هل يمكن أن تلعب مصر دورا في صنع السلام في اليمن؟

هل يمكن أن تلعب مصر دورا في صنع السلام في اليمن؟

التحليلات

الخميس, 18-11-2021 الساعة 09:07 مساءً بتوقيت عدن

سوث24 | فريدة أحمد 


منذ  تاريخ 30 يونيو 2013، وعقب عدة أعوام من الصعوبات والتحديات التي واجهتها دولة مصر من تقلبات سياسية واقتصادية ومجتمعية، استطاعت أن تستعيد فيها ذاتها كدولة وطنية فاعلة ذو تأثير كبير في المنطقة وتفاعلاتها، وعلى عدة مستويات داخلية وخارجية.

حيث شهدت السياسة الخارجية المصرية حراكاً دبلوماسياً ملحوظاً خلال الأعوام الأخيرة، تركّز على ملفات ذات أهمية كبرى في المنطقة، كتعزيز علاقاتها بالدول العربية وتحديداً دول الخليج، وجهودها المكثفة في ملف الأزمة الليبية عبر تسهيل الحوار السياسي والتسوية بين أطرافها، كما ساهمت مع التحالف العربي - وإن كان بصورة رمزية- في جهود استعادة حكومة هادي المعترف بها دولياً في اليمن. وفضلا عن ذلك برز دورها، أيضا، بشكل فاعل في عملية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، في مايو 2021. إضافة إلى علاقاتها الدولية المتوازنة في إطار الشراكة الاقتصادية والسياسية.

في 28 مارس 2015، وبعد يومين من بدء عملية "عاصفة الحزم" في اليمن بقيادة التحالف العربي، كانت أعمال القمة العربية الـ 26 تُعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، وقد هيمنت الأزمة اليمنية على جدول أعمال القمة، بعد مشاركة تسع دول عربية في التحالف إلى جانب باكستان. لم يكن الهدف من قيام "العاصفة" آنذاك مساندة هادي وحكومته المعترف بها دولياً وحسب، وإنما كان الهدف أيضاً الحد من التوسع الإيراني في المنطقة، وخطورة نفوذ "طهران" من خلال وكلائها الحوثيين على البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وهو أمر يمس الأمن القومي العربي وبدرجة أساسية الدول القريبة من هذه الممرات؛ كاليمن ومصر ودول الخليج.

وعلى الرغم من أنّ الدور المصري في اليمن خلال العمليات العسكرية للتحالف العربي كان محدودا، وبصورة (اسمية)، عدا عن بعض المهام في تأمين وسلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر [1]، غير أنّ الحراك الدبلوماسي ونشاط السياسة الخارجية المصرية بشأن اليمن كان لافتاً في الآونة الأخيرة.

ومن المجدي الإشارة إلى أن اللقاء الذي جمع بين رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي"، ونظيره اليمني "معين عبد الملك"، في أكتوبر الماضي؛ تطرّق لأهمية أمن الملاحة في الخليج العربي ومضيق باب المندب [2]. وهو ما بدا من أولويات جدول اهتمامات القاهرة. إذ يُعتبر مضيق باب المندب الشريان الملاحي الأهم بالنسبة لمصر، خاصة وأن نحو 98% من البضائع والسفن الداخلة عبر قناة السويس تمر من خلال المضيق، الأمر الذي يعني أنّ أي تعطيل لحركة المرور في المضيق، ستؤثر على عائدات قناة السويس التي تمثل جزءاً مهماً من دخل مصر القومي [3].

كما أن دعوة القاهرة لحكومة المناصفة المعترف بها دوليا، بما في ذلك وزراء النفط والتعاون الدولي والاتصالات والنقل والصحة العامة والسكان، ولقاء الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" بوزير الدفاع "المقدشي" [4]، عكست اهتماما بالغا لمصر بالتطورات في اليمن.

وسبق واجتمع السفير المصري غير المقيم "أحمد فاروق"، برئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، أواخر العام الماضي، دعماً لاتفاق الرياض وإيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية [5]. إضافة للقاءات غير معلنة مع عدد من قادة المجلس الانتقالي الجنوبي في الرياض والقاهرة، وفقا لمصادر "سوث24".

 كما أنّ زيارة المبعوث الأممي السابق إلى اليمن "مارتن غريفيث"، ولقاءه بوزير الخارجية المصري "سامح شكري" في إبريل نيسان الماضي [6]، صبت في ذات الاتجاه الذي يدعم جهود التوصل لحل سياسي شامل ومُستدام للأزمة اليمنية.

عكست، بكل تأكيد، هذه اللقاءات الدبلوماسية المكثّفة خلال الأشهر الأخيرة إشارات واضحة على أن هناك اهتمام مصري كبير على كافة الأصعدة الأمنية والسياسية في ملف اليمن، لا سيّما وأن دول مثل (إيران وتركيا) من الدول السبّاقة للانخراط في جيوسياسية البحر الأحمر. كما أنّ الجماعات الدينية المتشددة كحركة الحوثيين المدعومة من إيران، وحزب الإصلاح اليمني المنتمي إيديولوجياً لجماعة الإخوان المسلمين المدعومة من تركيا، تعكس تهديداً حقيقياً لمنطقة باب المندب الاستراتيجية والأمن البحري الإقليمي، بالنظر إلى مطامع الدول الداعمة لها، والتي تتهمها أطراف محلية يمنية بدعم وتمويل "ميليشياتها المسلّحة".


آفاق الدور المصري في اليمن 

تنوّع حضور الدور المصري في المنطقة بين التمثيل السياسي والدبلوماسي، وهو تنوع ارتبط نوعاً ما بتغيرات الديناميكيات السياسية وتوازناتها في المنطقة ككل، وبات حضور مصر كدولة محورية مؤثرة، يشكل أهمية بالنسبة لسياستها الخارجية، لا سيما في اليمن؛ وبعد غياب استمر لما يقارب العشر سنوات. لكن الاهتمام يبدو متجهاً هذه المرة نحو جهود السلام، ودعماً للتسوية السياسية بين مختلف أطراف الأزمة اليمنية. فمصر كانت واضحة منذ بدء عمليات التحالف العسكرية، وكانت مشاركتها إلى جانب دعمها السياسي للتحالف العربي، تقتصر على مشاركة جوية وبحرية خفيفة في إطار حماية الملاحة البحرية، ولم تشارك بأي قوات برية في حرب اليمن 2015.

يمكن القول، أن من شأن التجربة المريرة التي خاضتها مصر في ستينيات القرن الماضي، بمشاركة قواتها العسكرية لدعم الثورة اليمنية ضد حكم الإمامة، لم يحفزّها لإعادة التجربة من جديد. فهي دفعت ثمناً باهضاً جراء حربها تلك في عمق جبال شمال اليمن، وخسرت أكثر من 10 آلاف جندي مصري، وتكبدت ديوناً ضخمة بسبب الحرب. وهو الأمر الذي أشار له الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" في أحد المؤتمرات، بأن حرب اليمن في الستينات هي سبب تراكم الديون على مصر طوال السنوات اللاحقة [7]. كما اعتبر مراقبون أن تلك الحرب كانت أحد أسباب معاناة الجيش المصري وهزيمته في حرب الأيام الستة عام 1967. ولن تجازف مصر بخطأ تاريخي آخر؛ خاصة بعد أن استعادت استقرارها وعافيتها الاقتصادية والأمنية والسياسية من جديد.

من المهم الإشارة لدور مصر قبل الوحدة اليمنية عام 1990، في دعم دولة جنوب اليمن السابقة "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، كامتداد لدعمها ثورة 14 أكتوبر واستقلال ما كان يُعرف باتحاد (الجنوب العربي) من الاستعمار البريطاني الذي حكم ذلك الجزء الاستراتيجي من جنوب شبه الجزيرة العربية لـ 129 عاماً. كذلك موقفها الرافض لحرب 1994 التي شنها نظام صنعاء ضد الجنوب، حين عبّر وزير الخارجية المصري، آنذاك، عمرو موسى عن موقف مصر الواضح بأنّ "الوحدة لا يمكن أن تُفرض بالقوة". [8] 

في الوقت الراهن، تكشف سياسة مصر الرسمية جهود تعزيز السلام بين الأطراف المحلية اليمنية، بما فيها المسؤولين الجنوبيين، خاصة وأن جنوب اليمن يُطلّ على باب المندب، وتتولى حمايته من الجانب اليمني القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي.

لذا، فدور مصر يحمل على ما يبدو، رؤية استراتيجية أشمل للوضع في اليمن، ليس من بينها الرؤية العسكرية حتى الآن. بيد أن ورود مخاوف أو تهديدات محتملة على مصر عبر البحر الأحمر؛ لا يعني أنها لن تحرك ساكناً. حيث أشار مسؤولون مصريون في وقت سابق، بأنّ مصر لن تتسامح مع أي تهديد في الممر المائي الاستراتيجي الذي يربط قناة السويس بخليج عدن وشبه الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر، بل وهددت بالتدخل عسكريا [9]. غير أن صناعة السلام وبناءه هي مقاربة تبدو مناسبة لمصر كدولة محورية وذات تأثير في المنطقة راهناً.


القاهرة وخطوات نحو السلام 

أثّرت التطورات الإقليمية والدولية على السياسة الخارجية المصرية، بدءاً بطي صفحة الخلاف وإعادة العلاقات بين قطر ودول المقاطعة وفي مقدمتها السعودية ومصر، وصولاً لعرض خارطة طريق للسلام في ليبيا، وتهدئة التصعيد مع تركيا، بالإضافة لتفعيل دورها الرامي للسلام في اليمن ودعم حكومة المناصفة، التي انبثقت عن اتفاق الرياض. كل هذه التطورات حفّزت القاهرة للعب دور سياسي ودبلوماسي كبير في المحيط الإقليمي.

عادة ما تُشير الرؤية المصرية الرسمية على أنّ الحل في اليمن يكمن بدرجة أساسية، بالعودة للمرجعيات الثلاث، التي تعارضها ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، وتدعو بعض الأطراف الدولية والمحلية لتجاوزها.

وفي هذا الصدد، قال السفير "رخا أحمد حسن"، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، ومساعد وزير الخارجية الأسبق، في تصريح خاص لـ "سوث24"، أنّ "مصر ترى ضرورة العودة إلى المرجعيات الثلاث من أجل عملية السلام في اليمن، المبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن الدولي 2216، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وهو موقف لا يخرج عن الإطار الدولي والإقليمي والعربي." على حد وصفه.

ورأى الدبلوماسي المصري أنّ "حلحلة الأزمة اليمنية أمراً مهماً بالنسبة لمصر، وتحويل القتال إلى سلام، عبر مبدأ القبول بالمشاركة والجلوس على طاولة الحوار من أجل تقريب وجهات النظر والوصول إلى تسوية سياسية شاملة، عامل مهم لاستقرار اليمن والمنطقة بشكل عام."

وأشار السفير حسن إلى أنّ "الدفع بالمشاركة على أساس المصالحة هو أمر تدعمه مصر كما تدعمه السعودية ودول الخليج."

واستبعد مسؤول الخارجية السابق، أنّ يكون هناك حلاً عسكرياً لحسم الحرب في اليمن بسبب "الطبيعة الجغرافية الجبلية والموقع الجيوسياسي لليمن، بالإضافة إلى العامل القبلي الذي كان ذا أثر كبير، وغيرها من العوامل الأخرى التي أفرزت وقائع لم تسمح لطرف ينتصر على طرف آخر في اليمن"، معلّقا "لقد خبِرت مصر في ستينيات القرن الماضي تجربة سابقة في هذا الأمر".


واعتبر حسن أن أمن واستقرار اليمن "لا يتجزأ من الأمن القومي العربي." وقال لـ "سوث24" إنّ "أمن مصر في المقابل في منطقة البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن؛ يهمها بدرجة أساسية"، إذ أنّ "تأمين المنافذ والخطوط البحرية يؤدي للتنمية الاقتصادية، ويسهم في زيادة التبادل التجاري"، أما الحرب الأهلية الممتدة منذ سنوات في اليمن؛ فهي وفقا للسفير "إهدار للموارد البشرية والاقتصادية".

ورأى مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق، أنّ "الأجيال اليمنية بحاجة إلى تأهيل ودعم وتعزيز نفسي بعد كل ما مرت به، وأنّ اليمن بالفعل قوة تضاف للقوة العربية، كما هي بقية الدول العربية الأخرى، لهذا فعامل السلام ووقت البناء والتنمية قد حان."

وهناك ثمة تحليلات أخرى، بالمقابل، ترى أنّ دور مصر نحو السلام في اليمن، سواء على مستوى فردي أو على مستوى تعاوني تعددي، لن يخرج عن الإجماع الإقليمي والدولي وتحركاته نحو التسوية السياسية.

قالت د. إيمان زهران، وهي خبيرة مصرية متخصصة في شؤون العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، أنّ القاهرة تدعم إنجاز متطلبات التسوية السياسية في اليمن لعدة أسباب، أهمها "تأمين مضيق باب المندب على نحو يؤمن من خلاله الملاحة في البحر الأحمر، وبالتبعية في قناة السويس"، فضلا عن "محاصرة التوظيفات الإقليمية للقوى الصاعدة للبوابة اليمنية، خاصة اليمن، وتطويق نفوذها في المنطقة عبر أذرعها المتمثلة في جماعة الحوثيين."

وأضافت، الخبيرة في الشؤون الدولية لـ "سوث24" أنّ مصر تدعم استقرار "الدولة المركزية، الذي يُعد وفقا للتصوّر المصري، أحد أهم الآليات الداعمة لترتيبات الأمن الإقليمي في المنطقة."

ورأت إنّ من شأن الدعم المصري لعملية التسوية السياسية في اليمن "وأد أي محاولات لتصدير الاضطرابات والتوترات الأمنية بالداخل اليمنى إلى دول الجوار."

وفي إطار سعي القاهرة للاحتفاظ بحضور فعّال في إطار جهود السلام وعملية التسوية السياسية في اليمن، قالت د. إيمان زهران، أنّ مصر أجرت تحركات عديدة من بينها الدعم السياسي الدبلوماسي للقضية اليمنية..، والانفتاح على الأطراف السياسية الأخرى، المنخرطة بشكل واضح في الملف اليمني، أبرزها المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب المؤتمر الشعبي العام"، بالإضافة إلى "المساهمة في تقديم الدعم الإنساني للشعب اليمني، وتوفير الاستضافة للأشقاء، مع توفير كافة الخدمات الصحية، والتعليمية، والأمنية، كذلك تسهيل إجراءات الإقامة والعمل في مصر."

وفي ضوء ذلك، من المرجّح أن توسع القاهرة، خلال الفترة المقبلة، نشاطها الدبلوماسي لأجل الدفع نحو إنجاح الجهود الدولية لتحقيق عملية سلام تضم كل الأطراف الفاعلة في اليمن. إلا أنّ التعقيدات السياسية للملف اليمني، خصوصا في الجنوب، مع تصاعد التهديدات التي تشكلها "الحركات الدينية المتطرفة" على أمن البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، يتطلب مزيد من الانفتاح على الأطراف السياسية الفاعلة في الجنوب، وعلى رأسهم المجلس الانتقالي الجنوبي.


فريدة أحمد 

باحثة مقمية في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصصة في الشؤون السياسية 

- الصورة من لقاء رئيس الوزراء اليمني ونظيره المصري في القاهرة، أكتوبر 2021 (رسمي) 

المراجع: 

مصر البحر الاحمر باب المندب جنوب اليمن اليمن الحوثيون المجلس الانتقالي الجنوبي قناة السويس عبد الفتاح السيسي