02-09-2021 الساعة 12 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ورقة تحليلية
عقب ما يقرب من ثلاثة وسبعين عاماً من انطلاق نمط "المبعوثين الدوليين" لمنظمة الأمم المتحدة، وذلك تحت بند "إحلال السلام في العالم"، حيث تدخلت في أكثر من 36 دولة في قارات العالم المختلفة، وأرسلت نحو 100 مبعوث أممي اختلفت مهامهم من ممثلين لمجلس الأمن والأمم المتحدة ووسطاء ومنسقين دوليين وإقليميين وغيرها، إذ بالرغم أنَّهم حققوا بعض الإنجازات المشهودة إلا أنها ظلت تمثل النسبة الأقل مقارنة بالإخفاقات التي أحاطت بدور هؤلاء المبعوثين، فعلى سبيل المثال: تُعد اليمن واحدة من الساحات التي شهدت حتى اليوم إخفاقاً لدور المبعوث الأممي مع فشل ثلاثة مبعوثين سابقين.
الجدير بالذكر، أنَّ العمليات المتوالية لتغيير المبعوثين الأممين إلى اليمن دون تحقيق نتائج تُذكر، تُنذر بضعف دور الأمم المتحدة وهشاشة تحركاتها، فضلاً عن التشكيك في قدرتها على القيام بدور وساطة أكثر إيجابية وفاعلية في سبيل إنجاز تسوية سياسية شاملة بالملف اليمني. ومن ثم، فمع إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فى 6 أغسطس 2021، تعيين السويدي "هانز جروندبرج" مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، واقتراب تولي مهامه كمبعوثٍ أمميٍ رابعٍ فى الأول من سبتمبر2021، خلفاً لمارتن غريفيث، تُثار العديد من التساؤلات حول فرص نجاحة وإحتمالات تبنية "مقاربات تفاوضية جديدة"، وكذلك محفزات الإخفاق بالأجندة الخاصة للمبعوث الرابع للملف اليمني، وذلك قياساً على تجارب سابقية.
تعقيدات متشابكة
دفع استمرار الحرب باليمن، وتشابك أفرعها الداخلية والخارحية، بمزيد من التعقيدات السياسية والأمنية والمجتمعية الانسانية، وهو ما يصعّب من مسارات العمل الأممية، وذلك جنباً إلى جنب مع تشابك نمط "الصراع الإقليمي" مع أزمات نوعية مختلفة مثل قضية الملف النووي الإيراني تنعكس جميعها على إدارة "الملف اليمنى". بالإضافة إلى أنَّ الأوضاع الإنسانية وتردي البنية التحتية وانهيار المرافق الخدمية وواقع التفسخ الداخلي وغياب الإجماع الوطني في حدوده الدنيا، صارت كلها عوامل تزيد من صعوبة السير في مسارات التسوية التقليدية، وصعوبة عمل وتحرك المبعوثين الأممين باليمن. إذ يُلخص غريفيث طبيعة الوضع القادم وذلك عقب انتهاء فترة عمله كمبعوث أممي ثالث، بالقول: "تضاعفت وتشرذمت الأطراف السياسية والمسلحة، كما ازداد التدخل الأجنبي في اليمن، حيث ما كان ممكناً فيما يتعلق بحل النزاع في السنوات الماضية لم يعد ممكناً اليوم، وما هو ممكن اليوم قد لا يكون ممكناً في المستقبل"، ويمكن رصد "المحطات الأممية" تباعا على النحو التالي:
1. المبعوث الأممي الأول - المغربي "جمال بن عمر":
تم تعينة مبعوثا دولياً إلى اليمن من جانب الأمم المتحدة فى إبريل 2011 ليقود الوساطة بين أطراف النزاع، ومن ثم المفاوضات للخروج باتفاق تقاسم للسلطة في 2015، إلا أنَّه تبنى نهجاً رخواً/ هشاً مع جماعة الحوثي، مما أدّى إلى فشله في مهمته، واضطر إلى الاستقالة في أبريل عام 2015، إذ إنه مما يُؤخذ عليه أنَّه في الوقت الذي كان الحوثيون يدحضون بمرجعيات السلام ويتعنتون في تنفيذها، كان المبعوث الأممي في صعدة يفاوض زعيم الحوثيين "عبد الملك الحوثي" على منح جماعته مزيداً من المناصب والأدوار المركزية في الحكومة الانتقالية. وذلك بالوقت الذى سعت من خلالة جماعة الحوثييين، لخلق وتكريس واقع جديد في البلاد، واستكمال الانقلاب على الدولة وعلى مؤسساتها الشرعية واحتلال صنعاء والمحافظات الأخرى.
2. المبعوث الأممي الثانى - الموريتاني "إسماعيل ولد الشيخ":
عقب إستقالة المغربى "جمال بن عمر"، أعلنت الأمم المتحدة - فى 25 إبريل 2015 – تعيين المبعوث الأممي "إسماعيل ولد الشيخ"، كخطوة نحو تعزيز التحركات الأممية فى إعادة الشرعية اليمنية وحل الأزمة، إلا أنَّه قوبل بعدة عقبات وعراقيل جراء التمرد الحوثي، فرغم حرصه خلال جولات المفاوضات الثلاث بين الأطراف اليمنية، التي عُقدت في كل من الكويت وسويسرا، على حل الأزمة لإنهاء الحرب، لكنَّها لم تنجح في صناعة السلام بسبب تعنت الحوثيين، ورفضهم كل مبادرات السلام، مما اضطره للاستقالة في 22 يناير 2018.
3. المبعوث الأممي الثالث - البريطاني "مارتن غريفيث":
تم تعيينه في 15 فبراير 2018، كأول مبعوث "غربي" لليمن على عكس سابقيه، ورغم نجاحه في قيادة مشاورات استكهولم في السويد، فى 13 ديسمبر 2018، بين وفدي الحكومة اليمنية والحوثيين بحضور الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إذ تمخضت تلك المشاورات عن اتفاق لوقف كامل لإطلاق النار، وانسحاب عسكري لكافة الأطراف من محافظة الحديدة. كما تضمن الاتفاق إشراف قوى محلية على النظام في المدينة، لتبقى الحديدة ممراً آمناً للمساعدات الإنسانية. كذلك، يقضي الاتفاق بانسحاب جماعة الحوثي من المدينة والميناء خلال 14 يوماً، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها. إلا أنه أخفق في تنفيذ مخرجات استكهولم بسبب التعنت الحوثي ومراوغتهم في تنفيذ أية التزامات بمقتضى القرارات الدولية، كذلك دفع موقف "غريفيث" المرن مع التجاوزات والاختراقات والاعتداءات من جانب الحوثيين، إلى إخفاقه كوسيط دولي نزيه حاول أن يكون محايداً بين الأطراف كافة، الأمر الذي أفشله في مهمته فاضطر إلى تقديم استقالته بعدما أرسل إفادة إلى مجلس الأمن في مارس 2021 وصف خلالها الوضع في اليمن بالمأساوي بسبب الهجوم الذي شنته جماعة الحوثي على محافظة مأرب، فضلاً عن فتح جبهات قتالية أخرى في محافظات محتلفة، مثل: حجة وتعز. وعبّر بالرسالة ذاتها عن القلق من مواصلة جماعة الحوثي هجماتها بالصواريخ الباليستية والطائرات المُسيّرة ضد البنية التحتية المدنية والتجارية في المملكة العربية السعودية.
تأسيساً على ذلك، يُلاحظ أنَّه دوماً ما تنتهي مسارات عمل "المبعوثين الثلاث" للملف اليمني بالإخفاق الواضح، فعلى إختلاف توقيتاتهم وسياقات وأجندات عملهم، إلا أنَّ محفزات الإخفاق دوماً ما انتهت إلى سببين:
- السبب الأول: أنَّ الإخفاق كان دوماً بسبب التعنت الحوثي ومحاولة الجماعة فرض هيمنتها وسيطرتها الميدانية بقوة السلاح، وهو ما يؤكّد على أنَّ هدفها الرئيسي من المشاركة في أية جولات للتفاوض هو التسويف بالوقت لخلق واقع جديد على الأرض لصالحها. فعلى سبيل المثال: كان قد أعلن جريفيث، عن ثلاثة ملامح هامة لمسار التسوية السلمية، تمثل في سحب السلاح، ويلي ذلك مرحلة انتقالية تشمل مشاركة الحوثيين في الحكومة، وصولاً إلى مرحلة الانتخابات. لكن تلك الخطة اصطدمت بتعنت الحوثيين.
- السبب الثاني: أن التساهل أو التقديم التنازلات لجماعة الحوثي من جانب المبعوثين الدوليين أفشلهم في مهمتهم بسبب انحيازهم الذي مكن الجماعة المدعومة من إيران من تحقيق أجندتها في كسب مواقع جديدة تعزز من أوراقها الميدانية والسياسية، مما يزيد الأمر تعقيداً.
دعائم النجاح:
يتسلم المبعوث الأممي الرابع مهام عمله بالملف اليمني، فى ظل ما يحظى به من تعقيدات وتشابكات داخلية وخارجية، تُشكّل فى مجمل تفاعلاتها البينية ثلاث تحديات رئيسية، تتمثل فى:
1. خريطة التكوينات الميدانية لليمن: وذلك عبر بيان مدى تأثيرها على واقع "التسوية السياسية"، إستناداً لإحدى أهم قواعد التفاوض، حيث مفادها: "ما يجري على طاولة المفاوضات ما هو إلا امتداد للحقائق الميدانية على الأرض"، وهو ما انعكس على حجم التحركات الميدانية لكل من الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين لتأكيد قوتهم من أجل تحسين موقعهم التفاوضي. فعلى سبيل المثال: عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وأجزاء من شمال البلاد، يحاولون حالياً السيطرة على محافظة مأرب آخر معاقل القوات الحكومية والغنية بالنفط والغاز، إذ لا ترغب قوات جماعة الحوثي في الاستجابة لمبادرات وقف إطلاق النار استناداً إلى أن السيطرة على مأرب ستفرض واقعاً ميدانياً جديداً يمنحها اليد العليا خلال عملية التفاوض لاحقاً. وهو تلك النقطة التى تُعد اختباراً حقيقيا لفرص نجاح المبعوث الأممي الرابع نحو تحقيق وقف قريب لإطلاق النار وبدء عملية سياسية، تراعي المساحات المشتركة لطموحات الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية، وتفرض الإلزامية فى تطبيق مخرجاتها.
2. إشكالية إجراءات بناء الثقة بين أطراف الصراع: إذ تفرض الحروب المُعقدة، مثل تلك الحالة اليمنية، أن تُبنى "استراتيجية الوساطة" على إقناع الأطراف بتنفيذ إجراءات "بناء ثقة أولية"، لتشجيع الأطراف – تدريجيا - على الانخراط في التفاوض على القضايا الكبرى. بالمقال، نجد أن "تجربة اليمن" أثبتت في السنوات الأخيرة أن تلك النظرية لم تؤت ثمارها، فلم تستطيع اتفاقية استكهولم الموقعة عام 2018 بين الحكومة المعترف بها وجماعة الحوثي تحقيق وقف دائم لإطلاق النار رغم نجاحها المحدود في تجنيب الطرفين مواجهة دامية في الحديدة، فضلاً عن إنجاح بند تبادل الأطراف لعدد من الأسرى، والذي اُعتبر إجراء "بناء ثقة" محدود دون الوصول إلى حل للمشاكل الأساسية. فعلى سبيل المثال: فشلت بعثة الأمم المتحدة لمتابعة تنفيذ اتفاق الحديدة (UNMHA) فى ممارسة مهامها في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، كذلك لم تتمكن "لجان تنسيق إعادة الانتشار" من العمل مرة أخرى بعد تعليق الحكومة لمشاركتها فيها منذ مارس 2020. كما لم يتمكن المبعوث الأممي من تمرير مبادرته المكونة من أربع نقاط، والمتمثلة في: "وقف إطلاق النار في أنحاء البلاد، وفتح مطار صنعاء، ورفع القيود عن عملية شحن السفن في الحديدة، وبدء عملية سياسية". وبالتالي، فإنّ منهج الاعتماد على تحقيق تقدم متدرج في إجراءات بناء الثقة كمقدمة لتحقيق اختراق في القضايا الأساسية لم ينجح في تحقيق أهدافه سابقا. يُضاف إلى ذلك أن اتباع استراتيجية الحل من أعلى إلى أسفل، والتركيز على الوساطة بين طرفين لم تنجح في تحقيق أي تقدم. ومن ثم، أصبح هناك تحديدٌ وإختبارٌ لمدى نجاح مهمة المبعوث الجديد، متمثلاً فى مراجعة استراتيجيات "بناء الثقة"، والخروج بتصور جديد تتجاوب معه مختلف القوى الفاعلة في الصراع محلياً وإقليمياً. ويدعم تلك النقطة، تكوين صورة كاملة لدى المبعوث الجديد عن مجمل الخبرات الأممية السابقة، فضلاً عن المعرفة السياسية والميدانية المسبقة بآليات الصراع وأسباب فشل مبادرات الوساطة بالملف اليمني إستنادا لخبراته السابقة كسفير للاتحاد الأوروبي في اليمن.
3. الترجيحات المتباينة لسيناريو "التقسيم/ الفيدرالية": إذ تنتهي تلك النقطة لطرح تحدي آخر، يتعلق بـ "تزايد احتمالات تقسيم اليمن"، فبالوقت الذى يسعى من خلاله المجتمع الدولي إنجاز متطلبات "التسوية السياسية" لحلحلة الأزمة اليمنية وفق مرجعيات الحفاظ على "وحدة الأراضي اليمنية"، إلا أنه بالمقابل هناك ترجيحات نحو التقسيم إلى دولتين في الشمال والجنوب، والعودة إلى وضع ما قبل عام 1990، وهو ما لاقى تأييداً من المواطنين في الجنوب وبعض الأطراف الخارجية. فعلى سبيل المثال: رغم تحالف قوات الجنوب مع القوات الحكومية في الحرب ضد الحوثيين في مأرب، إلا أن أغلب الأطراف تتلمس مؤشرات "الطبيعة المؤقتة" لهذا التحالف، إذ بمجرد انتهاء الحرب، هناك إحتمال لسعي "المجلس الانتقالي الجنوبي" لاتخاذ الخطوات اللازمة لبناء مؤسسات مستقلة. وتظهر هذه التفاعلات الكامنة بين الشمال والجنوب من حين لآخر في الاحتكاكات بين الطرفين والتي لم تفلح اتفاقية الرياض لعام 2019 في حلها بصورة نهائية.
بالمقابل، تفرض إشكالية سيطرة الحوثي على صنعاء ومناطق من الشمال إلى احتمالية قيام دولة يسيطر عليها الحوثي في الشمال. إلا أنّ هذا التصور الحوثي – بالرغم من توافر محدداته - إلا أنه لن يحظى بموافقة الأطراف المنخرطة بالمسألة اليمنية - خاصة المملكة العربية السعودية ذات النزاع السياسي والأيدولوجي لإيران وأذرعها بالإقليم وفي مقدمتهم "جماعة الحوثى". حيث لن تستصيغ، على الأرجح، فكرة قيام دولة يحكمها تنظيم موالي لإيران على حدودها الجنوبية. كما أن الولايات المتحدة أيضاً التي اتخذت خطوات لتجفيف مصادر تمويل جماعة الحوثي وصعّدت من انتقاداتها لانتهاكها لحقوق الانسان، من الصعب أن تقبل بها كنظام شرعي يحكم دولة في شمال اليمن. ليظل التحدي فى تلك النقطة، ما يتمثل فى اختبار "آليات التكيف" لدى المبعوث الأممى الجديد، ومسارات التوصل إلى اتفاق بين الأطراف.
وبناءً على ما سبق، فإنّ فُرص "المبعوث الأممى الجديد" للنجاح في تطوير مقاربة جديدة والوصول إلى تسوية سياسية تجمع بين الأطراف المتنازعة، يتوقف على تغيير بعض عناصر السياق التفاوضي، ومنها:
1. خلق أدوات للجذب السياسى: وذلك عبر إيجاد الوسائل الكفيلة لإقناع جماعة الحوثي بالتعاون مع جهود الوساطة للمبعوث. فعلى سبيل المثال، يمكن تطويع ورقة "الاتفاق النووي مع إيران" للحصول على تنازلات يمكن إستغلالها فى دفع مسار "التسوية في اليمن"، كذلك يمكن النظر فى إحتمالات تشبيك الملف اليمني بالقضايا الإقليمية. فعلى سبيل المثال: أن تقوم قوات التحالف بالتصعيد عسكريا ضد جماعة الحوثي في مأرب لمنع توسعها، حتى تُربك إستراتيجيتها التفاوضية القائمة على مبدأ "المكاسب على الأرض"، ودفعها نحو تحييد الأداة الميدانية واستكمال عملية التفاوض السياسي.
2. هيكلة مقاربات توافقية: وذلك عبر تطوير مقاربات سياسية واستراتيجية تفاوضية للأزمة اليمنية تحظى بقبول الأطراف الإقليمية والدولية، إذ تستند إجمالاً على تكثيف الحوار مع الجماعات المختلفة في اليمن، والاستفادة من مبادرات الوساطة المحلية التي استطاعت التوصل إلى خلق مساحات توافق مشتركة حول بعض العناصر الأساسية، تمهيدا للتوصل لاتفاق سلام محتمل.
3. إعادة النظر فى المرجعيات الأممية: وذلك عبر احتمالية طرح "مرجعية أممية" تراعي التطورات الميدانية القائمة، فضلاً عن إشراك مختلف الفواعل المنخرطة بالمسألة اليمنية فى عملية التفاوض القائم. فعلى سبيل المثال: القرارات الدولية التي تأسست عليها الجهود الأممية، خاصة قرار مجلس الأمن رقم 2216 ، لم تساعد في توفير الإطار التفاوضي المناسب لعمل البعثة الأممية. إذ ذكر تقرير مجموعة الأزمات الدولية، الصادر في 18 يونيو 2021، أن تفسير القرار 2216 مثل عائقاً لحدوث تقدم نحو تسوية سياسية، وأن الكثير من المراقبين والسياسيين طالبوا باستبداله .
4. المقايضة بالورقة الأمريكية: وذلك عبر إستغلال تعهد الرئيس الأمريكي "جو بايدن" فى بداية ولايته بإنهاء الحرب فى اليمن، وما تلى ذلك من خطوات جادة يمكن البناء عليها بالمهمة الأممية، أبرزها ما تمثل فى، أولا: تعيين "تيم ليندركينج" كمبعوث أمريكي خاص، وثانيا: التنسيق مع روسيا والاستفادة من مخرجات مباحثاتها الأخيرة مع مختلف الأطراف قادة المجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة إلى طارق صالح ابن شقيق الرئيس اليمني سابقاً ورئيس المجلس السياسي للمقاومة الوطنية وعلي ناصر محمد الرئيس الأسبق.
5. موازنة ملف المساعدات الإنسانية: وذلك تحقيق تقدم واضح في ملف المساعدات الإنسانية - وذلك جنبا إلى جنب – مع المضي قدما بالمسار السياسي، إذ لا يمكن تحقيق بيئة مناسبة لمفاوضات التسوية بين مختلف الأطراف في بلد يُوصف بأنه يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
محفزات الإخفاق:
بالرغم من تنامي المحددات التى قد تدعم فرص نجاح عمل المبعوث الأممي الرابع للملف اليمنى، إلا أن هناك عدد من محفزات الإخفاق، أبرزها:
1. الإلتباس حول دور المبعوث الأممي: إذ أسهم في فشل المبعوثين الأمميين الثلاثة السابقين في اليمن، هو الإلتباس حول فهم "الدور الوظيفي" للمبعوث الأممي، ومحاولة تحجيم دوره وصلاحياته. فعلى سبيل المثال: سبق وأن أشار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن المبعوث ليس مسؤولاً عن الحرب ولا عن السلام، ويقتصر دوره على أن يعرض على طرفي النزاع سُبلاً لوضع حد للنزاع. بالمقابل، فهناك تحفظ على مثل ذلك التوصيف؛ إذ ان أحد أهم أهداف الأمم المتحدة هو "تحقيق الأمن والسلم الدوليين"، فإذا لم يكن المبعوث مسؤولاً عن الحرب فهو معني بتحقيق السلام وفق مهمته. لذا على المبعوث الأممي الرابع، أن يضع نُصب عينيه السعي لفرص ومسارات تحقيق السلام في اليمن.
2. التعقيدات الداخلية للمجتمع اليمني: إذ فشل مبعوثو الأمم المتحدة السابقون في فهم التعقيدات المتشابكة للمجتمع اليمني بين ما هو مذهبي ومناطقي وثقافي واجتماعي وسياسي، وانتهى الأمر بالحوار مع بعض القيادات السياسية وممثلي المجتمع المدني، إذ لا يمثلون "الطيف الواسع" من اليمنيين. كما أن المجتمع القبلي والـتأثيرات العشائرية وتأثير "المال السياسي"، جميعها أدوات تؤثر بشكل فاعل في استمرار حالة التأزم النوعي بالملف اليمني.
3. التشابكات الإقليمية على الأراضى اليمنية: تتمثل هذه التعقيدات في دعم دول إقليمية لمكونات يمنية مع عداء لمكونات أخرى، وبالتالي أصبحت الحرب في اليمن تجري على أساس مصالح مرتبطة بالنفوذ الإقليمي لبعض الدول أو ما يُعرف بنمط "الحرب بالوكالة"، مثل التدخل الإيراني وكذلك التركي أحياناً في مواجهة التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
4. إستمرار نهج "المرونة السلبية": إذ تبنى المبعوثون السابقون – بشكل مستمر – سياسات الحياد والتحفيز والمرونة تجاه جماعة الحوثيين. وهو ما انعكس بشكل واضح نحو المزيد من التصعيد العسكري الحوثي خاصة في جبهة مأرب، فضلاً عن مواصلة استهداف المدنيين والأراضي السعودية. وهو ما قد يدفع بمزيد من التعقيدات نحو إطالة أمد الصراع.
5. تجزئة مفاوضات السلام "مناطقيا": ونعني فى تلك النقطة، الإسقاط على مخرجات نهج " اتفاقية ستوكهولم – 2018"، فى بناء مسارات التسوية السياسية فى اليمن؛ إذ شرعت لإنهاء الصراع في مدينة الحديدة وتسليمها لإدارة جماعة الحوثي، مستندة فى ذلك على إستراتيجة " تجزئة عملية السلام مناطقياً"، وذلك وفقا للمعيار الإنساني، وهو ما أسهم في إطالة أمد الصراع وعدم حسم عملية السلام. كما تم انتقاء تنفيذ بنود هذه الاتفاقية، حيث تم تنفيذ البعض منها المتعلقة بالحديدة، وتجاهل أخرى مثل فتح المعابر لمدينة تعز، وهذا ما يؤكد فشل التسويات المجزأة.
تأسيسا على ما سبق.. فبرغم كل الجهود التي تبذلها بعض الأطراف الدولية لحلحلة الأزمة اليمنية إلا أن الواقع يؤكد أنَّ ثمة تفهماً غير صحيح من جانب المجتمع الدولي لما يحدث في اليمن وحجم التعقيدات الداخلية والإقليمية المحيطة بالأزمة القائمة، وهو ما أدى إلى فشل "النهج النموذجي" المتبع من جانب الأمم المتحدة للوصول إلى صياغات توافقية نحو إنجاز عملية "التسوية السياسية" في اليمن، خاصة عند النظر إلى أنَّ النهج المُتبع لدى المجتمع الدولي في إدارة الملف اليمني يغلب عليه "النمط البيروقراطي" التقليدي، في حين أنّ المسألة اليمنية برمتها تتأثر بما يحدث من تحولات إقليمية على غرار ما يحدث في إيران وتأثير مستجدات الملف النووي والانتخابات الرئاسية وتولي ابراهيم رئيسي سُدة الحكم على سبيل المثال، وكذلك ما يجري من تطورات دولية على غرار التأثيرات المتباينة لصعود الديمقراطيين إلى الحكم والموقف الذي تبناه الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن تجاه جماعة الحوثيين بانتفاء صفة الإرهابيين عنها.
ومن ثم، فإن عملية "التسوية السياسية السلمية" للملف اليمني، لا تتطلب فحسب تغيير المبعوث الأممي، رغم ما قد يتمتع به من معرفة بالتكوينات المتداخلة للأزمة اليمنية وخبرات طويلة في إدارة الصراعات، وإنما يحتاج الأمر إلى البحث عن مقاربة جديدة مغايرة للنهج المتبع في إدارة عملية التسوية السياسية في اليمن، مقاربة أممية تأخذ في إعتباراتها أربعة أبعاد رئيسية: ردع تعنت جماعة الحوثى، مراجعة القرارات الأممية بما يتوافق مع التطورات الميدانية بالمسألة اليمنية، العمل على إستعادة مؤسسات الدولة الرسمية والخدمية، بالإضافة إلى إشراك منظمات المجتمع المدنى، وذلك لتدشين صياغات توافقية حول شكل التسوية السياسية ومحددات السلام العادل لكافة المدنيين.
متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الاقليمي [الآراء الواردة في هذه الورقة تعبّر عن رأي المؤلفة]
- لقراءة وتحميل الورقة بصيغة "بي دي إف" انقر من هنا
- الصورة: هانز جرونبيرغ، المبعوث الأممي الرابع إلى اليمن (رسمي - معدّلة سوث24)