هيمنة طالبان على أفغانستان وعواقبها المحتملة في اليمن

هيمنة طالبان على أفغانستان وعواقبها المحتملة في اليمن

التحليلات

الإثنين, 16-08-2021 الساعة 07:14 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| قسم التحليلات 

أدهشت  غزوات طالبان الناجحة في كافة أرجاء أفغانستان معظم المراقبين الذين لم يتوقعوا انهيار حلفاء الولايات المتحدة هناك بتلك السرعة، ناهيك على حدوث ذلك بعد أقل من أسبوعين منذ بدء الحركة موجة استيلائها على العواصم الإقليمية. من المتوقع أن ترتبط تلك التطورات الدراماتيكية بعواقب جيوسياسية بعيدة المدى، لاسيما فيما يتعلق بتأثيرها المحتمل على مجريات الأحداث في غرب آسيا، وهو البعد الذي لم يحظ بدراسات كافية رغم أنّ أهميته لا تقل عن تداعيات هيمنة طالبان بالنسبة لوسط وجنوب آسيا.

أولًا، من المحتمل أن تتوقف نظرة الحلفاء العرب للولايات المتحدة تجاه واشنطن من حيث اعتبارها ضامنًا جديرا بالثقة لأمنهم. لم يكتف الرئيس الأمريكي جو بايدن بفرض ضغوط على  المملكة السعودية، الحليف التقليدي لبلاده، من أجل تقليص ثم إيقاف في نهاية المطاف عملياتها المستمرة في اليمن، لكنه تخلى عن حلفاء واشنطن الأفغان لصالح طالبان، بالرغم من أن هذه الحركة ظلت واحدة من أسوأ أعداء الحكومة الأمريكية على مدار العقدين الماضيين. ويشير ذلك إلى تبني الولايات المتحدة نهجًا باردًا تجاه القضايا الجيوسياسية بالمنطقة تنتصر فيه مصالح الأمن القومي المتصورة على القيم والأخلاقيات والمبادئ.

وإلى حد كبير، تتمثل الاهتمامات الأمريكية المفترضة في منطقة غرب آسيا هذه الأيام في إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني، في ظل استعداد أمريكي محتمل لإبرام صفقات خلف الكواليس مع الجمهورية الإسلامية. وتؤمن إدارة بايدن، بغض النظر عن مدى صحة أو خطأ ذلك، بضرورة إحياء السياسة الإقليمية لحقبة سلفها أوباما من أجل استعادة إحساس التوازن للإستراتيجية الأمريكية هناك. وبدلًا من مبدئها المتمثل في دعمها الدائم لحلفائها العرب  التقليديين، تبدو واشنطن مستعدة للمساومة بشأن مصالحهم من أجل تحسين علاقتها مع طهران.

"تؤمن إدارة بايدن بضرورة إحياء السياسة الإقليمية لحقبة سلفها أوباما من أجل استعادة إحساس التوازن للإستراتيجية الأمريكية" 
 

وبفرض صحة هذا التقييم، لا سيما وأنّ نهج إدارة بايدن تجاه اليمن يمنح بعض الموثوقية لتلك الملاحظة، ربما سيكون حتميًا إذن أن تتحدد نتيجة هذا الصراع في البلد الذي مزقته الحرب من خلال صفقة خلف الكواليس مع إيران. وبشكل خاص، قد تقوم واشنطن بدعم حذر لترحيب من المجتمع الدولي بالحوثيين كطرف فاعل شرعي على نحو يشبه كيفية معاملتها الجارية لحركة طالبان في أفغانستان.

وبغض النظر عن مدى برجماتية هذه السياسة، يمكن القول إنها ستكون ضد مصالح التحالف العربي الذي تقوده المملكة السعودية، وقد تؤدي إلى "فقدان ماء وجهها" هناك على نحو يشبه ما تشهده للتو الحكومة المعترف بها دوليا في أفغانستان. ويوجه البعض في كابول اتهامات إلى الولايات المتحدة بالعمل من وراء ظهورهم لشرعنة  طالبان دون استشارة السلطات الأفغانية، بل بممارسة ضغط أحيانا عليهم للإذعان لجهود الحليف الأمريكي لتحقيق هذه الغاية، على غرار الإفراج المثير للجدل عن سجناء طالبان.

وفي ذات السياق، ربما تكثّف الولايات المتحدة ضغوطها قريبا على المملكة السعودية لفعل شيء مشابه في أعقاب السابقة التي أسستها للتو في أفغانستان، لكنها ستكون هذه المرة من أجل تحسين علاقتها مع إيران من خلال إبرام صفقة متوقعة خلف الكواليس بشأن اليمن تستهدف المضي قدما في عملية إعادة التفاوض على الملف النووي الإيراني. وفي ظل عدم تيقن المملكة السعودية بشأن حصولها على الدعم الكامل من حليفها الأمريكي، والذي بات محل تساؤلات بالفعل منذ تولي بايدن سدة الحكم والتغير في السياسة الأمريكية، ربما ستجد الرياض نفسها مضطرة إلى التنازل.

وبكلمات أخرى، ما حدث للتو في أفغانستان قد لا يكون محض صدفة للسياسة الأمريكية، لكنه بداية نهج جديد كليًا لحل صراعات إقليمية تبدو مستعصية عن الحل. وربما يتمثل النموذج الناشئ في استعداد الولايات المتحدة لمقايضة مصالح حلفائها من أجل المضي قدما في مصالحها القومية المتصورة على حسابها. وفي أفغانستان، أدى ذلك إلى اتهامات بييع كابول من أجل إعادة انتشار القوات الأمريكية هناك في منطقة "آسيا-المحيط الهادئ" بهدف احتواء الصين، بينما ربما يرتبط الأمر في اليمن بالاتفاق النووي الإيراني.

 "يتعيّن على المجلس الانتقالي الجنوبي توقع مرونة أمريكية أكبر تجاه الحرب اليمنية في أعقاب الأحداث الأخيرة في أفغانستان" 
 

لم تكن الحكومة الأفغانية المعترف بها دوليا قادرة على الوقوف في وجه الخطة الأمريكية بسبب فشلها المبكر في التنويع المستقل لأطرافها الأمنية. ولا تستطيع الهند التدخل بشكل مؤثر لأسباب جيوسياسية واضحة تتعلق بعجزها عن المرور عبر المجال الجوي لجارتها باكستان. وكذلك لم تستطع إيران فعل الكثير بسبب ضلوعها الشديد في حروب أهلية في أماكن أخرى بغرب آسيا. وعلاوة على ذلك، انتزعت طالبان بشكل سريع السيطرة على المواقع الحدودية لقطع الطريق على أي دعم بالوكالة.

وفي السياق اليمني، تعاني المملكة السعودية أيضا خلال حملتها من أجل تنويع أطرافها الأمنية. وتسبب التراجع العسكري الإماراتي قبل سنوات في ترك المملكة السعودية إلى حد كبيرة وحيدة للدفاع عن نفسها في شمال البلاد. ورغم حقيقة أن بعض القوات اليمنية الجنوبية ما تزال تحارب الحوثيين في إطار جهود التحالف، بيد أن الأمر ليس كما كان عليه وقتما كانت أبو ظبي أكثر ارتباطا بالصراع هناك. وجاء هذا التطور بالإضافة إلى السياسة الجديدة من إدارة بايدن تجاه الحرب ليشكل ضغطا كبيرا على المملكة السعودية.

ولذلك، ينبغي على الرياض تَوقُّع أن القادم أسوأ، والتأهب لتخلي واشنطن عنها بشكل متزايد في اليمن على غرار ما فعلت تجاه حلفائها في كابول في وقت سابق هذا الشهر. وبشكل عام، ترغب الولايات المتحدة في أن تتركز الغالبية العظمى من جهودها العسكرية في منطقة آسيا-المحيط الهادئ من أجل احتواء الصين، لكنها ربما تملك هدفا إقليميا أكثر تحديدا في اليمن يتعلق في إبرام صفقة خلف الكواليس مع إيران في إطار تسوية محتملة تتعلق بالمضي قدما في عملية إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي.

من منظور الأطراف المعنية العديدة في حرب اليمن، يمثل هذا عقبة وفرصة. سينظر السعوديون إلى هذا الأمر باعتباره السيناريو الأسوأ، إذ قد ينتج عنه هزيمة دبلوماسية مهينة بالنسبة لها على غرار ما شهدته للتو الحكومة الأفغانية المعترف بها دوليا. وقد ينظر الحوثيون إلى ذلك بوضوح باعتباره فرصة لشرعنة سيطرتهم على شمال اليمن، كما أن ذلك يتماشى مع المصالح الإيرانية، فيما قد يراها المجلس الانتقالي الجنوبي فرصة لشرعنة سيطرته على جنوب اليمن.

لتوضيح النقطة الأخيرة، يجب ملاحظة أن المجلس الانتقالي الجنوبي يتعين عليه توقع مرونة أمريكية أكبر تجاه الحرب اليمنية في أعقاب الأحداث الأخيرة في أفغانستان والتي تشير إلى نموذج أمريكي جديد لحل المشكلات التي تبدو مستعصية. التسوية الأكثر برجماتية التي قد تبرمها واشنطن مع طهران قد تلجأ إلى شرعنة الأطراف الداخلية على أرض الواقع في اليمن، من خلال نموذج فيدرالي أشبه بما حدث في البوسنة، حتى ولو في صورة مؤقتة لحين صياغة دستور جديد.

"الاستثمارات السعودية التي حظيت بدعاية كبيرة للتأثير على السياسة الأمريكية صارت الآن هباء منثورا" 

قد يُمكّن ذلك الحوثيين من ترسيخ صعيد نفوذهم في الشمال على غرار ما يستطيع المجلس الانتقالي الجنوبي فعله في الجنوب. الأبعاد الدولية لهذه التسوية المحتملة من شأنها أن تلبّي المصالح الإيرانية والإماراتية على التوالي بينما قد تضحي بالمصالح السعودية في هذا المذبح الجيوسياسي. وفي حقيقة الأمر، فإن ديناميكية السلطة داخل مجلس التعاون الخليجي قد تواصل التحول في اتجاه يجعل الإمارات العربية المتحدة أكثر نفوذا إقليميا من السعودية، بحيث تضحى الحليف المفضّل للولايات المتحدة بالمقارنة.

وربما لا يقتصر تصور إدارة بايدن في هذا الصدد على اعتبارها إستراتيجية إقليمية أكثر برجماتية، لكنها قد تنظر إليها كانتقام غير معلن من المملكة السعودية بسبب دعم الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. لقد كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يرتبط بعلاقات وطيدة جدا مع صهر ترامب جاريد كوشنر. بيد أن الاستثمارات السعودية التي حظيت بدعاية كبيرة للتأثير على السياسة الأمريكية صارت الآن هباء منثورا، بل وربما تدرك المملكة بعد فوات الأوان أنها أتت بنتائج عكسية بسبب التصور الداخلي الأمريكي للرياض باعتبارها طرفا متحزبًا في السياسة الأمريكية.

وبالمقابل، كانت الإمارات دائما حذرة جدا مخافة أن يتم النظر إليها باعتبارها شديدة القرب من إدارة أمريكية بعينها، لكنها تفضّل أن تكون حليفًا للولايات المتحدة بشكل عام. وربما تُكافأ أبو ظبي على هذه البرجماتية من خلال جهود واشنطن المحتملة للترويج لحل فيدرالي للحرب اليمنية (حتى وإن كان مؤقتًا) على أساس اهتماماتها الجديدة بإعادة توازن سياستها الإقليمية، وتحسين روابطها مع طهران من خلال صفقات خلف الكواليس، بالإضافة إلى انتقام محتمل من السعودية لدعمها ترامب.

تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها في أفغانستان لصالح طالبان ينبغي أن يدق ناقوس الخطر في السعودية، لا سيما فيما يتعلق بحرب المملكة في اليمن. إذا كانت واشنطن تعامل كابول بهذا الشكل بعد استثمار ما يربو عن 2 تريليون دولار في جهود الحرب هناك، ورغم استمرار التواجد الأمريكي على الأرض في أفغانستان، من الواضح إذن أنّ الولايات المتحدة لن تشعر بأي غضاضة نحو معاملة شبيهة للرياض،  لو كان ذلك يخدم المصالح الأمريكية المتصورة،  لا سيما وأنّها استثمرت بشكل أقل كثيرا في الحرب اليمنية، ولا تملك أي تواجد على الأرض في هذا البلد.

محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو متخصص في العلاقة بين استراتيجية الولايات المتحدة في الأفرو-أوراسيا، ومبادرة الحزام والطريق الصينية، والحرب الهجينة 
- الصورة: جيتي إيميج 

- الآراء الواردة بهذه الورقة تعكس وجهة نظر مؤلفها، ولا تمثّل بالضرورة السياسة التحريرية لمركز سوث24 

أفغانستان الحوثيون إيران اليمن حرب اليمن الملجس الانتقالي الجنوبي السعودية الإمارات طالبان الولايات المتحدة إدارة بايدن