التقارير الخاصة

حضرموت: أزمة الغاز المنزلي تفتح «باب» السوق السوداء وتزيد معاناة المواطن

25-11-2021 الساعة 4 مساءً بتوقيت عدن

language-symbol

سوث24| عبدالله الشادلي


يقترب ساحل محافظة حضرموت، جنوب اليمن، من نهاية العام 2021 في ظل استمرار أزمة الغاز المنزلي التي برزت بشكل ملحوظ في أيلول/سبتمبر الماضي؛ وأثقلت كاهل المواطن وأشغلته عن القيام بأعماله في سبيل الحصول على حصته من الغاز بالسعر الرسمي.


وبالرغم من رفع سعر الغاز إلى 3700 ريال قبل منتصف العام 2021 بعد أن كان يُباع بـ 2600 لدى وكلاء "منشأة بروم" الحكومية، دخلت مناطق ساحل حضرموت في أزمة خانقة، أدَّت إلى عودة السوق السوداء، لكن بأساليب مختلفة وبأسعار تجاوزت الثلاثة أضعاف. 


ولم تقف السوق السوداء هذه المرة عند بعض الأشخاص ووكلاء الشركة كما اعتاد عليه المواطنون في السابق، بل طالت أيضاً بعض الموظفين، وفقا لبعض الأهالي، وهو الأمر الذي يزيد مؤشرات استمرار الأزمة والأعباء على المواطن. 


ويؤكَّد عمر صالح، وهو عامل في محل تجاري، أنَّه تحصل على اسطوانتي غاز بسعر 15 ألف ريال من قبل موظف في منشأة بروم يدعى (س.غ).


 وقال في حديث مع «سوث24» "أنا مضطر للشراء من هذا الشخص بهذا المبلغ"، مُشيراً إلى أنَّه رفض الشراء من آخرين بسعر 12 ألف ريال للأسطوانة الواحدة.


وتلعب الوساطات التي يقدمها بعض وكلاء الشركة دوراً مهماً في تسريع رفدهم بالكميات المخصصة للأحياء التي هي في نطاقهم، ويقول مصدر في منشأة بروم "إذا كان الوكيل يعرف المسؤولين في المنشأة أو في الإدارة فلن يتأخر دوره كثيرا".


من جانبه، أكَّد مدير عام منشأة غاز بروم، عزالدين الكسادي لـ «سوث24» أنَّ ذلك "غير صحيح"، مُبدياً الاستعداد "لمحاسبة كل مخطئ".


ويقول الكسادي "نحن نسير وفق تسلسل معين، ولا توجد لدينا مزايدات، والشائعات كثيرة أيضاً"، لافتاً إلى أنَّ الوكلاء هم من ينشرون مثل هذه الشائعات لتضررهم من الإجراءات التي تفرضها المنشأة عليهم؛ منعاً للتلاعب. 


ويتهم المواطنون بعض وكلاء الشركة بالتلاعب في تموين أحيائهم بالكمية المطلوبة، وأنَّهم يقومون ببيعها بطرق غير مشروعة، ويستعينون أحياناً بصلاحيات بعض رؤساء الأحياء «عقال الحارات» ليتمكنوا من تحقيق ما يريدونه دون أن تطالهم عقوبات.


وفي هذا الصدد، أكَّد سعيد بن هاني، وهو مواطن في "حي ابن سينا"، أنَّه ضبط وكيلاً يقوم بتفريغ جزء من حمولته لمجموعة أشخاص يمتلكون عربات صغيرة «تكتك»، وقال "لا أستطيع الإبلاغ عن هذا الشخص لأنَّ بيننا صلة قرابة، لكن هنا يتجلى معنى الفساد".


لكنَّ الكسادي أكَّد في تصريح لـ «سوث24» أنَّهم لا يسمحون بالتلاعب والابتزاز بمختلف صوره وأساليبه، وقال "في حال تم ضبط أي مخالفات على الوكيل يتم تغريمه مبلغ 200 ألف ريال، ويتم توقيفه مدة ثلاثة أشهر".


أسباب الأزمة


يدفع الخوف بعض المواطنين إلى الاصطفاف في طوابير طويلة من أجل الحصول على الغاز، في حين لا يزال لدى البعض أسطوانات لم تنفذ بعد، الأمر الذي يضاعف الطلب، ما يؤدي إلى نفاذها بسرعة من مستودعات وكلاء الشركة ودون أن تصل الكمية الجميع. 


ويقول الكسادي "لدينا كميات محدودة يتم ضخها، وقلق المواطن يسهم في استمرار الأزمة"، لافتاً إلى أنّ السوق حاليا يعاني من الشحة بسبب العجز السابق منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، إذ لا يمكنهم تغطية كل الحارات بالشكل الذي يريده المواطن في ظل محدودية الكميات. 


ويأتي هذا العجز بعد أعمال الصيانة التي استغرقت نحو شهر في محافظة مأرب - شمال شرق اليمن، ويضيف الكسادي "تقلص الإنتاج بشكل عام من 85 مقطورة الى 45"، مُبيناً أن ذلك أثر على جميع المحافظات بشكل عام.


ويعتبر الكسادي أنَّ ساحل حضرموت كان أفضل حالاً من المحافظات الأخرى والمناطق المجاورة، وأفضل حالاً حتى من مناطق الوادي، مُشيراً إلى أَّنَّه "إذا كانت أعمال الصيانة استغرقت أسبوعاً لن تكون الأزمة بهذا الشكل".


بينما يعتبر بعض رؤساء الأحياء في المكلا أنَّ الكميات التي تصلهم ليست كافية، وأنَّ الحارات بحاجة إلى كميات أكثر، لا سيَّما وأنَّ أعداد السكان في تزايد مستمر. إذ ساهم ارتفاع أعداد النازحين وعودة كثير من الأسر من دول مجاورة إلى حضرموت، في زيادة الطلب على الغاز المنزلي، وبالتالي نقصها من السوق وتفشي الأزمة. 


كما ساهم عدم وجود خزانات احتياطية في منشأة بروم، في سرعة الاختناق بمجرد حدوث أي عطب أو صيانة في شركة الغاز بمأرب التي تمون عدد من المحافظات ومن ضمنها حضرموت. 


تلاعُب


ومع نقص الكميات في السوق أدَّت أزمة الغاز إلى قيام بعض الوكلاء بالتلاعب بالكميات وإخفائها ودخول بعض المواطنين الطابور أكثر من مرة للحصول على الغاز، ومن ثم بيعه في السوق السوداء.


ويقول مندوب الغرفة التجارية، أكرم العمودي "بعد استحداث آلية التوزيع عبر الكروت وحصر أسماء المواطنين اختفت عمليات التلاعب بشكل تام"، مؤكدا أن الوكيل لا يستطيع التلاعب. 


ويضيق العمودي لـ«سوث24» "كنا نعاني من دخول مواطنين آخرين في صفوف الغاز وهم من أحياء أخرى لكن هذه المشكلة انتهت بعد الآلية الجديدة"، مُشيرا إلى أن بعض أصحاب المطاعم والمقاهي كانوا يدخلون أيضًا؛ بالرغم من المخصصات اليومية التي تصلهم من الشركة. 


ونفى بعض وكلاء الغاز لـ«سوث24» الكلام المنسوب إليهم وتهم التلاعب بالكميات، موضحين أنَّ بعض الإجراءات التي يفرضها مسؤولون في الشركة لا تخدم المصلحة العامة. 


ويقول أحد وكلاء الشركة - طلب عدم ذكره إنه "صدر قرار مؤخرا بمنع منح الوكيل أكثر من اسطوانتين"، واعتبر أن هذا الإجراء فيه اجحاف له ويدفعه إلى ممارسات مشبوهة من أجل الحصول على الكمية التي يحتاجها لنفسه ولبعض أقاربه. 



مذكرة صادرة عن "الشركة اليمنية للغاز" بمحافظة حضرموت 17 نوفمبر 2021


ويضيف "نحن نتعامل بنزاهة وأمانة لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أنَّ لدينا زبائن من خارج الحي يتعاملون معنا بشكل مستمر في أوقات الأزمات وغيرها"، لافتاً إلى أنَّ بعض زبائن الحي يأتون إليه في أوقات الأزمة فقط وهذه الإجراءات تُعطَّل سير عمله وتقيده وتفوت عليه الزبائن الرسميين الذين لا تصرف لهم كميات محددة حتى وإن التزموا طابور الغاز. 


ويعتبر رئيس "حي الخَمِر"، عمر المحمدي أنَّ التلاعب أحياناً يقف خلفه بعض المتنفذون في منشأة بروم، ويقول "تعبنا من تصرفات البعض، ولدينا أسماؤهم وسنقدمهم للإدارة في حال لم يتراجعوا عن الابتزاز".


ويضيف المحمدي لـ«سوث24» "لا يسعنا شكر مدير المنشأة فقد تعاون معنا كثيرا إلا أنَّنا نتمنى منه أن ينظر في الكميات التي تصل حينا فهي لا تكفي مطلقاً".


معدل الإنتاج


في ظل تقليص الكميات التي تصل ساحل حضرموت، يبلغ متوسط إنتاج الغاز اليومي نحو 5650 أسطوانة يوميا، أما الإنتاج الطبيعي للمنشأة فيبلغ نحو 9300.


وأكَّد الكسادي لـ«سوث24» أن اجمالي الإنتاج الطبيعي اليومي لمنشأة بروم نحو 6 آلاف أسطوانة خلال الفترة الصباحية والمسائية، وأن منشأة الريان تنتج نحو 4600، ومحطة إمبيخة 2100 كل يومين، مشيرا إلى أن الاحتياج اليومي لساحل حضرموت يبلغ نحو 10 آلاف اسطوانة بشكل يومي.

 

أما في الوقت الحالي، فتتأخر منشأة بروم ليومين أحيانًا لإنتاج 6 آلاف أسطوانة، وكذلك الحال بالنسبة لمنشأة الريان إذ تنتج نحو 8 آلاف و500 ومحطتي إمبيخة نحو 4500 والخليج 2150، لكن خلال أسبوع. 


وعن تأثير توقف نشاط منشأة بلحاف بمحافظة شبوة - جنوب اليمن - على الأزمة في حضرموت، قال الكسادي "منشأة بلحاف تنتج غاز LNG، بينما منشأة بروم تستقبل غاز LPG"، مشيرا إلى أن توقف منشأة بلحاف لا يؤثر على حضرموت.


الأسطوانات الجديدة


ولم يكن تقليص الإنتاج هو المشكلة الوحيدة التي استهدفت حضرموت، إذ اجتاحت السوق المحلي أسطوانات غاز غير مطابقة للمواصفات القياسية مع نهاية العام 2018، وأصدرت الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة تعميما رقم (58) لسنة 2018 بضرورة إلزام المستوردين الحصول على تراخيص بالاستيراد من الشركة اليمنية للغاز، ورفض الشحنات التي يثبت عدم مطابقتها للمواصفات القياسية المعتمدة، لما قد يشكله هذا المنتج من مخاطر على السلامة. 



مذكرة صادرة عن "الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة" 13 ديسبمبر 2018


وقال مصدر في منشأة بروم إنَّ "المشكلة ليست في الأسطوانات الجديدة ككل، لكن بعضها يحمل مواصفات رديئة".


ويقول المصدر - الذي طلب عدم ذكره - لـ«سوث24» "قبل فترة دخلت كمية مُهرَّبة وخفيفة وانفجرت بعض الأسطوانات"، مشيرا إلى أنَّ بعضها تأتي وفيها ثقوب في إطارها ولذلك تم التعميم. 


ويضيف المصدر أنَّ "البعض ينتظر حتى تتم تعبئة هذه الأسطوانات في محطات أخرى ليتم بعد ذلك تعبئتها بشكل طبيعي".


وأكَّد المصدر أنَّه "لا علم له بالأسطوانات التي يتم تعبئتها بالرشوة"، مبيناً أن مدير منشأة بروم أوقف قبل نحو أسبوعين المسؤول على تعبئة الأسطوانات الجديدة واستبدله بشخص آخر. 


وقال أحد الوكلاء لدى منشأة بروم إنه "كانت لديه نحو 35 أسطوانة غاز جديدة رفضت المنشأة تعبئتها".


ويقول أحمد لـ«سوث24» "تواصلت مع الموظف (س.غ) وشرحت له ما حدث، ووافق على استبدال الكمية لي بأسطوانات مستخدمة مقابل 2000 ريال"، مشيرا إلى أن الموظف قام باستبدال الكمية على أجزاء. 


وتواصل «سوث24» مع الموظف (س.غ) في وقت سابق، لكنه أكَّد أنه "لا يأخذ المبلغ لصالحه، وأنه يفعل ذلك بدافع الصداقة مع من يعرفهم فقط"، مُعتبراً أن تلك خدمة يقدمها لهم بدون مقابل والمبلغ يذهب للقائمين على التعبئة. 


وبالنسبة لتهريب الغاز إلى محافظات أخرى ومناطق مجاورة، أكَّد الكسادي لـ«سوث24» أنَّه "لا يوجد تهريب في الوقت الحالي"، لافتا إلى أنهم يبلغون العمليات المشتركة بتحركات السيارات، وأي مخالف يتم توقيفه في المنفذ مباشرة.


وتعتبر منشأة بروم التي تقع في مديرية بروم ميفع، غرب المكلا، الممون الرئيسي لمناطق ساحل حضرموت بالغاز والأكثر انتاجا كما أنها المنشأة الحكومية الوحيدة، وهي همزة وصل بين شركة الغاز اليمنية في مأرب والمواطن في حضرموت، كما توجد منشأة أخرى في منطقة الريان - شرق المكلا - وهي منشأة خاصة، وتوجد محطة خاصة في منطقة إمبيخة في المكلا، والأخير في منطقة ميفع حجر - غرب المكلا.


وتساهم إيرادات النفط والغاز بنحو 53.6 % من إجمالي الإيرادات العامة لليمن، إلا أنَّه خسر أكثر من 7 مليارات دولار من بيع الغاز المُسال خلال الست سنوات الماضية، وفق التعاقدات المبرمة مع الشركات العاملة في مواقع الإنتاج والتصدير قبل الحرب.


ويعتبر مشروع الغاز الطبيعي المسال من أكبر المشاريع الاقتصادية في اليمن الذي كان يتوقع أن يساهم في رفد الإيرادات العامة بنحو 30 إلى 50 مليار دولار خلال الثلاثين سنة المقبلة.


وبلغت تكلفة إنشاء منشأة بلحاف إلى نحو 5.4 مليارات دولار، فيما تبلغ كمية الإنتاج الكلية للمشروع 6.7 ملايين طن متري سنوياً.


وكان من المقرر تصدير نحو 2500 ناقلة غاز خلال الخمس والعشرين عاماً المقبلة بمعدل يتراوح بين 100إلى 105 ناقلات كل عام. [1]


وتسببت أزمة الغاز التي يشهدها ساحل محافظة حضرموت في زيادة معاناة المواطنين والخسائر المالية، عن طريق الشراء من السوق السوداء التي يتم استغلال حاجة الناس فيها لجني أكبر قدر ممكن من المال دون مراعاة للظروف الصعبة التي يعيشها المواطن.


عبد الله الشادلي  

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات


- الصورة: طفل بمحل لأسطوانات الغاز في المكلا بحضرموت 25 نوفمبر 2021 (سوث24، عبد الله الشادلي)


شارك
اشترك في القائمة البريدية

اقرأ أيضا