انعكاسات المحادثات «الإيرانية - السعودية» على الحرب في اليمن؟

انعكاسات المحادثات «الإيرانية - السعودية» على الحرب في اليمن؟

التحليلات

الأربعاء, 27-10-2021 الساعة 01:38 مساءً بتوقيت عدن

 سوث24 | فريدة أحمد 


تشهد  منطقة الشرق الأوسط عدداً من المتغيرات اللافتة في المناخ السياسي والدبلوماسي، كان أبرزها تطور العلاقات الإيرانية-السعودية، وإعادة تطبيع الأوضاع فيما بينهما بشكل ثنائي، بعد قطيعة دامت خمس سنوات بين البلدين منذ عام 2016، كان أحد أسبابها إعدام السلطات السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر، وما تلاه بعد ذلك من تصعيد بالهجوم على السفارة والقنصلية السعودية في طهران من قبل متظاهرين إيرانيين[1]، فضلا عن اتهام السعودية لإيران بممارسة دور مزعزع لأمنها عبر دعم «جماعة الحوثي» اليمنية، الأمر الذي أدى لزيادة التوتر وقطع العلاقات الدبلوماسية لاحقاً.

بدت خطوة المحادثات الهادئة غير الرسمية بين الدولتين الإقليميتين المركزيتين في المنطقة؛ إيجابية، وتتجه نحو مسار أقل في التصعيد. فمنذ 2020، عُقدت ثلاث جولات من المفاوضات بين إيران والسعودية على أرض عراقية، وشارك فيها كبار من مسؤولي الأمن والاستخبارات للبلدين، كان آخرها الجولة الرابعة التي عقدت في 21 سبتمبر الشهر الماضي في مطار بغداد الدولي، حيث استضاف رئيس الوزراء العراقي «مصطفى الكاظمي» رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني «علي شمخاني»، ووزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية «عادل الجبير»[2]. ويبدو أن الطرفين لديهما استعداداً لعقد جولات أخرى تخفف من حدة التوتر، وهو ما يمكن أن يحدث نوعاً من التقدم في العلاقات السياسية والدبلوماسية؛ وربما لما هو أبعد من ذلك، خاصة إذا ربطنا قضايا عديدة في المنطقة بالملف السعودي والإيراني، كلبنان وسوريا والعراق واليمن.

إن أي تفاهمات تنحو لفتح صفحة جديدة، ستنعكس بلا شك، بصورة رئيسية، على الملف اليمني، لكون صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون المدعومون من إيران؛ ويستهدفون السعودية بالطائرات المسيّرة والصواريخ، تشكّل مركز قلق حقيقي للرياض، لا سيما وأنّ طهران تموّل هذه الجماعة حسب تأكيدات من مصادر داخلية وخارجية. فضلاً عن توجس منطقة الخليج ككل من برنامج إيران النووي وقدراتها الصاروخية.

على الرغم من ذلك، مازالت تُطرح عدداً من الأسئلة والشكوك بين كل جولة وأخرى، عمَا إذا كان كل طرف جاد تجاه الآخر، وأن هناك نوايا حقيقية نحو خيار الأمن والسلام في المنطقة، أو حسب ما فسره بعض المراقبين، قد يكون الأمر مرتبط بالقناعة الدولية؛ بأنه حان الوقت لإغلاق بعض الملفات العالقة في منطقة الخليج، والبدء ببناء علاقات تعاون وثقة بين الدول والتركيز على المستقبل. وكانت واشنطن قد رحبت بالمحادثات بين الرياض وطهران[3]، كما رحبت لندن والأمم المتحدة بالمثل، ووصفت التفاهمات بين الطرفين بالمهمة للغاية[4].

بطبيعة الحال، كل هذه مؤشرات تبدو جيدة حتى الآن لإصلاح العلاقات المتوترة، ومن الواضح أن وصول «إبراهيم رئيسي» إلى سدة الحكم في يونيو 2021، مثّل فرصة لإعادة العلاقات بين البلدين وتحريك المياه الراكدة بينهما. على الرغم من أنّ الأخير لا يمتلك خبرة سياسية، إذ شغل طوال حياته المهنية مناصب في السلطة القضائية. وبالنسبة لسلفه «حسن روحاني» فقد حاول تقديم عدداً من المبادرات، إلا أن الرياض كانت تقابلها بالصمت في أغلب الأحيان، على سبيل المثال: قدّم روحاني «مبادرة هرمز للسلام» في سبتمبر 2019، بعد 8 أيام فقط من الهجوم على منشآت النفط السعودية، والتي أدت إلى توقف ضخ 5 ملايين و700 ألف برميل من النفط بشكل مؤقت[5]. ركزت المبادرة على أهمية التعاون الجماعي داخل منطقة الخليج من أجل الأمن الإقليمي. لكن وفقا لـ جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني آنذاك، فإنّ المبادرة لم تلقَ مؤشرات إيجابية سعودية بهدف خفض التوتر أو الموافقة على المبادرة»[6]


دوافع محتملة للتفاهمات 

بالنسبة لإيران: تُدرك جيداً أنّ تحسين علاقاتها بالسعودية، سيعني بالضرورة علاقات أفضل مع المحيط العربي الذي ظل متوجساً منها لسنوات، ولكون الدولتين تمثلان قوتين إسلاميتين في المنطقة، وبالتالي سيكون التأثير على مجمل الدول العربية والإسلامية كبيراً وخاصة وأن السياسة الإيرانية أصبحت أكثر براغماتية وأقل عقائدية، وتضع اعتبارات مصالحها الأمنية والقومية في أعلى سلم اهتماماتها. غير ذلك، فحالة الاستقطاب السائدة في الساحة العربية من قبل الدول الكبرى، تعتبره طهران تهديداً لأمنها القومي، ويمكن أن يشكل لها مسار المحادثات الإيجابي والتوصل لحلول مشتركة؛ الدرع الحصين، إذا توافقت مع عدد من الدول التي كانت تختلف معها وفي مقدمتها السعودية، خاصة وأنّ الكلفة التي دفعتها كانت باهضة عندما تدخلت في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وهو الأمر الذي فاقم من علاقاتها مع المجتمع الدولي. لذا على الأرجح، أنّ هذا التقارب مع السعودية ودول منطقة الخليج بشكل عام، بالنسبة لطهران سيساعد على تحسين صورتها الإقليمية والدولية، ويمكن أن يخفف من العقوبات التي فُرضت عليها من واشنطن في عهد إدارة الرئيس السابق «دونالد ترمب».

وعلى نحو مماثل، قد يساعد التقارب الإيراني-السعودي، على تخفيف الضغط الداخلي على إيران. حيث تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وصحية صعبة للغاية، فضلا عن تحديات أمنية واحتجاجات شعبية متواصلة نظراً لسوء الظروف المعيشية وشحة المياه. على سبيل المثال: خرجت عدة مظاهرات شعبية في شهر يوليو من العام الحالي، في منطقة الأحواز- عاصمة محافظة خوزستان في جنوب غرب إيران، التي يقطن فيها نسبة كبيرة من العرب. وقد اتهم مسؤولون إيرانيون السعودية وعدداً من الدول بالوقوف وراء تلك الأحداث[7].

علاوةً على ذلك، قد يؤدي استمرار التفاهمات الودية بين الجانبين إلى تخفيض سباق التسلح في المنطقة. فالسعودية وباقي دول الخليج تسعى لزيادة قدراتها العسكرية نتيجة شعورها بتهديدات مستمرة من طهران. وهو وضع يبدو مناسباً لإيران؛ لأنه في كلا الحالتين سواء امتلكت السعودية قدرات عسكرية فائقة أو لم تمتلك، فهي لن تشكل تهديداً محتملاً بالنسبة لطهران، نتيجة عدم توافق توازن القوى مقارنة بما تملكه الأخيرة من قوة نووية، إذا ما استثنينا إسرائيل، وإذا ما استثنينا الدعم الخارجي الذي يمكن أن تتلقاه الرياض إذا ما دخلت في مواجهة مباشرة مع طهران.

بالنسبة للسعودية، الدخول في علاقة ودية مع دولة تشكل تهديداً في المنطقة بامتلاكها برنامجاً نووياً بلغت نسبة تخصيم اليورانيوم فيه 60 %، وقيامها بصناعة وتوريد صواريخ بالستية وطائرات مسيّرة تستهدفها عبر وكلائها في اليمن (الحوثيين)، هي صفقة جيدة. فالرياض رأت أنّ التقارب مع الجيران هو أفضل، لاسيما أنّ الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية لم يعد مجدياً، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان مثالاً قريباً على ذلك، فضلاً عن إعلان إدارة بايدن وقفها لدعم الحملة العسكرية للتحالف العربي في اليمن.

وكما تعتقد طهران أنّ للرياض علاقة في إثارة الفوضى الداخلية على أراضيها، فالأخيرة تنظر لإيران على أنها تحاول زعزعة أمنها الداخلي من خلال وقوفها وراء بعض الاضطرابات في المنطقة الشرقية في السعودية من وقت لآخر بدعمها للشيعة هناك، وهو أمر ربما يطمح الطرفان إلى أن يتوقف إذا تمت عملية توافق.

مما لا لبس فيه، أنّ الدافع الأكبر بالنسبة للسعودية هو الأمن بدرجة رئيسية، وهي ربما تريد اختبار إيران فيما إذا كانت ستستخدم نفوذها على الحوثيين لوقف أنشطتهم العسكرية تجاهها. وقد ركزت المحادثات الأخيرة بين الطرفين في بغداد على الملف اليمني بشكل كبير. ويعزز هذا تغير النتائج على الأرض باستبعاد احتمال كسب السعودية للحرب في اليمن بالوسائل العسكرية، خاصة وأن الحوثيين يتوسعون في السيطرة على الجبهات التي تديرها حكومة هادي المعترف بها دولياً، ويسيطر على قرارها حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) في اليمن.


التأثير على اليمن 

حاولت الفواعل الإقليمية المركزية ممثلة بالسعودية وإيران، أكبر قطبين في منطقة الخليج، تغيير دينامياتهما الدبلوماسية والسياسية في المشهد الإقليمي والدولي، وكانت اليمن أبرز الملفات التي وضعت على طاولة المفاوضات، لكن السؤال الذي يمكن طرحه، هل هذه التفاهمات ستعمل على إنهاء الحرب في اليمن؟ وكيف؟ خاصة إذا تم الأخذ بعين الاعتبار؛ أن مسألة الحسم العسكري مستبعدة ولم تعد ضمن الأولويات بالنسبة للسعودية على الأقل، والحرب بمجملها تحوّلت لعبء كبير نتيجة الفشل العسكري في الجبهات التي أدارتها حكومة هادي المعترف بها دولياً، مقارنة بالحسم السياسي الذي يبدو أن ّالأطراف ستتجه إليه في الأشهر المقبلة.

يرجّح بعض المراقبين، أنّ السبيل لإخراج اليمن من هذا المأزق، هو وضع اليمن في لعبة توازنات مكّونة من ثلاثة أطراف رئيسية: الولايات المتحدة، إيران، السعودية. واتباع سياسة مصالح (المنح والأخذ)، بمعنى من الذي يمنح ومن الذي يأخذ بالمقابل.

انعكاسات المحادثات «الإيرانية - السعودية» على الحرب في اليمن؟

رسم توضيحي (سوث24) 

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء الحرب في اليمن بشتى الطرق، واتضح ذلك من خلال تعيينها مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، ويمكن لواشنطن أن تضع الملف اليمني على الطاولة النووية الكبيرة، ويمكنها أن تفاوض إيران بشأن ذلك، من خلال منح الحوثيين امتيازات للدخول في تسوية سياسية تسهم في تعزيز تمكينهم والتعامل مع وجودهم في شمال اليمن، كأمر واقع، مقابل بعض التنازلات التي تتوقع أن يقدّمها الإيرانيون في الملف النووي. وبالتوازي يمكن لإيران أن تمنح السعودية الحماية والأمن من أي تهديدات حوثية، مقابل أن تخفض السعودية مستوى تدخلها في اليمن لأدنى المستويات. وهي بطبيعة الحال معادلة بين قطبي المنطقة لا تتمتع بضمانات كافية خاصة من قبل طهران، فبمجرد السماح بتمكين الحوثيين مقابل التزام بعدم تهديد أمن السعودية؛ يرجّح مراقبون أن ينقلب الحوثيون على أي تسوية، وبالذات إذا ما حدث تراجع في التفاهمات بين السعودية وإيران.

حتى الآن، وحسب ما أكدته مصادر رفيعة لسوث24، فالمحادثات بين الرياض وطهران لم تصل إلى انفراجه رغم التفاؤل والتأييد الدولي الكبير، غير أنّ الإيرانيين يضعون شروطاً لا تمثّل أولوية سعودية في الوقت الراهن، مثل فتح السفارات والقنصليات وإعادة العلاقات الدبلوماسية وغيرها من الشكليات. مقابل اهتمام الرياض الكبير بملفها الأمني وما يشمله ذلك من تهديد الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، التي تستهدف أراضيها من قبل الحوثيين. وقد فسّر مراقبون أن تعاطي الموقف الإيراني مع المفاوضات الثنائية بتأجيل مناقشة مسائل أمنية ودفاعية ذات أهمية، لا تمهّد المجال لبناء الثقة بين الطرفين، وتشي بنوع من المماطلة لمنح الحوثيين فرصة أكبر للتقدم على الأرض وتعزيز نقاط تفاوضية أعلى.

في غضون ذلك، فإنّ التطورات الأخيرة في جنوب اليمن، بما فيها ما أكده مصدر سياسي رفيع لـ «سوث24»، بشأن انسحاب القوات السعودية، الثلاثاء، بصورة مفاجئة، من محافظة شبوة التي يسيطر عليها حزب الإصلاح، ربطها مراقبون بمحادثات الرياض وطهران، من خلال تخفيض الوجود السعودي في بعض المناطق حسب معادلة التوازنات المشار لها أعلاه. بينما رأى آخرون أنّ سبب الانسحاب يعود لغياب الثقة مع سلطة الإصلاح في شبوة، خصوصا وأنّ مصادر سياسية أشارت إلى مخطط لاستهداف مطار عتق، المقر الرئيس للقوات السعودية، ومواقع عسكرية أخرى، فضلا عن تعاظم الاتهامات للسلطات المحلية بـ «التواطئ» مع الحوثيين في تسليم مديريات بيحان.

ارتباط الملف اليمني بالمباحثات الأمريكية والسعودية مع إيران –كلٌ على حدة- سيخدم، على الأرجح، الحوثيين بشكل كبير، إذ سيشجّعهم على التقدم عسكرياً على الأرض وتعزيز فرصهم التفاوضية مع الأطراف المحلية المناوئة، ومقابل ما يمكن لإيران أن تقدمه من تنازلات لواشنطن أو الرياض في الملفات الرئيسية بينهم، فإنّ أعلى ما يمكن منحه لها بالمقابل؛ حصولها على تنازلات أمريكية سعودية تقبل بفرض تواجدها في اليمن كأمر واقع من خلال «ميليشيا الحوثيين»، الذراع المحلي لها على البحر الأحمر.

في مقابل ذلك، تصاعدت الأصوات الدبلوماسية الدولية[8]، التي تدعو لتجاوز القرار 2216، الذي تواجدت المملكة العربية السعودية بموجبه في اليمن، الأمر الذي قد يشكّل حصارا للتأثير السعودي داخل اليمن، وإنهاء عملي لتواجدها، مقابل تعزيز فرص حضور خصوم المملكة.

وفي ظل استمرار التهديدات الحوثية وتلاشي ثقة الرياض بالأطراف اليمنية المسيطرة على الحكومة اليمنية -الإخوان المسلمون على وجه التحديد- لم يتبقَ للمملكة، كما يعتقد مراقبون، سوى دعم الأطراف الفاعلة في جنوب اليمن، كالمجلس الانتقالي الجنوبي، للحفاظ على مكتسبات التحالف الذي قادته خلال السبع السنوات الماضية. 


إيران السعودية جنوب اليمن الحوثيون الحوار السعودي الإيراني