28-11-2021 الساعة 10 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| ريم الفضلي
الحاج سعيد أحمد (60 عاماً)، أحد سكان مديرية الشيخ عثمان تعوَّد على المرور إلى الفرن القريب من منزله في أحد شوارع المديرية، لشراء حاجياته من خبز "الروتي" والرغيف، ليتفاجأ بفوج من الناس يصطفون في طوابير طويلة طغت عليها العشوائية والمزاحمة والصرخات من قبل من سبقوه في التجمع من نساء ورجال وأطفال أمام باب الفرن، ليعود نحو فرن آخر في نفس الشارع لا يفصله عن الأول سوى عشرات الأمتار. دُهش الحاج سعيد حينما وجد المكان خالٍ، وبالكاد يمَّر شخص أو آخر للشراء والمغادرة بسهولة.
لم يكن الحاج سعيد يعلم أنَّ سبب كل هذا الزحام، فارق السعر (20 ريالاً يمنياً) بين الأفران، الذي حصل بعد الدعم الذي قدَّمته السلطة المحلية في المدينة لبعض الأفران لخفض سعر الروتي من خمسين ريالاً إلى ثلاثين، بعد ارتفاعه الأخير نتيجة للأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد وارتفاع سعر صرف العملات الصعبة أمام الريال اليمني.
أحدث تفاوت السعر بين الأفران هلعاً بين الأهالي في المدينة، خاصة محدودي الدخل منهم وهم الفئة الأكبر، إذ أنّ يوم أحدهم لا يخلو من خبز الروتي، ما يضطرهم للخروج دفعة واحدة للتوجه نحو الفرن المدعوم والذي غالبا ما يكون واحداً من بين العشرات في كل مديرية.
أحد الأفران غير المدعومة في عدن 28 نوفمبر 2021 (سوث24، ريم الفضلي)
ولأنَّه لا يمكن شرائه إلا طازجاً في وقت قريب من تناول وجبة العشاء، يهرع العشرات مبكرين للانتظار بجانب الفرن قبل أن تخرج الدفعة الأولى، حتَّى لا يتم تفويت الشراء ما أن يعلن مالك الفرن عن انتهاء دفعة اليوم، ما يضطر بالبعض ممن لم يستطيعوا اللحاق، أن يذهبوا للشراء من مكان آخر بسعره الجديد (50 ريالاً).
أسعار تتخطى المعقول
وبعد أن شهدت العاصمة عدن ارتفاع أسعار الوقود والغاز المنزلي والدقيق وغيرها من المكوِّنات الأساسية التي تدخل في صناعة خبز "الروتي" بشكل كبير، تضاعفت قيمة بيعه خلال الشهرين الماضية، بعد أن كان سعره سابقاً يتراوح بين 30 - 35 ريالاً للقرص الواحد، ليُباع اليوم بقيمة 50 ريالاً.
في سبتمبر الماضي تحديداً، وبعد أن أصدرت جمعية الأفران والمخابز بياناً حذَّرت فيه من الوضع الكارثي الذي يعيشه مُلَّاك الأفران في عدن، وذكرت نية المالكين وأحقيتهم في تنفيذ إضراب شامل كردة فعل "عادلة" لما يواجهونه، مقابل سكوت الجهات المعنية، وتراخيها عن وضع حد لمشكلة العملة وارتفاع أسعار الوقود.
وبعد أقل من شهر واحد، صدر بيان عن الجمعية تُقر فيه برفع سعر بيع أقراص الروتي والخبز بزيادة (10 ريالات) فوق السعر السابق في جميع مخابز المدينة.
وأرجعت الجمعية في بيانها السبب إلى الزيادة التي تعدَّت ١٠٠% في المواد الداخلة في صناعة الروتي والخبز، الى جانب التكلفة الباهظة التي تواجه أصحاب الأفران كزيادة أسعار الإيجار للمحلات والمحروقات وأجور العمالة، ورسوم التحويل.
ربة المنزل، علياء احمد، تحدثت لـ "سوث24" عن وقع خبر ارتفاع سعر الخبز في المدينة: "كان الخبر مفجع حقيقةً، ودخلنا جميعا بدوامة من التفكير المرهق".
وأضافت: "أنا ربة منزل لستة أطفال وزوجي مستوى دخل عمله الشهري لا يتعدى 70 ألف ريالا. تحمّلنا في ما سبق الكثير ولا أعلم كيف سنستطيع توفير لقمة عيش أولادنا في الأيام القادمة مع هذا الارتفاع المستمر الذي يُقابل بصمت مخزٍ من الحكومة التي يفترض بها إدارة شؤون الناس قبل كل شيء."
حلول مُخدَّرة
وبعد أن ضجت المدينة بخبر رفع أسعار الخبز، أصدر مكتب وزارة الصناعة والتجارة بعدن، بداية شهر نوفمبر الجاري، قراراً بدعم 73 فرن على نطاق مديريات عدن الثمان بناءً على توجيهات من المحافظ أحمد لملس، ليتم بيعه بسعر 30 ريالاً للقرص الواحد، مع تحمل السلطة المحلية فارق سعر الدقيق المدعوم.
قوبل هذا القرار بترحيب وفرح كبير من قبل المواطنين في المدينة، لكنَّ الأمر لم يستمر طويلاً حتَّى بدأ ذلك وكأنَّه جرعة تخديرية لإسكات أصواتهم.
وأكَّد العديد من المواطنين أنَّه "يتم التلاعب بشكل واضح بحجم المخبوزات المُباعة في بعض الأفران المدعومة"، وتداول العديد منهم صوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي صورا لذلك، لم يتأكد سوث24 من صحة هذه المزاعم.
إبراهيم ثابت، أحد سكان خورمكسر، أخبر "سوث24"، بأنه قد عزف عن شراء قوت يومه من الروتي من تلك الأفران المدعومة.
ويرجع ثابت ذلك إلى أنّ "ما يحصل مجرد تلاعب واضح بعقول الناس" ويضيف : "هذا ما تعودنا عليه دائما من كافة القرارات التي تصدر على الأساس انَّها تصب في مصلحتنا لكن كل هذا مجرد هراء وتلاعب واضح وفساد كبير."
ووفقا لثابت: "كان الأجدر بهم خفض سعر الدقيق ووضع سعر ثابت عليه مهما حصل من تغيَّر في العملة، أو أن يضعوا حلًا جذريًا لهذا التدهور الذي يُثبت يوما بعد آخر مدى فشل كل أعضاء هذه الحكومة".
من جهته، قال مدير مكتب وزارة الصناعة والتجارة، محمد عبادي، لـ سوث24"، إنَّ عملية ضبط الأفران المدعومة مستمرة وأن نزول لجنة الرقابة يتم بشكل شبه متواصل.
وتابع عبادي: "قامت لجنة الشكاوى والرقابة بضبط عدد من الأفران وقد تمَّ عمل الإجراءات اللازمة والتعامل بجدية معهم."
وأكَّد "إنَّ مثل هكذا انتهاك في حق قوت المواطن البسيط لن يتم السكوت عليه، كما إنَّ اللجنة المشرفة على الرقابة واستقبال الشكاوي متيقظة لمثل هكذا أفعال وفي استقبال دائم لكل الشكاوى التي تأتي من المواطنين."
ملُاك الأفران بين سندان قرارات السلطة ومطرقة ارتفاع العملة
وأغلقت أفران عدة في مدينة عدن وضواحيها أبوابها، جرَّاء عزوف الناس عن الشراء والتوجه نحو الأفران المدعومة، وقلل البعض من ساعات أعمالهم، بينما تعمل أفران أخرى ساعات أقل فقط لتصنيع الروتي وبيعه للمقاهي والكافتيريات والمحلات.
يتصبب العرق من جبين أحد ملاك الأفران في عدن، المُنهك في إخراج قوالب المعدن، من داخل فرن النار التقليدي، الخاص بصناعة الروتي. يتكئ على جدار المكان للاستراحة من الحرارة المتصاعدة، وبعد أن التقط أنفاسه قال لـ "سوث24" "الأفران غير المدعومة ليست قادرة على الاستمرار بهذه الطريقة، لم يعد دخلنا مثل السابق والتكاليف باهظة جداً".
ويقول المالك إنَّه اضطر لتسريح بعض العمال بسبب عدم حاجته لهم، وعجزه عن دفع نفس الراتب لهم.
ويضيف "بالكاد يتوجه إلينا الزبائن للشراء بعد أن كان العمل لا يتوقف غالبية ساعات اليوم. نعاني من هذا الغلاء وأنا ايضا أعيل أسرتي وكل شيء أقوم بشرائه لهم باهظ الثمن".
ويتمنى الرجل "لو كان هناك حلول حقيقية وجذرية لأزمة الصرف تنصف الجميع وتعينهم في معيشتهم".
وبالمقابل قال سالم الهزاع، مالك إحدى الأفران المدعومة في الشيخ عثمان لـ "سوث24": "امتنعنا عن توزيع الروتي على المحلات والمطاعم، وحين كنَّا نقوم بذلك كان نصف ما ننتجه يذهب لهم، ما يخفف من عملية الضغط في البيع".
ويتابع "عزف الناس عن الشراء من غالبية الأفران القريبة من مناطقهم، وبات الضغط كبيراً علينا، نبذل جهد مضاعف عن السابق".
ويضيف مناشداً المسؤولين: "يجب دعم مادة الدقيق بشكل عام في كل البلاد، كي لا يكون الضغط على أحد ويستطيع الجميع الشراء بسعر رخيص من أي مكان".
صحفية ومحررة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات
- الصورة: مواطنون يصطفون أمام فرن مدعوم في عدن 28 نوفمبر 2021 (سوث24، ريم الفضلي)
قبل 3 أشهر