تحركات «المُشتركة»: ضغط سعودي على الحوثيين ومخاطر مُحتملة

تحركات «المُشتركة»: ضغط سعودي على الحوثيين ومخاطر مُحتملة

التحليلات

الإثنين, 29-11-2021 الساعة 04:31 مساءً بتوقيت عدن

سوث24| يعقوب السفياني 

شهدت  الساحة اليمنية، مؤخرا، تطورات عسكرية مُتسارعة وتحولات ميدانية هي الأولى منذ توقيع اتفاق استوكهولم في 2018. إذ تقدّم الحوثيون المدعومون من إيران في البيضاء ومأرب شمال اليمن، وتوغلوا بالمديريات الحدودية في شبوة الجنوبية، في حين سحبت الإمارات والسعودية من شبوة والمهرة وعدن عدد كبير من قواتهما. وفي الساحل الغربي أعلنت القوات المشتركة الانسحاب من مناطق محيط مدينة الجديدة، مكنّت الحوثي من السيطرة عليها، وفتحت جبهات جديدة مع الجماعة شرق المحافظة وغرب تعز.

تثير هذه التطورات تساؤلات عديدة حول حقيقة ما يجري على الأرض، وعن الأحجية العسكرية التي خلقتها التحركات الأخيرة من جانب "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية لدعم "الشرعية" المُعترف بها دولياً باليمن، والقوى المحلية التي تتلقى دعماً منه، وترتبط تحركاتها بتوجيهاته إلى حد بعيد.

وفي 12 من نوفمبر الجاري، أعلنت القوات المُشتركة (ألوية العمالقة الجنوبية، ألوية المشاة الجنوبية، المقاومة الوطنية، المقاومة التهامية) انسحابها من عدد من المناطق جنوب مدينة الحديدة، بالساحل الغربي للبلاد. [1]

المشتركة قالت إنَّ الانسحابات في ضوء خطة إعادة الانتشار المُحددة في اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة (2018)، ولرفد جبهات أخرى ضدَّ الحوثيين. واعتبرت هذه القوات بقائها في تلك المناطق التي انسحبت منها والمحكومة باتفاق دولي "خطأً".

الأمم المتحدة وبعثتها لدعم اتفاق الحديدة أعلنتا عدم درايتهما أو صلتهما بهذه الانسحابات [2]، بعد أن اٌثيرت أنباء عن دور أممي في ذلك بعد زيارة خاطفة للمبعوث الأممي لليمن، هانس غروندبرغ، إلى مدينة المخا بمحافظة تعز, 10 نوفمبر، التقى خلالها طارق صالح، قائد المقاومة الوطنية (قوات من الحرس الجمهوري).

كما نفى فريق الحكومة اليمنية في "لجنة تنسيق إعادة الانتشار" علم الأخيرة بهذه الانسحابات، وقال إنَّها تمَّت "دون أي تنسيق". [3]

وفي منتصف نوفمبر الجاري، أعلن التحالف بقيادة السعودية مسؤوليته عن هذه الانسحابات. وقال متحدث التحالف، تركي المالكي، إنَ "خطة إعادة الانتشار وتموضع القوات المشتركة جاءت ضمن خطة عسكرية لقيادة التحالف، تتوائم مع الاستراتيجية العسكرية لدعم الحكومة اليمنية في حربها مع جماعة الحوثي". [4]

وقال المالكي إنّ عملية إعادة التموضع "اتسمت بالانضباطية والمرونة بحسب ما هو مُخطط له، وبما يتماشى مع الخطط المستقبلية لقوات التحالف".

وسيطر الحوثيون على مناطق واسعة جنوب مدينة الحديدة عقب هذه الانسحابات، وفتحت الجماعة الخط الدولي الرابط بين الحديدة وصنعاء بعد السيطرة على  منطقة "كيلو16"، و"التحيتا" و"الدريهمي". 

لكن سرعان ما فتحت القوات المشتركة جبهات عديدة ضدَّ الحوثيين، بما يشبه الهجوم العكسي، وتوغلت في مناطق عديدة غرب محافظة تعز، ومحافظة إب، بالإضافة إلى إعادة سيطرتها على مديرية "حيس" بالحديدة، ووصولها لأطراف مديرية "الجرَّاحي". [5]

وأتت هذه الأحداث العسكرية تزامناً مع تقدم حوثي مستمر في محافظة مأرب، وسط البلاد، وسيطرة الجماعة على 12 مديرية من أصل 14، منذ بدء هجومها الشامل في يونيو 2020، ومواصلة الزحف نحو مدينة مأرب، عاصمة المحافظة، والمعقل الأخير للحكومة اليمنية في شمال اليمن.


كما تزامنت أيضاً مع انسحاب القوات الإماراتية والسعودية العاملة ضمن التحالف العربي من محافظة شبوة، في الجنوب، فيما اعتبره مراقبون تصدعاً في العلاقة بين التحالف  والقوات الموالية للحكومة المسيطرة على المحافظة، والتي تواجه تهماً بتسليم ثلاث من مديريات غرب شبوة للحوثيين. 

الضغط على الحوثيين 

مثَّل اتفاق ستوكهولم بشأن الحديدة في ديسمبر 2018 مرحلة فارقة في الصراع العسكري اليمني، إذ أوقف معارك عنيفة للسيطرة على المدينة الساحلية وهزائم ثقيلة مُني بها الحوثيون، والذين كادوا أن يفقدوا المدينة ومينائها الاستراتيجي.

عملياً، استطاع الاتفاق تحييد "ألوية العمالقة" و"ألوية المشاة" الجنوبية، رأس حربة الحملة العسكرية الشاملة في الحديدة، بالإضافة لقوات طارق صالح والمقاومة المحلية، والتي شكلَّت معاً "القوات المشتركة"، إحدى أقوى التشكيلات العسكرية المضادة للحوثيين على الأرض.

أبقى الاتفاق هذه القوات في نطاق جغرافي ضيق محكوم به، وعزلها عن بقية الجغرافيا اليمنية التي شهدت بدء مرحلة التفوق الحوثي في جبهات شمال اليمن أمام القوات الحكومية التي يوالي معظمها حزب "الإصلاح" الإسلامي، وإسقاط الجماعة لمحافظتي الجوف والبيضاء، وصولاً إلى معظم مأرب.

بالمقابل، استمرت السعودية، قائدة التحالف، في مواجهة التحوَّل الحوثي من مرحلة الدفاع إلى الهجوم بالاعتماد التقليدي على القوات الموالية للإصلاح، ودعهما بغطاء جوي، بالتوازي مع تركيز أكبر على الجانب الدبلوماسي ومبادرات وقف إطلاق النار، والتي ارتبطت بمحادثات الرياض مع طهران، العُمق العقائدي والسياسي والعسكري للحوثيين.

وفي مارس من العام الجاري، أعلنت السعودية عن مبادرة لحل شامل للأزمة  اليمنية، تتضمن وقفاً لإطلاق النار، سرعان ما رفضها الحوثيون - الذين كانوا يمرون بأفضل أوقاتهم - بعد يوم واحد. وتمسكت الجماعة بمطالب فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، ووقف الضربات الجوية، قبل أي اتفاق لإطلاق النار.

أضحت هذه المطالب الحوثية الصخرة التي تحطمت عليها الجهود الدولية التي بذلها المبعوث الأممي السابق، مارتن غريفيث، والمبعوث الأميركي، تيم ليندركينغ، بالإضافة لـ هانس غروندبرغ، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لليمن سابقاً، والمبعوث الأممي الحالي، بعد تسلَّمه مهامه رسمياً في سبتمبر من العام الجاري.

وكثف الحوثيون هجومهم الجوي بالطائرات المُسيَّرة والصواريخ الباليستية على السعودية، وهدَّدت هذه الهجمات مصادر الطاقة العالمية في المملكة، وأضر بعضها بالمطارات المدنية جنوب السعودية. كما تزايد تهديد الحوثيين في البحر الأحمر عبر الزوارق البحرية المُفخخة، والألغام البحرية.

وثبطت الجهود الدولية، بالإضافة إلى المفاوضات مع إيران، من ردة الفعل العسكرية السعودية إلى حد بعيد، والتزمت المملكة بنهج عسكري يرتكز على الغارات الجوية في المناطق التي يحاول الحوثيون التقدم فيها والسيطرة عليها، مع تجنب شن غارات مباشرة على صنعاء.

ومؤخراً، وفي ظل عدم تحقيق تقدم أو إنجاز حقيقي في المحادثات مع إيران كما يبدو، والتي سعت السعودية من خلالها للضغط على الحوثيين لوقف الهجمات على أراضيها، بالإضافة لتراجع الرهان والاعتماد على الدور الدولي، استأنفت السعودية غاراتها على صنعاء، وصعدة، معقل الحوثيين.

وفي 26 من نوفمبر الجاري، نشر التحالف صوراً تظهر عملية استهداف دار الرئاسة في صنعاء، وكشف عن "منشأة سرية" للحوثيين جنوب الدار. وشنت مقاتلات التحالف غارات على مطار صنعاء عقب يومين من استهداف دار الرئاسة، وقال التحالف في بيان له أنَّه استهدف "مراكز ثقل لأهداف نوعية بقاعدة الديلمي، مرتبطة بمطار صنعاء". [6]

لقد دق الحوثيون ناقوس الخطر بطرقهم أبواب جنوب اليمن من شبوة، بالتزامن مع حملتهم الشاملة على مأرب الاستراتيجية، وبدا كما لو أنَّ الجماعة تحصد ثمار أعوام من سياسة المرونة السعودية التي لم تكسب عبرها الرياض شيء يُذكر، واستمرت مُسيرات الحوثيين في غزو أجوائها بأعداد كبيرة.

يُمكن تفسير التحركات الأخيرة للقوات المشتركة في سياق مراجعة السعودية سياستها تجاه الحوثيين، واعتماد الرياض على هذه القوات التي أثبتت قدرتها في مواجهتهم في الضغط على الجماعة، وكبح جماحها، وتحقيق مساعي السعودية التي لم تفلح سياسة المرونة المُستندة على محادثاتها مع طهران في تحقيقها.

وبالفعل، حقَقت القوات المشتركة تقدمات عديدة على الأرض في محافظات الحديدة وتعز وإب خلال فترة وجيزة منذ انسحابها. وأظهرت هذه التقدمات الفجوة بين الجبهات التي تقاتل فيها القوات الموالية للإصلاح، وجبهات القوات المشتركة، والجبهات على حدود محافظات جنوب اليمن في أبين، لحج والضالع.

ومن المحتمل أن تلعب القوات المشتركة دوراً قادماً في جبهات أخرى، خصوصاً محافظة شبوة، ضمن استراتيجية إعادة التوازن العسكري وإضعاف الحوثيين التي تسعى لها السعودية. 

مخاطر 

بوضوح، يشير الاعتماد السعودي على القوات المشتركة في الضغط على الحوثيين على حالة اليأس التي وصلت لها الرياض من القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية، وهو ما قد يُفسر سحب المملكة والإمارات لقواتهما من محافظة شبوة، والتي تشهد بدورها حراكاً داخلياً غير مسبوق ضدَّ السلطة الموالية للإصلاح.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى حالة الطوارئ والتعبئة العامة  التي أعلنها رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الساعي لاستقلال جنوب اليمن، عيدروس الزبيدي، منتصف سبتمبر من العام الجاري، خلال خطاب متلفز دعا فيه إلى "تصحيح مسار المعركة ضدَّ الحوثيين"، وهو ما يمكن اعتباره أحد مسببات التحركات العسكرية الأخيرة. 

ومع ذلك، تبرز مخاطر مشاركة القوات الجنوبية (ألوية العمالقة وألوية المشاة بقيادة هيثم قاسم) في المعارك بالحديدة وتعز دون ضمانات من السعودية، وتوغل هذه القوات في أراضي شمالية بينما تسيطر القوات الموالية للإصلاح على محافظة شبوة ووادي حضرموت في الجنوب.

وتعزَّز هذه المخاطر احتمالية انتزاع السعودية الأمن لأجوائها من الهجمات الحوثية عبر التفاهمات مع إيران، وهو ما يعني عدم حاجة الرياض إلى مواصلة نهجها الجديد في الضغط العسكري على الحوثيين بالقوات المشتركة، وهو ما ينذر بسيناريو مُشابه لما حدث في البيضاء، والتي شهدت ارتدادات عسكرية كارثية لصالح الحوثيين، بعد معارك مع قوات من العمالقة والمقاومة القبلية في يوليو من العام الجاري. 

وفتحت سيطرة الحوثيين على البيضاء جبهات عديدة تقدم فيها الحوثيون في شبوة، وهدَّدوا المناطق الوسطى في محافظة أبين، بالإضافة لجبهات يافع في محافظة لحج التي تشهد اشتباكات من حين لآخر بين الجماعة والقوات الجنوبية.

وربط البعض بين هذه التطورات العسكرية وزيارة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ووفد رفيع من المجلس إلى الرياض، تلبية لدعوة سعودية، التقى خلالها أطراف سعودية ودولية فاعلة في الأزمة اليمنية بنيهم سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن. إلا أنّ المخاوف بشأن إشغال المجلس في تفاصيل تنفيذ اتفاق الرياض، مقابل استهلاك المخزون العسكري والبشري للقوات الجنوبية في معارك الشمال، لا تزال مرهونة بحجم الضمانات السياسية التي سيحققها المجلس من هذه الزيارة.

صحفي ومحرر لدى مركز سوث24 للأخبار والدراسات 

- الصورة: مقاتلون من اللواء الثاني عمالقة أثناء تقدمهم في "وادي سقم" بمديرية مقبنة في محافظة تعز 27 نوفمبر 2021 (إعلام العمالقة) 

الساحل الغربي القوات المشتركة ألوية العمالقة التحالف العربي السعودية الحوثيون القوات الجنوبية