العلاقة السعودية الأميركية: الأمن القومي أولا

العلاقة السعودية الأميركية: الأمن القومي أولا

التحليلات

الجمعة, 17-09-2021 الساعة 12:50 صباحاً بتوقيت عدن

سوث24 | قسم التحليلات 

بات  من الصعب التكهن بمستقبل العلاقة الأمريكية السعودية في ظل تصاعد المؤشرات على تدهورها باستثناء التأكيد الدبلوماسي على متانة العلاقة. على الرغم من ذلك لايمكن تجاهل التغيّر الملاحظ في توجهات الجانبين بعيدا عن بعضهما. فمنذ وقت مبكر وصف الباحث الأمريكي المخضرم روس ريدل الأمر بالحرب الباردة، ليس هذا فحسب بل توقع ريدل الذي شغل منصب مستشار أربعة رؤوساء أمريكيين سابقين، أن محاكمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 لن تعفي السعودية من المسؤولية [1]. ذلك ماحدث فعلا عقب إصدار الرئيس بايدن قرارا تنفيذيا لجهاز الأمن الفيدرالي يقضي برفع السرية عن تحقيقات الحادي عشر من سبتمبر. لذلك أعلنت الخارجية السعودية ترحيبها بالقرار الأمريكي ونفت أي علاقة لها بالعملية الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة [2].

بالمقابل، لا يمكن فصل هذا الضغط الأمريكي عن سياسة الابتزاز التي وسمت بها واشنطن مع حليفتها التاريخية، لكن الأمر أيضا يتعلق بالتغير الاستراتيجي للسياسة الدولية، ويبدو الأمر متصلا بتنامي العلاقة السعودية الروسية بشكل لافت على حساب علاقة الطرفين التقليدية. أي أنّ الرياض تمتلك أيضا وسائل ضغط مشابهة.

العلاقة الأمريكية السعودية 

منذ أربعينيات القرن المنصرم ظلت علاقة أمريكا بالسعودية قائمة على المصالح الاقتصادية مقابل الخدمات السياسية والعسكرية التي تقدمها واشنطن للرياض. ففي عام 1973 استخدم الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز هذه الميزة الاقتصادية من خلال قرار قطع إمدادات النفط عن الولايات المتحدة الأمريكية، كوسيلة ضغط بدت فاعلة حينها في قضية الصراع العربي الإسرائيلي. 

في الوقت الحالي تتولى إدارة الرئيس بايدن قضية المناخ على نحو جاد يحض الدول المنتجة للنفط على خفض إنتاجها من النفط الأحفوري واتباع سياسة بديلة تشجع على استخدامات الطاقة النظيفة. لذلك قدمت الإدارة السعودية خطتها الاستراتيجية 2030.

سيؤدي خفض إنتاج النفط الأحفوري بالضرورة إلى تداعي سردية العلاقة الأمريكية السعودية المبنية على المصلحة الاقتصادية، لصالح بروز سردية المخاوف والمنافع الجيوسياسية في عالم متعدد الأقطاب. الأمر الذي انعكس في تنامي نفوذ إيران ووكلائها في المنطقة العربية عموما واليمن خصوصا وسحب الإدارة الأمريكية قواتها العسكرية ومنظومتها الدفاعية التي تتواجد لغرض الحماية [3]. لذا لجأت السعودية لروسيا ووقعت مع الأخيرة اتفاقية تعاون عسكري في مجال الدفاع والحماية [4]. وتأتي محاولة المملكة في سياق تسارع سياسة الاستقطاب التي تضع العوامل الجيوسياسية قبل المصالح الاقتصادية. هذه الخطوة السعودية أزعجت إدارة الرئيس بايدن، وعلى خلفية ذلك، حذّر متحدث باسم الخارجية الأمريكية السعودية "من التعامل مع القطاع الدفاعي الروسي" [5]. كم أنّ الرواية الأمريكية حول ضلوع الحكومة السعودية في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، توضع في زاوية رد الفعل، حيث من المرجّح إصدار عقوبات بحق بعض الشخصيات السعودية كأقصى حد ممكن، على غرار قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، على الرغم من أنّ جانب من التحقيقات الفيدرالية بخصوص قضية خاشقجي لم ترفع عنه السرية بعد.

انعكاس العلاقة على الداخل السعودي 

لم تتضح بعد جدية الجانبين الأمريكي والسعودي في التخلي عن بعض من علاقتهما الاستراتيجية، أو جميعها، فما زالت وسائل الضغط الناعم تعزز خيار عودة العلاقة. إلى جانب ذلك فإنّ خطوة استعانة المملكة بروسيا في المجال العسكري توضّح حجم الضرر الذي لحق بالأمن القومي السعودي جراء الهجمات الباليستية من قبل الحوثيين والجماعات الموالية لإيران، فيما تُبدي الإدارة الأمريكية عدم الاكتراث وتذهب بعيدا في توجيه الضغط المزدوج على السعودية، مثل سحب المنظومة الدفاعية لصواريخ الباتريوت إلى جانب وقف مبيعات الأسلحة. كل ذلك يضعف قدرة المملكة في الدفاع عن نفسها وبالمقابل يقوّي موقف إيران ووكلائها في المنطقة.

على الصعيد السياسي أجرت الإدارة السعودية العديد من الإصلاحات الدستورية التي تعزز الانفتاح الثقافي والعقائدي والاجتماعي، استجابة للضغط الأمريكي بهذا الاتجاه. بينما يعبّر قرار الرئيس بايدن بانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وتسليمها لحركة طالبان إلى جانب المرونة في التعامل التي تبديها دبلوماسية واشنطن مع الحوثيين في اليمن وسائر الحركات الإسلامية المتطرفة، يعبر عن تناقض يثير مخاوف الإدارة السعودية ويحملها على عدم ترك خلفيتها العقائدية والتعاطي مع الجماعات الراديكالية. لذلك يعزو بعض المراقبين ذهاب المملكة لعقد اتفاقات سلام مع إيران لهذا السبب، إذ تستشعر السعودية خطر تجريدها من سلاحها العقائدي بصورة تضعها في العراء المكشوف أمام الجماعات الشيعية في الداخل والخارج.

انعكاس العلاقة على الأزمة اليمنية 

على الرغم من تأكيد المجتمع الدولي على أنّ الحل السياسي للأزمة اليمنية يحظى بإجماع دولي وإقليمي غير مسبوق، إلا أن طبيعة مستجدات العلاقة الأمريكية السعودية ستُلقي بظلالها، إلى حد كبير، على مستقبل الصراع اليمني، حيث تعبّر ضغوطات إدارة الرئيس بايدن باتجاه إنهاء الحرب والاعتراف بالحوثيين طرفا شرعيا، عن وجهة نظر أمريكية تُسقط من حساباتها المخاوف السعودية. بالمقابل، طبيعة تعاطي المملكة مع الأزمة اليمنية تضع المراقب أمام وجهة نظر مغايرة تسعى للحد من التهديد الذي يمثله الحوثيون عليها.

فالأزمة اليمنية بحاجة لدور سعودي إيجابي من وجهة نظر أمريكية تدفع باتجاه تسوية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف الفاعلة، بينما تستشعر المملكة حاجة الأزمة اليمنية لدور أمريكي إيجابي يعمل على كبح جماح الحوثيين أولا، على الرغم من إبقاءها خيار التقارب مع إيران وحتى الحوثيين أنفسهم مفتوحا. 

ربما عزز ذلك لجوء السعودية لخيارات أخرى مثل الاستعانة بروسيا في المجال العسكري وسردية اللعب على ورقة العامل الجيوسياسي، أو حتى اللجوء، في أسوأ الأحوال لسياسة الانسحاب، وترك الحوثيين يهددون باقي المناطق التي لا تخضع لسيطرتهم، كما يحصل في جنوب اليمن اليوم - على غرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان - في محاولة للتخلص من الكرة إلى الملعب الدولي.

بالمحصلة، إن انعدام الثقة في العلاقة السعودية الأميركية طويلة الأمد، سينعكس على كثير من الملفات الشائكة في المنطقة والشرق الأوسط، وقد يقود بدوره إلى فتح المجال أمام نفوذ أوسع للاعبين دوليين جدد كروسيا والصين وربما الهند، لكنه بلا شك سيعزز من المساعي الإيرانية في المنطقة ويقوّي وكلائها، خصوصا وأنّ الرياض لا تتعامل مع حلفائها خارج المملكة، بذات النهج الذي تتبعه إيران، ولا تزال تفضّل التعامل، بصورة رئيسية، مع الجهات التقليدية كالجماعات الدينية لتحقيق سياستها الخارجية.

باحث مقيم في مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

 
- الصورة: رويترز 

العلاقة السعودية الأميركية السعودية روسيا منظومة الصواريخ الانسحاب الأميركي الحوثيون اليمن إيران الصين