«تفريخ» محلات الصرافة ينذر بكارثة جديدة في حضرموت

«تفريخ» محلات الصرافة ينذر بكارثة جديدة في حضرموت

التقارير الخاصة

الأربعاء, 10-11-2021 الساعة 01:02 مساءً بتوقيت عدن

 سوث24| عبدالله الشادلي  

ظلت  شركات ومنشآت الصرافة في محافظة حضرموت، محصورة النشاط والعدد، حتى نهاية العام 2011، الذي شهد سقوط النظام اليمني السابق وتلاه سقوط مؤسسات الدولة، واندلاع الأزمة والصراع في اليمن. 

في هذه الفترة، استغل المتنفذون صلاحياتهم وقربهم من الحكومات الجديدة؛ لافتتاح شركات صرافة جديدة تحت قيود وهمية، في مختلف محافظات الجنوب، في ظل قانون الصرافة لسنة 1995، الذي لم يعد منسجما مع التطورات التي تشهدها الساحة الاقتصادية الدولية. 

بدأ انهيار العملة اليمنية، بعد العام 2015. إذ شهد مسارا آخر في أسعار العملات الأجنبية، صعودا من السعر الرسمي 57 للريال السعودي، إلى 80، وكذلك الحال بالنسبة إلى الدولار من 215 ريال، إلى 250 ريال مع اندلاع الحرب اليمنية وسيطرت تنظيم القاعدة على مدينة المكلا بحضرموت.

لم تكن فكرة دخول صرافين جدد سوق العملة في حضرموت، أمرا يشغل بال المتنفذين قبل انقضاء خمسة أعوام على الأزمة، إلا أنّ نهاية العام 2020 شهد انتشارا غير مسبوق؛ مع تدهور الرقابة الحكومية وتزايد الحديث عن انتشار الفساد والمحسوبية داخل أجهزة الحكومة المالية. 

غيّب انتشار محلات الصرافة، دور البنك بشكل نهائي؛ ما أتاح الفرصة لإطلاق سلسلة مصارف جديدة، بينها شركات تم «تفريخها» من شركات كبيرة تابعة لمتنفذين محليين، وآخرين قادمين من مناطق شمال اليمن، بهدف التهرّب من العقوبات والإجراءات التي تفرضها الجهات الخارجية والدولية ضد بعض الشركات، ولضمان استمرار العمل في حال تقرر إغلاق إحداها.

وبحسب مصادر مصرفية، حطّمت العملات الأجنبية مقابل العملة اليمنية، في جنوب اليمن، أرقاما قياسية خلال العام 2021، وتجاوز الريال السعودي وفقا لتسعيرة البنك المركزي بعدن حتى يوم 10 نوفمبر تشرين الثاني، الـ383 ريال، فيما بلغ سعر الصرف نحو 400 في السوق السوداء، أما الدولار فقد تجاوز حاجز الـ 1461 وفقا للبنك المركزي.

وفي غضون ذلك، تبيع وتشتري بعض محلات الصرافة المرخص لها، العملات الأجنبية بشكل سري من بعض العملاء الذين يحظون بثقة موظفيها بأسعار السوق السوداء.

ويؤكد الخبير الاقتصادي في حضرموت، الدكتور محمد صالح الكسادي، أنّ الأحداث التي تدور في مأرب تؤثر - بشكل مباشر - على اقتصاد البلاد، وأنّ تهديدات الحوثيين تجاه محافظة حضرموت "دفعت بالكثيرين الى تحويل أموالهم الى عملات صعبة ليضمنوا حفظها؛ وبذلك زاد الطلب على العملة المحلية وزاد انهيارها وتضخمها بشكل طردي."

ويقول الكسادي في سياق حديثه لـ «سوث24»، إنّ استيراد النفط من الخارج والمواد الغذائية، والطلب على العملة الصعبة من كافة الاتجاهات في ظل انعدام دور البنك المركزي؛ شكّل ضغطا وطلبا كبيرين على العملة وساهم في مفاقمة الأزمة، ما أدى إلى انتشار محلات ومنشآت الصرافة، وظهورها بهذا الكم الهائل الذي لا يستوعبه أي اقتصاد في العالم. 

شركات غير مرخصة 

ومنذ مارس/ آذار 2015، افتُتحت مئات مكاتب الصرافة بصورة غير قانونية، في جميع أنحاء البلاد، وكانت غالباً امتدادا لشبكات مرتبطة بشركات مرخصة أكبر حجماً. 

وبينما لا تزال الشركات غير المرخصة، تتعامل مع أرقام أقل بكثير من الأرقام التي تتعامل معها الشركات المرخصة، إلا أن محاولاتها للإمساك بحصتها في السوق من خلال التسعير الجريء أثرت بصورة كبيرة على سعر صرف الريال. 

ووفقاً للتقرير السنوي لعام 2014 الصادر عن البنك المركزي اليمني، كان هناك 605 شركة صرافة مرخصة تعمل في اليمن خلال ذلك العام، ولم تكن هناك مكاتب صرافة أخرى غير مرخصة. (1)

واستنتجت دراسة للسوق في العام الماضي أنّ عدد الصرافين في اليمن ارتفع إلى أكثر من 1,350 بحلول عام 2017، بما في ذلك ما يقدر 800 من مكاتب الصرف غير المرخص لها. (2)

وأكدت مصادر مالية بالبنك المركزي اليمني بالمكلا لـ «سوث24»، أن إجمالي عدد المصارف المرخصة في حضرموت خلال العام2021، بلغ 36 محل ومنشأة فقط، بينما تزاول البقية عملها من دون أي تراخيص عمل.

وعلق الكسادي على هذا العدد: "لا يستوعب أي اقتصاد في العالم هذا الكم الهائل من المحلات"، مشيرا إلى أنّ شركات ما قبل العام 2010 كانت جميعها مرخصة.
 
ووفقا للكسادي، إنّ "امتداد شركات الصرافة الكبيرة إلى شركات تابعة لها - بطريقة غير مباشرة - أو ما يسمى بـ «التفريخ»، يُسهم في انهيار العملة" وهي سياسة يتبعها بعض التجار؛ للتهرب من أي مضايقات قانونية أو تهديد بالإغلاق، وكل ذلك يندرج ضمن المضاربة في العملة.

واعتبر الخبير الاقتصادي قانون الصرافة لسنة 1995 بأنه كان واضحا ووضع معايير معينة، "لكنها لا تتوافق حاليا في ظل التغيرات التي تشهدها الجوانب المالية، من ناحية غسيل الأموال أو تهريبها عبر المنظمات الإرهابية"، لافتا إلى أنّ "قانون الصرافة يتم  تطبيقه؛ لكنه لا يتوافق مع المتغيرات التي تشهدها الساحة الدولية."

شبكات مالية مخالفة 

وتلعب الشبكات الداخلية ووكلاء الشركات دوراً محوريا في الانهيار، كما أنها تزاول العمل بشكل غير رسمي، وهذا يؤثر على مبدأ العرض والطلب في العملة.

ويقول الكسادي، إنّ العملة مثلها مثل أي سلعة تخضع للعرض والطلب، وأن البنك المركزي كانت له تدخلات في حال حدثت انهيارات أو تضخمات مالية، لكن لا توجد لديه عملة صعبة ولا سياسة نقدية في الوقت الحالي، حتى يتمكن من معالجة الأزمة الاقتصادية الراهنة. 

وفي ظل غياب دور البنك المركزي اليمني، وتنصله عن مسؤولياته، جعلت الأزمة الاقتصادية في البلاد من محلات الصرافة بديلا عن بعض البنوك التجارية والبنك المركزي ذاته. 

ويعزي الكسادي هذا الانتشار الواسع لشبكات الصرافة، إلى أنّ بعضها "تابعة لمسؤولين في السلطة والدولة على حد سواء"، لافتا إلى أنّ "الأزمة الراهنة برزت بشكل كبير؛ بسبب فساد المتنفذين الذين يديرون الاقتصاد الوطني."

ويعتبر الكسادي، "أثر البنك المركزي اليمني حتى الآن سلبي ولا يصب في مصلحة الاقتصاد، وأنّه غير قادر على رصد الأموال وتدفقها." ويُشير إلى أنّ محلات ومنشآت الصرافة ليست العامل الوحيد الذي يتحمل تداعيات الانهيار  الاقتصادي، لكن الحرب الاقتصادية التي تفرضها جماعة الحوثي تسببت أيضا في انهيار غير مسبوق للعملة الوطنية.

مخالفات وعقوبات 

في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلن البنك المركزي عبر موقعه الإلكتروني، تعليق نشاط ستة مصارف مخالفة لأنظمته وتعليماته في مدينة سيئون، شملت: شركة سنان ومنشأة شيبان ومنشاة الخميسي ومنشأة المقبولي ومنشأة بن عفيف ومنشأة عبد هود. 

كما أوقف البنك المركزي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، (3) عشر شركات صرافة مخالفة في مدينة المكلا، وذلك بعد المراجعة الشاملة لكافة حساباتهم وأنشطتهم وضبط مخالفاتهم، شملت: شركة البسيري وشركة العمقي وشركة بن دول وشركة الطريحي وشركة حضرموت والشركة العربية وشركة وصل وشركة بن أمين وشركة حسين البيضاني وشركة البيضاني إخوان.

وبلغ إجمالي عدد الشركات المخالفة التي أوقفها البنك المركزي، في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا أكثر من 80 شركة ومنشأة صرافة حتى الثلث الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021. 

وفي أيلول/ سبتمبر 2021، أصدر مجلس الوزراء الإماراتي، قرارا تضمن إدراج شركات صرافة يمنية على لائحة الإرهاب الدولي. 

وتضمنت القائمة 38 فردا و15 كيانا، ضمن القائمة المعتمدة في الدولة، المدرج عليها الأشخاص والكيانات والتنظيمات "الداعمة للإرهاب"، من ضمنها شركتي الإنماء، والعمقي للصرافة الرائدة في حضرموت. (4)

جرف العملة إلى مناطق الحوثي 

يشكل التجار -المنتمين إلى شمال اليمن- الذين يستوردون بضائعهم من مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، نسبة كبيرة في محافظات الجنوب والمناطق المحررة؛ الأمر الذي يزيد من الطلب على العملة الصعبة، وتهريبها إلى مناطق سيطرة الجماعة، ما يسهم في رفد سوقهم بالعملة الأجنبية واستقرار العملة المحلية هناك.

وتصر حكومة الحوثي - غير المعترف بها دوليا – على التعامل بالعملة الصعبة مع التجار الذين يستوردون إلى خارج مناطق سيطرتها، في خطوة تجعل عملية الشراء تبدو أشبه بالاستيراد من الخارج، وذلك لجر أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة لصالحها.

وبحسب مصادر مصرفية، فإنّ شبكة المضاربين في العملة، تعمل على تقييد الحسابات دفتريا في حسابات أخرى لدى شركات الصرافة، ولا تقوم بنقلها إلى مناطق سيطرة الحوثي مباشرة، وهو ما تعد الجهات الرسمية في الحكومة لوقفه أيضا، بعد تحذير التجار من إنشاء حسابات لدى الصرافين غير المرخص لهم بمزاولة العمل، ويخضعون لعقوبات من قبل البنك المركزي.

وحذر خبراء اقتصاديون في مناطق سيطرة الحوثيين من "تداعيات" ارتفاع الريال ليس فقط على ساكني صنعاء والمناطق القريبة منها فقط، بل على بقية المحافظات.

واعتبروا أنّ من شأن احتكار "العملات الأجنبية عند أشخاص معينين" أن يسبب "عجز عند الدولة أو السلطات الحاكمة في توفير عملة أجنبية كافية لاستيراد المواد الأساسية من الخارج". (5)

تقلّص الحوالات الخارجية  

ظلت التحويلات النقدية الخارجية لاسيما القادمة من دول الخليج، محوراً مهما في دعم الاقتصاد ورفد السوق بالعملة الصعبة فضلا عن مساعدة ملايين الأسر منذ بدء النزاع قبل نحو 7 سنوات، إلا أنّ معدلاتها سرعان ما تراجعت جراء الجائحة مباشرة من جهة، وبسبب المضايقات التي تعرضت لها العمالة في بعض دول الخليج من جهة أخرى، وحالت دون تدفق العملة كالسابق.

وتعزز الحوالات النقدية الخارجية والداخلية سوق العملة في البلاد، كما إنها حافظت على بقاء الأسر في حال مواكب للصدمات والأزمات التي شهدتها البلاد منذ بداية النزاع، ووفرت لهم حياة كريمة رغم المتغيرات اليومية.

«تفريخ» محلات الصرافة ينذر بكارثة جديدة في حضرموت

ويقول مركز «Acaps analysis HUB Yemen»  في تقرير له في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2021، (6) إنّ التحويلات والإيداعات المالية قبل جائحة كورونا من المملكة العربية السعودية بلغت 62 في المائة، تلتها دولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 18 في المائة، ودولة قطر بنسبة 5 في المائة، والكويت بنسبة 5 في المائة، أما الولايات المتحدة فكانت 4 في المائة، وإسرائيل 2 في المائة، وكلا من البحرين والمملكة المتحدة وليبيا 1 في المائة، وبقية الدول الأخرى 2 في المائة، وفق تقديرات البنك الدولي  لعام2017. 

انفصال السياسة النقدية 

عقب انفصال السياسة النقدية في العام 2019، التي برزت جليا في العام 2020، أثرت تلك الإجراءات «الحربية» على العملة بشكل ملموس، خصوصا بعد قيام جماعة الحوثي بمنع دخول العملة الجديدة التي طُبعت في 2017 – 2018.

يقول الكسادي: "نحن محاربون من قبل سلطة الحوثي، حربا اقتصادية وعسكرية، وأغلب النفوذ والأموال يسيطر عليها أصحاب راس المال المنتمين للمناطق الشمالية".

ويضيف أنّ "السياسة النقدية التي تمارسها حكومة الحوثيين تعتبر منفصلة، وهذا سبب استقرار العملة المحلية في مناطق سيطرتها، كما إنّ قلة الطلب عليها أدى إلى تكدسها لديهم وانعكس بشكل إيجابي على الحياة هناك."

وبحسب نظرية تعادل القوة الشرائية في المناطق التي تعاني من التضخم في الأسعار، فإنّ عملية الشراء منها أفضل من الخارج، كما إنه أقل كلفة، وهذا ما يمارسه تجّار الشمال.

ولذلك رأى الخبير الاقتصادي الكسادي أنّ  "لا حل لهذه المشكلة، إلا بفصل سياسة المناطق المحررة، عن السياسة المالية والنقدية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين".

وأكد  تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن في شهر آب/أغسطس 2021، أنّ العملة في مناطق «الشرعية»، فقدت ما يزيد عن 36 في المائة من قيمتها خلال عام واحد فقط، مما تسبب في ارتفاع الأسعار وعدم استقرارها في تلك المناطق. 

وتشهد محافظات الجنوب حالة عدم استقرار في العملة أدى إلى ظهور موجة غير مسبوقة من الغلاء، وزيادة حادة في أسعار المحروقات والسلع الغذائية والمواد الاستهلاكية واليومية.

ويحذر خبراء الاقتصاد من استمرار الأزمة (7) دون التدخل لإنقاذ العملة المحلية من الانهيار الحاد، الذي سينجم عنه كارثة اقتصادية إنسانية تنعكس على حياة المواطن ذوي الدخل المحدود، وتقضي على الطبقة المتوسطة التي باتت على خط الفقر، وسط تحذيرات الأمم المتحدة من اقتراب عدد كبير من السكان نحو مرحلة المجاعة.

عبدالله محسن الشادلي 
صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

- الصورة: محتجون يغلقون شركة صرافة محلية في سيئون بحضرموت، 27 سبتمبر 2021 (إعلام محلي) 

المراجع:  
1.          الباب الأول      (centralbank.gov.ye) 
 
2.          تقرير اليمن – أغسطس / آب 2018 - مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية      (sanaacenter.org) 
 
3.          البنك المركزي يوقف نشاط عدد من شركات ومنشآت صرافة مخالفة في المكلا      (cby-ye.com) 
 
4.          الإمارات تدرج 38 فردا و15 كيانا على قائمة الإرهاب | أخبار سكاي نيوز عربية      (skynewsarabia.com) 
 
5.          تزايد محلات الصرافة في صنعاء 90% منها بدون تراخيص - المشاهد نت      (almushahid.net) 
 
6.              20211015_acaps_yemen_analysis_hub_impact_of_remittances_on_yemens_economy.pdf 
 
7.          عملة اليمن تواصل الهبوط السريع في الجنوب والدولار يلامس 1100 ريال      | Reuters  

شركات صرافة انهيار العملة حضرموت المكلا البنك المركزي اليمني جنوب اليمن الحوثيون