدى التصعيد الإسرائيلي الإيراني إلى لجوء الأخيرة للتصعيد في جنوب لبنان عبر حزب الله؛ فإن أي تصعيد مع إيران تكون السعودية طرفاً فيه يتوقع أن يكون الرد الإيراني عبر الحوثيين.
تأثير القرارات على الوضع العام:
رغم أن القرار السعودي غير المعلن بنقل اليمنيين المغتربين من جنوب المملكة وإخلاء تواجدهم في تلك المناطق؛ يدعم أمنياً اجراءات التصدي لسيناريوهات محتملة لعدوان حوثي على هذه المناطق؛ إلا أن الآثار الجانبية عن هذا القرار وبخاصة الآثار الاقتصادية والاجتماعية في الداخل اليمني ستدعم بلا شك الجانب الحوثي؛ فمع حالة الحرب اليمنية، وعدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية داخل اليمن، لا تشكل قرارات مثل هذه مشكلة بالنسبة للجانب الرسمي السعودي، بيد أن تبعاتها كارثية بالنسبة لليمنيين المغتربين في تلك المناطق، وستحول الأوضاع الإنسانية والاقتصادية من صعبة إلى كارثية؛ إلى الدرجة التي سترتفع معها نسبة المجاعة وانعدام الأمن الغذائي الخطير، بنسب أعلى عما تشهده في الوقت الراهن.
قد يبدو الوضع العام غير مطمئناً بالنسبة للكثير من المغتربين اليمنيين، وهو الحال بالنسبة لأسرهم في الداخل اليمني؛ الذين يعتمدون على التحويلات المالية كمصدر أساس للدخل، الأمر الذي يهدد مصدر عيشهم المتبقي الوحيد، خاصة في ظل فقدان كثير من المواطنين اليمنيين رواتبهم؛ بسبب أزمة السيولة التي نشأت بعد حرب 2015 في اليمن.
تدفع مثل هذه القرارات، لاحتمال استغلال الحوثيين والإخوان المسلمين - فرع اليمن، زيادة التحريض ضد الإجراءات السعودية، وهو ما تم ملاحظته خلال الأيام القليلة الماضية، عبر إعلامهم وقنواتهم الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي. كما أن فقدان المغتربين اليمنيين لسبل عيشهم الأساسية وعودة البعض منهم إلى اليمن في ظل الأوضاع غير المستقرة، وبالأخص المناطق التي يسيطر فيها الحوثيون وتتركز فيها النسبة الأعلى لتعداد السكان؛ يسمح بأن يستفيد الحوثيون من جذب المزيد من المقاتلين إلى صفوفهم.
وكان يمنيون قد طالبوا على وسائل منصات التواصل الاجتماعي، بتفعيل نصوص معاهدة الطائف المبرمة بين البلدين عام 1934، التي منحت المغتربين اليمنيين امتيازات خاصة؛ تتضمن جوانب اقتصادية وأمنية وسياسية، وتسهيل تنقلات للزائرين والحجاج (3)، بالإضافة إلى الامتيازات التي نصت عليها اتفاقية ترسيم الحدود المبرمة بين البلدين عام 2000.
لذا، بقدر ما تعكس القرارات حالة تتعلق بسيادة المملكة على أراضيها، إلا أن خبراء يشيرون إلى أهمية تأجيل مثل هذه الاجراءات وإعفاء اليمنيين المغتربين منها، إلى حين يتوصل فرقاء الأزمة اليمنية إلى حل سياسي وتحقيق استقرار اقتصادي نسبي في اليمن، إذ يمكن إعادة النظر في مثل هذه الاجراءات مستقبلاً. لأن الإصرار في اتباع هذا النوع من الاجراءات على أكثر من مليون يمني مغترب في جنوب المملكة، قد يساهم في خلق كارثة تهدد مصدر عيشهم، خاصة في ظل عدم وجود بدائل للانتقال نحو مدن سعودية أخرى، الأمر الذي قد يقوّض في الأخير من عملية السلام التي يبذل المجتمع الدولي جهود مكثفة بشأنها في اليمن، وهو ما يفسر عدم الإعلان الرسمي السعودي عن مثل هذه الاجراءات.
على هذه الخلفية، كان يفترض أن تتدخل الحكومة اليمنية لتناقش المخاوف الأمنية السعودية في هذه الظروف الاستثنائية، والنظر في المعالجات المشتركة التي يمكن أن تستهدف اليمنيين المقيمين في المناطق الجنوبية للسعودية، لكن يبدو أن أمر الرعايا اليمنيين في السعودية لا يعني الحكومة اليمنية، والتي أثبتت عدم جديتها في مناقشة المسائل المتعلقة باليمنيين في الخارج في أكثر من مُعطى. ويبدو أن عدم المبالاة الحكومية ناشئة عن النظرة الشخصية للقضايا، إذ يعتقد المسؤولون الحكوميون الرفيعون حالياً أنهم سيكونون غير متواجدين في المشهد السياسي عقب أي تسوية محتملة.
كما أنّ الإجراءات الأمنية السعودية التي يتوقع أنها مؤشر مهم لقرب التسوية السياسية في اليمن؛ والتي قد تكون اتخذت احتياطاً لأي انقلاب حوثي على التسوية المتوقعة؛ قد يكون لآثارها الاقتصادية انعكاسات تساعد الحوثيين للانقلاب على التسوية وتدشين جولة صراع جديدة؛ جاءت الإجراءات الأمنية السعودية تحسباً لها؛ وهذا يؤدي إلى دوران في حلقة مفرغة، فالإجراءات الأمنية ضرورية تحسباً للانقلاب الحوثي على التسوية؛ وهي في نفس الوقت تساعده على ذلك.
- تم إخفاء اسم كاتب التحليل بطلب من الكاتب، (لا تعكس الآراء الواردة في التحليل بالضرورة السياسية التحريرية لمركز سوث24 للأخبار والدراسات)
- الصورة: مغتربون يمنيون في السعودية (أرشيف)