12-12-2021 الساعة 9 مساءً بتوقيت عدن
سوث24| فريدة أحمد
تعتزم الرياض استضافة القمة الـ 42 لدول مجلس التعاون الخليجي في 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري. تبدو هذه القمة مختلفة عن سابقاتها، فالتباشير بدأت تلوح منذ بداية ذوبان الجليد بين "دول الرباعي" ودولة قطر في قمة العُلا المنعقدة في الرابع من شهر يناير العام المنصرم. وفي هذه القمة، اُعيد التأكيد على أهداف مجلس التعاون المنصوص عليها في النظام الأساسي والهادفة إلى تحقيق التعاون والتكامل والترابط بين دول المجلس في جميع المجالات، وصولاً إلى وحدتها، وبما يُعزز دورها الإقليمي والدولي، والعمل كمجموعة اقتصادية وسياسية واحدة للمساهمة في تحقيق الأمن والسلام والاستقرار والرخاء في المنطقة (1). وقد حققت القمة نجاحاً نسبياً ورفعت (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) مقاطعتها لقطر، وأعادت فتح العلاقات الدبلوماسية معها. كما علّقت قطر قضيتها في منظمة التجارة العالمية ضد الإمارات بشأن إجراءات زعمت بأنها تهدف إلى عزل قطر اقتصادياً، من أجل تسهيل "تسوية نهائية ودية" (2)، حسب ما جاء في بيان بهذا الخصوص.
وبالعودة إلى أسباب "أزمة المقاطعة"، يتبين بأنَّ دول الرباعي بنت موقفها في أزمتها مع قطر؛ بناء على اتهامهم للدوحة بدعم القوى والجماعات المتطرفة الساعية لزعزعة الاستقرار في المنطقة. وعلى ضوء حيثيات هذا الموقف، اتهمت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، لاحقا، قطر بدعم الحوثيين والجماعات المتطرفة التي تتخذ من اليمن مقرًّا لها (3). وفي هذه الجزئية تحديداً، انعكس أثر المقاطعة التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات على الديناميكيات والتطورات السياسية والعسكرية في اليمن. خاصة وأن الدوحة كان لها دوراً كبيراً في دعم "حزب الإصلاح اليمني" المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، الذي تقلّص وجوده في جنوب اليمن بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على معظم الجغرافية هناك، لا سيّما العاصمة المؤقتة عدن، المقر الرئيس للانتقالي الجنوبي وحكومة هادي.
يشي الموقف الخليجي العام، بأن هناك نوايا لإعادة توثيق العلاقات وترتيب البيت الخليجي وعلاقاته في المنطقة، لا سيّما بعد نقطة التحوّل التي أحدثها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتداعياته على عدد من الملفات والأزمات في الشرق الأوسط. وهو ما يعني بإعادة ضبط وترتيب الحسابات السياسية والأمنية لدول الخليج بعد الفراغ الاستراتيجي الذي سببته واشنطن. مع ذلك، يبقى الملف النووي الإيراني هو أبرز ما يشغل المجتمع الدولي حالياً من بين جميع ملفات وقضايا المنطقة، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
الموقف من إيران
من الواضح أنّ قمة "الرياض" المرتقبة سيتباحث فيها قادة دول الخليج حول عدة قضايا محورية، غير أن "الملف الإيراني" يبدو أنه سيحظى بالحيّز الأكبر من الاهتمام بما يؤهله للتربُع على عرش أجندة أعمالها. وهو الأمر الذي كشفته وكالة الأنباء الألمانية، بأن أعمال القمة ستركّز على "نتائج مفاوضات اللجنة المشتركة للاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية في العاصمة النمساوية فيينا، واستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية" (4). فضلا عن اتهام إيران "بتغذية النزاعات الطائفية والمذهبية ودعمها وتمويلها وتسليحها للمليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تزويدها بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار لاستهداف المدنيين وتهديد خطوط الملاحة الدولية والاقتصاد العالمي". حسب نفس المصدر.
الملفت للنظر، هو أن موقف ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" يبدو أنه لم يتغير تجاه إيران، على الرغم من المحادثات بين البلدين والتي وصفتها مصادر رسمية سعودية "بالاستكشافية" منتصف أكتوبر الماضي، والتي عدّها كثير من المراقبين بوادر انفراجة قد تغير وجه المنطقة على نحو إيجابي. غير أن مؤشرات كثيرة أثبتت بأن رغبة الرياض بترميم العلاقات مع طهران بدأت تتلاشى، في ظل التصعيد الإيراني عبر الحوثيين في اليمن. كما يبدو أن مخرجات قمة "الرياض" لن تختلف عن مخرجات قمة العُلا؛ التي عبّرت عن أهمية مواجهة تحديات السلوك الإيراني الناتج عن أنشطتها الهادفة إلى زعزعة استقرار المنطقة. إذ يبدو أنّ اللهجة تجاه إيران ستكون أكثر حدة هذه المرة، وستفتح قضايا عديدة مرتبطة بدور طهران السلبي في دول عدةٍ أبرزها: الأزمة اليمنية، الأزمة اللبنانية، وملف جزر الإمارات الثلاث المحتلة من قبل إيران.
وفي سياق التوترات الإقليمية المتصاعدة بين إيران والسعودية، كان من المنطقي أن تبحث الرياض عن مبررات لتكثيف الضربات الجوية على صنعاء خلال الأسبوعين الأخيرة الماضيين، بعد توقف دام لأشهر بسبب الجهود والضغوطات الدولية لوقف الحرب ولإعادة فتح مطار صنعاء. وفي هذا الإطار، بادر التحالف العربي إلى رفع السرية عن فيديو (5) لعناصر حوثية يبدو أنها تقوم بتنفيذ تجارب على إحدى المنظومات الجوية، باستخدام طائرة أممية أثناء الهبوط والإقلاع في مطار صنعاء الدولي، للتأكد من فاعلية المنظومة باعتبار الطائرة هدفاً جوياً متحركاً. اللقطات المصوّرة أتاحت للرياض إثبات أمرين مهمين لطالما كانت تصرّح عنهما باستمرار. الأول: تحويل الحوثيين المطار إلى ثكنة عسكرية، وهو مبرر كافٍ لتأجيل فتحه بالنسبة لها، والثاني: كشفها عن تورط أحد الخبراء المنتمين للحرس الثوري الإيراني بالإشراف على عملية الاختبارات واجراء التجارب الحيّة لإطلاق الصاروخ.
لم تعلق الأمم المتحدة عبر مبعوثها "غروندبيرغ" على اللقطات المصوّرة، رغم أنَّ طائراتها كانت أهدافاً لتدريبات المحاكاة التي يقوم بها الحوثيون. ولم يعلق المبعوث الأمريكي "ليندركينغ" بالمثل، رغم دعواتهما المستمرة بالحاجة الملحّة إلى فتح مطار صنعاء. بيد أن الحوثيين، وبعد سكون وترقب دام لأكثر من أسبوعين منذ بداية تكثيف طيران التحالف ضرباته على صنعاء، بادروا إلى تحدي السعودية والرد عليها من خلال عملية عسكرية أطلقوا عليها "السابع من ديسمبر"، استهدفت بصواريخ باليستية وطائرات مسيّرة عدداً من المواقع والمقرات في ست مدن في العمق السعودي . (6)
في هذا السياق التصعيدي المتواصل، سيتعين على هذه القمة إيجاد موقف جماعي توافقي بين دول مجلس التعاون تجاه إيران. وفي سبيل هذه الغاية الملحّة، انطلق ولي العهد السعودي في زيارة مكوكية لعدد من الدول الخليجية، وجاء في مقدمتها الزيارات الرفيعة التي خص بهما كل من عُمان وقطر، خاصة وأنهما ما زالتا تحتفظان بعلاقات جيدة مع طهران، مقابل التوتر بين الأخيرة وباقي المحور الخليجي بقيادة السعودية. ومن جانبٍ آخر، تريد الرياض أن تضمن موقفاً عمانياً وقطرياً قبل بيان القمة المرتقبة بشأن إيران، والتأكد من أن الدوحة على وجه الخصوص سوف تفي بالالتزامات التي قطعتها على نفسها في قمة العُلا. وقد بدا من الواضح أنَّ زيارة "محمد بن سلمان" لدول مجلس التعاون الخليجي استفزت الجانب الإيراني، ليعلق المتحدث باسم خارجيتها "سعيد خطيب زادة"، ناصحاً الجيران بأن "يتصرفوا بعقلانية ونضج في تصريحاتهم وكلامهم بقدر ما ينبغي أن يركزوا على تصحيح سياساتهم الخاطئة". (7)
وكل هذه التطورات في المنطقة تأتي في سياق مازال فيه الموقف الأمريكي من إيران، يشوبه التوتر والتصعيد. فمباحثات فيينا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني لم تحرز أي تقدم، وما زالت طهران تُصِر على موقفها الرافض للاجتماع مع المسؤولين الامريكيين وجهاً لوجه، في إطار الجهود لإحياء جولات المفاوضات المباشرة. وقد ذكر مسؤول أمريكي رفيع المستوى لرويترز (8)، أن قادة الدفاع الأمريكيين والإسرائيليين ناقشوا الخميس الماضي مناورات عسكرية محتملة من شأنها أن تستعد لأسوأ سيناريو محتمل لتدمير المنشآت النووية الإيرانية في حالة فشل المباحثات الدبلوماسية؛ وإذا طلب قادة بلديهما ذلك.
أثر التوافق الخليجي على الأزمة اليمنية
مما لا شك فيه أن التوافق الخليجي جاء نتيجة لجملة من التداعيات والتطورات الإقليمية والدولية، التي تطّلبت من دول مجلس التعاون إعادة ترتيب ذاتها ككيان سياسي موحد يمثل عمقاً استراتيجياً حيوياً في شبه الجزيرة العربية، خاصة في ظل خطورة تزايد التمدد الإيراني وابتلاعه لدولٍ في المنطقة، ومع استمرار كلفة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط في وقت يمر فيه العالم بأزمات اقتصادية متعاقبة.
بطبيعة الحال، سيكون لهذا التوافق بين دول الخليج التي عانت تصدعاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لأكثر من ثلاث سنوات فيما بينها البين تأثيراً ملحوظاً على الملف اليمني بنفس المستوى الذي ارتدت عليه خلافاتهم السابقة. فهذا التوافق سيُشكِّل خطوة مهمة بالنسبة لليمن، من حيث أنه سيكون بمثابة ضامن استراتيجي مهم لكبح جماح الصراع الداخلي في اليمن بدرجة رئيسية، بالإضافة إلى كونه فرصة قد تعود ببعض الفوائد على الملف الاقتصادي، وتُساهم في استقراره ولو نسبياً، وذلك عن طريق تقديم المساعدات والودائع إلى البنك المركزي اليمني، التي كانت عاملاً مساعداً لإنقاذ الاقتصاد والعملة اليمنية.
يمكن القول، أن أكثر ما يشكل أهمية في الوقت الراهن بالنسبة للطرفين الخليجي واليمني، هو تبني مقاربة تنتج حلاً شاملاً لإنهاء الأزمة في اليمن. وهذا الأمر له ارتباط مباشر بالملف الإيراني في المنطقة؛ لكون طهران الداعم الاستراتيجي للحوثيين. إذ يمكن أن تحاول دول الخليج مجتمعة الضغط على إيران، بمساعدة الولايات المتحدة وربما إسرائيل، لدفع إيران القبول بمباحثات مباشرة فيما يتعلق بالبرنامج النووي، وتقديم تنازلات أكثر في هذا الملف.
كذلك تجدر الإشارة إلى أنّ اتفاق الرياض الذي وُقع بين المجلس الانتقالي الجنوبي والرئاسة اليمنية في نوفمبر 2019، رحبت فيه دول الخليج باستثناء قطر وسلطنة عمان. وخلال زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة لدول المنظومة الخليجية، كان البيان السعودي الإماراتي هو الوحيد الذي أشار للتمسك باتفاق الرياض، بينما غاب ذكر الاتفاق في بقية البيانات. من المحتمل أن تحمل نتائج القمة مقاربة في المواقف بشأن الاتفاق، لكنها قد تجدد تمسكها بالمرجعيات الثلاث، بهدف إرضاء مختلف الأطراف. مع ضرورة الإشارة إلى أنّ المبادرات الخليجية السابقة التي قُدمت لحل الأزمة اليمنية واجهت فشلا ذريعا لغياب تركيزها على واقع جنوب اليمن.
وعلى ضوء كل هذه المعطيات، يمكن توقع سيناريوهين اثنين في مسار الأزمة اليمنية:
السيناريو الأول:
ضبط مستوى التوتر القائم بين السعودية وإيران من خلال تخفيف الضربات الجوية المكثفة والمتواصلة منذ أكثر من أسبوعين على مواقع عسكرية حساسة للحوثيين في صنعاء وغيرها من المناطق التي يسيطرون عليها في الشمال. والتركيز- عوضا عن ذلك - على المسار الدبلوماسي بالتوازي مع محادثات فيينا حول الملف النووي الإيراني. كما يمكن البدء بخطوات عملية في الطريق الطويل إلى تسوية سياسية شاملة في اليمن وبرعاية المنظومة الخليجية.
أما السيناريو الثاني (وهو الأكثر ترجيحاً):
استمرار تصعيد الوضع العسكري، كما حدث خلال الأيام القليلة الماضية من خلال تكثيف الضربات الجوية على صنعاء من قبل التحالف العربي، وتشديد الخناق على الحوثيين. الأمر الذي ربما قد يؤدي إلى تغيير تصورات ومواقف إدارة بايدن بشأن الأزمة اليمنية، وبما يفضي إلى تشديد الضغوط على الحوثيين وإحداث ارتدادات عكسية على مفاوضات فينا حول الملف النووي الإيراني. ومن المرجّح أن هذا الأمر سيدفع الحوثيين نحو القبول بتسوية سريعة للحفاظ على المكاسب التي حققوها على الأرض في مناطق شمال اليمن، خصوصا في حال ترافق ذلك مع تحركات عسكرية متزامنة من قبل قوات حكومة هادي لإعادة مسار المعركة ضد الحوثيين في محافظة مأرب وغيرها، وإعادة التموضع في الساحل الغربي، مع الاستعدادات التي ابداها المجلس الانتقالي الجنوبي لوقف زحف الحوثيين تجاه مناطق أوسع في محافظة شبوة.
في المحصّلة النهائية، سيصبح الوضع صعباً على الحوثيين وغير قابل للتمدد أكثر نحو مناطق جديدة، وسيجبرهم على التخلي عن مزايا كثيرة حققوها في حال تم تصحيح مسار المعركة ضدهم وباتت أكثر تركيزاً وتنظيماً واحترافية مقارنة بالوضعية التي كان عليها من قبل. كما أن الضغط المتواصل عليهم؛ سيدفعهم إلى القبول بتسوية مقابل تخفيف الضغط في الملف السياسي المتعلق بإيران بالتوافق مع الأخيرة التي مازالت تراوغ بشأنه في فيينا.
وقد تتجه الأمور لما هو أبعد من ذلك، إذا ما قررت إسرائيل بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه ضربة لإيران، وهو ما سيقتضي تجميد الملف العسكري في اليمن وتجميد التهديد الحوثي باتجاه السعودية ودول الخليج بالمثل، عبر عقد تسوية سياسية "شكلية" تضمن تحييد القوة الإيرانية في جنوب شبه الجزيرة العربية.
باحثة زميلة في مركز سوث24 للأخبار والدراسات، متخصصة في الشؤون السياسية
- الصورة: سلطان عُمان هيثم بن طارق يرحب بالأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في مسقط (Getty Images)