07-12-2021 الساعة 10 صباحاً بتوقيت عدن
سوث24 | أندرو كوريبكو
أبرمت الإمارات العربية المتحدة وفرنسا للتو صفقة بقيمة 16 مليار يورو خلال عطلة نهاية الأسبوع لشراء 80 طائرة حربية مطوّرة من طراز رافال و12 طائرة هليكوبتر مقاتلة من طراز إيرباص خلال زيارة الرئيس ماكرون للدولة الخليجية.
تمثّل هذه أكبر صفقة أسلحة لباريس حتى الآن بعد أن استولى حلفاؤها الأمريكيون والبريطانيون الإسميون على صفقة بقيمة 31 مليار يورو مع أستراليا في أواخر سبتمبر عندما كشفوا عن تحالفهم الثلاثي "AUKUS" ضد الصين. منذ ذلك الحين، سعت القوة العظمى في أوروبا الغربية إلى تعويض خسائرها من خلال صفقات الأسلحة الأخيرة مع كرواتيا واليونان، وبالطبع الإمارات العربية المتحدة.
هذه الاتفاقية الأخيرة تدور حول أكثر بكثير من مجرد السعي وراء الربح، لأنها تمثّل تحولًا كبيرًا في التوافق الجيوستراتيجي الإقليمي. لقد جاء محور أمريكا نحو آسيا، الذي تسارع في السنوات الأخيرة في محاولتها "لاحتواء" الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ على حساب حلفائها التقليديين في غرب آسيا. النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في الخليج آخذ في التصدع حيث تتجاهل أمريكا بشكل متزايد المنطقة التي اعتادت أن تمارس فيها نفوذًا لا مثيل له بسبب هوسها الجديد بمقاومة الجمهورية الشعبية في الجزء الشرقي والجنوب الشرقي من أوراسيا.
وقد أدى ذلك إلى استئناف الولايات المتحدة للمفاوضات النووية مع إيران، الأمر الذي أثار قلق حلفائها التقليديين في الخليج وإسرائيل، فضلًا عن انتقادها المتزايد للدول المشاركة في الحرب اليمنية. كلاهما أثرا سلبًا على العلاقات الأمريكية الإماراتية. على وجه الخصوص، كانت صفقة إدارة ترامب السابقة البالغة 23 مليار دولار لبيع الإمارات طائرات F-35 المتطورة غارقة في حالة من عدم اليقين منذ أن تولّى جو بايدن منصبه وتعهد بمراجعة جميع اتفاقيات سلفه. على الرغم من إعادة تأكيد التزامها بهذه الصفقة الشهر الماضي، يشعر المراقبون بالقلق من أنها ستظل مسيسة وغير مؤكدة.
ذلك لأنّ الولايات المتحدة بدأت في ممارسة ضغوط غير مسبوقة على حلفائها الإقليميين التقليديين كواحدة من النتائج الأولية المرتبطة بفك ارتباطها التدريجي بشؤون غرب آسيا خلال مسار "محورها نحو آسيا" المستمر ضد الصين.
إن تسييس إدارة بايدن المفاجئ للحرب اليمنية يعني أنه لم يعد من الممكن اعتبار صفقات إدارة ترامب السابقة مع السعودية والإمارات أمرًا مفروغًا منه، لا سيما أنه قد يتم المساومة عليها خلف أبواب مغلقة في أثناء المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية.
ومن هذا المنطلق، قررت الإمارات شراء طائرات رافال الحربية الفرنسية في حال أثبت حليفها الأمريكي التقليدي أنه لا يمكن الاعتماد عليه من خلال التراجع عن صفقة إدارة ترامب السابقة أو على الأقل تأخيرها إلى أجل غير مسمى لأسباب سياسية مرتبطة بما سبق ذكره من عوامل.
على عكس واشنطن، باريس غير مهتمة بتسييس صادراتها من الأسلحة. وهي تدرك جيدًا أنها تستطيع توسيع نفوذها الإقليمي في أعقاب فك الارتباط التدريجي للولايات المتحدة عن الخليج من خلال "الدبلوماسية العسكرية"، وبالتالي ملء الفراغ الاستراتيجي الذي تركته واشنطن بشكل خطير.
أما بالنسبة لأبو ظبي، فهي تُظهر للعالم أنها لن تدع الأحداث الخارجة عن سيطرتها تهدد استقلال البلاد الاستراتيجي. لا يمكن لدولة الإمارات العربية المتحدة أن تعتمد على نزوات واشنطن السياسية لضمان أمنها الإقليمي. ستعمل قيادتها دائمًا على موازنة شراكاتها بطريقة عملية بحيث يتم تعزيز مصالحها، وإن كان ذلك دون التعدي على مصالح الآخرين. في هذا السياق، يُعد إبرام صفقة أسلحة كبيرة مع فرنسا طريقة ودية لتحقيق التوازن بين الولايات المتحدة لأنّ كلا البلدين شريكان في الناتو، لذلك لا ينبغي لأحد أن يفسر ذلك على أنه تحرك غير ودي من جانب أبوظبي.
تتمثل التداعيات الجيوستراتيجية الأكبر لهذه الصفقة في أنّ الإمارات قد دافعت عن استقلالها الاستراتيجي بالتوازي مع قيام فرنسا بتوسيع نفوذها الإقليمي من خلال بيع أسلحة عالية الجودة. كانت كلتا النتيجتين ممكنتين بشكل مباشر بسبب حالة عدم اليقين الإقليمية المرتبطة بـ "المحور نحو آسيا" للولايات المتحدة والذي يحدث على حساب النظام الذي تقوده الولايات المتحدة في الخليج، والذي يتضمن أيضًا استعداد واشنطن الجديد لإعادة التفاوض بشأن الصفقة النووية مع طهران. في مثل هذه الحالة، من الطبيعي أن تستجيب دول مثل الإمارات العربية المتحدة وفرنسا ودول أخرى حسب الحاجة لضمان مصالحها.
والخلاصة أنّ فرنسا تهدف إلى استبدال النفوذ الأمريكي المتراجع في الخليج بينما تواصل الإمارات الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي على الرغم من الظروف الصعبة في المنطقة. النظام الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة في الخليج يفسح المجال تدريجيًا لنظام جديد سيضطر الجميع للتكيف معه. لقد أظهرت باريس أنها شريك أسلحة موثوق به، على عكس واشنطن، والتي يمكنها أن تحدث فرقًا كبيرًا من حيث تشكيل النظام الذي سيظهر مع انسحاب الولايات المتحدة من غرب آسيا.
أندرو كوريبكو
محلل سياسي أمريكي مقيم في موسكو
- الصورة: محمد بن زايد وايمونيل ماركون خلال زيارة الأخيرة لدبي (ا ف ب)
- الآراء الواردة في هذه المقالة، تعكس رأي المؤلف، ولا تمثل بالضرورة السياسة التحريرية لمركز سوث24