08-10-2021 الساعة 2 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| أندرو كوريبكو
على مدار الأعوام الأخيرة، ظهرت شبه الجزيرة العربية باعتبارها ساحة تنافس جيوسياسي. وقبل فورة الثورات الملونة واسعة النطاق عام 2011، التي عُرفت شعبيًا بمسمى "الربيع العربي"، كانت هذه المنطقة بين الأكثر استقرارا في كامل آسيا. بيد أن الاضطرابات التي شهدتها البحرين في ذلك العام والتي دفعت إلى تدخل عسكري بقيادة المملكة السعودية كانت العلامة الأولى على عدم الاستقرار في تلك المنطقة. وبدأت الحرب اليمنية بعد ذلك عام 2014 بعد استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء مما أثار تدخلا عسكريا آخر تقوده الرياض يستهدف طردهم بعد مواصلة الجماعة مسيرتها صوب الجنوب وهيمنتها على عدن. وتشتبه المملكة السعودية وحلفاؤها في أنّ إيران لعبت دورا سريًا في مساعدة وإذكاء كلا الصراعين كجزء من حربها الإقليمية بالوكالة.
وواصل الوضع الإستراتيجي حول شبه الجزيرة العربية تطوره في السنوات التالية. واعترفت البحرين والإمارات العربية المتحدة رسميا بإسرائيل في سبتمبر 2020. ومنذ تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن سدة الحكم في يناير 2021، تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بعد أن سحبت واشنطن دعمها العسكري للعمليات التي تشنها حليفتها في اليمن، وبدأت في تقليص تواجدها بالمنطقة. وجاء ذلك في أعقاب تراجع جذري للدور الإماراتي في الصراع في منتصف 2019. وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، صعَّد الحوثيون هجماتهم باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ ضد المملكة السعودية. وما يزال السلام في اليمن بعيد المنال حتى يومنا هذا بالرغم من أن ذلك قد يتغير مستقبلا كما سيتم توضيحه لاحقا في سياق هذا التحليل.
اتجاهات إقليمية
استمرار تلك الحالة من عدم التيقن المحيطة بشبه الجزيرة العربية يرتبط بأهمية هائلة لباقي العالم. ويظل الخليج أكبر منطقة منتجة للطاقة على كوكب الأرض، كما أن خليج عدن - البحر الأحمر لا بديل لها فيما يتعلق بالدور الذي يلعبه في تسهيل التجارة البحرية بين جانبي القارة العظمى. ومن أجل كافة النوايا والأغراض، فإن هذا الجزء من نصف الكرة الأرضية الشرقي يمكن وصفه إذن بكونه إحدى دعائم الاقتصاد العالمي. ثمة اتجاهات متعددة تؤثر على استقرار شبه الجزيرة العربية أهمها الخصومة الإيرانية السعودية التي تعتبرها الرياض صراعا ثنائيا بينما تعتقد طهران أن المملكة وحلفاءها في مجلس التعاون الخليجي يعملون بالوكالة لصالح تل أبيب.
ويؤدي ذلك إلى الاتجاه الإقليمي التالي الذي يتجلّى في اعتراف دولتي مجلس التعاون الخليجي السابق ذكرهما بإسرائيل. وفسرت إيران تلك الخطوة باعتبارها موجهة ضدها، وحذرت من زعزعة الاستقرار الإقليمي جراء ذلك. ليس من الواضح إذا ما كانت طهران تخشى من إمكانية استغلال تل أبيب للدولتين لتكثيف ما تتوجس منه الجمهورية الإسلامية بشأن وجود حرب بالوكالة ضدها، أو إذا ما كانت إيران سوف تقوم برد غير متماثل على هذه المخاوف من خلال تصعيد حروبها بالوكالة لا سيما في اليمن. وعلى أي حال، وبغض النظر عن الأسباب وراء هذا الاعتراف، لكنه يساهم في تفاقم التوتر بين إيران وبلدان شبه الجزيرة العربية. ويمثل الضغط الأمريكي الأخير على السعودية ثالث أهم اتجاه إقليمي إذ أنه يؤدي إلى تعقيد الأمن القومي للرياض بشكل متزايد.
أما الاتجاه الأخير من حيث الأهمية فيتمثل في اتخاذ الإمارات نهجا أكثر استقلالًا عن السعودية. واعتاد المراقبون النظر إلى المملكة باعتبارها "الشقيقة الكبرى "للإمارات، لكن ذلك التصور عفا عليه الزمن. لو كان الأمر ما يزال كذلك، لما تراجعت الإمارات عن دورها في اليمن قبل عامين، ولم تكن ستواصل تقديم الدعم السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي الذي تعتبر الرياض أن هدفه الانفصالي يعقد بشكل متزايد أهدافها في اليمن.
ويبدو أنّ هذه الاتجاهات أدت لتحفيز المملكة السعودية للدخول في محادثات مع إيران، والنظر بحكمة إلى التفاوض الجاد نحو التوصل إلى حل سياسي للحرب اليمنية. وقد يؤدي نجاح المحادثات الأولى إلى نجاح الثانية مباشرة.
ومع أخذ كل ذلك في الاعتبار، يمكن استخراج قليل من الملاحظات التكميلية، أولها أن الخصومة الإيرانية السعودية يمكن السيطرة عليها على الأقل من الناحية النظرية طالما يملك الطرفان إرادة سياسية مخلصة لتحقيق ذلك. وبالمقابل، فإن الاعتراف البحريني الإماراتي بإسرائيل لا رجعة فيه إذ أنه جرى اتخاذ تلك القرارات بعد دراسة مزاياها وعيوبها بعناية. وبالرغم من مساهمة ذلك في اتخاذ التوترات مع إيران منحنى أكثر سوءًا، لكن الجمهورية الإسلامية لا تملك نفوذا على الدولتين يرغمهما على التراجع عن تلك السياسات الجديدة. وعلاوة على ذلك، فإن السياسات المستقلة التي تنتهجها الإمارات مثل سياسة الند بالند تجاه السعودية مؤخرا ليس من المتوقع أن تتغير حيث أصبحت أبو ظبي لاعبا إقليميا يتحلى بقدر أكبر من الثقة من خلال نفوذ عبر إقليمي اقتصادي وعسكري. وكذلك لن يرتدع المجلس الانتقالي الجنوبي عن نهجه الذي يسير عليه.
الموقف المتغير للولايات المتحدة تحت قيادة بايدن تجاه السعودية يمثّل أحد أكبر الاختلافات بين الرئيس الأمريكي الحالي وسلفه لكنه يتسق كذلك مع إستراتيجية كبرى لواشنطن بإعادة التركيز على منطقة آسيا-المحيط الهادئ من أجل احتواء الصين. وينظر البنتاجون إلى ذلك باعتباره يمثل أولوية أكبر مقارنة بالحفاظ على التواجد الأمريكي السابق في غرب آسيا لاحتواء إيران. بوضع هذا عين الاعتبار، كان حتميا بمرور الوقت حدوث بعض التحول في التواجد الأمريكي العسكري من غرب آسيا إلى شرقها وجنوب شرقها لكن تلك الخطوة جرى تأجيلها مؤقتا في حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب لأسباب سياسية بسبب كرهه الشخصي لإيران، والعلاقات الوطيدة بين صهره جاريد كوشنر وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
الضغط على السعودية
ولأنّ التحول العسكري الأمريكي قيد التنفيذ بالفعل، كما بدأت الدوائر الدبلوماسية الأمريكية في وضع ضغوط على المملكة بموازاة ذلك، من المستبعد العدول عن هذا الاتجاه بالرغم من إمكانية إدارته بشكل أكثر مسؤولية في المستقبل. وحتى الآن، فإن الأسلوب الذي يتم به تنفيذ ذلك الأمر يوحي بأن هذا الإجراء بمثابة سلاح إستراتيجي يستهدف وضع الضغوط على السعودية للمساومة على بعض مصالحها الإقليمية. وربما تحاول الولايات المتحدة دفع حليفتها السعودية للتفاوض مع إيران بحسن نية. ولأنّ الرياض لم تعد تستطيع الاعتماد على واشنطن في الحماية الكاملة لمصالحها الأمنية كما كان سابقا، فإنها تسعى بإخلاص إلى حل سياسي للحرب اليمنية وتدرس الاعتراف بإسرائيل في وقت ما بالمستقبل القريب.
ويتم تفسير هذه الدوافع المفترضة بشكل مختلف بواسطة الأطراف الإقليمية المعنية حيث تنظر السعودية إلى هذا الأمر باعتباره مفاجأة غير سارة إذ لم تتوقع قيادات المملكة أن تضغط عليهم الولايات المتحدة بهذا الشكل. وتتحمل الولايات المتحدة مسؤولية غير مباشرة في إلحاق ضرر أسوأ بمصالحها الأمنية بسبب رفضها الاستمرار في الدعم العسكري لحرب المملكة في اليمن، والتحول المستمر لبعض قواتها من غرب آسيا إلى منطقة آسيا-المحيط الهادئ بالرغم من عدم نجاحها بعد في إعادة التفاوض بشأن الاتفاق النووي الإيراني. وتعد هذه العوامل مؤثرة بما يكفي لإجبار محتمل للسعودية على قبول أول مطلبين من المطالب الأمريكية المفترضة على الأقل بينما قد يظل المطلب الأخير المتعلق بالاعتراف بإسرائيل عالقًا نظرا لطبيعته السياسية شديدة الحساسية.
وفيما يتعلق بالتي تعتبر نفسها"الدولة اليهودية"، فإنه ليس من المحتمل أن يعجبها التركيز الأمريكي المتزايد على آسيا-المحيط الهادئ على حساب غرب آسيا، ولكنها ما تزال في وضع أفضل نسبيا مقارنة بالمملكة السعودية. وبعكس الرياض التي ما تزال تتعرض لطائرات الحوثيين المسيرة وصواريخهم حتى يومنا هذا، نجحت إسرائيل في وقف كافة الهجمات التي تستهدفها من سوريا. ولأن تل أبيب استطاعت تأمين مصالحها الأمنية الإقليمية المباشرة على نحو أفضل من الرياض (بالرغم من أن ذلك يعود إلى تحالفها الفعلي مع موسكو أكثر من أي شيء آخر)، فإنها تملك قدرا أكبر من المرونة الإستراتيجية في شبه الجزيرة العربية. وكان اعتراف البحرين والإمارات بها العام الماضي بمثابة نجاح دبلوماسي هائل يعزز حضورها في الخليج على أعتاب إيران مباشرة.
بالقطع، لا توافق الجمهورية الإسلامية على العلاقات السياسية بين إسرائيل وجيرانها الخليجيين لكنها لا تقوى على درء هذا التطور الدبلوماسي. وبدلا من ذلك، تسعى إيران إلى الاستفادة من الضغط الأمريكي مؤخرًا على حليفتها السعودية من أجل اكتشاف إمكانية إبرام ما يطلق عليه "ميثاق عدم اعتداء". ومن الجانب العملي، قد يؤدي ذلك إلى سلسلة واسعة النطاق من "التنازلات المتبادلة" بالمنطقة والتي تستهدف تنظيم هذا التنافس فيما بينهم مع مراقبة التطور الأكثر فورية بشأن المفاوضات الرامية لحل سياسي للحرب في اليمن. ربما تشعر طهران أن التواصل مع الرياض بنوايا حسنة قد يرسل إشارة إيجابية إلى واشنطن وبالتالي تساعد على حدوث تطور في عودة التفاوض بشأن الاتفاق النووي.
وفي خضم كل هذا، تجد الإمارات العربية المتحدة ذاتها في وضع استراتيجي مميز. ومن خلال تخليص نفسها من معظم ارتباطها بالحرب اليمنية قبل عامين، تفادت أبو ظبي الوقوع تحت طائلة الضغط الأمريكي بتلك الذريعة على غرار ما شهدته السعودية مؤخرا. كما بعثت تلك الخطوة بإشارة إيجابية إلى إيران التي ربما تشعر بالريبة من التأثير الدبلوماسي لقرار الإمارات بالاعتراف بإسرائيل. وبالرغم من أن هذا القرار ما زال مستفزا للجمهورية الإسلامية، لكن المفترض على طهران تقدير أن الإمارات لم تعد طرفا على قدم المساواة مع السعودية في الحرب اليمنية مما قد يساعد بشكل غير مباشر في احتواء التوترات الإقليمية بينهما. وعلاوة على ذلك، بمواصلة دعمها السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي، تحافظ الإمارات على تأثيرها في الدولة التي مزقتها الحرب مما يعزز سياستها الإستراتيجية المستقلة "الند بالند" تجاه الرياض.
أندرو كوريبكو
محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو
- الصورة: شبه الجزيرة العربية (Anton Balazh)