06-10-2021 الساعة 7 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| قسم التحليلات
في الأيام القليلة الماضية، تحوّلت "كريتر" في مديرية صيرة بالعاصمة عدن، إلى ما يشبه ساحة حرب بين مسلحين يتبعون القائد السابق لمعسكر 20، إمام الصلوي، والقوات الأمنية الجنوبية. مواجهات عنيفة بين الطرفين حصدت 8 قتلى وأكثر من 40 جريحاً، كانت أحداثها قد نشأت على خلفية قيام المجاميع المسلحة التابعة للصلوي بمحاصرة قسم شرطة كريتر بمديرية صيرة، واختطافها لرئيس قسم التحريات "الضابط عوّاد السيد"، للمطالبة بإطلاق سراح أحد عناصرها الذي اعتقلته القوات الأمنية، في وقت سابق.
انتهت الحملة الأمنية في "كريتر" (التي تضم أهم المراكز الحكومية من بينها، البنك المركزي وقصر معاشيق مقر حكومة هادي) بعد أن أحكمت القوات الأمنية الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي قبضتها الأمنية على المديرية، في محاولة من الأخير لتثبيت الأمن والاستقرار والبدء في حصر الأضرار التي لحقت بالممتلكات الخاصة والعامة، وتعويض المواطنين المتضررين.
في الواقع، وفي ظل السيطرة الأمنية واستقرار الأوضاع في المديرية، التي أعلن عنها قائد محور أبين - كرش، وقائد اللواء الخامس دعم وإسناد التابع للانتقالي، العميد مختار النوبي، في تصريح سابق، لا يبشر بانفراجة نهائية، فظهور النوبي، الأخ الأكبر غير الشقيق لإمام الصلوي المُتسبب الرئيس بهذه الصورة العبثية، أظهره في موضع تبريري أكثر مما يٌفترض أن يكون في موقف تطميني، بدون إعلانه أي إيضاحات أخرى عن مكان تواجد "إمام" وكيف اختفى وإلى أين لجأ بعد أن تسبب بكل تلك الفوضى، خاصة وأنَّ هنالك أنباء متداولة عن وساطة تبناها "مختار" كانت سبباً في وقف الاشتباكات. وهي تبدو تساؤلات طبيعية يطرحها الرأي العام في الداخل، والتي اتضحت إجاباتها لاحقاً، بتهريب "إمام الصلوي" عبر البحر من معاشيق - مقر حكومة هادي، إلى شقرة بأبين حيث تتواجد قوات موالية لحزب الإصلاح، فرع الإخوان المسلمين في اليمن.
في المقابل، وإن بدا بيان هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي أكثر حدة من تصريح شقيق إمام، عبر تجريمه واتهامه للأخير بتزعّم عناصر "إرهابية" هدفها عكس صورة مغلوطة عن حقيقة الأوضاع في العاصمة عدن، حسب ما جاء في البيان(1)، وتوجيه اتهامات صريحة بأنَّ الهدف من هذه الأعمال هو عرقلة عودة باقي وزراء حكومة المناصفة، وزيارة المبعوث الأممي الخاص لليمن "هانز غروندبيرغ"؛ الذي جاء إلى عدن في اليوم التالي من البيان رغم كل ذلك، بيد أنَّ كثير من المحللين اعتبروا البيان غير مُقنع، لا سيّما في ظل امتلاك الانتقالي الجنوبي قوات ووحدات عسكرية كبيرة، "عجزت" عن الإمساك به أو محاصرته، الأمر الذي وضعه في مثار جدل، لا سيّما وأنَّ الجهات الداعمة لنشاطات إمام ومسلحيه معروفة. ويعزّز هذا ما يمكن وصفه بخوف من صراع قادم محتمل، ربما يكون أشد إذا لم يتم حسم هذه المسألة العالقة بصورة جذرية.
ينبغي القول، أنَّ الوضع الأمني الذي بدا غير مُستقر في بعض الأوقات في العاصمة عدن، منذ بدء سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي عليها في 2019، والذي وصل أخيراً لحد الاقتتال داخل الأحياء المدنية في كريتر، كان نتيجة طبيعية للطريقة المتساهل التي تعامل بها المجلس مع هذه المجاميع المسلحة، فأدى ذلك إلى تمكنها من إخضاع مناطق لقبضتها، لا سيّما وهو يعلم جيداً أنَّ جل هدفها زعزعة الأمن في العاصمة. منها على سبيل المثال؛ محاولات هذه المجاميع المسلحة الاشتباك مع قوات الأمن أثناء المظاهرات الاحتجاجية؛ التي خرجت منتصف سبتمبر الماضي، على خلفية تردي الخدمات والأوضاع المعيشية في عدن، من خلال إحراقها بعض المحال التجارية وإشعال إطارات السيارات في الشوارع، وارتكابها أعمال عنف وتكسير لممتلكات خاصة وعامة، بينها رمي قنبلة يدوية على عربة عسكرية تابعة لقوات العاصفة، حيث ثبت أنَّ المتهم برمي القنبلة يدعى "محمد أبو عطفه"، هو ذاته الذي طالبت المجاميع المسلحة لإمام الصلوي مؤخراً، بإطلاق سراحه أثناء اختطافها لضابط التحريات "السيد" في كريتر.
بدا جلياً أنَّ توقيت إثارة الفوضى والمواجهات المسلحة لم يكن صُدفة، فاندلاعها جاء بعد أربعة أيام من عودة حكومة معين إلى العاصمة عدن بعد غياب استمر لأشهر؛ وعلى بعد أقل من 1200 متر من مقر الحكومة في معاشيق، ولم يحدث أن تعرضت المدينة لمواجهات شديدة منذ سيطرة الانتقالي الجنوبي عليها. كل هذه المُعطيات كانت سبباً محفّزاً لخلق جولة صراع جديدة، بدت في ظاهرها بينية من خلال التناول الإعلامي المضاد للانتقالي الجنوبي، لكنَّها في حقيقة الأمر كانت بعيدة عن ذلك، إذ ثبُت أنَّ أطرافاً محلية وخارجية كانت تدعمها وتغذيها منذ سنوات، حسب مصادر محلية مؤكَّدة، وتحركها وفقاً لمصالحها ولإرباك المشهد.
من هو إمام الصلوي ومن يدعمه؟
في العام 2015، بعد تحرير العاصمة عدن من قوات الحوثي وصالح، كوّن "إمام الصلوي" ومجموعة من المسلحين قوات عسكرية في محيط مدينة كريتر، انضوى تحتها عدد من الشباب وبعض الجماعات الدينية المتشددة. وكان قد تم تعيينه من قبل التحالف العربي في يونيو 2015 على قيادة معسكر 20؛ الواقع وسط مدينة كريتر والذي كان مقراً سابقاً لقوات الأمن المركزي في المديرية.
ويعتبر "إمام" أحد الشخصيات السلفية المُتطرّفة، التي واجهت تهماً بقتل وتعذيب نشطاء في عدن داخل معسكره السابق، بتهم الكفر والإلحاد، وقُتل على إثرها الشابان عمر باطويل وأمجد عبدالرحمن، ويُتهم جنود متطرفون في معسكر 20 بأنَّ لهم علاقة بتصفيتهما (2). إضافة إلى ذلك، اتهمت تقارير الصلوي وجماعاته المسلحة بالوقوف خلف عدّة انتهاكات بحق المدنيين المقيمين في كريتر، كتهديد للنساء وإغلاق للمحال التجارية وفرض الإتاوات عليهم بالقوة من أجل تمويل نشاطات غير معروفة.
الحضور المتنامي لنفوذ معسكر 20 في كريتر؛ وقائده "إمام الصلوي"، لم يكن المشكلة الرئيسية بالنسبة للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على كامل العاصمة عدن منذ 2019، بقدر ما كانت المشكلة هي في حجم الدعم والتدريب والتسليح الذي يتلقاه، والأطراف الخارجية التي تقف خلفه، وهو على الأرجح ما جعل الانتقالي يفضّل عدم المواجهة المسلحة معه، خاصة وأنَّ "إمام" ومجاميعه المسلحة يتحصنون في مناطق مكتظة بالسكان.
هذا الفهم للأحداث، يقودنا إلى أهمية تسليط الضوء على الأطراف التي تدعم إمام ومجاميعه المسلحة، والتي ثبت أنَّها نشأت بدعم سعودي كامل حسب تأكيدات محلية، إذ كانت تتلقى دعماً مباشراً من القائد السعودي في التحالف العربي في العاصمة عدن آنذاك، العميد "مجاهد بن بندر العتيبي"، قبل أن يُقال مطلع سبتمبر 2020، ويتم استبداله بالعميد "سمير عسيري" ليقوم بأعماله لفترة وجيزة، ثم يخلفه تالياً العميد "نايف العتيبي" بصورة رسمية. وتقيم قوة الواجب السعودية 802، بقيادة الأخير في العاصمة عدن، وتتوزع في منطقة معاشيق حيث مقر حكومة هادي، ومطار عدن، ومعسكر الشعب في مديرية البريقة.
مع قول ذلك، يمكن الاستدلال بمصادر صحفية مؤكدة في عدن، من خلال لقاءات أجرتها مع عدد من الجنود، الذين تمَّ تدريبهم وإعدادهم في معسكرات تابعة للتحالف العربي، من بينها معسكر20 في كريتر، إذ ذكرت أنَّه تمَّ جمع مئات من الشباب تجاوز عددهم الـ 500 فرد من مديريات خورمكسر وكريتر والتواهي في العاصمة عدن، وتم إرسالهم على دفعات إلى مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية؛ لتلقي دورات مكثّفة وتدريبات خاصة، من بينها: حماية المنشآت والشخصيات الهامة، والتعامل مع الألغام، وإجادة الرماية وغيرها من المهام الأمنية والعسكرية الأخرى.
ورغم أنَّ الأمر بدا ظاهرياً على هذا الشكل؛ إلا أنَّه تحول إلى استبدال أغلب هذه القوات المدرّبة بقوات أخرى مسلحة غير مدربة أكثر ولاءً لإمام الصلوي؛ الذي يقدّم خدمات لجهات نافذة في رئاسة هادي من بينها الجنرال علي محسن الأحمر، وكان الرابط بينه وبين "إمام" شخصية شمالية تحمل الجنسية السعودية، وهو المندوب المالي للتحالف العربي أيضاً ويدعى "عارف الواصلي"، وشخصية أخرى لها علاقة بشركة "إنماء للصرافة والتحويلات" ويدعى "محمد الحاج"، حسب نفس المصدر. وهي ذات الشركة التي تم إنشائها في مأرب لسنوات عبر متنفذين في الرئاسة اليمنية وعلى رأس إدارتها "الأحمر" ونافذين في حزب الإصلاح اليمني (الإخوان المسلمين)، بهدف الاستحواذ على الأموال التي يضخها التحالف العربي لتغطية نفقات الحرب والحصول على نسب فوارق الصرف والخصميات أثناء تسليمها للمستفيدين بالريال اليمني، بعد اقتطاع ما يصل في بعض الأحايين إلى 30% من رواتب العسكريين (3).
فيما يتعلّق بهذا الوضع، هناك تعليقات بأنَّ المجاميع المسلحة التي قادها "إمام الصلوي" لسنوات، ولديها صلة بالجنرال علي محسن الأحمر وقوات أخرى موالية لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين) في اليمن، وتتحصل على دعم من التحالف العربي تحت غطاء حماية وتأمين الحكومة عند عودتها أو غيرها من المهام الأمنية والعسكرية المناطة بها، كانت تصب نحو إثارة الفوضى والاضطرابات وخلخلة الاستقرار الأمني في العاصمة عدن، لإرباك الانتقالي الجنوبي وتشتيت جهوده، من أجل إثبات سوء إدارته الأمنية للأوضاع أمام الداخل والخارج. إذ يبدو أنَّ الأطراف التي تدير القرار في حكومة هادي المتمثلة بحزب الإصلاح، على الأرجح؛ عوضا عن عجزها في إلحاق الهزيمة بالانتقالي الجنوبي في عدن، رأت أنَّ مسألة إضعافه أمام مؤيديه أجدى تكتيكياً.
تغطية سعودية مثيرة للجدل
وفي ضوء أحداث كريتر، تعاملت السياسة الإعلامية في كثير من الصحف والمواقع الإخبارية السعودية الناطقة بالإنجليزية على وجه التحديد، من بينها العربية نيوز والشرق الأوسط والإندبندنت وغيرها، بصورة بدت لا تختلف كثيراً عن الإعلام المضاد للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتبناه (الإخوان المسلمون) في اليمن، وهي تشير للمواجهات المسلحة على أنَّها حرب بين مجموعة انفصاليين في المجلس الانتقالي الجنوبي .(4)
وقد أثارت التغطية الإعلامية لأحداث كريتر في الصحف والمواقع السعودية الناطقة بالانجليزية جدلاً واسعاً في وسائل إعلامية جنوبية كثيرة ومواقع التواصل الاجتماعي، عبّرت عن استيائها من الطريقة التي تعاطت فيها الرياض مع أحداث كريتر، وذكرت بأنَّها معلومات غير صحيحة وتفتقر للدقة حاولت عبرها التنصل من مسؤولية بنائها وتغذيتها مالياً لهذه المجاميع المسلحة لسنوات عبر "مجاهد العتيبي" قائد التحالف العربي السابق، خاصة التي يديرها "إمام الصلوي" الذي تم تهريبه بعد الأحداث الأخيرة إلى أبين عبر البحر من معاشيق؛ وهو المقر الذي يتمركز فيه جزء من قوات الواجب السعودية في عدن، حسب مصادر محلية رفيعة لـ "سوث24".
كذلك عبّر صحفيون وخبراء غربيون عن استغرابهم من طريقة تغطية الإعلام السعودي والخليجي لأحداث كريتر.
وقال الخبير السابق في مجلس الأمن، فرناندو كارفخال، على صفحته بتويتر: "تستخدم وسائل الإعلام الخليجية (بين قوات الانفصاليين)، لتصوير الاشتباكات على أنها اقتتال داخلي." وأضاف بأنّ الصلوي "ليس من الانتقالي الجنوبي ولا يقود وحدات الحزام الأمني، فقد كان قائد معسكر 20 تحت وزارة هادي. النوبي ليس انفصاليًا، إنه ينتمي إلى الإصلاح". [5]
على المدى المنظور، قد يكون إنشاء ودعم مثل هذه المجاميع المسلحة فكرة مناسبة للسعودية ولحكومة هادي المعترف بها دولياً، كقوة مسلحة مضادة يمكن استخدامها في العاصمة عدن متى ما استدعت الحاجة، بيد أنَّ وجودها يفاقم معاناة السكان، خاصة عند اندلاع مواجهات مسلحة بينها وبين القوات التابعة للانتقالي الجنوبي، الذي يحاول الأخير تجنبها بالمثل، الأمر الذي سمح للرياض بإعفاء نفسها إعلامياً؛ على الأقل أمام الخارج بدرجة رئيسية، رغم أنَّ الواقع الميداني يختلف تماماً عن الخطاب الإعلامي. على الرغم من أن بعض الإعلام السعودي الناطق بالعربي، وصف القتال الأخير بأنه ضد جماعة مسلّحة متمردة، كقناة الحدث.
صدامات جديدة أم معالجات
تعكس المؤشرات الأولية على أنّ عدم إيجاد حلول حاسمة وجذرية للملفات الأمنية والعسكرية العالقة في العاصمة عدن، لا يحسّن من فرص الاستقرار الذي من الممكن أن يساهم في تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية. الأمر الذي تتحمله الأطراف الداعمة للجماعات المسلحة؛ كقيادة القوات السعودية في عدن أو بعض الأطراف داخل الحكومة، وكذلك المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على العاصمة عدن منذ أغسطس 2019، الذي أبدى تهاونا متكررا تجاه وجود مثل هذه المجاميع المسلحة التي تقلق السكينة العامة.
مع ذلك، يبدو أن تبنّي مقاربة أكثر حرصاً لمعالجة الوضع القائم ليست مستحيلة، لا سيما والأطراف المناوئة لمعسكر الحوثي تواجه خطراً متقدماً في الصراع وتهديدات على محافظة شبوة النفطية في الجنوب، بعد أن سيطرت جماعة الحوثي على مديريات بيحان مؤخرا، فضلا عن الخطر المحدّق بمدينة مأرب في الشمال، المعقل الأخير لحكومة هادي. هذا الأمر يشي باحتمال تغير في مسارات المعركة لصالح الحوثيين، وهو ما يستوجب إيلاء اهتمام نحو مزيد من المعالجات الداخلية قبل أي مواجهات محتملة. يتم ذلك سواء عبر إنهاء مشاركة أعمال هذه المجاميع المسلحة من قبل التحالف العربي في كريتر وغيرها، أو دمج بعض المجاميع التي تلقت تدريبات في السعودية ولم تتورط في الأحدث الأخيرة، ضمن القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي بصورة رسمية في إطار هيكلي إصلاحي ضروري؛ إضافة إلى محاسبة مرتكبي الانتهاكات وأعمال العنف والجرائم الذين تسببت بها بعض تلك العناصر. فضلا عن ذلك معالجة أوجه القصور داخل هياكل القوات الجنوبية، خصوصا منح التكليفات والمناصب العسكرية والأمنية وفقا للكفاءة المهنية والوطنية، بعيد عن أي اعتبارات ذاتية أخرى.
باحثة مقيمة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: (وكالات)
قبل 3 أشهر